أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 17 - صـ 86

جلسة أول فبراير سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: مختار مصطفي رضوان، ومحمود عزيز الدين سالم، وحسين سامح، ومحمد أبو الفضل حفني.

(15)
الطعن رقم 1359 لسنة 35 القضائية

إيجار أماكن. امتناع عن تخفيض الأجرة. قصد جنائي.
( أ ) لا يوجد مانع في القانون أو في الواقع من إقامة إنشاءات جديدة في مبنى قديم بحيث تعتبر مساكن جديدة لا تخضع لقانون الإيجارات الذي يخضع له المبني القديم. ذلك مشروط بأن يكون وليد تغيرات مادية جوهرية في الأجزاء الأساسية من المبني الأصلي. لا يدخل في ذلك التعديلات والتحسينات التي يجريها المالك لتسهيل استغلال مبناه القديم مما لا تصحبه تغيرات في أجزائه الأساسية. لا حق للمستأجر في المطالبة بتخفيض الأجرة إلا أن يتمسك المؤجر بحقه في زيادتها على أساس استحداثه للبناء.
(ب) إن دعوة الطاعن بجهله بحقيقة ما أجراه من تعديل في البناء وهل يرقى أو لا يرقى إلى مرتبة الإنشاء. جهل مركب من جهل بالقانون وبالواقع. أثره على انتفاء القصد الجنائي؟
1 - عرف القانون المدني الإيجار في المادة 558 منه بأنه عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين مدة معينة لقاء أجر معلوم. فهو عقد ثنائي تبادلي يقوم فيه التزام المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين مقابل التزام المستأجر بدفع الأجرة المسماة في العقد أو المقررة بالفعل وكل تغير في مدى التزام أحدهما يقابله حتماً تغيير مقابل في مدى التزام الطرف الآخر تحقيقاً للتوازن في هذا النوع من العقود بين عاقديها. ولم تغير قوانين الإيجارات المتعاقبة من طبيعة عقد الإيجار هذه - وإن كانت قد تدخلت في تعديل آثاره من جهة مقدار الأجرة التي يلتزم بها مستأجر المباني الجديدة وذلك حماية للمستأجرين من مغالاة المؤجرين في زيادة الأجرة إساءة لاستعمال حقوقهم التي رتبها لهم القانون المدني، وعلى ذلك فإذا كان المؤجر أجرى استحداثاً في مبنى قديم حتى يمكن استغلاله للسكنى دون زيادة في الأجرة القديمة التي كانت مقررة أصلاً للبناء قبل استحداث ما جد فيه استحال في نظر العقل والعدل القول بمخالفته للقانون حيث يخرج فعله حتماً عن نطاق التأثيم لأن القانون يفترض في صريح نصوصه ومدلول أعماله التحضيرية أن المؤجر الذي ينشئ بناء أو يستحدث إنشاء إنما يتمسك بجدة البناء وزيادة تكاليف إنشائه لتبرير الزيادة في أجرة الانتفاع به فيتدخل القانون حينئذ حماية للمستأجر من المبالغة في الزيادة. ولا حق للمستأجر في المطالبة بخفض الأجرة إلا أن يتمسك المؤجر بحقه في زيادتها على أساس استحداثه للبناء لأن ثمة مقابلة بين الحقين لا يتصور أولهما إلا في مواجهة ثانيهما لأنه لا تخفيض إلا من زيادة. ولما كان لا يوجد مانع في القانون أو في الواقع من إقامة إنشاءات جديدة في مبنى قديم بحيث تعتبر مساكن جديدة لا تخضع لقانون الإيجارات الذي يخضع له المبنى القديم إلا أن ذلك مشروط بأن يكون وليد تغييرات مادية جوهرية في الأجزاء الأساسية من المبني الأصلي، ولا يدخل في هذا الباب التعديلات والتحسينات التي يجريها المالك لتسهيل استغلال مبناه القديم مما لا تصحبه تغييرات في أجزائه الأساسية. ولما كان التحدي بإحداث تغييرات أساسية في مبنى قديم لا يكون إلا ممن أحدثها بنفسه أو بواسطة سلفه ليتحلل من قيد الأجرة القديمة المقررة للمبنى فإن كان هذا لا يرى أن يعتبرها أساسية ولا يرى أنها تستوجب زيادة أجرة المبنى - فهذا حقه ولا يجوز للمستأجر أن يصادر حريته فيما يرى من ذلك، وحسب المستأجر إذا ما ادعى المالك بقصد التحلل من قيد الأجرة السابقة أنه أحدث تغييرات أساسية أنتجت مبنى جديداً أن ينازع في ذلك ويثبت عدم صحة ادعائه.
