أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 15 - صـ 659

جلسة 16 من نوفمبر سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ توفيق الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حسين السركي، ومحمد صبري، وقطب فراج، ومحمد عبد المنعم حمزاوي.

(131)
الطعن رقم 690 لسنة 34 القضائية

( أ ) دعوى جنائية. "وقفها".
متى توقف الدعوى الجنائية؟ إذا كان الحكم فيها يتوقف على نتيجة الفصل في دعوى جنائية أخرى. وجوب أن تكون الدعوى الأخرى مرفوعة فعلاً أمام القضاء.
(ب) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "أوراق رسمية". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
خضوع أدلة الدعوى لتقدير القاضي في جميع الأحوال. ولو كانت أوراقاً رسمية. ما دام الدليل غير مقطوع بصحته ويصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي استخلصها القاضي من باقي الأدلة. مثال.
(ج) إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
العبرة في الإثبات في المواد الجنائية هي باقتناع القاضي واطمئنانه إلى الدليل المقدم إليه. عليه تمحيص أدلة الدعوى. تعرضه إلى بحث أصل الدليل ومدى سلامته وجديته قبل أن يأخذ به ويعول عليه. النعي عليه بأنه تجاوز في ذلك حدود سلطاته. غير جائز. مثال.
(د) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لمحكمة الموضوع الأخذ بأقوال الشاهد أمامها متى اطمأنت إليها. ولو خالفت قولاً آخر له في إحدى مراحل التحقيق.
(هـ) إجراءات المحاكمة. تحقيق. "إجراءاته".
عدم اعتراض محامي الطاعن على سماع أقوال الشاهد في حضوره بغير يمين. سقوط حقه في التمسك بهذا البطلان الذي يتصل بإجراء من إجراءات التحقيق بالجلسة. المادة 333 إجراءات.
1 - من المقرر قانوناً وفقاً للمادة 222 من قانون الإجراءات الجنائية أن المحكمة إنما توقف الدعوى إذا كان الحكم فيها يتوقف على نتيجة الفصل في دعوى جنائية أخرى مما يقتضي - على ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون - أن تكون الدعوى الأخرى مرفوعة لعلا أمام القضاء، أما إذا كانت الدعوى لم تحقق ولم ترفع بعد فلا محل لوقف الدعوى.
2 - من المقرر أن أدلة الدعوى تخضع في كل الأحوال لتقدير القاضي ولو كانت أوراقاً رسمية ما دام هذا الدليل غير مقطوع بصحته ويصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي استخلصها القاضي من باقي الأدلة. ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال ضابط الشرطة من حضور الطاعن إلى مكتبه في صباح يوم الحادث وأطرحت التصريح الذي قدمه الأخير - للتدليل على أنه كان في زيارة لأخيه في اليوم نفسه بمستشفى الأمراض العقلية - للأسباب السائغة التي أوردتها - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب.
3 - العبرة في الإثبات في المواد الجنائية هي باقتناع القاضي واطمئنانه إلى الدليل المقدم إليه. فإذا كانت المحكمة قد تعرضت - بما هو واجب عليها في تمحيص أدلة الدعوى - إلى بحث أصل الدليل ومدى سلامته وجديته قبل أن تأخذ وتعول عليه فلا يصح النعي عليها بأنها تجاوزت في ذلك حدود سلطانها. ولما كانت المحكمة قد لاحظت ما شاب محضر تحقيق النيابة من عبث وتغيير بصدد أقوال الشرطيين السريين وتبينت خلو قائمة شهود الإثبات وقرار تلخيص عضو غرفة الاتهام من هذا التغيير فضلاً عن اختلاف خط ولون حبر العبارات المستبدلة الخط وحبر باقي المحضر ووجود آثار كشط ومحو مما دعاها للاعتقاد بأن يداً قد امتدت إلى هذا المحضر عقب انتهاء تحقيقه وبعد نظر القضية بمعرفة غرفة الاتهام فغيرت من بعض عباراته حتى تتفق ودفاع الطاعن وخلصت - للاعتبارات السائغة التي أوردتها - إلى إطراح أقوال هذين الشاهدين بمحضر تحقيق النيابة العامة وأخذت بأقوالهما في جلسة المحاكمة. فإنه لا يجوز للطاعن أن ينعى عليها أنها قد تجاوزت سلطتها بتصديها إلى تزوير محضر التحقيق لما في ذلك من مصادرة لحق المحكمة المطلق في تقدير سلامة الدليل وقوته في الإثبات دون ما قيد عليها فيما عدا الأحوال المستثناة قانوناً.
