أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 17 - صـ 25

جلسة 4 من يناير سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ توفيق الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حسين السركي، ومحمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، وبطرس زغلول.

(5)
الطعن رقم 1641 لسنة 35 القضائية

( أ ) دعوى مدنية. تعويض. نقض. "حالات الطعن بالنقض". "مخالفة القانون".
تقدير التعويض من سلطة محكمة الموضوع. القضاء بمبلغ معين وفقاً لمختلف ظروف الدعوى. لا يقبل المناقشة. شرط ذلك: عدم إقحام المحكمة في هذه الظروف ما لا يجوز الادعاء به مدنياً تبعاً للدعوى الجنائية وإدخاله في حساب التعويض عند تقديره. قضاؤها في هذه الحالة يكون مخالفاً للقانون. لمحكمة النقض تصحيح هذا الخطأ. مثال.
(ب و ج) قتل عمد. سبق إصرار. ترصد. مسئولية جنائية.
(ب) جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد. مسئولية الجاني عنها. سواء ارتكبها وحده أو مع غيره.
(ج) مسئولية الجاني عن الجريمة التي يرتكبها مع غيره متى توافر ظرف سبق الإصرار أو الترصد. قل نصيبه من الأفعال المكونة لها أو كثر.
(د) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع.
مطابقة أقوال الشهود لمضمون الدليل الفني لا يلزم. يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق. مثال.
1 - من المقرر أنه وإن كان تقدير التعويض من سلطة محكمة الموضوع تقضي به بما تراه مناسباً وفقاً لما تتبينه من مختلف ظروف الدعوى، وأنها متى استقرت على مبلغ معين فلا تقبل المناقشة فيه، إلا أنها إذا ما أقحمت في هذه الظروف ما لا يجوز الادعاء به مدنياً تبعاً للدعوى الجنائية وأدخلته في حساب التعويض عند تقديره، فإن قضاءها يكون في هذه الحالة مخالفاً للقانون ويكون لمحكمة النقض وفقاً للفقرة الأولى من المادة 39 من القانون رقم 57 لسنة 1959 أن تصحح الخطأ وتحكم على مقتضي القانون. ولما كانت محكمة الموضوع وإن أصابت في قضائها بالتعويض عن الضرر الأول الذي أصاب المدعي من جراء مقتل أخيه المجني عليه، إلا أنها وقد أدخلت في تقدير عناصر الضرر المادي المصروفات التي تكبدها المدعي في فقد أخيه وهي ما لا يجوز القضاء بها من المحكمة الجنائية باعتبارها لم تنشأ مباشرة عن الفعل الجنائي، فإن محكمة النقض تستبعد من التعويض المقضي به ما ترى أن محكمة الموضوع قد أدخلته في تقديره على ذلك الأساس الخاطئ.
2 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعنين أنهما اقترفا جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد فقد وجبت مساءلتهما عنها سواء ارتكباها وحدهما أو مع غيرهما - ويكون ما انتهي إليه الحكم في حدود سلطته التقديرية من مساءلتهما وحدهما عن النتيجة صحيحاً في القانون، ولا يعيبه أن نسب إليهما استعمال آلات راضة خلافاً لما جاء بأمر الإحالة - من استعمالهما أسلحة نارية - ما دام الحكم لم يتناول التهمة التي رفعت بها الدعوى بالتعديل - وهي تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد - وما دام يحق للمحكمة أن تستبين الصورة الصحيحة التي وقع بها الحادث أخذا من كافة ظروف الدعوى وأدلتها، وكان كل من الطاعنين لم يسأل إلا عن جريمة القتل - بغض النظر عن الوسيلة - وهي الجريمة التي كانت معروضة على بساط البحث.
3 - الأصل أن الجاني يسأل عن الجريمة التي يرتكبها مع غيره متى توافر ظرف سبق الإصرار أو الترصد وإن قل نصيبه في الأفعال المادية المكونة لها. ولا يغير من أساس المسئولية في حكم القانون أن يثبت أن الجاني قد قام بنصيب أوفي من هذه الأفعال - وهو ما ثبت في حق الطاعنين - ومن ثم فإن المحكمة لا تلتزم بلفت نظر الدفاع إلى مثل التعديل الذي تم في هذه الدعوى.
4 - الأصل هو أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق. ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشاهدين من إصابة المجني عليه بالمقذوف الناري الذي أطلقه الطاعن الثاني عقب سقوط المجني عليه على الأرض منبطحاً على وجهه وأخذت بما أبداه الخبير الفني وهو الطبيب الشرعي من جواز حصول تلك الإصابة بهذا التصوير. وعللت اختلافهما مع التقرير الطبي في شأن سير المقذوف بجسم المجني عليه بما انتاب أولهما من اضطراب لمصرع أخيه وبما قرره الثاني من عدم تباينه موضع المجني عليه وقت إصابته وهو تبرير سائغ من شأنه أن يؤدي إلى ما رتبه الحكم عليه من إطراح دفاع الطاعن في هذا الشأن.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين: بأنهم في يوم 20 أكتوبر سنة 1961 بناحية الجراونة مركز ساقلته محافظة سوهاج: (أولاً) المتهمون الأربعة: قتلوا أحمد عرابي محمد عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتله وصمموا عليه وأعدوا لذلك أسلحة نارية بنادق وآلة راضة (عصا) وتربصوا له في طريق عودته حتى إذا ما ظفروا به أطلق عليه المتهمان الأولان عدة أعيرة نارية وضربه المتهم الرابع بعصا قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. (وثانياً) والمتهمون الثلاثة الأول: (أولاً) أحرزوا أسلحة ناريه مششخنة بنادق "ميزر" بغير ترخيص (وثانياً) أحرزوا ذخائر "طلقات" مما تستعمل في الأسلحة النارية السابقة وهم غير مرخص لهم بإحرازها. وطلبت إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 230 و231 و232 من قانون العقوبات و1/ 1 و6 و26/ 1 - 4 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والبند "ب" من القسم الأول من الجدول رقم/ 3 المرافق. وادعي أخ القتيل مدنياً طالبا الحكم له قبل المتهمين متضامنين بمبلغ 100 جنيه على سبيل التعويض والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضورياً في 13 أكتوبر سنة 1963 عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادتين 17 و32 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين الأربعة بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات ومصادرة البندقية المضبوطة وإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعي بالحق المدني مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض. وقضي فيه بتاريخ 27 يناير سنة 1964 بقبوله شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات سوهاج لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضورياً في 28 ديسمبر سنة 1964 عملاً بمواد الاتهام بالنسبة إلى المتهمين الأول والثاني "الطاعنين" (أولاً) بمعاقبة كل من الطاعنين بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات ومصادرة البندقية المضبوطة وبإلزامهما متضامنين بأن يؤديا للمدعي بالحق المدني مبلغ خمسين جنيهاً على سبيل التعويض النهائي والمصاريف المدنية المناسبة ومبلغ ثلاثة جنيهات أتعابا للمحاماة (وثانياً) ببراءة كل من المتهمين الآخرين مما أسند إليهما ورفض الدعوى المدنية بالنسبة إليهما. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية.. الخ.