2 - إن دعوى الطاعن بأنه أجرى في بنائه القديم تعديلاً لا يرقى إلى مرتبة الإنشاء الجديد، إنما هي دعوى بجهل مركب من جهله بقاعدة قانونية مقررة في القانون المدني وبالواقع في وقت واحد، مما يجب قانوناً في المسائل الجنائية اعتباره في جملته جهلاً بالواقع. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يعرض لدلالة دفاع الطاعن - في هذا الشأن - على انتفاء قصده الجنائي يكون قاصر البيان.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 7 يناير سنة 1962 بدائرة قسم مصر القديمة امتنع عن تخفيض القيمة الإيجارية للعقار المؤجر لمحسب داود والسيد/ إبراهيم رمزي فيلبس وذلك حسب أحكام القانون. وطلبت عقابه بالمادتين 1 و2 من القانون رقم 168 لسنة 1961 والقانون رقم 121 لسنة 1947. ومحكمة جنح مصر القديمة الجزئية قضت حضورياً في 2 يناير سنة 1964 عملاً بالمادة الثانية من القانون 168 لسنة 1961 بتغريم المتهم عشرين جنيهاً بلا مصاريف جنائية. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً في 15 إبريل سنة 1964 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون ذلك بأنه أنزل على الواقعة حكم المادة الثانية من القانون رقم 168 لسنة 1961 باعتبار أن المنزل موضوع الدعوى قد أنشئ بعد العمل بالقانون رقم 55 لسنة 1958 الصادر في 12/ 6/ 1958 مستنداً في ذلك إلى أن تنكيساً وتقسيماً للدور الواحد إلى شقتين بدلاً من شقة واحدة قد أجرى خلال هذه الفترة مما يجعله خاضعاً لحكم العقارات المنشأة حديثاً والتي يسري عليها القانون المذكور مع أن هذه المادة لا تسري على واقعة الدعوى إذ أن معنى الإنشاء لا ينصرف إلى التنكيسات والإصلاحات والتعديلات التي يجريها المالك ما دام العقار قد سبق إنشاؤه بدليل ما ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 168 لسنة 1961 من أنه قصد بإصداره الأماكن التي لم يشملها أي تنظيم سابق وبقى تقدير أجورها متروكاً لإرادة الملاك وحدهم ولوحظ فيها المغالاة التي أضرت بالمستأجرين مما كان مثار الشكوى وكذلك ما جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 121 لسنة 1947 مما يشير إلى أن المقصود في حكم الإنشاء الجديد البناء الذي يقام فعلاً بعد صدوره ولذلك يخرج عن نطاق تطبيق القانون كل بناء سبق إنشاؤه أي إقامته مهما أجرى فيه من تعديل وقد دفع الطاعن بهذا كله أمام محكمة الموضوع التي التفتت عن دفاعه مما يعيب حكمها بما يوجب نقضه.
