أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 17 - صـ 5

جلسة 3 من يناير سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمود عزيز الدين سالم، وحسين سامح، ومحمود عباس العمراوي، ومحمد أبو الفضل حفني.

(2)
الطعن رقم 1761 لسنة 35 القضائية

(أ، ب) وصف التهمة. مواد مخدرة. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". مسئولية جنائية. "الإعفاء منها".
( أ ) عدم تقيد المحكمة بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة على الفعل المسند إلى المتهم. لها تعديله متى رأت رد الواقعة إلى الوصف القانوني السليم.
تعديل وصف التهمة من إحراز مخدر بقصد الاتجار إلى إحرازه بغير قصد الاتجار أو التعاطي. لا إخلال بحق الدفاع.
(ب) تصدي المحكمة لبحث توافر عناصر الإعفاء المنصوص عليه في المادة 48 من القانون 182 لسنة 1960 أو انتفاء مقوماته إنما يكون بعد إسباغها الوصف القانوني الصحيح على الواقعة. مثال.
(ج، د) مأمورو الضبط القضائي. تفتيش. قبض.
(ج) القيود الواردة على حق رجال الضبط القضائي في إجراء القبض والتفتيش بالنسبة إلى السيارات. انصرافه إلى السيارات الخاصة بالطرق العامة. عدم جواز تفتيشها أو القبض على ركابها إلا في الأحوال الاستثنائية التي رسمها القانون طالما هي في حيازة أصحابها.
(د) مجرد إيقاف مأمور الضبط القضائي لسيارة معدة للإيجار وهي سائرة في طريق عام بقصد تنفيذ القوانين واللوائح في شأنها أو اتخاذ إجراءات التحري للبحث عن مرتكبي الجرائم في دائرة اختصاصه. عدم اعتباره قبضاً.
(هـ) مأمورو الضبط القضائي.
الواجبات المفروضة على مأموري الضبط القضائي في دوائر اختصاصهم: قبول التبليغات والشكاوي التي ترد إليهم بشأن الجرائم وقيامهم بأنفسهم أو بواسطة مرؤوسيهم بإجراء التحريات اللازمة عن الوقائع التي يعملون بها واستحصالهم على جميع الإيضاحات والاستدلالات المؤدية لثبوت أو نفي الوقائع المبلغ بها إليهم أو يشاهدونها بأنفسهم.
(و) إثبات. "اعتراف".
الاعتراف في المواد الجنائية. خضوعه لتقدير محكمة الموضوع. لها الأخذ به بالكامل أو تجزئته فتأخذ منه بما تطمئن إليه دون التقيد بالأخذ بباقيه.
1 - الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم باعتبار أن هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف الذي ترى هي أنه الوصف القانوني السليم. ولما كانت الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة وهي إحراز المخدر هي بذاتها الواقعة التي اتخذها الحكم المطعون فيه - بعد أن تحقق من توافر ركنيها المادي والمعنوي - أساساً للوصف الجديد الذي دان الطاعن به دون أن تضيف إليها المحكمة شيئاً جديداً بل نزلت بها - حين استبعدت قصد الاتجار - إلى وصف أخف من الوصف المبين بأمر الإحالة واعتبرت أن الإحراز بغير قصد الاتجار أو التعاطي، ولم يتضمن هذا التعديل إسناد واقعة مادية أو إضافة عناصر جديدة تختلف عن الواقعة الأولى، ومن ثم فإنه لا يجافي التطبيق القانوني السليم في شيء، ولا يخول للطاعن حقاً في إثارة دعوى الإخلال بحق الدفاع لأن دفاعه في الجريمة المرفوعة بها الدعوى يتناول بالضرورة الجريمة التي نزلت إليها المحكمة.
2 - تصدي المحكمة لبحث توافر عناصر الإعفاء المنصوص عليه في المادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 أو انتفاء مقوماته إنما يكون بعد إسباغها الوصف القانوني الصحيح على الواقعة. ولما كانت المحكمة قد خلصت إلى إسباغ وصف الإحراز بغير قصد الاتجار أو التعاطي على الواقعة وأعملت في حق الطاعن أحكام المادتين 37/ 1 و38 من القانون المشار إليه وأطرحت بذلك ما تمسك به المدافع عنه من إفادته من الإعفاء المنصوص عليه في المادة 48 منه قولاً منها بأن هذا الإعفاء قاصر على العقوبات الواردة في المواد 33 و34 و35 فإنها تكون قد طبقت القانون تطبيقاً سديداً يحول بينها وبين بحث قيام أو انتفاء حالة الإعفاء ويدفع عنها مظنة الإخلال بحق الدفاع.
