أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 15 - صـ 637

جلسة 3 من نوفمبر سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ حسين صفوت السركي، وبحضور السادة المستشارين: محمد صبري: وقطب فراج، ومحمد محمد محفوظ، ونصر الدين عزام.

(127)
الطعن رقم 409 لسنة 34 القضائية

(أ، ب) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع.
( أ ) الخطأ في بيان مصدر الدليل لا يضيع أثره.
نسبة الحكم أقوال الشاهد إلى التحقيقات في حين أنه أدلى بها بجلسة المحاكمة. لا ينال من سلامته.
(ب) تقدير قوة الدليل. من سلطة محكمة الموضوع. اطمئنان المحكمة إلى رؤية الشاهد للمتهمين وهماً في طريق فرارهما عقب انتهاء الحادث. المجادلة في ذلك. غير مقبولة. ولو كانت رؤية الشاهد للمتهمين من الخلف.
(جـ) نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
ليس للدفاع عن المتهمين أن يطلب لأول مرة أمام محكمة النقض إجراء تجربة للتحقق من إمكان رؤية الشاهد لهما وقت مقارفتها للحادث.
(د، هـ، و) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "خبرة".
(د) ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني. يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على المواءمة والتوفيق.
(هـ) لمحكمة الموضوع أن تجزم ما لم يجزم به الطبيب الشرعي في تقريره. متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها.
(و) لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى. لها تبين سبب الجريمة ورد الحادث إلى صورته الصحيحة من جماع الأدلة. ولو كان ذلك بطريق الاستنتاج. متى كان ما حصله الحكم منها لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي.
(ز) جريمة. "أركانها". باعث. حكم. "تسبيبه. ما لا يعيب الحكم في نطاق التدليل".
سبب الجريمة ليس ركناً من أركانها ولا عنصراً من عناصرها. الخطأ فيه لا يؤثر في سلامة الحكم.
1 - لا ينال من سلامة الحكم أن ينسب أقوال الشاهد إلى التحقيقات في حين أنه أدلى بها بجلسة المحاكمة, إذ الخطأ في بيان مصدر الدليل لا يضيع أثره.
2 - متى كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أن الشاهد رأى الطاعنين وهما في طريق فرارهما عقب ارتكب الحادث، وكان يصح في منطق العقل أن يعرف الشخص من هيئته وقوامه ولو كانت رؤياه من الخلف أثناء فراره خصوصاً إذا سبقت له معرفته بمن رآه، وكان تقدير قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع وحدها فإن المجادلة في هذا الخصوص لا تكون مقبولة.
3 - إذا كان الدفاع عن الطاعنين لم يطلب من المحكمة إجراء تجريه للتحقيق من إمكان رؤية الشاهد الأول للطاعنين وقت مقارفتهما للحادث، فإنه لا يحق لهما من بعد أن يثيرا هذا الأمر لأول أمام محكمة النقض.
4 - الأصل هو أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القوي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على المواءمة والتوفيق.
5 - لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعي في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها.
6 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى ولها أن تتبين سبب الجريمة وأن ترد الحادث إلى صورته الصحيحة من جماع تلك الأدلة ولو كان ذلك بطريق الاستنتاج متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي.