وحيث إن القانون المدني عرف الإيجار في المادة 558 منه بأنه عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين مدة معينة لقاء أجر معلوم. فهو عقد ثنائي تبادلي يقوم فيه التزام المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين مقابل التزام المستأجر بدفع الأجرة المسماة في العقد أو المقررة بالفعل وكل تغيير في مدة التزام أحدهما يقابله حتماًًً تغيير مقابل في مدى التزام الطرف الآخر تحقيقاً للتوازن في هذا النوع من العقود بين عاقديها ولم تغير قوانين الإيجارات المتعاقبة وما كان لها أن تغير - من طبيعة عقد الإيجار هذه - وإن كانت قد تدخلت في تعديل آثاره من جهة مقدار الأجرة التي يلتزم بها مستأجر المباني الجديدة وذلك حماية للمستأجرين من مغالاة المؤجرين في زيادة الأجرة إساءة لاستعمال حقوقهم التي رتبها لهم القانون المدني وعلى ذلك فإذا كان المؤجر أجرى استحداثا في مبنى قديم حتى يمكن استغلاله للسكنى دون زيادة في الأجرة القديمة التي كانت مقررة أصلاً للبناء قبل استحداث ما جد فيه استحال في نظر العقل والعدل القول بمخالفته للقانون حيث يخرج فعله حتماً عن نطاق التأثيم لأن القانون يفترض في صريح نصوصه ومدلول أعماله التحضيرية أن المؤجر الذي ينشئ بناء أو يستحدث إنشاء إنما يتمسك بجدة البناء وزيادة تكاليف إنشائه لتبرير الزيادة في أجرة الانتفاع به فيتدخل القانون حينئذ حماية للمستأجر من المبالغة في الزيادة ولا حق للمستأجر في المطالبة بخفض الأجرة إلا أن يتمسك المؤجر بحقه في زيادتها على أساس استحداثه للبناء لأن ثمة مقابلة بين الحقين لا يتصور أولهما إلا في مواجهة ثانيهما لأنه لا تخفيض إلا من زيادة. ولما كان لا يوجد مانع في القانون أو في الواقع من إقامة إنشاءات جديدة في مبنى قديم بحيث تعتبر مساكن جديدة لا تخضع لقانون الإيجارات الذي يخضع له المبنى القديم إلا أن ذلك مشروط بأن يكون وليد تغييرات مادية جوهرية في الأجزاء الأساسية من المبنى الأصلي ولا يدخل في هذا الباب التعديلات والتحسينات التي يجريها المالك لتسهيل استغلال مبناه القديم مما لا تصحبه تغييرات في أجزائه الأساسية. ولما كان التحدي بإحداث تغييرات أساسية في مبنى قديم لا يكون إلا ممن أحدثها بنفسه أو بواسطة سلفه ليتحلل من قيد الأجرة القديمة المقررة للمبنى فإن كان هذا لا يرى أن يعتبرها أساسية ولا يرى أنها تستوجب زيادة أجرة المبنى - فهذا حقه ولا يجوز للمستأجر أن يصادر حريته فيما يرى من ذلك وحسب المستأجر إذا ما ادعى المالك بقصد التحلل من قيد الأجرة السابقة أنه أحدث تغييرات أساسية أنتجت مبنى جديداً أن ينازع في ذلك ويثبت عدم صحة ادعائه. ولما كان دفاع الطاعن دار أمام محكمة الموضوع على أن مبناه قديم وكان مؤجراً لوزارة العدل لسنوات عديدة بأجرة شهرية مقدارها خمسون جنيها على أن تتحمل الوزارة ثمن المياه الأمر الذي أثبته بعقدين مقدمين في الدعوى أحدهما مؤرخ في 15/ 8/ 1951 والآخر في 27/ 6/ 1956 ولما أخلته الوزارة قام ترميمه وتقسيم كل دور من أدواره إلى شقتين وأجرها كلها بأجرة تقل مجموعها عن الأجرة التي كان المبنى مؤجراً بها من قبل وأن أجرة مبناه القديمة لم تلحقها أي زيادة برغم الترميمات والتعديلات والأعمال التي تمت فيه أي أن عدم الزيادة عن الأجرة القديمة قد روعي في تحديد أجرة شقق الشاكين بما في ذك الشقة التي أقيمت في الدور الثاني - علماً بأن الأجرة القديمة للمبنى لم تكن تخضع للقانون رقم 168 لسنة 1961 لو أن إجارة الوزارة للمبنى بقيت حتى تاريخ العمل بالقانون المذكور. إلا أن الحكم المطعون فيه لم يلتفت إلى دفاع الطاعن مكتفياً بالقول بأنه أجر الشقق للشاكين ورفض تخفيض الأجرة المسماة في عقودهم طبقاً للقانون رقم 168 لسنة 1961 بمقولة أن ما أجراه يعتبر إنشاء جديداً في مبناه القديم دون أن يتفطن إلى حقيقة دفاعه وغاية مرماه ويقسطه حقه فضلاً عن أن دعوى الطاعن بأنه أجرى في بنائه القديم تعديلاً لا يرقي إلى مرتبة الإنشاء الجديد إنما هي دعوى بجهل مركب من جهله بقاعدة قانونية مقررة في القانون المدني وبالواقع في وقت واحد مما يجب قانوناً - في المسائل الجنائية - اعتباره في جملته جهلاً بالواقع، وكان الحكم المطعون فيه لم يعرض لدلالة دفاع الطاعن على انتفاء قصده الجنائي فوق دلالته على انتفاء الفعل المادي المكون للجريمة المسندة إليه، فإنه يكون قاصر البيان واجب النقض.