المحكمة

حيث إن مبني الأوجه الخمسة الأولى من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وبجرائم إحراز سلاحين ناريين وذخيرة بدون ترخيص قد شابه بطلان في الإجراءات وقصور وتناقض في التسبيب وفساد في الاستدلال وخطأ في الإسناد وانطوى على إخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقول الطاعنان إن الحكم قد دانهما بجريمة القتل العمد على أساس أنهما أطلقا النار على المجني عليه ثم ضرباه على رأسه بآلات راضة مع أن أمر الإحالة لم يسند إليهما سوى واقعة إطلاق النار على المجني عليه دون واقعة الضرب التي أسندت إلى متهم آخر قضي ببراءته مما كان يقتضي من المحكمة - إعمالاً للمادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية - أن تلفت نظر الدفاع إلى التعديل الذي أجرته بإسناد واقعة جديدة إلى الطاعنين لم يشملها أمر الإحالة، أما وهي لم تفعل فإن حكمها يكون معيباً بالبطلان في الإجراءات. ثم إن الحكم ذهب في تصويره لواقعه الدعوى إلى أن الإصابات الرضية قد حدثت في ظروف تقطع بأن الطاعنين هما اللذان أحدثاها بالمجني عليه عقب أن أطلقا عليه النار إمعاناً منهما في التثبت من الإجهاز عليه وهو استدلال قاصر لأنه فضلاً عن خلو أوراق الدعوى مما يسانده فان الحكم لم يكشف عن ماهية الظروف التي جعلته يقطع بذلك الرأي. ومن ناحية أخرى فإن دفاع الطاعنين قام بصفة أساسية على تناقض أقوال شاهدي الرؤية مع التقرير الطبي إذ قرر الشاهدان بأن الطاعن الثاني أطلق عياراً على المجني عليه عقب سقوطه على الأرض فأصابه في بطنه أو جنبه مما مقتضاه أن تكون هذه الإصابة من الأمام إلى الخلف في حين أثبت تقرير الصفة التشريحية أن العيار أصاب المجني عليه في إليته اليمني ونفذ منها إلى البطن وأنه أطلق من الخلف إلى الأمام ومن أسفل إلى أعلا، وقد واءمت المحكمة بين الدليل القولي والدليل الفني بقولها أن هذه الإصابة قد حدثت بالمجني عليه بعد سقوطه على الأرض منبطحاً على وجهه وأثناء وقوف الطاعن الثاني خلف المجني عليه، وعولت في ذلك على ما استخلصته من أقوال الشاهدين بجلسة المحاكمة الأخيرة، في حين أن أقوالهما في جميع مراحل التحقيق السابقة على إعادة المحاكمة قد خلت من ذلك التصوير، ومن ثم فإن ما أورده الحكم لا يصلح رداً على دفاع الطاعنين بشأن تعارض الدليل القولي مع الدليل الفني والذي بقي - بعد ذلك - قائماً لما يرفع. كما دفع الطاعنان بأن رواية هذين الشاهدين مكذوبة أنهما لم يشاهدا الحادث أثناء وقوعه واستندا في تكذيب الشاهدين إلى محضر المعاينة وإلي التقرير الطبي، إذ جاء بالمعاينة أن جثة المجني عليه وجدت مسجاة على ظهرها مما مقتضاه أن تكون إصابة الإلية قد حدثت قبل سقوط المجني عليه إلى الأرض وهو ما يخالف التصوير الذي انتهي إليه الشاهدان، كما أثبت التقرير الطبي وأقوال الطبيب الشرعي بجلسة المحاكمة أن بالمجني عليه - فضلاً عن جروحه النارية والرضية - إصابة قطعية بباطن السلامية الأولى للأصبع السبابة لليد اليمني من أثر طعنه بسكين في حين خلت أقوال الشاهدين مما يشير إلى وقوع مشاجرة بين الطرفين كان من أثرها هذه الطعنة القطعية إلا أن الحكم أطرح دفاع الطاعنين في هذا الشأن بما لا يسيغ اطراحه. ثم إن الحكم اتخذ من شهادة ضابط المباحث بشأن عثوره على البندقية المضبوطة دليلاً قبل الطاعنين مما يشعر بأن المحكمة قد كونت عقيدتها على أن هذه البندقية هي إحدى البندقيتين اللتين استعملتا في مقارفة الجريمة في حين أنه يبين من أقوال الضابط - حسبما حصلها الحكم - أنه عثر على البندقية المضبوطة في اليوم التالي لوقوع الحادث وفي بلدة أخرى ولم يجزم بأنها قد استعملت في ارتكاب الجريمة أو أنها