3 - من المقرر أن القيود الواردة على حق رجال الضبط القضائي في إجراء القبض والتفتيش بالنسبة إلى السيارات إنما تنصرف إلى السيارات الخاصة بالطرق العامة فتحول دون تفتيشها أو القبض على ركابها إلا في الأحوال الاستثنائية التي رسمها القانون طالما هي في حيازة أصحابها.
4 - مجرد إيقاف مأمور الضبط القضائي لسيارة معدة للإيجار وهي سائرة في طريق عام بقصد مراقبة تنفيذ القوانين واللوائح في شأنها أو اتخاذ إجراءات التحري للبحث عن مرتكبي الجرائم في دائرة اختصاصه لا ينطوي على تعرض لحرية الركاب الشخصية ولا يمكن أن يعتبر في ذاته قبضاً في صحيح القانون.
5 - من الواجبات المفروضة قانوناً على مأموري الضبط القضائي في دوائر اختصاصهم أن يقبلوا التبليغات والشكاوي التي ترد إليهم بشأن الجرائم وأن يقوموا بأنفسهم أو بواسطة مرؤوسيهم بإجراء التحريات اللازمة عن الوقائع التي يعملون بها بأي كيفية كانت وأن يستحصلوا على جميع الإيضاحات والاستدلالات المؤدية لثبوت أو نفي الوقائع المبلغ بها إليهم أو التي يشاهدونها بأنفسهم.
6 - من المقرر أن الاعتراف في المواد الجنائية يخضع لتقدير محكمة الموضوع شأنه في هذا شأن أدلة الإثبات الأخرى التي تطرح أمامها فلها أن تأخذ به بالكامل كما أن لها أن تجزئه فتأخذ منه بما تطمئن إليه دون أن تتقيد بالأخذ بباقيه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 17 أغسطس سنة 1964 بدائرة مركز شبين القناطر محافظة القليوبية: أحرزا بقصد الاتجار جواهر مخدرة "حشيشاً وأفيوناً" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 1 و2 و34/ 1 - أ و36 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبندين 1 و12 من الجدول المرفق. فقرر بذلك. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة جنايات بنها دفع الحاضر مع كل من المتهمين ببطلان القبض والتفتيش. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بتاريخ 3 يونيه سنة 1965 عملاً بالمواد 1 و2 و37/ 1 و38 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبندين 1 و12 من الجدول الأول الملحق به بمعاقبة كل من المتهمين بالسجن عشر سنوات وتغريمه ألف جنيه ومصادرة الجواهر المخدرة المضبوطة لأن الإحراز كان بغير قصد الاتجار أو التعاطي. وقد ردت المحكمة في أسبابها على الدفاع قائلة بأنه على غير أساس. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الحكم المطعون فيه وإن صدر حضورياً بتاريخ 3 من يونيو سنة 1965 وطعن المحكوم عليه الأول محمد سالم محمد فيه بطريق النقض في يوم صدوره، غير أنه لم يقدم أسباباً فيكون طعنه غير مقبول شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من المحكوم عليه الثاني علي محمد عبد الله قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من هذا الطاعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمة إحراز مخدر بغير قصد الاتجار أو الاستعمال الشخصي قد أخطأ في تطبيق القانون وانطوى على تناقض في التسبيب وإخلال بحق الدفاع ذلك بأن الحكم رفض الدفع المبدي من الطاعن ببطلان القبض والتفتيش بقوله إن إيقاف السيارة التي كان يستقلها الطاعن والمحكوم عليه الآخر لا يعد قبضاً بالمعنى القانوني بل هو إجراء تبرره الظروف ولا ينطوي على تعرض لحرية المتهمين، وهذا الذي قاله