أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 15 - صـ 499

جلسة 22 من يونيه سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس، وبحضور السادة المستشارين: أديب نصر، ومحمد صبري، ومحمد محمد محفوظ، ومحمد عبد المنعم حمزاوي.

(99)
الطعن رقم 1036 لسنة 33 القضائية

حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". شهود.
للمحكمة الأخذ ببعض أقوال الشاهد وإطراح البعض الآخر. شرط ذلك: أن يكون واضحاً من الحكم إحاطة المحكمة بالشهادة وممارستها سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها.
من المقرر أنه وإن كان للمحكمة أن تأخذ ببعض أقوال الشاهد وتطرح البعض الآخر ولو كان منصباً على وقائع الدعوى ومتعلقاً بها إلا أنه يجب أن يكون واضحاً من الحكم الذي وقعت فيه تلك التجزئة أن المحكمة قد أحاطت بالشهادة ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها، إذ أن وقوف المحكمة عند هذا الحد ينصرف إلى أنها لم تفطن إلى ما يعيب شهادة الشاهد مما يصم استدلالها بالفساد.


الوقائع

تتلخص وقائع هذا الطعن في أن المدعي بالحق المدني أقام دعواه بالطريق المباشر ضد المطعون ضده متهماً إياه بأنه بتاريخ 31 مارس و5 من أبريل سنة 1956 بدائرة قسم عابدين أعطاه بسوء نية شيكين على بنك زلخا لا يقابلهما رصيد قائم وقابل للسحب - وطلبت عقابه بالمادة 337 من قانون العقوبات وإلزامه بأن يدفع له قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف. ومحكمة عابدين الجزئية قضت حضورياً بتاريخ 26 فبراير سنة 1957 عملاً بمادة الاتهام بحبس المتهم شهرين مع الشغل وكفالة مائتي قرش لوقف التنفيذ وإلزامه بأن يدفع للمدعي بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 30 يونيه سنة 1957 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به من عقوبة والاكتفاء بتغريم المتهم خمسمائة قرش وتأييده فيما عدا ذلك مع إلزام المستأنف بالمصروفات المدنية الاستئنافية. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض وقضى فيه بتاريخ 16 ديسمبر سنة 1958 بقبوله شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة القاهرة الابتدائية لتحكم فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى. والمحكمة المذكورة قضت فيها حضورياً في أول أبريل سنة 1962 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم ورفض الدعوى المدنية وإلزام رافعها بمصروفاتها عن الدرجتين. فطعن كل من المدعي بالحقوق المدنية والنيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بإلغاء الحكم الابتدائي وتبرئة المطعون ضده ورفض الدعوى المدنية قبله قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال - ذلك بأنه أقام قضاءه على ما أورده من أن مدير بنك زلخا شهد بالجلسة بأن كلاً من الحسابين الخاصين بالمطعون ضده كان يسمح بصرف قيمة الشيكات المقدمة للبنك المذكور من المدعي بالحقوق المدنية مع أن ما قاله الشاهد من ذلك نقضه بنفسه في باقي أقواله - وما كان الحكم أن يستند إلى قول للشاهد دون أن يعرض لما ينفيه من قول آخر للشاهد نفسه في خصوص الواقعة ذاتها، أما وقد أغفلت المحكمة ذلك فإن هذا يدل على أنها لم تلم إلماماً صحيحاً بشهادة الشاهد وتبين حقيقة مرماها مما يعيب حكمها بما يبطله ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أسس قضاءه ببراءة المطعون ضده على ما أورده في مدوناته "وحيث إنه تحقيقاً لدفاع المتهم ونفاذاً لما جاء بحكم