أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 15 - صـ 675

جلسة 16 من نوفمبر سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: أديب نصر، ومختار رضوان، ومحمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل.

(133)
الطعن رقم 701 لسنة 34 القضائية

قتل عمد. "قصد جنائي". "نية القتل". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
جريمة القتل العمد. تميزها عن غيرها من جرائم التعدي على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجاني إزهاق روح المجني عليه. اختلاف هذا العنصر عن القصد الجنائي العام الذي يتطلبه القانون في سائر الجرائم. على القاضي أن يعني بالتحدث عنه استقلالاً واستظهاره بإيراد الأدلة التي تدل عليه وتكشف عنه. مثال.
من المقرر أن جريمة القتل العمد تتميز عن غيرها من جرائم التعدي على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجاني من ارتكابه الفعل الجنائي إزهاق روح المجني عليه، وهذا العنصر ذو طابع خاص يختلف عن القصد الجنائي العام الذي يتطلبه القانون في سائر الجرائم وهو بطبيعته أمر يبطنه الجاني ويضمره في نفسه ويتعين على القاضي أن يعني بالتحدث عنه استقلالاً واستظهاره بإيراد الأدلة التي تدل عليه وتكشف عنه. فإذا كان ما ذكره الحكم مقصوراً على الاستدلال على هذه النية من حمل الطاعنين أسلحة نارية معمرة بقصد إطلاقها على المجني عليه وإصابة هذا الأخير بعيارين في رأسه أوديا بحياته - وهو ما لا يكفي في استخلاص نية القتل وخاصة بعد أن أثبت الحكم في معرض تحصيله واقعة الدعوى أن الطاعنين لم يطلقا النار على المجني عليه وإنما أطلقاها في الهواء للإرهاب دون أن يفصح عن أثر هذه الواقعة في تبيان قصدهما المشترك الذي نسب إليهما تبييت النية على تنفيذه، وكانت إصابة المجني عليه بعيارين ناريين أوديا بحياته هي نتيجة قد تتحقق بغير القتل العمد، ولا يغني في هذا الشأن ما قاله الحكم من أن الطاعنين كانوا قد عقدوا النية على إزهاق روح المجني عليه - طالما أن إزهاق الروح هو النتيجة التي قصدها الجاني ويتعين على القاضي أن يستظهرها. كما لا يجدي ما أورده الحكم في مدوناته من أن الطاعن الأول قد أطلق عياراً نارياً على المجني عليه أصابه وأردفه بعيار آخر أجهز عليه لاقتصار هذا البيان على مجرد سرد الفعل المادي في الجريمة دون أن يكشف عن القصد الخاص فيها وهو ما كان الحكم مطالباً باستخلاصه. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قاصراً متعيناً نقضه والإحالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم في يوم 10/ 8/ 1960 بناحية كفر العمار مركز طوخ محافظة القليوبية: 1 - قتلوا عبد الرحمن عبد المنعم محمد عمداً ومع سبق الإصرار بأن عقدوا العزم على قتله وأعدوا لهذا الغرض أسلحة نارية حملوها معمرة وتوجهوا إلى زراعة المجني عليه وما أن ظفروا به حتى أطلق صوبه المتهم الأول بقصد قتله عدة أعيرة نارية أصابه اثنان أودت بحياته، بينما آزر المتهمان الثاني والثالث المتهم الأول بإطلاق الأعيرة في الهواء. 2 - أحرزوا أسلحة نارية مششخنة (بدون ترخيص) و3 - أحرزوا ذخائر (3 طلقات روسي وطلقة ألماني) مما يستعمل في أسلحة نارية لم يرخص لهم بحملها. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 230 و231 من قانون العقوبات و1/ 1 و6 و26/ 2 - 4 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 والجدول رقم 3 المرافق. فقررت الغرفة ذلك. وقد ادعت فاطمة محمد الجندي مدنياً بقرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهمين. ومحكمة جنايات بنها قضت حضورياً بتاريخ 3/ 1/ 1963 عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادتين 32 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين الثلاثة بالأشغال الشاقة المؤبدة وبمصادرة السلاح والذخيرة المضبوطة وبإلزامهم أن يدفعوا متضامنين للمدعية بالحق المدني قرشاً واحداً على سبيل التعويض المؤقت مع مصروفات الدعوى المدنية وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعنان الثاني والثالث في تقرير الأسباب المؤرخ 6/ 2/ 1963 على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار قد شابه القصور في بيان نية القتل والاستدلال على توافرها لديهما إذ أن كل ما أسنده الحكم إليهما أنهما كانا يطلقان أعيرة نارية في الهواء دون أن تكون مصوبة إلى المجني عليه. وهو ما لا يوفر نية القتل في حقهما مما يعيب الحكم بما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه - أنه في صباح يوم الحادث توجه المجني عليه ومعه والدته وأخيه إلى زراعة باذنجان له وأثناء قيامه بإدارة (الطنبور) الذي وضعه في مياه الترعة التي تروى منها تلك الزراعة فوجئ بالطاعنين مترصدين في زراعة أذرة تقع على الشاطئ المقابل وكان كل منهم يحمل بندقية وأطلق الطاعن الأول من بندقيته عياراً نارياً سقط المجني عليه على أثره بينما أخذ الطاعنان الثاني والثالث في إطلاق أعيرة نارية في الهواء للإرهاب وخلال ذلك أطلق الطاعن الأول عياراً نارياً ثانياً أصاب المجني عليه وأجهز عليه. وبعد أن ساق الحكم مؤدى الأدلة التي أقام عليها قضاءه عرض لنية القتل فاستخلصها في قوله:
"وحيث إنه عن نية القتل فثابتة من حمل كل من المتهمين لسلاح ناري معمر بطلقات من ذات المقذوف المفرد وعقدهم النية على إزهاق روح المجني عليه بإطلاقها عليه وقد أصيب فعلاً من عيارين منها في رأسه أوديا بحياته". وما ذهب إليه الحكم في هذا الخصوص لا يستقيم به التدليل على نية القتل كما هو معرف بها في القانون إذ أنه من المقرر أن جريمة القتل العمد تتميز عن غيرها من جرائم التعدي على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجاني من ارتكابه الفعل الجنائي إزهاق روح المجني عليه وهذا العنصر ذو طابع خاص يختلف عن القصد الجنائي العام الذي يتطلبه القانون في سائر الجرائم وهو بطبيعته أمر يبطنه الجاني ويضمره في نفسه ويتعين على القاضي أن يعني بالتحدث عنه استقلالاً واستظهاره بإيراد الأدلة التي تدل عليه وتكشف عنه. لما كان ذلك، وكان ما ذكره الحكم في هذا الصدد مقصوراً على الاستدلال على هذه النية من حمل الطاعنين أسلحة نارية معمرة بقصد إطلاقها على المجني عليه وإصابة هذا الأخير بعيارين في رأسه أوديا بحياته - وهو ما لا يكفي في استخلاص نية القتل وخاصة بعد أن أثبت الحكم في معرض تحصيله واقعة الدعوى أن الطاعنين سالفي البيان لم يطلقا النار على المجني عليه وإنما أطلقاها في الهواء للإرهاب دون أن يفصح عن أثر هذه الواقعة في تبيان قصدهما المشترك الذي نسب إليهما تبييت النية على تنفيذه، وكانت إصابة المجني عليه بعيارين ناريين أوديا بحياته هي نتيجة قد تتحقق بغير القتل العمد. ولا يغني في هذا الشأن ما قاله الحكم من أن الطاعنين كانوا قد عقدوا النية على إزهاق روح المجني عليه - طالما أن إزهاق الروح هو النتيجة التي قصدها الجاني ويتعين على القاضي أن يستظهرها - كما لا يجدي ما أورده الحكم في مدوناته من أن الطاعن الأول قد أطلق عياراً نارياً على المجني عليه أصابه وأردفه بعيار آخر أجهز عليه لاقتصار هذا البيان على مجرد سرد الفعل المادي في الجريمة دون أن يكشف عن القصد الخاص فيها وهو ما كان الحكم مطالباً باستخلاصه. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قاصراً متعيناً نقضه والإحالة بغي حاجة إلى بحث سائر أوجه الطعن وذلك بالنسبة إلى الطاعنين جميعاً لوحدة الواقعة واتصال وجه النعي بالطاعن الأول ولحسن سير العدالة.