4 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد أمامها متى اطمأنت إليها ولو خالفت قولاً آخر له في إحدى مراحل التحقيق.
5 - متى كان محامي الطاعن لم يعترض على سماع أقوال الشاهد بغير يمين وقد تم ذلك في حضوره فقد سقط حقه في التمسك بهذا البطلان الذي يتصل بإجراء من إجراءات التحقيق بالجلسة وفقاً للمادة 333 من قانون الإجراءات الجنائية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 4/ 12/ 1959 بدائرة قسم بولاق محافظة القاهرة: أحرز جواهر مخدرة (أفيوناً وحشيشاً) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت من غرفة الاتهام إحالة المتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 1 و2 و33 ج و35 من المرسوم بقانون رقم 351 سنة 1952 والبندين 1 و12 من الجدول الأول المرافق. فقررت بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً بتاريخ 8 يناير سنة 1963 عملاً بالمواد 37 و38 من القانون 182 لسنة 1960 والبندين 1 و2 من الجدول الأول المرفق به و42 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً وبتغريمه ثلاثة آلاف جنيه وبمصادرة المواد المخدرة المضبوطة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إحراز جوهر مخدر قد شابه بطلان في الإجراءات أثر فيه وانطوى على قصور في التسبيب ذلك بأن المحكمة استدعت كاتب التحقيق للإدلاء بأقواله فيما لاحظته من وجود تغيير في أصل محضر تحقيق النيابة وناقشته في ذلك تفصيلاً، دون أن يحلف اليمين القانونية وفقاً للمادة 238 من قانون الإجراءات الجنائية ثم عولت في تكوين عقيدتها على هذه الشهادة وأهدرت أصل محضر تحقيق النيابة واعتبرته مزوراً وشددت لذلك العقاب على الطاعن قبل أن يثبت هذا التزوير بصفة قاطعة بحكم قضائي وكان يتعين على المحكمة تطبيقاً للمادة 222 من قانون الإجراءات الجنائية أن توقف الدعوى حتى يفصل في دعوى التزوير وفي إغفالها ذلك تكون قد خالفت قاعدة إجرائية متعلقة بالنظام العام إذ قد يسفر تحقيق دعوى التزوير عن عدم وجود جريمة خاصة وأن في قرار المحكمة بإحالة واقعة التزوير إلى النيابة العامة لإجراء شئونها فيها ما ينبئ عن عدم تأكدها من حصول التزوير. ثم إن المحكمة - أطرحت التصريح الذي قدمه الطاعن والذي يفيد أنه كان بزيارة أخيه بمستشفى الأمراض العقلية يوم الحادث وذهبت إلى أنه قد اصطنع لخدمة الدعوى وهو رد غير سائغ إذا كان على المحكمة أن ترجع في هذا الشأن إلى إدارة المستشفى للتحقق من مدى صحة هذا التصريح خاصة وأنه صادر من جهة رسمية كما أن المحكمة أهدرت أقوال شهود النفي لمجرد أن الطاعن لم يدل بأسمائهم في بدء التحقيق من غير أن ترد على مضمون شهادتهم وتفندها وتثبت عدم صحتها مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أن المتهم - الطاعن - أراد أن ينتقم من محمد حسن الشهير بأبي سريع وهو من تجار المخدرات لاعتقاده أنه وشى بأبي العلا رمضان ابن عم المتهم مما أدى إلى ضبطه في جناية إحراز مخدرات فذهب المتهم يوم 2/ 12/ 1959 إلى الضابط حمدي أبو زيد وعرض عليه أن يعمل على ضبط مخدرات لدى محمد حسن الشهير بأبي سريع بأن يحضر له كمية منها ليدسها الضابط على غريمه فتظاهر الضابط بالموافقة وعرض الأمر على رئيسه البكباشي ماهر مقار الذي كلفه بالاستمرار في طريقه وفي صباح يوم 4/ 12/ 1959 اتصل الضابط برئيسه وأبلغه أن المتهم أعد كمية من المخدرات وأنه سيسلمه إياها