النقض فقد استدعت هذه المحكمة الشاهد السيد/ حنا عبد الملك مدير بنك زلخا وناقشته تفصيلاً بجلسة 11/ 3/ 1962 بشأن جواز صرف قيمة الشيكات من حساب السلفة على النحو الثابت تفصيلاً بهذه الجلسة فقرر صراحة بعد أن عرضت عليه كشف الحساب والسلفة المقدمين من المتهم ما يفيد أن حساب السلفة الخاص بالمتهم على أساس العقد المعقود بين البنك وبين المتهم وكليهما سواء 6000 جنيه أم 3200 جنيه فإن الحساب يسمح بصرف قيمة الشيكات وأضاف بأن حساب المتهم الجاري كان يسمح في يوم 3/ 12/ 1956 بصرف قيمة الشيكات جميعاً في هذه الدعوى والدعاوى الأخرى وقيمتها كلها 2545 جنيهاً". لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الدعوى المطروحة نظرت مع قضايا أخرى مرتبطة بها وتم سماع الشاهد حنا عبد الملك مدير بنك زلخا في الدعوى رقم 5334 سنة 1957 جنح مستأنفة القاهرة موضوع الطعن رقم 1037 سنة 33 قضائية - والدعوى رقم 1529 سنة 1957 جنح مستأنفة القاهرة موضوع الطعن رقم 1034 سنة 33 قضائية - وذلك بجلستي 11/ 3/ 1962، 2/ 4/ 1962 على التوالي، وقام دفاع الخصوم في هذه الدعاوى جميعاً على أساس واحد ويبين من مراجعة أقوال الشاهد المذكور أنه بعد أن قرر بأن حساب المطعون ضده كان يسمح بصرف الشيكات المقدمة من المدعي بالحقوق المدنية لبنك زلخا في يوم 4 من ديسمبر سنة 1956 والبالغ قيمتها 2545 ج سئل عقب ذلك مباشرة عن رصيد حساب المطعون ضده فأجاب بأن هذا الرصيد كان دائناً بمبلغ 240 ج (وصحة هذا الرصيد 240م كما يتضح من مطالعة كشف الحساب المرفق بالأوراق) وأضاف بأن الحساب الجاري الخاص بالمطعون ضده وحساب السلفة لم يكن أحدهما يسمح بصرف أي شيك من الشيكات المقدمة من المدعي بالحقوق المدنية في يوم 4/ 12/ 1956 وعلل ذلك بعدم وجود رصيد للمطعون ضده في حسابه الجاري وبأن حساب السلفة كان قد قفل بسبب انتهاء العملية التي كان المطعون ضده قد تنازل عنها لصالح البنك تأميناً وضماناً لهذه السلفة". لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه وإن كان للمحكمة أن تأخذ ببعض أقوال الشاهد وتطرح البعض الآخر ولو كان منصباً على وقائع الدعوى ومتعلقاً بها إلا أنه يجب أن يكون واضحاً من الحكم الذي وقعت فيه تلك التجزئة أن المحكمة قد أحاطت بالشهادة ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها إذ أن وقوف المحكمة عند هذا الحد ينصرف إلى أنها لم تفطن إلى ما يعيب شهادة الشاهد مما يصم استدلالها بالفساد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على ما أورده من أن مدير بنك زلخا شهد بجلسة 11/ 3/ 1962 بأن كلاً من الحسابين الخاصين بالمطعون ضده كان يسمح بصرف الشيكات جميعها المقدمة من المدعي بالحقوق المدنية في حين أن ما قاله الشاهد من ذلك نقضه بنفسه في باقي أقواله. وكانت المحكمة - على ما هو ظاهر من حكمها - قد أثبتت شهادة الشاهد مبتورة فجاءت بذلك على خلاف الثابت بمحضر الجلسة المشار إليه آنفاً وقد أدى ذلك إلى عدم إلمامها إلماماً صحيحاً بحقيقة الأساس الذي قامت عليه تلك الشهادة مع أنها لو تبينته على واقعه لكان من المحتمل أن يتغير وجه رأيها في الدعوى - لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالقصور في البيان والفساد في الاستدلال مما يتعين معه نقضه - وإذ ما كان الطعن في الحكم مقدماً لثاني مرة فإن محكمة النقض تحكم في الموضوع ومن ثم يتعين تحديد جلسة لنظره وفقاً لما تقضي به المادة 45 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.