7 - سبب الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصراً من عناصرها، والخطأ فيه بفرض حصوله لا يؤثر في سلامة الحكم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر بأنهم في يوم 23/ 7/ 1960 بناحية النهايا مركز ديروط محافظة أسيوط: أولاً - المتهمان الأول والثاني: قتلا جاد الرب رزق الله يوسف عمداً ومع سبق الإصرار بأن عقدا العزم المصمم على قتله وأعدا لذلك سلاحين ناريين من شأنهما إحداث القتل "بندقيتين" وتوجها إلى حقله وما أن ظفرا به حتى أطلقا عليه عيارين ناريين قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. ثانياً - المتهم الثالث: اشترك بطريق الاتفاق والتحريض مع المتهمين الأول والثاني في ارتكاب جريمة القتل سالفة الذكر بأن اتفق معهما على ارتكابها وحرضهما على ذلك فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وذلك التحريض. ثالثاً - المتهمان الأول والثاني أيضاً: (1) أحرزا بغير ترخيص سلاحين ناريين مششخنين بندقيتين (2) أحرزا ذخيرة "طلقات" مما تستعمل في السلاحين الناريين سالفي الذكر دون أن يكون مرخصاً لأيهما بحيازته أو إحرازه. وطلبت من محكمة الجنايات محاكمة المتهمين بمواد الإحالة. ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضورياً بتاريخ 22/ 11/ 1962 عملاً بالمواد 230 و231 من قانون العقوبات و1 و6 و26/ 2 - 4 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والجدول رقم 3 المرفق مع تطبيق المادتين 32/ 2 و17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الأول والثاني (الطاعنين) بمعاقبة كل منهما بالأشغال الشاقة المؤبدة وببراءة المتهم الثالث مما نسب إليه بلا مصاريف جنائية فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار وبجريمتي إحراز أسلحة وذخائر قد شابه خطأ في الإسناد وقصور وفساد في الاستدلال وانطوى على تناقض في التسبيب، ذلك بأن الحكم ذهب إلى أن الطاعنين دأبا على كسب عيشهما مما يفرضانه من إتاوات على أهل بلدتهما وأن توقف المجني عليه وشقيقه عن أداء ما فرض عليهما هو سبب الحادث في حين أن الثابت من أقوال شهود الواقعة أن الطاعنين يشتغلان بالزراعة وأنهما يحصلان لنائب العمدة ما يحرضهما على جمعه من إتاوات دون أن يستوليا على شيء منها، كما نسب الحكم إلى الشاهد يوسف رزق الله أنه قرر بالتحقيق أن الطاعنين حضرا إليه بمسكنه في الليلة السابقة للحادث واصطحباه إلى منزل نائب العمدة وسألاه عن سبب تأخره في دفع الإتاوة التي اعتاد دفعها سنوياً وهو ما يخالف الثابت من أقواله بمحضر تحقيق النيابة، كما أورد الحكم عند تحصيله لأقوال الشاهد عبد المنعم شحاته إسماعيل أنه قرر بالتحقيق مشاهدته للطاعنين يسرعان بالفرار يحمل كل منهما بندقية وأنه عند سؤاله بجلسة المحاكمة حاول أن يشكك في تلك الأقوال ثم عاد وأكد أنه رأى الطاعنين أثناء فرارهما وكان كل منهما يحمل سلاحاً مع أن الثابت من أقوال الشاهد بجلسة المحاكمة أنه شاهد الطاعنين من الخلف وهو ما يطابق أقواله في التحقيق ولا يتفق وما أورده الحكم من أنه أكد رؤيته للطاعنين ثم إن الحكم التفت عما أثاره الدفاع تدليلاً على عدم وجود الشاهد الأول يوسف رزق الله على مسرح الجريمة وعدم صدقه في روايته من استبعاد وقوع الحادث في المكان الذي أرشد عنه الشاهد إذ لم يعثر به على آثار دماء ولوجود زراعة ذرة به كان بإمكان المجني عليه أن يختبئ بها فلا يشاهده الطاعنان خاصة بعد أن لفت شقيقه نظره إلى مقدمهما كما كان بمكنة الطاعنين أن يعتصما بها فلا يراهما الشاهد ولأن لو صح تواجد الشاهد بمكان الحادث لأجهز عليه الطاعنان بعد أن تناوله تهديدهما بالقتل ليلة الحادث وما أورده الحكم رداً على هذا الدفاع غير كاف ولا يسوغ به إطراحه، ولم يعرض الحكم إلى دفاع الطاعنين بشأن دلالة العثور على طلقين ناريين بجيب القتيل وما رتبه الدفاع على ذلك من أن الحادث لم يقع بالصورة التي رواها الشاهد وإنما رجح وقوعه أثناء ارتكاب المجني عليه الحادث سطو فاعتدى عليه وجرد من سلاحه كما نعى الدفاع على المعاينة خلوها من تجربة رؤيا للتحقيق من إمكان رؤية الشاهد للطاعنين من داخل زراعة الذرة وتمسك أيضاً بدلالة عدم العثور على أثر لماشية المجني عليه أو ما يفيد قطع ذرة من الزراعة لغذائها مما يناقض أقوال الشاهد كما أثار الدفاع أمر الخصومة القائمة بين نائب العمدة الذي حكم ببراءته وقريب الطاعن الأول وبين شاهد الإثبات لأنه سبق أن شهد ضده في قضية جناية حكم فيها على الأخير بالحبس ثلاث سنوات وفي إغفال الحكم الرد على هذا الدفاع ما يعيبه بما يستوجب نقضه. كما أن الحكم عول في إدانة الطاعنين على أقوال الشاهد الأول وعلى تقرير الصفة التشريحية معاً على ما بينهما من تعارض لم يعن برفعه ذلك بأن الشاهد قرر أنه رأى مع الطاعن الأول بندقية ألماني ومع الطاعن الثاني بندقية هندي وأن أولهما أطلق عياراً على المجني عليه من بندقيته ثم سمع عياراً آخر رجح أن يكون الطاعن الثاني قد أطلقه من بندقيته في حين ثبت من تقرير الصفة التشريحية أن المجني عليه أصيب، فضلاً عن الجرحين الناريين بكدم رضي بوحشية العضد الأيمن لم يشر إليه الشاهد في أقواله كما أثبت التقرير أن العيارين اللذين أصابا القتيل أحدهما معمر بمقذوف ذي سرعة عالية والآخر بمقذوف ذي سرعة عالية أو متوسطة مما مفاده أن العيارين أطلقا من بندقيتين مختلفتين وأن البندقية التي انطلق منها العيار الثاني ليست من نوع البندقيتين اللتين حددهما الشاهد لأن البنادق الألماني والهندي تطلقان أعيرة من ذات السرعة العالية، كما أن التقرير الطبي لم يقطع بإمكان حدوث إصابات المجني عليه بالكيفية التي رواها هذا الشاهد.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إن المتهمين الأول والثاني - الطاعنين - دأبا على كسب عيشهما مما يفرضانه من إتاوات على بعض أهل بلدتهما وتوقف المجني عليه جاب الرب زرق الله يوسف وأخوه يوسف رزق الله عن الدفع فذهبا ليلة الحادث إلى منزل المجني عليه في طلبه هو وأخيه يوسف رزق الله يتعجلانهما في دفع ما فرض عليهما إلا أنهما لم يعثرا على المجني عليه جاب الرب رزق الله بمسكنه وإنما وجدا أخاه يوسف رزق الله فاصطحباه إلى دار نائب العمدة وهناك عاتباه على أنه هو وأخاه قد تلكأ في دفع مبلغ العشرة جنيهات المفروضة عليهما دفعها في كل عام ثم ضرباه ضرباً مبرحاً حتى يكون عظة له ولغيره ممن تحدثه نفسه عن القعود عن دفع ما يطلب منه، ولما عاد يوسف رزق الله إلى أهله يرتعد قلبه خوفاً أخذ يقلب الأمر بينهم إذ كيف له الخلاص من هذا المأذق وطمأنه أخوه المجني عليه بأنه ما أن يصبح الصبح حتى يحصلا للمتهمين على مطلبهما وذلك ببيع ماشية ودفع ثمنها لهما. وفى صبيحة يوم 23 مارس سنة 1960 أعد كل من المتهمين سلاحاً يطلق الرصاص مصممين على قتل المجني عليه وأخيه وتوجها إلى حيث كان المجني عليه وأخيه يوسف رزق الله يرعيان ماشيتهما فلما أن صارا على مقربة منهما شاهدهما يوسف رزق الله فنبهه أخاه إلى مقدمهما وقد تأبطا شراً وكان يوسف رزق الله بالأذرة يرقب سير الحوادث بينما أخذ أخوه المجني عليه في الفرار فهدداه بضرب النار إن لم يقف فاستدار لهما مستعطفاً إياهما وبأنه سيستجيب لطلبتهما إلا أن تصميمهما السابق على قتله لم يعرف إلى قلبهما طريق الرحمة فأفرغ فيه المتهم الأول الطاعن الأول عياراً نارياً أصابه في بطنه كما أطلق عليه آخر من بين المتهمين عياراً أصابه في بطنه أيضاً فأوديا بحياته بينما ظل أخوه يوسف رزق الله سادراً في هربه حتى بلغ دار العمدة وأبلغ بالحادث". واستند الحكم في إدانة الطاعنين إلى أقوال يوسف رزق الله وعبد المنعم شحاته إسماعيل وعبد العظيم حمدان وعبد الجواد عبد الواحد ووكيل شيخ خفراء بلدة النهايا وإلى ما أسفرت عنه المعاينة وتقرير الصفة التشريحية. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى ولها أن تتبين سبب الجريمة وأن ترد الحادث إلى صورته الصحيحة من جماع تلك الأدلة ولو كان ذلك بطريق الاستنتاج متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي. ولما كان الحكم قد استخلص الباعث على الجريمة من دأب الطاعنين على كسب عيشهما مما يفرضانه من إتاوات وتوقف المجني عليه وشقيقه عن دفع ما فرضاه عليهما، وكان ما استخلصه الحكم له صداه من أقوال شهود الواقعة وتحريات رجال المباحث المرفقة بالمفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لأوجه الطعن، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد يكون غير سديد، هذا إلى أن سبب الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصراً من عناصرها، والخطأ فيه بفرض حصوله لا يؤثر في سلامة الحكم. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعنان على الحكم من أنه نسب إلى الشاهد يوسف رزق الله أنه قرر بالتحقيقات على خلاف الحقيقة - بأن الطاعنين حضرا إليه بمسكنه ليلة الحادث واصطحباه إلى منزل نائب العمدة وسألاه عن سبب تأخره في دفع النقود التي اعتاد أن يدفعها لهما سنوياً مردوداً بأن ما أورده الحكم من ذلك له أصله من أقوال هذا الشاهد بجلسة المحاكمة ومن ثم فإنه لا ينال من سلامة الحكم أن ينسب أقوال الشاهد إلى التحقيقات في حين أنه أدلى بها بجلسة المحاكمة إذ الخطأ في بيان مصدر الدليل لا يضيع أثره. أما النعي على الحكم بأنه أخطأ في الإسناد إذ وصف أقوال الشاهد عبد المنعم شحاته إسماعيل على خلاف ظاهرها بأنها تؤكد رؤيته للطاعنين فإنه يبين من الحكم أنه حصل أقوال الشاهد بقوله. "وقد شهد الشاهد الثاني عبد المنعم شحاته إسماعيل بتحقيقات النيابة أنه أثناء تواجده بالماكينة التي يقوم بخفارتها سمع صوت إطلاق عيارين ناريين فخرج يستطلع الأمر فشاهد المتهمين الأول والثاني يسرعان بالفرار وكل منهما حاملاً لبندقية ثم حضر إليه بعد ذلك الشاهد الثالث وسأله عما إذا كان قد سمع إطلاق أعيرة نارية وعندئذ أبلغه بما شاهده وأضاف أنه علم من الأهالي أن المتهمين الأول والثاني هما مرتكبا الحادث وأنه وإن كان هذا الشاهد قد عاد بالجلسة وحاول أن يشكك في أقواله الأولى وفيما سبق أن أدلى به من أقوال فإنه لدى مواجهته بوكيل شيخ الخفراء عاد فأكد رؤيته للمتهمين يهربان حاملين سلاحيهما وما حصله الحكم على هذا النحو يتفق والثابت من أقوال الشاهد بمحضر تحقيق النيابة وبمحضر جلسة المحاكمة، ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أن الشاهد رأى الطاعنين وهما في طريق فرارهما عقب ارتكاب الحادث وكان يصح في منطق العقل أن يعرف الشخص من هيئته وقوامه ولو كانت رؤياه من الخلف أثناء فراره خصوصاً إذا سبقت له معرفته بمن رآه - كما هو الحال بالنسبة للشاهد. وكان تقدير قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع وحدها فإن المجادلة في هذا الخصوص لا تكون مقبولة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض إلى دفاع الطاعنين الموضوعي ورد عليه في قوله "وحيث إن الدفاع عن المتهمين دفع التهمة بأنه من غير المعقول والمتهمين يريان الشاهد الأول موجوداً بمحل الحادث أن يتركاه حراً طليقاً لكي يشهد على الواقعة كما أنه من غير المعقول أن يرى المجني عليه المتهمين مقدمين على قتله ولا يهرب في الأذرة التي بجواره، كما استبعد الدفاع أن يكون مسرح الجريمة هو ذلك المكان الذي وجدت فيه جثة المجني عليه وألا يترك القتيل آثار دماء بمكان القتيل... وأن هذا الدفاع من المتهمين مردود بأنه جاء بالتحقيقات أن الشاهد الأول كان على حافة الأذرة ولأول أن شاهد المتهمين يطلقان رصاصهما على المجني عليه هرب داخل الأذرة فكان من ضرب المحال إدراكه بالقتل ودون أن يعرفا شيئاً عن وجوده بينما هما منشغلين بالإجهاز على المجني عليه الذي لم يستطع الفكاك من مسرح الجريمة لوجوده بالأرض الخلاء وإدراكه بالقتل قبل أن يجد سبيله إلى زراعة الأذرة ليهرب مما ألم به، فضلاً عن أن إصابات المجني عليه القاتلة كانت في بطنه مما لا يترك أثراً في مكان وقوعه وإنما يكون النزيف الدموي الغزير الداخلي هو النتيجة لهذه الإصابة على نحو ما ثبت بالصفة التشريحية ومع ذلك فالمحكمة تلتفت عن هذا الدفاع بعد أن اطمأنت إلى ثبوت التهمة قبل المتهمين مما شهد به شهود الحادث" وما أورده الحكم فيما تقدم كاف ويسوغ به إطراح دفاع الطاعنين في هذا الشأن. لما كان ذلك، وكان الدفاع عن الطاعنين لم يطلب من المحكمة - على ما يبين من الاطلاع على محضر المحاكمة - إجراء تجريه للتحقيق من إمكان رؤية الشاهد الأول للطاعنين وقت مقارفتهما للحادث، فإنه لا يحق لهما من بعد أن يثيرا هذا الأمر لأول مرة أمام محكمة النقض، أما النعي على الحكم التفاته عن دفاعهما بشأن دلالة العثور على ظرفين بجيب القتيل وخلو مكان الحادث من أثر لماشية المجني عليه أو ما يفيد قطع ذرة من الزراعة لغذائها ووجود خلاف سابق بين الشاهد الأول والمتهم المحكوم ببراءته والذي تربطه بالطاعن الأول صلة القربى فإنه لا يعدو أن يكون دفاعاً متعلقاً بموضوع الدعوى مما لا تلتزم المحكمة بمتابعة الطاعنين فيه والرد عليه استقلالاً إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعنان على الحكم بخصوص استناده في إدانتهما إلى تقرير الصفة التشريحية وإلى شهادة الشاهد الأول مع ما بينهما من تعارض مردوداً بأن الأصل هو أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على المواءمة والتوفيق. ولما كان مؤدى أقوال الشاهد الأول أن الطاعنين قدما إلى زراعة المجني عليه يحمل أولهما بندقية ألماني ويحمل الثاني بندقية هندي وأن أولهما أطلق عياراً من بندقيته على المجني عليه ففزع الشاهد ثم سمع عياراً ثانياً منبعثاً من الطاعنين رجح أن يكون مطلقه الطاعن الثاني ونقل الحكم من تقرير الصفة التشريحية أن المجني عليه أصيب بكدم رضي بوحشية العضد الأيمن وبجرحين ناريين بالبطن أحدهما من عيار معمر بمقذوف ذي سرعة عالية والآخر من عيار معمر بمقذوف مفرد ذي سرعة عالية أو متوسطة وأن المقذوفين أطلقا في اتجاه أساسي في الوضع الطبيعي للجسم من الأمام للخلف وأن مسافة الإطلاق جاوزت مداه القريب وأن الوفاة تعزى إلى الإصابتين الناريتين، ولما كانت البنادق الألماني والهندي تطلق مقذوفات من ذوي السرعة العالية وكان التقرير الفني قد قطع بأن إحدى إصابتي المجني عليه تحدث من مقذوف ذي السرعة العالية، فإنه ليس ثمة تعارض بين الدليل الفني وأقوال الشاهد في هذا الشأن، ذلك بأن من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعي في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها، أما ما يثيره الطاعنان بشأن ما ثبت من التقرير الطبي من إصابة المجني عليه بكدم في عضده الأيمن مع أن الشاهد لم يشر إليها في أقواله فإنه مردود بأنه فضلاً عن أن الطاعنين لم يثيرا أمر هذه الإصابة أمام محكمة الموضوع. فإن الثابت من تقرير الصفة التشريحية أنه لا دخل لها في إحداث الوفاة وما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشاهد من إصرار الطاعنين على قتل المجني عليه وإطلاق أولهما عياراً نارياً عليه وإطلاق أحدهما عياراً آخر صوبه وجاء التقرير الطبي مؤيداً لأقوال الشاهد مثبتاً أن بالمجني عليه إصابتين ناريتين نشأت عنهما الوفاة، فإن ما يثيره الطاعنان من تعارض الدليل القولي مع الدليل الفني لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه.