أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 17 - صـ 69

جلسة أول فبراير سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمود عزيز الدين سالم، وحسين سامح، ومحمد أبو الفضل حفني.

(13)
الطعن رقم 1162 لسنة 35 القضائية

( أ ) دعوى جنائية. "وقف السير فيها". إعلام شرعي.
وقف الدعوى الجنائية حتى يفصل في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية. أمر جوازي موكول إلى المحكمة. لها سلطة تقدير جدية النزاع وما إذا كان يستوجب وقف السير في الدعوى أولاً. المادة 223 إجراءات المعدلة.
(ب) إجراءات المحاكمة. إثبات. "إثبات بوجه عام". إعلام شرعي.
المحاكمة الجنائية. العبرة فيها باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه. لا يصح مطالبته بالأخذ بدليل بعينه فيما عدا الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك.
(ج) تزوير. إثبات. إعلام شرعي.
إثبات التزوير واستعماله. ليس له طريق خاص. العبرة بما تطمئن إليه المحكمة من الأدلة السائغة. لا محل للاحتجاج بأن المادة 361 من لائحة المحاكم الشرعية قد رسمت طريقاً وحيداً لإثبات عكس ما ورد في إعلام الوراثة.
(د) تزوير. "استعمال".
إثبات الحكم تقديم المتهم الإعلام الشرعي المزور إلى البلدية مع علمه بتزويره. تحقق العناصر القانونية لجريمة استعمال محرر مزور. وكالته عن زوجته لا تنفي مقارفته الجريمة التي دين من أجلها.
(هـ) تزوير. "استعمال". دعوى مدنية. تعويض.
إثبات الحكم في حق المتهمين أنهما بتزويرهما الإعلام الشرعي واستعماله قد تسببا في الإضرار بالمدعيين بالحقوق المدنية لتعطيلهما صرف المبلغ المستحق لهما ولباقي المستحقين وحرمانهم منه. القضاء للمدعيين بالحقوق المدنية بالتعويض المؤقت المطالب به. صحيح.
(و) دعوى مدنية. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
المنازعة في صفة المدعيين بالحقوق المدنية في المطالبة بمبلغ التعويض. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
1 - أصبح وقف الدعوى الجنائية طبقاً للمادة 223 من قانون الإجراءات الجنائية بعد تعديلها بالقانون رقم 100 لسنة 1962 جوازياً للمحكمة الجنائية. فإذا كان الحكم فيها يتوقف على الفصل في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية فإن المشرع أجاز بمقتضى هذا النص لقاضي الموضوع سلطة تقدير جدية النزاع وما إذا كان مستوجباً لوقف السير في الدعوى أو أن الأمر من الوضوح أو عدم الجدية بما لا يقتضي وقف السير في الدعوى الجنائية واستصدار حكم فيه من المحكمة المختصة. ولما كانت المحكمة قد اقتنعت من الأدلة السائغة التي أوردتها وانتهت منها إلى عدم صحة البيانات الواردة في الإعلام الشرعي فإنها بذلك تكون قد ارتأت ضمناً باستغنائها عن وقف سير الدعوى الجنائية لاستصدار حكم بالوراثة من الجهة المختصة.
2 - الأصل في المحاكمات الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته. ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل بعينه أو بقرينة خاصة فيما عدا الأحوال التي قيده فيها القانون.
3 - لم يجعل القانون الجنائي لإثبات التزوير واستعماله طريقاً خاصاً وما دامت المحكمة قد اطمأنت من الأدلة السائغة التي أوردتها إلى ثبوت الجريمة في حق الطاعنين. فإنه لا محل إذن للاحتجاج بأن المادة 361 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية قد رسمت طريقاً وحيداً لإثبات عكس ما ورد في إعلام الوراثة. ذلك لأن ما نص عليه في المادة المذكورة من حكم إن هو في الحقيقة إلا استدراك عادل لما عسى أن يكون قد أدرج بالإعلام نتيجة السهو أو الخطأ مما تتأثر به حقوق الورثة الشرعيين بإضافة غير وارث إليهم أو إغفال ذكر من يستحق أن يرث شرعاً ولا شأن لحكم هذه المادة بالإعلام الذي يكون الحكم الجنائي قد أثبت أنه زور بسوء القصد وتغيرت فيه الحقيقة التي كان يجب أن يتضمنها الإعلام الشرعي الصحيح.