في الساعة الثامنة والنصف مساء في طريق الكورنيش فكلفه بالتوجه في الميعاد المحدد ومعه الشرطيين السريين شوقي الأخرس ورمضان أحمد رمضان وأنه سيعمل من جانبه كميناً لضبطه متلبساً، ولما حضر المتهم في الموعد المحدد يحمل كمية من الحشيش والأفيون وسلمها للضابط أشار الأخير إشارة ضوئية متفق عليها فأسرع مفتش الشرطة إليه وقبض على المتهم الذي اعترف له بما سبق أن أبلغه الضابط به ثم قام بوزن المخدرات فتبين أنها 211 جراماً من الحشيش و321 جراماً من الأفيون. واستند الحكم في إدانة المتهم إلى أقوال الضابطين والشرطيين السريين رمضان أحمد رمضان وشوقي الأخرس وإلى تقرير التحليل فضلاً عما وضح للمحكمة من تزوير في أقوال الشرطيين في محضر تحقيق النيابة. وبعد أن حصل الحكم أقوال الضابطين بما يتفق وصورة الواقعة التي ساقها في صدد أسبابه أورد أقوال الشرطي السري رمضان أحمد رمضان بجلسة المحاكمة بما مؤداه أنه صحب الضابط إلى شارع الكورنيش ليلة الحادث ومعهما زميله شوقي الأخرس ثم تركا السيارة وبجوارها الأخير وابتعدا عنها قليلاً حيث أفهمه الضابط أن المتهم سيحضر ومعه كمية من المواد المخدرة لتلفيق تهمة لأبي سريع ثم حضر المتهم بعد قليل وسلم الضابط المخدرات فطلب منه الأخير مقابلة المفتش الذي كان على مقربة منهم وبعد ذلك توجهوا جميعاً إلى قسم الشرطة ونفى ما نسب إليه في محضر تحقيق النيابة خاصاً بتكليف الضابط إياه بإحضار المتهم من مسكنه وذهابه إلى منزل المتهم وإحضاره حيث سأله الضابط عما إذا كان قد أحضر الأمانة فأجابه بالإيجاب وأقسم أنه اشتراها من أبي سريع وأن الضابط نادى شخصاً كان يقف بجوار السيارة وأخذ منه شيئاً ثم ركبوا السيارة وبأنه لم يشاهد المخدرات إلا في قسم الشرطة. كما حصل الحكم شهادة الشرطي السري شوقي الأخرس أمام المحكمة بما مؤداه أنه انتقل مع زميله صحبه الضابط إلى طريق الكورنيش وهناك تركه الضابط بجوار السيارة لمراقبة الطريق وأخذ زميله معه ثم قابلا شخصاً عادا معه صوب السيارة وعلم أنه كان يريد تلفيق تهمة لأبى سريع ونفى ما أثبت على لسانه في محضر تحقيق النيابة من حضور الضابط وزميله الشرطي إلى السيارة بعد ربع ساعة ومعهما ثالث وأن الضابط تحدث مع شخص آخر كان يقف على مقربة من السيارة واستلم منه لفافة وتركه لحال سبيله. وبعد أن أورد الحكم دفاع المتهم وإنكاره للتهمة وللاعتراف المسند إليه بمحضر مفتش الشرطة، بين مؤدى أقوال شهود النفي الذين ورد ذكرهم في طلب محامي المتهم المؤرخ 17/ 12/ 1959 ثم أوضح الحكم بعد ذلك ما لاحظته المحكمة على محضر تحقيق النيابة من عبث وتغيير في قوله "وإزاء ما لاحظته المحكمة من اختلاف بين أقوال الضابط والمخبرين على الوجه السالف بيانه في الصورة المطبوعة رأت مراجعة الأصل فتبينت أن قائمة شهود القضية لم يرد بها شيء عن هذا الخلاف وكذلك لم يرد له ذكر في تقرير قاضي غرفة الاتهام وبمراجعة أصل التحقيقات تبينت أن عبثاً قد تناول أقوال المخبرين إذ محيت عبارات وكتب مكانها عبارات أخرى وتبينت آثار المحو من ضياع السطر الرفيع الأزرق في أماكن المحو ووجود وبرة بسيطة في سطح الورق المصقول كما أن الكتابة الجديدة واضحة من اختلاف الخط ولون الحبر وأن القلم أكثر سمكاً من القلم الذي كتب به التحقيق فدعت كاتب التحقيق السيد سامي فرج السيد وعرضت عليه المحضر بالجلسة وبعد أن فحصه حدد العبارات والسطور وقال إنها ليست بخطه ولم يستطع تحديد المرحلة