أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 15 - صـ 568

جلسة 12 من أكتوبر سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ أديب نصر، وبحضور السادة المستشارين: محمد صبري، وقطب فراج، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام.

(111)
الطعن رقم 305 لسنة 34 القضائية

حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". قتل خطأ. "خطأ. ضرر. رابطة سببية".
رابطة السببية: ركن من أركان جريمة القتل الخطأ. تطلبها إسناد النتيجة إلى خطأ الجاني ومساءلته عنها طالما كانت تتفق والسير العادي للأمور. خطأ المجني عليه يقطع رابطة السببية متى استغرق خطأ الجاني وكان كافياً بذاته لإحداث النتيجة. مثال.
رابطة السببية كركن من أركان جريمة القتل الخطأ تتطلب إسناد النتيجة إلى خطأ الجاني ومساءلته عنها طالما كانت تتفق والسير العادي للأمور، كما أنه من المقرر أن خطأ المجني عليه يقطع رابطة السببية متى استغرق خطأ الجاني وكان كافياً بذاته لإحداث النتيجة. وإذ كان الحكم المطعون فيه وإن أثبت توافر الخطأ في حق الطاعن قد أغفل التصدي إلى موقف المجني عليه وكيفية سلوكه وأثر ذلك على قيام رابطة السببية أو انتفائها، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة والحكم أن الطاعن دفع بانقطاع رابطة السببية بين الخطأ وما لحق المجني عليه من ضرر وبأن الحادث إنما نشأ عن خطأ المجني عليه وحده بظهوره فجأة أمام السيارة وعلى مسافة تقل عن المتر، وهو دفاع جوهري قد يترتب على ثبوت صحته انتفاء مسئولية الطاعن الجنائية وكان لزاماً على المحكمة أن تعرض له وترد عليه وأن تبين كيف كان في استطاعة الطاعن في الظروف التي وقع فيها الحادث وعلى هذه المسافة تلافى إصابة المجني عليه , أما وهي لم تفعل فإن حكمها يكون معيباً بالقصور في التسبيب.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن الأول بأنه في يوم 4/ 4/ 1962 بدائرة قسم الدرب الأحمر: تسبب بغير قصد ولا تعمد في قتل عبد العزيز شاكر الأنصاري وكان ذلك ناشئاً عن إهماله ومخالفته اللوائح بأن قاد سيارة بسرعة كبيرة في طريق مزدحم بالمارة وبدون استعمال آلة التنبيه فصدم المجني عليه وأحدث به الإصابات المبينة بالمحضر والتي أودت بحياته. وطلبت عقابه بالمادة 238 من قانون العقوبات. وقد ادعت السيدة/ إحسان عبد الموجود - زوجة المجني عليه عن نفسها وبصفتها وصية على كريمتيها عائشة وسلوى بحق مدني قبل المتهم والسيد/ وزير الحربية والبحرية بصفته مسئولاً عن الحقوق المدنية وطلبت القضاء لها قبلهما بمبلغ ثمانية آلاف جنيه - كما ادعت كل من السيدة/ اعتماد السيد حسن "زوجته الثانية" والسيدة/ صفية أحمد الأنصاري "والدة المجني عليه" وطلبا القضاء لهما قبل كل من المتهم والسيد/ وزير الحربية بصفته بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه على سبيل التعويض، ومحكمة الدرب الأحمر الجزئية قضت حضورياً بتاريخ 22 أبريل سنة 1963 عملاً بمادة الاتهام. أولاً: بحبس المتهم ثلاثة أشهر مع الشغل وكفالة خمسة جنيهات لوقف تنفيذ العقوبة. ثانياً: بإلزامه بالتضامن مع السيد وزير الحربية بأن يؤديا لكل من إحسان عبد الموجود القاضي بصفتها الشخصية واعتماد السيد حسن وصفية أحمد الأنصاري مبلغ مائتين وخمسين جنيهاً ولكل من القاصرتين عائشة وسلوى بنتي المرحوم عبد العزيز شاكر الأنصاري خمسمائة جنيه والمصروفات المدنية المناسبة فاستأنف هذا الحكم كل من المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية والمدعيات بالحقوق المدنية ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 26 ديسمبر سنة 1963 بقبول الاستئنافات شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية المصاريف المدنية الاستئنافية ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة وأعفت المتهم من المتهم من المصاريف الجنائية فطعن في هذا الحكم بطريق النقض كل من المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن الأول على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل الخطأ قد شابه قصور في التسبيب وانطوى على مخالفة للقانون، ذلك بأن الطاعن دفع بانقطاع رابطة السببية بين الخطأ والضرر لأن السبب المباشر في وقوع الحادث هو خطأ المجني عليه وحده باندفاعه فجأة أمام السيارة على مسافة تقل عن المتر فلم يتمكن الطاعن من مفاداة الاصطدام به وقد تايد دفاعه بأقوال الشاهد الوحيد للحادث محمد البدري أمين وبما ثبت من تقرير المهندس الفني. إلا أن الحكم أغفل الرد على هذا الدفاع الجوهري دون أن يبين كيف كان في إمكان الطاعن مفاداة الحادث في تلك الظروف وعلى الرغم من توفر عنصر المفاجأة مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه، والمكمل بالحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أن النقيب محمد حسن عاطف بركات قد أثبت في محضره المؤرخ 4/ 4/ 1962 أنه انتقل إلى شارع الأزهر إثر تلقيه بلاغاً عن وقوع مصادمة بين سيارة الجيش رقم 22810 واحد المارة وأنه عند وصوله إلى مكان الحادث وجد السيارة قيادة المتهم الذي يشغل وظيفة عريف سائق بالجيش تقف على يسار شارع الأزهر أمام شارع بيبرس وكانت متجهة من شارع بور سعيد إلى شارع الدراسة كما وجد جثة المجني عليه عبد العزيز شاكر الأنصاري ملقاة على الجزيرة القائمة في وسط الطريق وعلى مسافة تسعة أمتار من مكان وقوف السيارة - وتبين بأرض الطريق آثار فرامل طولها تسعة أمتار - وقد تقدم له وقتذاك محمد البدري أمين مهدي للإدلاء بشهادته وبسؤاله قرر أن سيارة المتهم كانت تسير بسرعة فائقة دون أن يطلق قائدها آلة التنبيه فصدمت المجني عليه الذي كان يعبر الطريق ابتداء من الجزيرة القائمة في منتصفه وقذفت به بعيداً ثم عاد وقرر أمام محكمة أول درجة بأن المجني عليه إنما كان يعبر الطريق من الجانب الأيمن فبرز فجأة من بين السيارات الواقفة على هذا الجانب وكانت المسافة عندئذ بينه وبين سيارة الطاعن تقل عن المتر فصدمه بمقدمتها ومن منتصفها. وبسؤال المتهم دفع بأن المجني عليه ظهر فجأة أمامه وعلى مسافة تقل عن المتر محاولاً عبور الطريق فلم يتمكن من مفاداته وخلص الحكم إلى مساءلة الطاعن بجريمة القتل الخطأ بقوله "وحيث إنه عن الدعوى الجنائية فإنه وإن اختلف الشاهد مع نفسه في بيان اتجاه المجني عليه إذ قرر مرة أنه كان يتجه في عبوره للشارع من اليسار إلى اليمين بينما يقرر العكس في مرة أخرى إلا أنه استقر على القول بأن المتهم كان يقود السيارة بسرعة كبيرة" ثم استطرد الحكم بعد ذلك إلى القول "أن السرعة التي تصلح أساساً للمساءلة الجنائية في جريمة القتل الخطأ هي التي تجاوز الحد الذي تقتضيه ملابسات الحال وظروف المرور وزمانه ومكانه فيتسبب عن هذا التجاوز الموت ولا يغير من ذلك أن تكون السرعة داخلة في الحدود المسموح بها... وترى المحكمة أن القيادة بسرعة في حدود الأربعين كيلو متراً أو يزيد في شارع آهل بالمارة ومزدحم بالسيارات وضيق مثل شارع الأزهر تقطع بأن المتهم كان