الحكم غير سديد في القانون إذ أنه لم يقع ما يبرر إيقاف السيارة التي أوقفت استناداً إلى ما نقله المرشد لرئيس مكتب مكافحة المخدرات من حمل ركابها لكمية من الجواهر المخدرة وهو ما لا يسوغ وحده التعرض للسيارة ويسقط حجية القول بأن الطاعن قدم بنفسه المنديل المحتوي على المخدر المضبوط لرئيس المكتب إذ أنه باقتراض صحة هذا التصرف - الذي يجحده الطاعن - فإنه كان نتيجة للقبض الباطل. هذا فضلاً عن أن الحكم قد تناقض في التسبيب حين أفصح وهو في مقام التدليل على ثبوت التهمة قبل الطاعن وزميله عن اطمئنانه إلى اعتراف الأخير بملكيته للمضبوطات كلها ثم عاد وتشكك في صحة هذا الاعتراف قولاً منه بأنه إنما قصد به إفلات الطاعن من العقاب، ثم أنه نفي عن الطاعن إنه ممن يتجرون أو يتعاطون الجواهر المخدرة مع أنه كان قد أثبت في تحصيله لواقعة الدعوى أنه قد اشتري الكمية المضبوطة. وبالإضافة إلى ما تقدم فإن الحكم لم يعمل في حق الطاعن حكم الإعفاء المقرر بالمادة 48 من القانون رقم 182 سنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها - استناداً إلى أن الإعفاء الوارد بها قاصر على العقوبات المقررة في المواد 33، 34، 35 من القانون المذكور وذلك على الرغم من أن النيابة كانت قد أقامت الدعوى الجنائية عليه بوصف أنه أحرز المخدر بقصد الاتجار وطلبت عقابه بالمادة 34 من القانون وهو بهذا الوصف الذي ورد بأمر الإحالة وجرت في شأنه المرافعة يمكن أن يستفيد من الإعفاء الذي نظمته تلك المادة، وكان يتعين على المحكمة وقد اتجهت إلى تطبيق أحكام المادتين 37، 38 من القانون أن تنبه الدفاع إلى ذلك على اعتبار أن التعديل الذي أجرته إنما ينطوي في الواقع على التشديد وهو ما كان يتعين عليها معه تنفيذاً لأحكام المادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية لفت نظر الدفاع إلى ذلك. أما وهي لم تفعل، فإنها تكون فضلاً عما تردت فيه من خطأ في القانون، قد أخلت بحق الطاعن في الدفاع بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله: "إنها تخلص في أن تحريات المقدم كمال محمد كساب رئيس مكتب مكافحة المخدرات بالقليوبية دلت على أن بعض الأشخاص يتجرون في الجواهر المخدرة، فاستصدر بتاريخ 16/ 8/ 1964 الساعة الثانية والنصف مساء إذناً من النيابة بتفتيشهم لضبط ما يحوزونه أو يحرزونه من الجواهر المخدرة على أن يتم التفتيش مرة واحدة خلال عشرة أيام من تاريخ الإذن، ثم دلت تحرياته أيضاً على أن أحد هؤلاء المأذون بتفتيشهم سيقوم من حجرة ببلبيس في يوم 16/ 8/ 1964 عائداً إلى بلدته فكلف أحد المرشدين السريين بمراقبة تحركاته في حجرة ببلبيس وأعد هو كميناً لضبطه عند عودته بأن وقف وبرفقته الرائد صلاح الدين محمود عسكر وبعض رجال القوة بالقرب من مزلقان منشاة الكرام على طريق مشتول السوق - شبين القناطر، وأثناء ذلك وفي حوالي الساعة التاسعة و45 دقيقة مساء حضر المرشد السري سالف الذكر في إحدى السيارات إلى مكان الكمين وأبلغ المقدم كمال محمد كساب بأن شخصين ذكر له أوصافهما أحدهما أعرابي لا يعرف اسمه والثاني يدعى علي محمد عبد الله (المتهم الثاني - الطاعن) قد اشتريا من حجرة ببلبيس كمية كبيرة من الجواهر المخدرة وأنهما قادمان من خلفه في طريقهما إلى القاهرة بالسيارة رقم 262 أجرة القاهرة، وبعد حوالي خمس دقائق وصلت هذه