مملوكة لأحد الطاعنين، ويكون الحكم والحال كذلك قد بني قضاءه على ما ليس له أصل في الأوراق وعلي مجرد الظن مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "حدث منذ حوالي سبع سنوات سابقة على يوم 20/ 10/ 1961 أن حدث بين عائلة المتهمين والمجني عليه مشاجرة قتل فيها محمد جاد الرب علي بخيت شقيق المتهم الأول - الطاعن الأول - ووالد المتهم الثاني - الطاعن الثاني - فتولدت في نفسيهما الضغينة لعائلة المجني عليه وعقدا العزم على الأخذ بالثأر وفكرا ودبرا واختارا المجني عليه فريسة لهما وبيتا النية على قتله وأصرا على ذلك وأعدا لذلك العدة واختارا اليوم المذكور وهو يوم جمعة لتنفيذ جريمتهما واختارا وقتها وهو وقت صلاة الجمعة إذ يسعي فيه الناس إلى ذكر الله وتخيرا مكاناً لها الحقوق بجهة الجروانة بدائرة مركز ساقلته وكانا يشاهدان المجني عليه منذ الصباح يحمل جمله حطباً في حقله القريب من حقلهما حتى إذا ما تحرك عائداً هو وشقيقه وابن أخته يتقدمهما قائداً جمله تربصا له في طريق عودته من حقله يحمل كل منهما بندقية واختفياً وراء جدار معبر على مصرف في الطريق حتى إذا ما ظفرا به وظهرا له أخذ يعدو طلبا للنجاة فتبعه المتهمان وأطلق عليه الأول عياراً ناريا من بندقيته أصابه في قدمه اليسرى فوقع على الأرض منبطحاً على وجهه فعاجله المتهم الثاني بطلق ناري من بندقيته أصابه في الإلية اليمني ونفذ منها وخرج من يسار جدار البطن الأمامي وإذ ذاك فر مرافقاه هربا خشية الاعتداء عليهما ثم والي المتهمان المذكوران الاعتداء على المجني عليه إمعاناً في التثبت من أنهما أجهزا عليه فأحدثا برأسه إصابات بأجسام صلبة راضة وأدت الإصابة النارية النافذة من الإلية اليمني وإصابات الرأس إلى وفاة المجني عليه وقد توجه شقيقه الذي كان يرافقه وأبلغ الحادث إلى عمدة البلدة الذي أبلغ بدوره الجهات المختصة". وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة استمدها من أقوال شاهدي الرؤية فؤاد عرابي محمد شقيق المجني عليه وصدقي محمد السيد ابن أخيه ومن أقوال الضابط محمد وفيق نافع ومن المعاينة والتقرير الطبي الشرعي. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعنين أنهما اقترفا الجريمة مع سبق الإصرار والترصد فقد وجبت مساءلتهما عن جريمة القتل العمد سواء ارتكباها وحدهما أو مع غيرهما ويكون ما انتهى إليه الحكم في حدود سلطته التقديرية من مساءلتهما وحدهما عن النتيجة صحيحاً في القانون، ولا يعيبه أن نسب إليهما استعمال آلات راضة خلافاً لما جاء بأمر الإحالة ما دام الحكم لم يتناول التهمة التي رفعت بها الدعوى بالتعديل وهي تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وما دام يحق للمحكمة أن تستبين الصورة الصحيحة التي وقع بها الحادث أخذاً من كافة ظروف الدعوى وأدلتها، على أن كلا من الطاعنين لم يسأل إلا عن جريمة القتل - بغض النظر عن الوسيلة - وهي الجريمة التي كانت معروضة على بساط البحث. ولما كان الأصل أن الجاني يسأل عن الجريمة التي يرتكبها مع غيره متى توافر ظرف سبق الإصرار أو الترصد - وإن قل نصيبه في الأفعال المادية المكونة لها - فإنه لا يغير من أساس المسئولية في حكم القانون أن يثبت أن الجاني قد قام بنصيب أوفى من هذه الأفعال - وهو ما ثبت في حق الطاعنين - ومن ثم فان المحكمة لا تلتزم بلفت نظر الدفاع إلى مثل التعديل الذي تم في هذه الدعوى. أما ما استطرد إليه الطاعنان من منازعة في التصوير الذي اعتنقه الحكم للحادث لافتقاره إلى دليل مباشر يسانده فقد عرض إليه الحكم في قوله إنه "لا يقدح في اطمئنان المحكمة للتصوير الذي انتهت إليه أن أحداً لم يشهد بإحداث المتهمين الأول والثاني