4 - إذا كان الحكم قد أثبت أن الطاعن استعمل الإعلام الشرعي المزور مع علمه بذلك بأن قدمه إلى بلدية الإسكندرية - وهو ما تتحقق به العناصر القانونية لجريمة استعمال المحرر المزور التي دانه بها فإنه يكون مسئولاً عنها ويحق عقابه عليها ذلك بأن وكالته عن زوجته لا تنفي أنه هو الذي قارف الجريمة التي دين من أجلها.
5 - إذا كانت المحكمة قد أثبتت في حق الطاعنين أنه بتزويرهما الإعلام الشرعي واستعماله قد تسببا في الإضرار بالمدعيين بالحقوق المدنية لتعطيلهما صرف المبلغ المستحق لهما ولباقي المستحقين وحرمانهم منه والقضاء لهما بناء على ذلك بصفتهما مستحقين وحارسين في وقف معين بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً كتعويض مؤقت. فإن المحكمة تكون قد بينت الجريمة التي بنت عليها قضاءها بالتعويض المؤقت والتي هي بذاتها فعل ضار يستوجب الحكم على فاعليه بالتعويض طبقاً لأحكام القانون.
6 - إذا كان الطاعنان لم ينازعا المدعيين بالحقوق المدنية أمام محكمة الموضوع في الصفة التي كانا يطالبان بمقتضاها الحكم لهما بالتعويض المؤقت الذي قدراه وانتهى الحكم المطعون فيه إلى القضاء لهما به بناء عليها. فإنه لا يقبل من الطاعنين أن ينازعا في صفة المدعيين بالحقوق المدنية في المطالبة بمبلغ التعويض المؤقت أو في استحقاقهما في القدر الذي أوقف صرفه من استحقاق المستحقين لأول مرة أمام محكمة النقض لانطواء ذلك على أمر يستدعي تحقيقاً فلا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 7 يونيه سنة 1961 بدائرة العطارين: استعملا إعلاماً بتحقيق الوفاة والوراثة ضبط بناء على أقوال غير صحيحة مع علمهما بذلك بأن قدماه لبلدية الإسكندرية لإثبات استحقاق الأولى في وقف وطلبت عقابهما بالمادة 226 من قانون العقوبات. وقد ادعى مدنياً (1) عبد السلام يونس سعيد عن نفسه وبصفته مستحقاً في وقف البحار (2) أحمد لطفي دحمان عن نفسه وبصفته حارساً على الوقف المذكور وطلبا القضاء لكل منها بمبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهمين، ومحكمة الجمرك الجزئية قضت حضورياً بتاريخ 25 ديسمبر سنة 1963 عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهمين من التهمة المسندة إليهما ورفض الدعوى المدنية وإلزام رافعيها مصاريفها. استأنفت النيابة العامة هذا الحكم كما استأنفه المدعيان بالحق المدني ومحكمة الإسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياًً بتاريخ 25 فبراير سنة 1964 بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع وبإجماع الآراء بتغريم كل من المتهمين خمسة جنيهات وإلزامهما أن يؤديا متضامنين للمدعين بالحق المدني واحداً وخمسين جنيها على سبيل التعويض المؤقت وألزمتهما المصاريف المدنية عن درجتي التقاضي بلا مصاريف جنائية. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة استعمال إعلام بإثبات وفاة ووراثة مزور قد شابه قصور في التسبيب وذلك بأنه لم يعن بالرد على ما كان الحكم الابتدائي قد استند إليه في قضائه ببراءة الطاعنين من أنهما لم يشكا في صحة بيانات الإعلام محل الاتهام لسبق القضاء من محكمة الإسكندرية الابتدائية بقبول تدخل الطاعنة الأولى خصيمة في الدعوى رقم 72 سنة 1956 كلي أحوال شخصية إسكندرية المرفوعة من عبد العزيز صالح دحمان