مخطئاً إذ قاد السيارة في غير ما توق أو احتياط وبدون أن يطلق آلة التنبيه ولو احتاط للأمر فخفف من سرعته واستعمل بوق السيارة لتحذير المارة لامتنع المجني عليه من عبور الشارع ولما وقع الحادث" وأضاف الحكم المطعون فيه إلى ذلك قوله "إن ركن الخطأ المنسوب إلى المتهم وهو قيادته السيارة بسرعة كبيرة وبدون استعمال آلة التنبيه ثابته قبله من الآثار المادية التي وجدت بالسيارة قيادته عقب الحادث - وهو تطبيق بالكبود من الأمام من الجهة اليمنى للسيارة وآثار من مخ المتوفى لإصابته بالجلبة المصنوعة من النيكل المثبتة في وسط كبود السيارة فهذا التطبيق في ذاته يفيد سير السيارة بسرعة كبيرة وقت الحادث بحيث كانت الصدمة شديدة نجمت عنها الآثار سالفة الذكر. كما تلاحظ المحكمة أن حالة المرور ازدحام الشارع الذي وقع فيه الحادث كان يوجب على المتهم التريث والتدير والتمهل في السير واستعمال آلة التنبيه ومن ثم فإن مسيرة بسرعة ثلاثين كيلو متراً في مثل هذه الحالة كما أقر المتهم في محضر الشرطة المؤرخ 4/ 4/ 1962 يعتبر رعونة وعدم حيطه تعرضه للمساءلة الجنائية" وبعد أن أطرح الحكم شهادته المهندس الفني استطرد إلى القول بأن المحكمة تعتمد في استخلاص عقيدتها واقتناعها" من الآثار المادية التي وجدت عقب الحادث بالسيارة وحالة المرور في الشارع الذي وقع فيه الحادث وما توجبه من حيطة وحذر على قائدي السيارات فيه" كما تبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أسس دفاعه بأن المجني عليه ظهر فجأة أمامه بحيث لم يتمكن من مفاداة الاصطدام به. لما كان ذلك، وكانت رابطة السببية كركن من أركان جريمة القتل الخطأ تتطلب إسناد النتيجة إلى خطأ الجاني ومساءلته عنها طالما كانت تتفق والسير العادي للأمور، وكان من المقرر أن خطأ المجني عليه يقطع رابطة السببية متى استغرق خطأ الجاني وكان كافياً بذاته لإحداث النتيجة. ولما كان الحكم المطعون فيه وإن أثبت توافر الخطأ في حق الطاعن إلا أنه أغفل التصدي إلى موقف المجني عليه وكيفية سلوكه وأثر ذلك على قيام رابطة السببية أو انتفائها، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة والحكم أن الطاعن دفع بانقطاع رابطة السببية بين الخطأ وما لحق المجني عليه من ضرر وبأن الحادث إنما نشأ عن خطأ المجني عليه وحده بظهوره فجأة أمام السيارة وعلى مسافة تقل عن المتر، وهو دفاع جوهري قد يترتب على ثبوت صحته انتفاء مسئولية الطاعن الجنائية والمدنية وكان لزاماً على المحكمة أن تعرض له وترد عليه وأن تبين كيف كان في استطاعة الطاعن في الظروف التي وقع فيها الحادث وعلى هذه المسافة تلافى إصابة المجني عليه, أما وهي لم تفعل فإن حكمها يكون معيباً بالقصور في التسبيب، ومن ناحية أخرى فقد شاب الحكم قصوراً في استظهار رابطة السببية اذ أغفل بيان إصابات المجني عليه ونوعها وكيف أنها أدت إلى الوفاة من واقع التقرير الطبي وهو ما يتسع وجه الطعن لتعييب الحكم به. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة بغير حاجة إلى بحث أوجه الطعن الأخرى.
وحيث إن نقض الحكم بالنسبة إلى الطاعن الأول يقتضي نقضه أيضاً بالنسبة إلى الطاعن الثاني المسئول عن الحقوق المدنية لقيام مسئوليته بالتعويض على ذات الواقعة التي بني عليها وجه الطعن إعمالاً للمادة 42 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض ودون حاجة إلى بحث أسباب الطعن المقدمة منه ويتعين لذلك أن تكون الإحالة للطاعنين معاً وإلزام المطعون ضدهن المصاريف المدنية.