لإصابات الرأس إذا أن تلك الإصابات قد حدثت في الظروف السابق استظهارها والتي تقطع بأنهما قد أحدثاها بعد إطلاق الأعيرة النارية على المجني عليه إمعاناً في التثبت من أنهما أجهزا عليه". ومفاد ما أورده الحكم فيما تقدم أن المحكمة قد اطمأنت إلى أن الطاعنين وحدهما هما اللذان ترصدا المجني عليه بقصد الإجهاز عليه وأنهما أطلقا عليه النار من بندقيتهما ثم أحدثا به الإصابات الرضية التي أثبتها التقرير الطبي بقصد التحقق من القضاء عليه. وإذ ما كان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وهي في ذلك ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة بل إن لها أن تستخلص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق دون تقيد هذا التصوير بدليل معين - وهو ما لم يخطئ الحكم في استخلاصه - فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجرائم التي دين الطاعنان بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة مستمدة من شهادة شاهدي الرؤية وأقوال ضابط المباحث ومن التقرير الطبي والمعاينة. وحصل أقوال شاهدي الرؤية بما مؤداه أنهما كانا يصاحبان المجني عليه في عودته من الحقل إلى البلدة وكان الأخير يتقدمهما يقود جملا فخرج عليه الجناة ففر المجني عليه هاربا إلا أن الطاعنين تبعاه وأطلق عليه أولهما عياراً نارياً من بندقيته أصابه في قدمه فوقع على الأرض منبطحاً على وجهه فعاجله الطاعن الثاني وهو على بعد نحو متر منه بإطلاق عيار آخر من بندقيته فأصابه في جنبه وأن الشاهدين فرا بعد ذلك طلباً للجناة. كما نقل الحكم عن تقرير في التشريحية" أن إصابات المجني عليه بالقدم اليسرى والإلية اليمني نارية حيوية حديثة تنشأ كل منها من عيار ناري واحد معمر بمقذوف مفرد يتعذر الجزم بتحديد نوعه أو نوع السلاح المطلق على وجه التحديد بالنسبة لعدم استقرار المقذوف أو جزء منه بالجسم وقد أصاب عيار الإلية اليمني باتجاه أساسي من خلف للأمام وبميل من أسفل لأعلا ومن يمين ليسار وذلك في الوضع الطبيعي للجسم نافذاً من الإلية اليمنى وخرج من يسار جدار البطن الأمامي وأنه بالنسبة لوجود علامات قرب إطلاق حول جرح الدخول وبالملابس مقابلة فإن الإطلاق كان على قرب ومن مسافة حوالي نصف متر تقريباً..
وإن إصابات المجني عليه بالرأس رضية حيوية حديثة تنشأ من المصادمة بجسم أو أجسام صلبة راضة أياً كان نوعها ومن الجائز حدوثها من مثل الضرب بعصا وأن الوفاة تعزى إلى ما أحدثته الإصابة النارية من تهتك بالأحشاء البطنية ونزيف بالتجويف البطني وما أحدثته الإصابات الرضية بالرأس من كسور بعظام الجمجمة ونزيف وتهتك بالمخ" ثم أورد الحكم ما أسفرت عنه مناقشة الطبيب الشرعي في قوله ".. تبين من مناقشة الدكتور مصطفي فؤاد الطبيب الشرعي بجلسة 28/ 12/ 1964 أنه من الجائز أن تحدث إصابة المجني عليه بالإلية اليمني وهو واقع على الأرض منبطحاً على وجهه ولا يكون هناك تعارض بين هذا الوضع وما ورد بتقرير الطبيب الشرعي عن مسار ذلك العيار، وذلك أن ما ورد بالتقرير الطبي الشرعي كان عن الوضع الطبيعي للجسم أي أن يكون واقفاً وراحتي يديه إلى الأمام غاية الأمر أن يكون مطلق العيار - في حالة انبطاح المجني عليه على وجهه واقفا قرب قدميه وفوهة السلاح المستعمل مصوب ناحية الإصابة بالألية اليمنى وطالما أن وجه المجني عليه يكون ناحية الأرض وظهره في مواجهة الضارب فيكون الاتجاه من أعلا لأسفل والأمام ويكون مسار العيار من اليمين وأعلا إلى اليسار وأسفل" ثم واءمت المحكمة بين الدليل القولي والدليل الفني بإفصاحها عن اطمئنانها إلى أقوال شاهدي الرؤية وأن اختلاف أقوالهما مع التقرير الطبي بشأن موضع الإصابة التي