ضد المطعون ضده الثاني أحمد لطفي دحمان يطالبه فيها باستحقاقه 6 ط من 24 ط في وقف المرحوم محمد سالم البحار في حين أن ما عول عليه الحكم الابتدائي من ذلك يعد قرينة جوهرية في الدعوى ذلك لأن المنازعات في مسائل الوراثة والأوقاف والاستحقاق فيها من الوقائع المعتاد عرضها على دوائر القضاء وإذا ما رجحت فيها كفة خصم على خصم آخر فإن أحدهما لا ينسب إلى الآخر أنه زور ما قدمه ضده من إعلامات شرعية. وفضلاً عن ذلك فإن المطعون ضده الثاني لم يعترض على تدخل الطاعنة الأولى في الدعوى سالفة البيان وتقديمها فيها الإعلام الشرعي محل الاتهام منذ صدوره في 29 ديسمبر سنة 1954 حتى حكم في 19 يونيه سنة 1958 بقبول تدخلها في تلك الدعوى وأن تراخيه وإهماله في الاعتراض على ذلك طيلة هذه المدة يعد أيضاً قرينة من شأنها أن تؤكد حسن نية الطاعنة الأولى، ومن ناحية أخرى فإن هذا الإعلام ضبط على أساس من التحريات الإدارية الصادرة من الجهات الرسمية وعلي ما شهد به الشهود ورغم ذلك فإن المحكمة التفتت عن تلك البيانات الرسمية الواردة به ولم تدل برأيها في القرينة المستمدة منها حتى يتبين مدى أثرها في تكوين عقيدتها والتي تفيد بجلاء حسن نية الطاعنين مما يعيب حكمها المطعون فيه بالقصور الذي يبطله ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فيما محصله أن المطعون ضدهما - المدعيين بالحقوق المدنية - كانا يستحقان نصيباً في أعيان وقف البحار وقد طلبا من بلدية الإسكندرية صرف استحقاقهما فيما نزعت ملكيته من أعيان هذا الوقف إلا أنه تبين لها أن البلدية أوقفت الصرف لأن الطاعنة الأولى قد وجهت إليها إنذاراً رسمياً بأنها تستحق نصيباً في الوقف المذكور آل إليها عن جدتها المرحومة سلمونة يونس تعاريت الشهيرة بسلمونه سالم الداوي وشفعت ذلك هي وزوجها الطاعن الثاني بتقديم إعلاماً شرعياً إلى بلدية الإسكندرية صادراً من محكمة المنشية الشرعية برقم 311 لسنة 1954 يفيد أن المرحومة سلمونة يونس تعاريت الشهيرة بسلمونة سالم الداوي توفيت في سنة 1920 عن ابنها المرحوم سعيد يونس تعاريت مع أن هذه البيانات غير صحيحة لما هو ثابت من أن المرحومة سلمونة يونس تعاريت جدة الطاعنة الأولى ليست هي سلمونة سالم الداوي إذ توفيت هذه الأخيرة عقيماً في سنة 1925 ولم تخلف سعيد يونس تعاريت والد الطاعنة المذكورة. وبعد أن أورد الحكم أقوال الطاعنين ومؤدى الأدلة التي استند إليها في ثبوت الواقعة لديه على هذا النحو في حقهما والمستمدة من أقوال المدعيين بالحقوق المدنية وأقوال شاهديهما وما قدماه من مستندات في الدعوى استظهر الحكم عدم صحة البيانات الواردة بالإعلام الشرعي محل الاتهام في قوله: "أولاً" ثابت بالإشهاد سالف الذكر أن جدة المتهمة الأولى (الطاعنة الأولى) لأبيها تدعى سلمونة يونس تعاريت الشهيرة بسلمونه الداوي في حين الثابت أن هذه المتهمة قد حصلت على إشهاد شرعي برقم 838 سنة 1953 المنشية ثابت به أن اسم جدتها لأبيها سالف الذكر هو سلمونة سعيد يونس وهو اسم يغاير للاسم الوارد بالإشهاد الأول ولم تبد المتهمة في دفاعها تعليلاً لذلك سوى ما قررته من أنها استحصلت على الإشهاد رقم 838 لسنة 1953 المنشية لترث به في وقف تعاريت ثم حصلت على الإشهاد الثاني لترث به في وقف البحار (ثانياً) ثابت من مستخرج شهادة وفاة والد المتهمة