أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 15 - صـ 619

جلسة 26 من أكتوبر سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن؛ وبحضور السادة المستشارين: محمد صبري، وقطب فراج، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونور الدين عويس.

(122)
الطعن رقم 480 لسنة 34 القضائية

حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". اشتراك. "اتفاق". توافق. مسئولية جنائية. قتل عمد.
إدانة الحكم المتهمين في جريمة الاشتراك في القتل بطريقي الاتفاق والمساعدة. عليه استظهار عناصر هذا الاشتراك وطريقته، وأن يبين الأدلة الدالة على ذلك بياناً يوضحها ويكشف عن قيامها وذلك من واقع الدعوى وظروفها.
التوافق لا يفيد الاتفاق كطريق من طرق الاشتراك. شرط قيام الاتفاق: اتحاد النية على ارتكاب الفعل المتفق عليه.
التوافق لا يرتب في صحيح القانون تضامناً بين المتهمين في المسئولية الجنائية. مساءلة كل منهم عن نتيجة فعله الذي ارتكبه.
من المقرر أنه متى دان الحكم المتهمين في جريمة الاشتراك في القتل بطريقي الاتفاق والمساعدة فإن عليه أن يستظهر عناصر هذا الاشتراك وطريقته وأن يبين الأدلة الدالة على ذلك بياناً يوضحها ويكشف عن قيامها وذلك من واقع الدعوى وظروفها. فإذا كان ما أوردة الحكم وإن كان يدل على التوافق بين المتهمين لا يفيد الاتفاق كطريق من طرق الاشتراك لأنه لا يكفي لقيامه مجرد توارد الخواطر بل يشترط في ذلك أن تتحد النية على ارتكاب الفعل المتفق عليه، الأمر الذي لم يدلل الحكم على توافره بل نفاه في صراحة كما لم يثبت في حق الطاعنين توافر الاشتراك بأي طريق آخر حدده القانون. وكان مجرد التوافق لا يرتب في صحيح القانون تضامناً بين المتهمين في المسئولية الجنائية بل يجعل كلاً منهم مسئولاً عن نتيجة فعله الذي ارتكبه. وكان الحكم من جهة أخرى لم يثبت في حق المتهمين أنهم ساهموا في قتل جميع المجني عليهم، فإنه بذلك يكون مشوباً بالقصور مما يستوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم في يوم 25 يوليه سنة 1961 بدائرة مركز أشمون محافظة المنوفية: أولاً - المتهمون من الأول إلى الحادي عشر: اشتركوا في تجمهر مؤلف من أكثر من خمسة أشخاص الغرض منه ارتكاب جرائم القتل مستعملين في ذلك القوة والعنف مع علمهم بالغرض المقصود منه حالة كونهم حاملين أسلحة نارية وآلات من شأنها إحداث الموت إذ استعملت بصفة أسلحة فوقعت الجرائم الآتية تنفيذاً للغرض المقصود من التجمهر - المتهمان الأول والثاني 1 - قتلا جميل إبراهيم شاهين عمداً بأن أطلقا عليه أعيرة نارية قاصدين قتله فأحدثا به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. 2 - المتهمان الأول والثالث: قتلا إسماعيل إبراهيم شاهين عمداً بأن أطلقا عليه أعيرة نارية قاصدين قتله فأحدثا به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. 3 - المتهمون الرابع والخامس والسادس قتلوا إبراهيم شاهين عمداً بأن أطلقوا عليه أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. 4 - المتهمون من السابع إلى الحادي عشر: اشتركوا بطريق المساعدة مع المتهمين من الأول إلى السادس في ارتكاب جرائم القتل السالفة بأن توجهوا معهم إلى مكان الحادث لشد أزرهم فوقعت الجرائم بناء على هذه المساعدة. ثانياً - المتهم الثاني عشر: قتل عبد القوي علي يوسف عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيت النية على قتله وأعد لهذا الغرض آلة صلبة "فأس" وترصد له في المكان الذي اعتاد التوجه إليه حتى إذا ما ظفر به انهال عليه ضرباً بالفأس قاصداً قتله فأحدث به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. ثالثاً - المتهم الثالث عشر: اشترك مع المتهم الثاني عشر بطريق الاتفاق والمساعدة في ارتكاب الجريمة السالفة الذكر بأن اتفق معه على ارتكابها ورافقه إلى مكان الحادث لشد أزره فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة رابعاً - المتهم الأول أيضاً حاز سلاحاً نارياً مششخناً بغير ترخيص. وأحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 1 و2 و3 من القانون رقم 10 لسنة 1914 والمواد 40/ 2 و3 و41 و230 و231 و232 و234/ 1 من قانون العقوبات والمواد 1 و26/ 2 و30 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والبند "ب" من القسم الأول من الجدول رقم 3 الملحق به. وقد ادعى ورثة المجني عليهم بحق مدني وهم: 1 - هانم مصطفى حماد و2 - فتحي إبراهيم شاهين و3 - فتح الله إبراهيم شاهين الشهير بلطفي و4 - روحية إبراهيم شاهين و5 - مشاهدة إبراهيم شاهين و6 - شلبية إبراهيم شاهين و7 - حياة محمود سيد أحمد سويدان و8 - كاملة علي سليمان. وطلبوا القضاء لهم قبل المتهمين جميعاً متضامنين عدا الأخيرين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت، ومحكمة جنايات شبين الكوم قضت حضورياً بتاريخ 17/ 1/ 1963 عملاً بالمواد 40/ 2، 3 و41 و234/ 1 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 30/ 1 من القانون المذكور بالنسبة للمتهمين الخمسة الأول وبالمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة لباقي المتهمين: أولاً - بمعاقبة كل من المتهمين الخمسة الأول (الطاعنين) بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة وبمصادرة البنادق المضبوطة وإلزامهم بأن يدفعوا متضامنين على سبيل التعويض المؤقت مبلغ قرش صاغ واحد للمدعين بالحق المدني والمصروفات المدنية المناسبة ومبلغ عشرة جنيهات أتعاباً للمحاماة. ثالثاً - ببراءة باقي المتهمين من السادس إلى الثالث عشر مما أسند إليهم وتبرئة المتهم الأول من تهمة إحراز السلاح بدون ترخيص مع مصادرة هذا السلاح. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه مشوب بالقصور والتعارض في التسبيب، ذلك أنه إذ دانهم بأنهم اتفقو مع مجهولين من بينهم على قتل المجني عليهم، فإنه أقام قضاءه في ذلك على مجرد قيام التوافق بينهم على القتل، ودون أن يدلل على قيام الاشتراك وطريقته. وبعد أن نفى وجود اتفاق سابق بينهم على مقارفة الجرائم التي دانهم بها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنه في نحو السادسة من صباح يوم الحادث وجد عبد القوى علي يوسف قتيلاً بحقله الواقع بزمام ناحية الكوادي التابعة لمركز أشمون محافظة المنوفية وما أن وصل خبر مصرعه إلى مسامع أفراد عائلته وهي عائلة مرموقة المركز من حيث الملاءة ومنها العمدة ونائبه وعامل التليفون حتى اتجه تفكيرهم إلى حصر شبهة ارتكاب الجناية في عائلة أخرى من ذات البلدة هي عائلة شاهين لما بين هاتين العائلتين من خصومات سابقة دعت رجال الإدارة على رأسهم محافظ المحافظة إلى العمل على مصالحتهم وترتب على هذا الظن أن تجسم وهم إلقاء تبعة مقتل عبد القوي علي يوسف على أفراد عائلة شاهين المذكورة وزاد من حدة اشتعال هذا الظن تجمعهم لترتيب أمرهم في خصوص موضوع قتيلهم وأن منازلهم تجاور منزل إبراهيم شاهين الذي يضمه مع ولديه جميل وإسماعيل فثارت سخيمتهم وثبتت لديهم على الفور فكرة الانتقام وتزعم المتهمون فريق المنتقمين فحملوا أسلحة نارية واقتحموا منزل المجني عليهم فكسروا الباب ودخلوا عليهم ثم اطلقوا عليهم الأعيرة النارية التي أصابتهم بالإصابات الموصوفة بتقارير الصفة التشريحية والتي أدت لوفاتهم". ثم تحدث الحكم بعد ذلك عن اشتراك المتهمين في الجريمة التي دانهم بها بقوله "وحيث إنه يبين أن المتهمين الخمسة قد توافقوا على إيقاع الأذى بالمجني عليهم إذ تواردت خواطرهم على الإجرام، واتجهوا اتجاهاً ذاتياً نحو قتلهم بعد أن كسروا باب المنزل واقتحموه حاملين أسلحة نارية أطلقوها عليهم فأصابتهم الإصابات المبينة في تقرير الصفة التشريحية والتي أدت لوفاتهم وكانوا قاصدين الاشتراك في هذه الجريمة وعالمين بها فتعاونوا في ارتكابها وساند كل منهم الآخر حتى تم قصدهم من إزهاق أرواح المجني عليهم والتنكيل بهم شفاء لغليلهم فتمت الجريمة بناء على هذا الاشتراك وهذه المساعدة ولا ينال من هذا ألا يكون قد تم بينهم اتقاف سابق على ارتكابها لأن توافق الجناة هو مجرد توارد خواطرهم على ارتكاب فعل معين ينتويه كل واحد منهم في نفسه مستقلاً عن الآخرين دون أن يكون بينهم اتفاق سابق ولو كان كل منهم على حدة قد أصر على ما تواردت الخواطر عليه وبهذا يتحقق اشتراك المتهمين في ارتكاب الجريمة". وخلص الحكم من ذلك إلى أن المتهمين اتفقوا مع مجهولين من بينهم على قتل المجني عليه ودانهم بمقتضى المواد 40/ 2، 3 و41 و234/ 1 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان من المقرر وقد دان الحكم المتهمين في جريمة الاشتراك في القتل بطريقي الاتفاق والمساعدة فكان عليه أن يستظهر عناصر هذا الاشتراك وطريقته وأن يبين الأدلة الدالة على ذلك بياناً يوضحها ويكشف عن قيامها وذلك من واقع الدعوى وظروفها. إلا أن ما أورده الحكم وإن كان يدل على التوافق بين المتهمين لا يفيد الاتفاق كطريق من طرق الاشتراك لأنه لا يكفي لقيامه مجرد توارد الخواطر كما ذهب الحكم بل يشترط في ذلك أن تتحد النية على ارتكاب الفعل المتفق عليه، الأمر الذي لم يدلل الحكم على توافره بل نفاه في صراحة كما لم يثبت في حق الطاعنين توافر الاشتراك بأي طريق آخر حدده القانون. لما كان ذلك، وكان مجرد التوافق لا يرتب في صحيح القانون تضامناً بين المتهمين في المسئولية الجنائية بل يجعل كلاً منهم مسئولاً عن نتيجة فعله الذي ارتكبه. وكان الحكم من جهة أخرى لم يثبت في حق المتهمين أنهم ساهموا في قتل جميع المجني عليهم، فإنه بذلك يكون مشوباً بالقصور مما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي الأوجه.
وحيث إنه لما تقدم يتعين قبول الطعن من الطاعنين جميعاً ونقض الحكم المطعون فيه والإحالة.