أحدثها كل من الطاعنين "مرفوع لهوانه إذ ساقه الشاهد الأول تعليلاً سائغاً حينما أشار إلى ما كان فيه من اضطراب وارتباك وقت الحادث لمقتل أخيه ولما قرره الثاني من أنه لم يتبين وضع المجني عليه حين أطلق المتهم الثاني العيار الناري عليه ومن ثم فلا يقدح ذلك في جوهر شهادتهما بصدد ثبوت التهمة قبل المتهمين الأولين". ولما كان الثابت مما أورده الحكم فيما تقدم أن المحكمة اطمأنت إلى أقوال الشاهدين من إصابة المجني عليه بالمقذوف الناري الذي أطلقه الطاعن الثاني عقب سقوط المجني عليه على الأرض منبطحاً على وجهه، وأخذت بما أبداه الخبير الفني وهو الطبيب الشرعي على جواز حصول تلك الإصابة بهذا التصوير، وعللت اختلافهما مع التقرير الطبي في شأن سير المقذوف بجسم المجني عليه بما انتاب أولهما من اضطراب لمصرع أخيه وبما قرره الثاني من عدم تبيانه موضع المجني عليه وقت إصابته، وهو تبرير سائغ من شأنه أن يؤدي إلى ما رتبه الحكم عليه من اطراح دفاع الطاعنين في هذا الشأن، ذلك بأن الأصل هو أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق - كما هي واقع الحال في الدعوى المطروحة - أما ما ينعاه الطاعنان على الحكم من اعتماده على أقوال الشاهدين بجلسة المحاكمة الأخيرة دون أقوالهما الثابتة بالتحقيقات السابقة على إعادة المحاكمة فمردود بأنه فضلاً عن أن لمحكمة الموضوع أن تعول في قضائها على رواية للشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو خالفت قولاً آخر له إذ مرجع الأمر في ذلك إلى اطمئنانها إلى ما تأخذ به دون ما تعرض عنه، فإن الثابت من المفردات المضمومة أن أقوال الشاهدين في التحقيقات السابقة قد خلت من تحديد الوضع الذي كان عليه المجني عليه أثر سقوطه على الأرض ثم جاءت شهادتهما الأخيرة مفسرة لما غمض من أقوالهما الأولى، ومن ثم فليس ثمة تعارض بين الشهادتين. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض إلى دفاع الطاعنين بشأن إصابة المجني عليه القطعية وما أسفرت عنه المعاينة من وجود دفاع جثة المجني عليه ملقاة على ظهرها خلافاً لأقوال الشاهدين ورد عليه في قوله "سواء أكان المجني عليه قد طعن المتهم الأول بمطواة أو لم يطعنه وسواء كان الأخير قد انتزعها منه أو لم ينتزعها فلا أثر له على أدلة الثبوت لعدم تعلقه بجوهر الواقعة أما كون جثة المجني عليه قد وجدت بمعاينة النيابة مسجاة على ظهرها فلا تلازم بين ذلك وأنها كانت على هذا الوضع وقت ارتكاب الحادث فالثابت أن معاينة النيابة قد سبقتها مناظرة أخرى قام بها الملازم ثان محمد السيد عنبر رئيس نقطة الكتكاته وأثبتها بمحضره المؤرخ 20/ 10/ 1961 الساعة 1 و35 دقيقة مساء وورد بها أنه قد لاحظ ضمن إصابات الجثة إصابتين برأس المجني عليه واحدة بمؤخر الرأس والثانية خلف الأذن وغني عن البيان أن تلك الملاحظة ووفقاً للسير العادي للأمور لا تتم والجثة مسجاة على ظهرها". لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد أطرحت دفاع الطاعنين الموضوعي وما ساقاه من قرائن بقصد النيل من أقوال شاهدي الرؤية، وأوردت في ذلك أسباباً سائغة، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها، فانه لا محل لما يثيره الطاعنان بشأن تعويل الحكم على أقوال شاهدي الإثبات ما دامت المحكمة قد اطمأنت إليها. أما ما يثيره الطاعنان من منازعة في القوة التدليلية لأقوال ضابط المباحث فإنه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في العناصر التي استنبطت منها محكمة الموضوع معتقدها بما لا تناقض فيه مما لا يقبل معه معاودة التصدي له أمام هذه المحكمة. لما كان ما تقدم، فان ما يثيره الطاعنان في هذه الأوجه لا يكون سديداً.