الأولى والمستخرجة من بلدية الإسكندرية أن اسم والدته سلمونة يونس وليس سلمونة سالم الداوي كما تزعم المتهمة. (ثالثاً) ثابت بشهادة القنصلية الفرنسية التي قدمها المتهم الثاني (الطاعن الثاني) أن المتهمة الأولى هي ابنة سعيد بن تعاريت وأن والده هو يونس بن تعاريت ووالدته هي سلمونة بنت يونس بن تعاريت ولم يرد بهذه الشهادة ما يشير من قريب أو بعيد إلى أن جدة المتهمة الأولى لأبيها تنسب إلى سالم الداوي ولها شهرة بهذا الاسم (رابعاً) ثابت أن سلمونة الداوي كانت على قيد الحياة بعد التاريخ الذي تحدد في الإشهاد المطعون عليه لوفاتها وهو سنة 1920 إذ الثابت أنها قامت بإجراءات توكيل رسمي لرمضان علي الداوي سنة 1921 "مستند رقم 3 حافظة المدعيين بالحقوق المدنية" (خامساً) ثابت أن من تدعى شويخة سالم الداوي التي ورد بالإعلام الشرعي المطعون بتزويره أنها أنجبت زعيمة السيد جمعة المتوفاة سنة 1915 لم تخلف ابنة بهذا الاسم وأن ابنتها تدعى زعيمة علي الداوي وأن الأخيرة توفيت عن ولدين هما فطومة النجار وعمر النجار "صورة محضري جلسة الطاعن رقم 140 لسنة 31 - 1932 أمام المحكمة الشرعية العليا وإعلان الاستئناف رقم 1067 سنة 76 قضائية استئناف القاهرة - المقدمين بحافظة مستندات المدعيين بالحقوق المدنية المقدمة بجلسة 20/ 5/ 1962 تحت رقمي 4 و5" (سادساً) ثابت أن سلمونة سالم الداوي قد توفيت عقيماً "صورة محضر جلسة الطعن رقم 140 لسنة 31 - 1932 أمام المحكمة الشرعية العليا السابق الإشارة إليه". (سابعاً) ثابت أن أم العز بنت سعيد علي الداوي التي ورد بالإعلام الشرعي بأنها لم تنجب سوي رمضان أحمد محمد الذي مات عقيماً قد أنجبت رمضان عمر قاسم الداوي الذي خلف أولاداً خمسة هم سعيد وأم العز وصلوحه وشويخه وتللعز "صورة رسمية من حكم محكمة استئناف إسكندرية برقم 40 سنة 11 قضائية - مستند رقم 10 حافظة مستندات المدعي المدني" وحيث إن الأدلة سالفة الذكر قاطعة في أن الإعلام الشرعي المطعون عليه قد ضبط بناء على أقوال غير صحيحة إذ تضمن نسبة من تدعى سلمونة يونس تعاريت الشهيرة بسلمونه الداوي إلى أصل هي سليمة أحمد سالم بن دحمان باعتبارها والدتها كما تضمن نسبة سعيد يونس تعاريت إلى أصل هي سليمة أحمد سالم بن دحمان سالفة الذكر باعتبارها جدة له خلافاً للحقيقة كما تضمن نسبة كل من رمضان أحمد محمد إلى أصل هو أم العز سعيد علي الداوي وزعيمة السيد جمعة إلى أصل هي شويخه سالم الداوي وذلك خلافاً للحقيقة متى أغفل ذكر فروعهم الحقيقيين......" ثم استطرد الحكم مستدلاً على توافر علم الطاعنين بعدم صحة هذه البيانات بأن قال ما نصه: "(أولاً) لم يذكر المتهمان في الإشهاد موضوع الدعوى الاسم الحقيقي ممن انتسبت إليها المتهمة الأولى باعتبارها جدتها رغم ما رواه في التحقيق من علمها باسمها الصحيح وهو سلمونة سالم الداوي، ولا يجدي المتهمين ما تعللا به من أنها كانت متزوجة بمن يدعى يونس تعاريت واستحدث منه هذا الاسم إذ لو صح ذلك لأوضحاه في الإشهاد. (ثانياً) تضمن الإشهاد سالف الذكر فيما عدا سلمونة يونس تعاريت الشهيرة بسلمونة الداوي الأسماء الصحيحة لفروع الأصل الوارد بالإشهاد سليمة أحمد صالح - وهما شويخة سالم الداوي وسعيد علي الداوي ويبين من ذلك أنهما على بينة بهذه الفروع فلا يقبل منهما القول بعدم علمهما بفروع هذين الأخيرين. (ثالثاً) أن ما استند إليه الدفاع عن المتهمين من أن التهمة الأولى قد تدخلت في الدعوى رقم 72 سنة 1956 أحوال شخصية إسكندرية المرفوعة من الصاغ عبد العزيز صالح أحمد دحمان ضد أحمد لطفي دحمان (المدعي بالحقوق المدنية الأول) وآخرين تنضم إلى المدعى عليهم بها دون أن يعترض الأخيرون على تدخلها وقضاء المحكمة بقبول هذا التدخل لا ينفي عن المتهمين علمهما بما جاء بالإشهاد من وقائع غير صحيحة ولا يعفي عنهما سوء القصد خاصة وقد قدم الدفاع عن المدعيين بالحقوق المدنية صورة رسمية لمذكرة تقدما بها في الدعوى سالفة الذكر يعترضان فيها على تدخل المتهمة الأولى (حافظة المدعي المقدمة بجلسة 4 فبراير سنة 1964 مستند رقم 2) رابعاً: لم يرد بأي من المستندات المقدمة في الدعوى الخاصة بوقف البحار الذي تطالب المتهمة الأولى باستحقاقها فيه اسم سلمونة يونس تعاريت باعتبارها من ورثة سليم أحمد صالح إذ لو صح أن هذا اسمها لجاء ذكر لهذا الاسم بأي من هذه المستندات أو الأحكام كما أن ما زعمته المتهمة الأولى زكية يونس تعاريت من أن والدها قد خلف لها شجرة نسب تضمنت استحقاقه في وقف البحار وأنها سلمت هذه الورقة إلى المدعو محمد سعيد صالح تعاريت الذي سلمها بدوره إلى المدعي بالحقوق المدنية الأول وقد رفض الأخير إعادتها محتجاً بأن ليس للمذكورة استحقاق في الوقف فإن هذا القول لا ينهض دليلاً على حسن نيتها إذ أنها لم تحدد في أقوالها مضمون هذه الورقة وكل ما قررته في هذا الصدد أنها شجرة نسب لم تفهم ما تحويه ولم تكشف شهادة محمد سعيد صالح عن شيء في هذا الصدد سوى ما قرره من أنها خاصة بوقف البحار ولم يذكر أنه ورد بها اسم للمتهمة الأولى أو والدها. خامساً: أن ما يزعمه الدفاع عن المتهمين من أن والد سلمونه يونس تعاريت ليس يونس تعاريت وإنما الأخير هو زوجها ولا يعقل أن يكون والدها وزوجها بنفس الاسم يدحض ما قدمه المدعي المدني من مستند مثبت لوفاة زوج سلمونه وهو يونس سعيد علي تعاريت وثابت به أيضاً أن والدها يحمل نفس الاسم (مستند رقم 4 حافظة المدعي المدني المقدمة لجلسة 25 فبراير سنة 1962)". لما كان ذلك وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من مجموع الأدلة والعناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة ولها أصل في الأوراق وكانت المحكمة قد اقتنعت بالأدلة السائغة التي أوردتها أن ذلك الإعلام تضمن بيانات غير صحيحة إذ أثبت فيه على خلاف الحقيقة أن المرحومة سلمونة يونس تعاريت هي الشهيرة بسلمونه سالم الداوي المتوفاة في سنة 1920 عن ابنها سعيد يونس تعاريت في حين أن الحقيقة أن المرحومة سلمونة يونس تعاريت ليست هي سلمونة سالم الداوي وأن هذه الأخيرة توفيت في سنة 1929 عقيماً وأطرحت المحكمة ما يخالف ذلك لعدم اقتناعها بصحته واستخلصت في استدلال سليم أن الطاعنين كانا يعلمان بعدم صحة ما جاء بالإعلام من بيانات غير صحيحة كما ولم تغفل أن تعرض إلى دلالة القرينة المستفادة من قبول تدخل الطاعنة الأولى خصيمة في الدعوى رقم 72 لسنة 1956 أحوال إسكندرية وردت عليها بما يفندها. لما كان ذلك، وكان الأصل في المحاكمات الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته ولا يصح مطالبة قاضي الموضوع بالأخذ بدليل بعينه فيما عدا الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الوجه من طعنهما لا يعدو أن يكون جدلاً في الموضوع مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ومن ثم يكون نعيهما على الحكم المطعون فيه بالقصور في هذا الصدد في غير محله.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني من الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن الطاعنين كانا قد دفعا بعدم جواز الطعن في الإعلام الشرعي محل الاتهام قبل الحصول على حكم من محكمة الأحوال الشخصية بعدم صحته إعمالاً لنص المادة 361 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية إلا أن المحكمة رفضت هذا الدفع بدعوى أنها غير مقيدة في تكوين عقيدتها بأدلة سائغة معينة ومن ثم فلا يجوز الاحتجاج عليها في هذا الشأن بحكم المادة 361 المذكورة مع أن قضاء محكمة النقض قد جرى قبل وضع المادتين 226 و227 من قانون العقوبات وبعده على أن الإعلام الشرعي حجة لا يصح إثبات عكس ما ورد فيه إلا بدليل وحيد وهو حكم شرعي في دعوى ترفع بالطريق الشرعي أمام محكمة الأحوال الشخصية وهذا النظر كان يوجب على المحكمة إعمالاً لنص المادة 225 من قانون الإجراءات الجنائية أن تتبع هذا الطريق في الإثبات وإجابة طلب الطاعنين بوقف الدعوى طبقاً لنص المادة 223 من ذلك القانون حتى يستصدر حكم من محكمة الأحوال الشخصية في هذا الشأن مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه رد وعلي ما دفع به الطاعنان من عدم جواز الطعن في إعلام الوراثة بغير طريق الحصول على حكم من محكمة الأحوال الشخصية بعدم صحة هذا الإعلام وأطرحه في قوله "أن هذا الدفع مردود بما هو مقرر من أن المحكمة الجنائية غير مقيدة في تكوين عقيدتها بأدلة محددة وذلك في غير الجرائم التي يعين لها القانون الجنائي طريقاً معيناً لإثباتها ولم يرد في صدد أحكام جرائم التزوير في قانون العقوبات ما يقيد القاضي الجنائي بطريق خاص في الإثبات ومن ثم فإن الاحتجاج بأن المادة 361 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية قد رسمت الطريق الوحيد لإثبات ما يخالف ما انضبط في الإعلام غير صحيح في القانون". وما أورده الحكم فيما تقدم صحيح في القانون ذلك بأن القاضي في المواد الجنائية غير مقيد في قضائه بالأخذ بدليل معين أو بقرينة خاصة بل هو يحكم مما اطمأن إليه من أي عنصر من عناصر الدعوى وظروفها المعروضة عليه وإذ ما كان ذلك وكان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات التزوير واستعماله طريقاً خاصاً وما دامت المحكمة قد اطمأنت من الأدلة السائغة التي أوردتها إلى ثبوت الجريمة في حق الطاعنين وأنه لا محل إذن للاحتجاج بأن المادة 361 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية قد رسمت طريقاً وحيداً لإثبات عكس ما ورد في إعلام الوراثة ذلك لأن ما نص عليه في المادة 361 من اللائحة المذكورة من حكم إن هو في الحقيقة إلا استدراك عادل لما عسي أن يكون قد أدرج بالإعلام نتيجة السهو أو الخطأ سهواً أو خطأً تتأثر به حقوق الورثة الشرعيين بإضافة غير وارث إليهم أو إغفال ذكر من يستحق أن يرث شرعاً ولا شأن لحكم هذه المادة بالإعلام الذي يكون الحكم الجنائي قد أثبت أنه زور بسوء القصد وتغيرت فيه الحقيقة التي كان يجب أن يتضمنها الإعلام الشرعي الصحيح. ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الخصوص لا يكون سديدا. لما كان ما تقدم، وكانت المادة 223 من قانون الإجراءات الجنائية قد عدلت بالقانون رقم 100 لسنة 1962 وأصبح وقف الدعوى الجنائية جوازياً للمحكمة الجنائية فإذا كان الحكم فيها يتوقف على الفصل في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية فإن المشرع أجاز بمقتضى هذا النص لقاضي الموضوع سلطة تقدير جدية النزاع وما إذا كان مستوجباً لوقف السير في الدعوى أو أن الأمر من الوضوح أو عدم الجدية بما لا يقتضي وقف السير في الدعوى الجنائية واستصدار حكم فيه من المحكمة المختصة، ولما كانت المحكمة قد اقتنعت من الأدلة السائغة التي أوردتها والتي انتهت منها إلى عدم صحة البيانات الواردة في ذلك الإعلام فإنها بذلك تكون قد ارتأت ضمناً باستغنائها عن وقف سير الدعوى الجنائية لاستصدار حكم بالوراثة من الجهة المختصة. ومن ثم فإن جميع ما ينعاه الطاعنان في هذا الوجه يكون غير سديد.
وحيث إن مبني الوجه الثالث من الطعن هو القصور في التسبيب والخطأ في الإسناد وفي تطبيق القانون ذلك بأن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلزام الطاعنين بالتعويض فاته أن ركن الضرر منتف فيها وأن المدعيين بالحقوق المدنية لم يقدما من جانبهما ما يدل على تحققه وهو ما كان يتعين معه على المحكمة أن تستظهر رابطة السببية بين الجريمة وبين الضرر المدعي به - ثم إن الحكم استند في إثبات الضرر إلى أن الطاعنين باستعمالها ذلك الإعلام بتقديمه إلى بلدية الإسكندرية تسبباً في وقف صرف التعويض المستحق لهما مع أن الثابت من خطاب بلدية الإسكندرية المضموم إلى الأوراق أنها لم تحجز نصيب المدعيين بالحقوق المدنية وإنما حجزت ما يقابل حصة المرحومة سليمة بنت تللعز ومقدارها 1 ط و8 س وهي الحصة التي كانت الطاعنة الأولى تطالب بنصيبها فيها وليس للمدعيين بالحقوق المدنية أي شأن فيها وإن كانا قد حاولا صرفها بوصفيهما وكيلين عن مستحقيها إلا أن البلدية أوقفت الصرف بحجة أن أصحابها لم يقوموا بتنفيذ ما نص عليه القانون رقم 122 سنة 1958 من أحكام مما دعاهما إلى التنازل عن صفتهما هذه والاكتفاء في المطالبة بالتعويض بصفتهما الشخصية وبين مما تقدم أن تعطيل الصرف لم يكن مرجعه إنذار الطاعنة الأولى الذي وجهته إلى البلدية وتقديمهما الإعلام الشرعي محل الاتهام. ولما كان المدعيان بالحقوق المدنية قد قاما بصرف كل استحقاقهما فإن ما ذهب إليه الحكم من أن الضرر يتوافر في حقهما تأسيساً على أن تعطيل الصرف إنما كان بسبب استعمال ذلك الإعلام يكون مخالفاً للثابت بالأوراق ومنطوياً على خطأ في تطبيق القانون وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن أثبت التهمة في حق الطاعنين عرض إلى الدعوى المدنية المرفوعة ضدهما واستظهر توافر أركانها القانونية في قوله "وحيث إن الثابت أن المتهمة الأولى قد قامت بإنذار بلدية الإسكندرية طالبة وقف صرف مبلغ 450 ج لمستحق وقف البحار الذي يحصله الحارسان عليه حمد لطفي دحمان ومحمد علي جاويش وذلك بتاريخ 27/ 6/ 1961 لاستحقاقهما في هذا الوقف متى أن زوجها المتهم الثاني قد قدم الإعلام الشرعي سالف الذكر إلى بلدية الإسكندرية لإثبات وراثة زوجته واستحقاقها في هذا الوقف وقد أدى مسلكهما إلى أن البلدية قد أوقفت صرف المبلغ لمستحقيه ومن ثم ترتب على ما ارتكبه المتهمان ضرر حاق بالمدعيين بالحق المدني يتشكل في تأخير صرف هذا المبلغ لهما ولباقي المستحقين" ما قاله الحكم من ذلك بالنسبة إلى قضائه في الدعوى المدنية كاف لحمل الحكم فيها ما دام أن المحكمة قد أثبتت في حق الطاعنين أنه بتزويرهما ذلك الإعلام الشرعي واستعماله قد تسببا في الإضرار بالمدعيين بالحقوق المدنية لتعطيلهما صرف المبلغ المستحق لهما ولباقي المستحقين وحرمانهم منه والقضاء لهما بناء على ذلك بصفتهما مستحقين وحارسين في وقف البحار بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً كتعويض مؤقت فإن المحكمة تكون قد بينت الجريمة التي بنت عليها قضاءها بالتعويض المؤقت والتي هي بذاتها فعل ضار يستوجب الحكم على فاعليه بالتعويض طبقاً لأحكام القانون. ولما كان الطاعنان لم ينازعا المدعيين بالحقوق المدنية أمام محكمة الموضوع في الصفة التي كانا يطالبان بمقتضاها الحكم لهما بالتعويض المؤقت الذي قدراه وانتهي الحكم المطعون فيه إلى القضاء لهما به بناء عليها - على ما يبين من المستندات التي أمرت هذه المحكمة بضمها تحقيقاً لهذا الوجه من الطعن - فإنه لا يقبل من الطاعنين أن ينازعا في صفة المدعيين بالحقوق المدنية في المطالبة بمبلغ التعويض المؤقت أو في استحقاقهما في القدر الذي أوقف صرفه من استحقاق المستحقين لأول مرة أمام محكمة النقض لانطواء ذلك على أمر يستدعى تحقيقاً فلا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنان في هذا الوجه لا يكون مقبولاً.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع من الطعن هو الخطأ في الإسناد والقصور والفساد في الاستدلال وذلك بأن الحكم المطعون فيه دان الطاعن الثاني بجريمة استعمال الإعلام الشرعي المزور مع علمه بذلك في حين أن الثابت أنه كان وكيلاً عن الطاعنة الأولى وهو إذ استعمل الإعلام الشرعي إنما استعمله نيابة عنها باعتبار أنها زوجته وكان يعمل لحسابها وهي المسئولة عنه وحدها بعد أن أقرت في التحقيقات بأنها هي التي قامت بإجراءات استخراجه ولا يغير من ذلك ما قرره الشاهدان اللذان عول الحكم على أقوالهما في الإدانة لما بينهما وبين الطاعنين من خصومات تشهد بها المستندات الرسمية المقدمة في الدعوى مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت - فيما أثبته - أن الطاعن الثاني قد استعمل الإعلام الشرعي المزور سالف البيان مع علمه بذلك بأن قدمه إلى بلدية الإسكندرية وهو ما تتحقق به كافة العناصر القانونية لتلك الجريمة التي دانه بها فإنه يكون مسئولاً عنها ويحق عقابه عليها، ذلك بأن وكالته عن زوجته لا تنفي أنه هو الذي قارف الجريمة التي دين من أجلها. إذ ما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على قولهم مهما وجه إليهم من مطاعن وحام حولهم من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن الثاني من جدل حول أقوال الشاهدين التي عول الحكم عليها في قضائه بالإدانة لا يقبل منه أمام محكمة النقض. ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعن الثاني في هذا الوجه لا يكون مقبولاً.
وحيث إنه لما تقدم كله يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً ومصادرة الكفالة وإلزام الطاعنين المصروفات المدنية ومقابل أتعاب المحاماة.