السيارة يقودها سعد علي إبراهيم ويجلس بجواره المتهم الثاني علي محمد عبد الله (الطاعن) ويجلس بالمقعد الخلفي المتهم الأول محمد سالم محمد فأشار لها المقدم كمال محمد كساب بالوقوف للتحري عن الموجودين بها، ولما وقفت اتجه هو وزميله الرائد صلاح الدين محمود عسكر ناحيتها وسأل قائدها عن اسمه وعن الجهة التي قدم منها والجهة التي يقصدها، وأثناء ذلك لاحظ أمارات الارتباك وقد بدت على المتهمين ثم شاهدة المتهم الثاني علي محمد عبد الله ينحني إلى أسفل ويحاول إخفاء شيء أمام مكان جلوسه في أرضية السيارة فسأله عن اسمه وعن وجهته وعندئذ بادره المتهم الثاني بقوله أنه يحمل حشيشاً وأفيوناً وأن الراكب الخلفي وهو المتهم الأول يحمل أيضاً حشيشاً وأفيوناً ثم مد يده ناحية قدميه وأحضر منديلاً مربوطاً وقدمه إليه وعلي أثر ذلك طلب المقدم كمال محمد كساب إلى زميله الرائد صلاح الدين محمود عسكر أن يمسك بالمتهم الأول وقام هو بفحص محتويات المنديل فتبين أنه يحتوي على ثمان عشرة طربة من مادة الحشيش ولفافتين بهما مادة الأفيون، وكان الرائد صلاح الدين محمود عسكر قد أمسك بالمتهم الأول ثم قام بتفتيشه فعثر في جيب معطفه الأيسر الداخلي على لفافة بها مادة الأفيون وعثر في كل من جيبي صديريه على طربتين من مادة الحشيش ولما واجهه المقدم كمال محمد كساب بهذه المضبوطات اعترف بها، وكذلك اعترف بالمضبوطات التي وجدت مع المتهم الثاني. واستند الحكم في التدليل على ثبوت الواقعة بالصورة المتقدمة إلى أقوال المقدم كمال محمد كساب رئيس مكتب مكافحة المخدرات ببنها والرائد صلاح الدين محمود عسكر وإلي اعتراف المحكوم عليه محمد سالم محمد بتحقيقات النيابة وبالجلسة وتقرير قسم المعامل الكيماوية الملحقة بمصلحة الطب الشرعي وأورد مؤدى كل دليل من هذه الأدلة بما يؤيد تلك الواقعة. ثم عرض لدفاع الطاعن الموضوعي والقانوني ورد على الدفع المبدى من المدافع عنه ببطلان القبض والتفتيش بقوله "وبما أنه عن الدفع ببطلان القبض والتفتيش فإنه لما كان يؤخذ مما شهد به المقدم كمال محمد كساب والرائد صلاح الدين محمود عسكر أن مرشداً سرياً ذكر لهما أن المتهم الثاني (الطاعن) وآخر لا يعرف اسمه قادمان خلفه بالسيارة رقم 262 أجرة القاهرة ومعهما كمية كبيرة من الجواهر المخدرة فأوقفا هذه السيارة عند دخولها إلى مكان الكمين بقصد التحري عن راكبيها وأن المتهم الثاني أبلغهما بأنه هو وزميله المتهم الأول يحملان حشيشاً وأفيوناً ثم قدم لأولهما ومن تلقاء نفسه منديلا تبين لهما أن بداخله ثمان عشرة طربة من الحشيش وكمية من الأفيون، وعندئذ قام ثانيهما بتفتيش المتهم الأول فعثر معه على أربع طرب من الحشيش وكمية من الأفيون. لما كان ذلك، وكان مجرد إيقاف السيارة للتحري عن راكبيها لا يعد قبضاً بالمعني القانوني ولا ينطوي على تعرض لحرية المتهمين بل هو إجراء تبرره ظروف الحال، وكان المتهم الأول أيضاً قد اعترف في جميع مراحل الدعوى بإحرازه لما ضبط معه من حشيش وأفيون، فضلاً عن أن تفتيشه تم بناء على ما ارتآه المقدم كمال محمد كساب والرائد صلاح الدين محمود عسكر من اتصاله بجريمة متلبس بها هي إحراز المتهم الثاني لمادة الحشيش والأفيون. لما كان ما تقدم، فإن العثور على المخدر المضبوط مع المتهمين لا يكون نتيجة أي قبض وقع عليهما بل جاء بالنسبة للمتهم الثاني (الطاعن) نتيجة تقديمه المنديل من تلقاء نفسه إلى المقدم كمال محمد كساب وجاء بالنسبة للمتهم الأول.. ومن ثم يكون الدفع ببطلان القبض والتفتيش على غير أساس من الواقع أو القانون ومن أجل ذلك يتعين القضاء برفضه". ثم نفى الحكم عن المتهمين قصد الاتجار أو التعاطي وأعمل في حقهما المادة 38 من القانون رقم 182 لسنة 1960 ورفض لذلك تطبيق أحكام الإعفاء الواردة بالمادة 48 من القانون ذاته على اعتبار أن الإعفاء قاصر على العقوبات المقررة في المواد 33، 34، 35 من القانون المذكور. لما كان ذلك، وكان من الواجبات المفروضة قانوناً على مأموري الضبط القضائي في دوائر اختصاصهم أن يقبلوا التبليغات والشكاوي التي ترد إليهم بشأن الجرائم وأن يقوموا بأنفسهم أو بواسطة مرؤوسيهم بإجراء التحريات اللازمة عن الوقائع التي يعملون بها بأي كيفية كانت وأن يستحصلوا على جميع الإيضاحات والاستدلالات المؤدية لثبوت أو نفي الوقائع المبلغ بها إليهم أو التي يشاهدونها بأنفسهم. وكان من المقرر أن القيود الواردة على حق رجال الضبط القضائي في إجراء القبض والتفتيش بالنسبة إلى السيارات إنما تنصرف إلى السيارات الخاصة بالطرق العامة فتحول دون تفتيشها أو القبض على ركابها إلا في الأحوال الاستثنائية التي رسمها القانون طالما هي في حيازة أصحابها. أما وقد اطمأنت المحكمة - في حدود سلطتها التقديرية - إلى أقوال كل من المقدم كمال محمد كساب رئيس مكتب مكافحة المخدرات ببنها والرائد صلاح الدين محمود عسكر التي يبين منها أن الطاعن قد تخلي بإرادته عن المخدر ووضع نفسه طواعية واختياراً في حالة تلبس بجناية إحراز جواهر مخدرة تجيز ضبطه وتفتيشه وضبط وتفتيش كل من له اتصال بها سواء كان فاعلاً أو شريكاً. لما كان ما تقدم، وكان مجرد إيقاف مأمور الضبط القضائي لسيارة معدة للإيجار وهي سائرة في طريق عام بقصد مراقبة تنفيذ القوانين واللوائح في شأنها أو اتخاذ إجراءات التحري للبحث عن مرتكبي الجرائم في دائرة اختصاصه لا ينطوي على تعرض لحرية الركاب الشخصية ولا يمكن أن يعتبر في ذاته قبضاً في صحيح القانون، فإن الحكم يكون قد أصاب فيما انتهي إليه - للأسباب السائغة التي أوردها - من رفض الدفع ببطلان القبض والتفتيش ويحق للمحكمة من بعد الاعتماد على الدليل المستمد من الضبط والتفتيش ويكون النعي على الحكم في هذا الخصوص في غير محله. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من قالة التناقض تأسيساً على أن الحكم أخذ المحكوم عليه محمد سالم محمد باعترافه على الرغم من تشككه فيه لاتجاهه إلى تخليص الطاعن من الاتهام مردوداً بأنه يبين من الاطلاع على ما أورده الحكم المطعون فيه في هذا الصدد أنه عرض لاعتراف محمد سالم محمد وأورد مؤداه بما مفاده أنه اعترف بأن الجواهر المخدرة المضبوطة كلها - سواء منها ما ضبط معه أو بالمنديل - له. ثم عرض الحكم إلى موقف الطاعن مختتماً مناقشة الأدلة قبله بقوله: "أن اعتراف المتهم الأول (محمد سالم محمد) بإحرازه لجميع المضبوطات بالرغم من اعتراف المتهم الثاني (الطاعن) أمام شاهدي الإثبات بإحرازه للمنديل المضبوط يدل بوضوح على رغبة المتهم الأول في إفلات المتهم الثاني من العقوبة". وانتهى الحكم إلى مساءلة المتهمين كليهما كل عما ضبط معه. وما أورده الحكم فيما تقدم سائغ ولا تناقض فيه لما هو مقرر من أن الاعتراف في المواد الجنائية يخضع لتقدير محكمة الموضوع شأنه في هذا شأن أدلة الإثبات الأخرى التي تطرح أمامها فلها أن تأخذ به بالكامل كما أن لها أن تجزئه فتأخذ منه بما تطمئن إليه دون أن تتقيد بالأخذ بباقيه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه في صدد بيان قصد الطاعن وزميله من الإحراز قد قال "وبما أنه عن قصد كل من المتهمين من إحراز المخدر الذي ضبط معه فانه لما كانت التحقيقات قد خلت من أي دليل مقنع على أن المتهمين ممن يتجرون في الجواهر المخدرة أو يتعاطونها وكان الواضح من أقوال المتهم الأول أن شخصاً سلمه المخدر المضبوط معه في بلدة العدلية لتوصيله إلى بلدة قليوب. لما كان ذلك، فإن إحراز كل من المتهمين لما ضبط معه يكون بغير قصد الاتجار أو التعاطي". وما قاله الحكم من ذلك ليس فيه ثمة تعارض بينه وبين ما أثبته الحكم في مقام تحصيله لواقعة الدعوى من أن المرشد أنبأ الضابط بواقعة شراء الطاعن والمحكوم عليه الآخر للمخدر إذ ليس ثمة ما يمنع محكمة الموضوع بما لها من سلطة تقديرية أن تري في واقعة الإنباء بالشراء ما لا يقنعها بأن الإحراز كان بقصد الاتجار لتلك الاعتبارات السائغة التي أوردتها وأن تنفض عن الواقعة المادية - وهي في سبيل تقصي القصد من الإحراز - أياً من قصدي الاتجار والتعاطي وأن تعمل في حق المتهمين أحكام المادتين 37/ 1، 38 من القانون رقم 182 لسنة 1960. وما انتهي إليه الحكم من ذلك لا يعد تعديلاً في التهمة مما كان يقتضي لفت نظر الطاعن أو المدافع عنه إليه، ذلك لأن الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم باعتبار أن هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف الذي تري هي أنه الوصف القانوني السليم. ولما كانت الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة وهي إحراز المخدر هي بذاتها الوقعة التي اتخذها الحكم المطعون فيه - بعد أن تحقق من توافر ركنيها المادي والمعنوي - أساساً للوصف الجديد الذي دان الطاعن به دون أن تضيف إليها المحكمة شيئاً جديداً بل نزلت بها - حين استبعدت قصد الاتجار - إلى وصف أخف من الوصف المبين بأمر الإحالة واعتبرت أن الإحراز بغير قصد الاتجار أو التعاطي، ولم يتضمن هذا التعديل إسناد واقعة مادية أو إضافة عناصر جديدة تختلف عن الواقعة الأولى ومن ثم فإنه لا يجافي التطبيق القانوني السليم في شيء ولا يخول للطاعن حقاً في إثارة دعوى الإخلال بحق الدفاع لأن دفاعه في الجريمة المرفوعة بها الدعوى يتناول بالضرورة الجريمة التي نزلت إليها المحكمة. لما كان ما تقدم جميعه، وكان تصدي المحكمة لبحث توافر عناصر الإعفاء أو انتفاء مقوماته إنما يكون بعد إسباغها الوصف القانوني الصحيح على الواقعة. وكانت المحكمة قد خلصت إلى اسباغ وصف الإحراز بغير قصد الاتجار أو التعاطي على الواقعة وأعملت في حق الطاعن أحكام المادتين 37/ 1 و38 من القانون المشار إليه وأطرحت لذلك ما تمسك به المدافع عنه من إفادته من الإعفاء المنصوص عليه في المادة 48 منه قولاً منها بأن هذا الإعفاء قاصر على العقوبات الواردة في المواد 33، 34، 35، فإنها تكون قد طبقت القانون تطبيقاً سديداً يحول بينها وبين بحث قيام أو انتفاء حالة الإعفاء ويدفع عنها مظنة الإخلال بحق الدفاع.
وحيث إنه بالبناء على كل ما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.