وحيث إن مبنى الوجه السادس من الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن المدعي بالحقوق المدنية طالب بالتعويض على أساس ما لحقه من ضرر مادي وأدبي بفقد أخيه المجني عليه وصور الضرر المادي بأنه مقابل ما سيطالبه به أولاد أخيه الذي لم يترك مالاً أما الضرر الأدبي فمقابل ما أصابه من آلام نفسيه، ومع أن المحكمة رفضت القضاء بالتعويض عن الضرر المادي الذي صوره المدعي فإنها حكمت له بتعويض عن الضررين المادي والأدبي معا وصورت الضرر المادي بأنه مقابل ما تكبده المدعي من نفقات في فقد أخيه فأقامت بذلك قضاءها على سبب آخر يخالف السبب الذي أقام عليه المدعي دعواه وعلي ما لا يمت بصلة مباشرة إلى فعل الجناية مما يخرج عن ولاية القاضي الجنائي ويعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن المدعي بالحقوق المدنية ادعى في مواجهة الطاعنين طالباً إلزامهما مع المتهمين الآخرين بأن يدفعوا له مبلغ مائة جنيه تعويضاً مؤقتاً عما أصابه من ضرر مادي وأدبي بقتل أخيه المجني عليه وحدد عناصر الضرر المادي بأن أخاه المجني عليه وقد خلف وراءه أسرة دون أن يترك لها مالاً فإن المدعي سيتولاها برعايته، وأما الضرر الأدبي فمقابل ما أصابه من آلام نفسية بقتل أخيه. وقد عرض الحكم للدعوى المدنية في قوله "إن ركن الخطأ في الدعوى المدنية ثابت في حق المتهمين الأولين - الطاعنين - من إدانتهما عن جريمة قتل أخ المدعي بالحق المدني، ولا جدال في أنه قد أصابه ضرر أدبي ومادي من جراء ذلك الخطأ يتمثل الضرر الأدبي فيما أصابه من آلام نفسية أما المادي فقد صوره المدعي المدني بمقابل ما سيطالبه به أولاد أخيه الذي لم يترك شيئا. ولما كان لم يقدم دليلاً على ذلك الضرر المادي فإن المحكمة في حل من الالتفات عن هذا التصوير وترى أن ما أصابه من ضرر مادي مقابل ما تكبده من نفقات في فقد أخيه ضئيل بالنسبة للضرر النفسي وتقدرهما جميعاً بمبلغ خمسين جنيها على سبيل التعويض النهائي يساءل المتهمان الأول والثاني عنه طبقاًًً للمادة 163 من القانون المدني وعلي وجه التضامن". لما كان ذلك، وكان الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية، وإنما أباح القانون استثناء رفعها إلى المحاكم الجنائية متى كانت تابعة للدعوى الجنائية وكان الحق المدعي به ناشئاً مباشرة عن ضرر للمدعي من الجريمة المرفوعة عنها الدعوى الجنائية، وكان من المقرر أنه وإن كان تقدير التعويض من سلطة محكمة الموضوع تقضي به بما تراه مناسباً وفقاً لما تتبينه من مختلف ظروف الدعوى وأنها متى استقرت على مبلغ معين فلا تقبل المناقشة فيه إلا أنها إذا ما اقحمت في هذه الظروف ما لا يجوز الادعاء به مدنياً تبعاً للدعوى الجنائية وأدخلته في حساب التعويض عنه تقديره، فإن قضاءها يكون في هذه الحالة مخالفاً للقانون ويكون لمحكمة النقض وفقاً للفقرة الأولى من المادة 39 من القانون رقم 57 لسنة 1959 أن تصحح الخطأ وتحكم على مقتضي القانون. ولما كانت محكمة الموضوع وان أصابت في قضائها بالتعويض عن الضرر الأدبي الذي أصاب المدعي من جراء مقتل أخيه المجني عليه، إلا أنها وقد أدخلت في تقدير عناصر الضرر المادي المصروفات التي تكبدها المدعي في فقد أخيه وهي ما لا يجوز القضاء بها من المحكمة الجنائية باعتبارها لم تنشأ مباشرة عن الفعل الجنائي، فإن هذه المحكمة تستبعد من التعويض المقضي به ما ترى أن محكمة الموضوع قد أدخلته في تقديره على ذلك الأساس الخاطئ، فتقضي بإلزام الطاعنين بأن يدفعا متضامنين للمدعي بالحقوق المدنية مبلغ أربعين جنيها والمصاريف المدنية المناسبة.