التي وقع فيها التغيير" وبعد أن بين الحكم العبارات والكلمات التي تناولها التغيير - استطرد إلى القول "وأضاف الشاهد أنه حدث أن محامياً طلب الاطلاع على القضية فسلمها إليه ولما أنهى الاطلاع لاحظ أن محضر المعارضة التي تقرر فيها مد حبس المتهم قد فقد فأبلغ رئيس القلم الجنائي وسئل المحامي في تحقيق أجراه وكيل النيابة فقال إن شخصاً لا يعرفه كان يعاونه في الاطلاع. ثم فقد قرار غرفة الاتهام بإحالة المتهم إلى محكمة الجنايات وجرى تحقيق في هذه الواقعة ولم يحبسه لأن القضية كانت قد خرجت من يده" وخلص الحكم من ذلك إلى القول "وحيث إنه عما ورد في دفاع المتهم أن الشرطي السري رمضان أحمد رمضان دعاه من منزله لمقابلة الضابط عند أبي العلا مردود بما شهد به الضابط حمدي أبو زيد والبكباشي ماهر مقار والشرطي سالف الذكر أمام المحكمة من أن المتهم حضر بنفسه وقدم المخدرات المضبوطة إلى الضابط وهو يؤمل أن يستجيب لرغبته في تلفيق تهمة لغريمه أبي سريع ولا عبرة لما طرأ على محضر التحقيق من تزوير يجعل أقوال الشرطيين السريين رمضان أحمد رمضان وشوقي الأخرس مطابقة لدفاع المتهم بعد ما وضح للمحكمة من تزوير سبق بيان مواضعه وكيفية حصوله في محضر التحقيق" لما كان ذلك، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة استدعت كاتب التحقيق وسألته في حضور محامي الطاعن دون أن يحلف اليمين، وأن الدفاع علق على هذه الشهادة بأنه وقد استقر الأمر على وقوع تغيير في أصل التحقيقات فإنه يصر على طلب البراءة، ولما كان محامي الطاعن لم يعترض على سماع أقوال الشاهد بغير يمين وقد تم ذلك في حضوره فقد سقط حقه في التمسك بهذا البطلان الذي يتصل بإجراء من إجراءات التحقيق بالجلسة وفقاً للمادة 333 من قانون الإجراءات الجنائية. لما كان ذلك، وكانت العبرة في الإثبات في المواد الجنائية هي باقتناع القاضي واطمئنانه إلى الدليل المقدم إليه، فإذا كانت المحكمة قد تعرضت بما هو واجب عليها في تمحيص أدلة الدعوى - إلى بحث أصل الدليل ومدى سلامته وجديته قبل أن تأخذ به وتعول عليه فلا يصح النعي عليها بأنها تجاوزت في ذلك حدود سلطاتها، ولما كانت المحكمة قد لاحظت ما شاب محضر تحقيق النيابة من عبث وتغيير بصدد أقوال الشرطيين السريين وتبينت خلو قائمة شهود الإثبات وقرار تلخيص عضو غرفة الاتهام من هذا التغيير فضلاً عن اختلاف خط ولون حبر العبارات المستبدلة لخط وحبر باقي المحضر ووجود آثار كشط ومحو مما دعاها للاعتقاد بأن يداً قد امتدت إلى هذا المحضر عقب انتهاء تحقيقه وبعد نظر القضية بمعرفة غرفة الاتهام فغيرت من بعض عباراته حتى تتفق ودفاع الطاعن وخلصت - للاعتبارات السائغة التي أوردتها - إلى إطراح أقوال هذين الشاهدين بمحضر تحقيق العامة وأخذت بأقوالهما في جلسة المحاكمة، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد أمامها متى اطمأنت إليها ولو خالفت قولاً آخر له في إحدى مراحل التحقيق، فإنه لا يجوز للطاعن أن يصادر المحكمة في اعتقادها أو أن ينعى عليها أنها قد تجاوزت سلطتها بتصديها إلى تزوير محضر التحقيق، لما في ذلك من مصادرة لحق المحكمة المطلق في تقدير سلامة الدليل وقوته في الإثبات دون ما قيد عليها فيما عدا الأحوال المستثناة قانوناً. أما القول بأن في قرار المحكمة بإحالة موضوع التزوير إلى النيابة العامة ما يفيد عدم تأكدها من وقوع التزوير فإنه مردود بأن المحكمة إنما اتخذت الإجراء الذي يوجبه القانون بإحالة الأمر إلى الجهة صاحبة الاختصاص وهي سلطة التحقيق. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم من عدم إيقاف نظر الدعوى حتى يفصل في موضوع التزوير من المحكمة المختصة مردوداً بأنه فضلاً عن أن الطاعن أو المدافع عنه لم يثر هذا الدفع أمام محكمة الموضوع فلا يقبل منه طرحه لأول مرة أمام محكمة النقض، فإنه من المقرر قانوناً وفقاً للمادة 222 من قانون الإجراءات الجنائية أن المحكمة إنا توقف الدعوى إذا كان الحكم فيها يتوقف على نتيجة الفصل في دعوى جنائية أخرى مما يقتضي على ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون - أن تكون الدعوى الأخرى مرفوعة فعلاً أمام القضاء أما إذا كانت الدعوى لم تحقق ولم ترفع بعد - كما هو الحال في موضوع التزوير الحالي - فلا محل لوقف الدعوى. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض إلى شهادة شهود النفي وإلى دفاع الطاعن الموضوعي ورد عليهما في قوله "وحيث إن شهود نفي المتهم لم يذكرهم في أقواله بل تقدم محاميه بطلب لسماعهم بعد نحو أسبوعين من الحادث أي بعد أن أعدهم أعوان المتهم وجاءت أقوالهم من الدقة في تحديد الوقت والتاريخ بأنه في الساعة السابعة والنصف مساء من يوم 4 من ديسمبر سنة 1959 بل شهد أحدهم وهو سائق التكس بما يناقض أقوال المتهم فقد ذكر المتهم أن المخبر رمضان صحبه إلى جهة أبي العلا حيث كان الضابط ولم يذكر أنهما انتقلا في سيارة وفضلاً عن هذا روى السائق أنه ذهب بالمتهم والمخبر إلى قسم الأزبكية وشتان بين المكانين... وأن ما زعمه المتهم أنه كان في زيارة أخيه بمستشفى الأمراض العقلية في الوقت الذي ذكر الضابط أنه كان بمكتبه في صباح يوم 4 من ديسمبر سنة 1959 فإنه لم يقدم عليه دليلاً ولم يذكر أن أحداً كان يصاحبه حتى تقدم محاميه بالطلب سالف الذكر وفيه يستشهد أحمد شعبان على أنه كان يصاحب المتهم وعند استجواب هذا الشاهد قدم المتهم تصريحاً بالزيارة.... ولا تشك المحكمة في أن هذا التصريح قد أعد خدمة للمتهم لأنه لم يذكره عند استجوابه ولم يقدمه ولو كان الأمر صحيحاً لقدمه أو على الأقل لذكره مع وعد بتقديمه فضلاً عن أن مثل هذا التصريح يجب تسليمه عند انتهاء الزيارة طبقاً للتنبيه الذي ورد فيه كل ذلك يدل على أنه اصطنع لخدمه المتهم". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن أدلة الدعوى تخضع في كل الأحوال لتقدير القاضي ولو كانت أوراقاً رسمية ما دام هذا الدليل غير مقطوع بصحته ويصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي استخلصها القاضي من باقي الأدلة، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال ضابط الشرطة من حضور الطاعن إلى مكتبه في صباح يوم الحادث وأطرحت التصريح الذي قدمه الأخير للأسباب السائغة التي أوردتها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد أطرحت شهادة شهود النفي لعدم اطمئنانها إلى أقوالهم إذ لم يستشهد الطاعن بهم فور ضبطه وإنما تقدم محاميه بأسمائهم بعد نحو أسبوعين من استجوابه، وكان لمحكمة الموضوع أن تأخذ من الأدلة بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه دون إلزام عليها بتبيان علة ما ارتأته، فإن ما ينعاه الطاعن عليها من إغفالها الرد على مضمون شهادة شهود النفي لا يعدو أن يكون معاودة للجدل في موضوع الدعوى وتقدير أدلتها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً