أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 15 - صـ 687

جلسة 17 من نوفمبر سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ أديب نصر، وبحضور السادة المستشارين: حسين صفوت السركي، ومختار رضوان، ومحمد محمد محفوظ، ومحمود عزيز الدين سالم.

(136)
الطعن رقم 482 لسنة 34 القضائية

( أ ) سب. قذف. جريمة. قصد جنائي.
القصد الجنائي في جريمة السب أو القذف. توفره: إذا كانت المطاعن الصادرة من الساب أو القاذف محشوة بالعبارات الخادشة للشرف والألفاظ الماسة بالاعتبار. افتراض علمه في هذه الحالة.
النقد المباح: هو مجرد إبداء الرأي في أمر أو عمل دون أن يكون فيه مساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته. تجاوزه هذا الحد. وجوب العقاب عليه باعتباره مكوناً لجريمة السب أو القذف.
(ب) صحافة. "مسئولية رئيس تحرير الجريدة". سب. قذف.
مسئولية رئيس التحرير: مفترضة. مبناها صفته ووظيفته في الجريدة. ملازمتها له متى ثبت أنه يباشر عادة وبصورة عامة دوره في الإشراف ولو صادف أنه لم يشرف بالفعل على إصدار هذا العدد أو ذاك من أعداد الجريدة. عهده ببعض اختصاصه لشخص آخر. لا يرفع عنه هذه المسئولية. ما دام قد استبقى لنفسه حق الإشراف عليه.
(جـ) مسئولية تقصيرية. "خطأ. ضرر. علاقة سببية". تعويض. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". سب. قذف.
إحاطة الحكم بأركان المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية مما يستوجب الحكم بالتعويض. عدم تبيانه عناصر الضرر الذي قدر على أساسه مبلغ التعويض المحكوم به. لا خطأ.
(د) حكم. "إصداره". إجراءات المحاكمة.
وجوب إصدار الحكم في جلسة علنية ولو نظرت الدعوى في جلسة سرية. النطق بالحكم في جلسة تغاير الجلسة المحددة لذلك. لا بطلان. المادة 303/ 1 إجراءات.
(هـ) إجراءات المحاكمة. حكم. "إصداره".
إعلان المتهم بالجلسة التي حددت لصدور الحكم فيها. غير لازم. متى كان حاضراً جلسة المرافعة أو معلناً بها إعلاناً صحيحاً. طالما أن الدعوى نظرت على وجه صحيح في القانون واستوفى كل خصم دفاعه.
1 - من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة السب أو القذف يتوفر إذا كانت المطاعن الصادرة من الساب أو القاذف محشوة بالعبارات الخادشة للشرف والألفاظ الماسة بالاعتبار فيكون علمه عندئذ مفترضاً - ومتى تحقق القصد فلا يكون هناك ثمة محل للتحدث عن النقد المباح الذي هو مجرد إبداء الرأي في أمر أو عمل دون أن يكون فيه مساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته، فإذا ما تجاوز النقد هذا الحد وجب العقاب عليه باعتباره مكوناً لجريمة السب أو القذف.
2 - مسئولية رئيس التحرير مسئولية مفترضة مبناها صفته ووظيفته في الجريدة فهي تلازمه متى ثبت أنه يباشر عادة وبصورة عامة دوره في الإشراف ولو صادف أنه لم يشرف بالفعل على إصدار هذا العدد أو ذاك من أعداد الجريدة ولا يرفع هذه المسئولية عن عاتقه أن يكون قد عهد ببعض اختصاصه لشخص آخر ما دام قد استبقى لنفسه حق الإشراف عليه، ذلك لأن مراد الشارع من تقرير هذه المسئولية المفترضة إنما مرده في الواقع هو افتراض علم رئيس التحرير بما تنشره جريدته وإذنه بنشره أي أن المشرع قد أنشأ في حقه قرينة قانونية أنه عالم بكل ما تنشره الجريدة التي يشرف عليها فمسئوليته إذن مفترضة نتيجة افتراض هذا العلم. وما دام أن عبارات المقال دالة بذاتها على معنى السباب فقد حقت عليه مسئوليته الفرضية ولا يمكنه التنصل منها إلا إذا كان القانون لا يكتفي للعقاب بمجرد العلم بالمقال والإذن بنشره بل يشترط قصداً خاصاً لا يفيده عبارات المقال ولا تشهد به ألفاظه أو علماً خاصاً لا تدل على وجوده معاني المقال المستفادة من قراءة عباراته وألفاظه.
3 - إذا كان مؤدى ما أورده الحكم في مدوناته يفيد أن نشر المقال كان من شأنه خدش شرف المجني عليه والمساس باعتباره والحط من قدره في أعين الناس لما تضمنه من التشهير به والسخرية من نشأته والطعن في نزاهته واستقامته وكان هذا البيان يتضمن في ذاته الإحاطة بأركان المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية مما يستوجب الحكم على مقارفة بالتعويض، فلا تثريب على المحكمة إن هي لم تبين عناصر الضرر الذي قدر على أساسه مبلغ التعويض المحكوم به إذ الأمر في ذلك متروك لتقديرها بغير معقب عليها.
4 - إن كل ما أوجبه قانون الإجراءات الجنائية عند إصدار الحكم هو ما نصت عليه المادة 303/ 1 من هذا القانون من أنه "يصدر الحكم في جلسة علنية ولو كانت الدعوى نظرت في جلسة سرية، ويجب إثباته في محضر الجلسة ويوقع عليه من رئيس المحكمة والكاتب". ولم ينص على البطلان في حالة النطق بالحكم في جلسة تغاير الجلسة المحددة لذلك.
5 - من المقرر قانوناً أنه لا يلزم إعلان المتهم بالجلسة التي حددت لصدور الحكم فيها - متى كان حاضراً جلسة المرافعة أو معلناً بها إعلاناً صحيحاً طالما أن الدعوى نظرت على وجه صحيح في القانون واستوفى كل خصم دفاعه وحجزت المحكمة الدعوى للحكم فيها فإن صلة الخصوم بها تكون قد انقطعت ولم يبق اتصال بها إلا بالقدر الذي تصرح به المحكمة وتصبح القضية في هذه المرحلة مرحلة المداولة وإصدار الحكم وفي هذا الوضع تكون الدعوى بين يدي المحكمة لبحثها والمداولة فيها ويمتنع على الخصوم إبداء أي دفاع فيها.


الوقائع

أقام المدعي بالحق المدني هذه الدعوى مباشرة أمام محكمة جنايات شبين الكوم ضد المتهمين "الطاعنين" بعريضة أعلنت إليهم قال فيها: "إنه في 3/ 2/ 1962 صدرت جريدة السفير المملوكة للمعلن إليه الثاني والتي يقوم مع الثالث برئاسة تحريرها، وفي الصحيفة الأخيرة منها مقال موقع باسم المعلن إليه الأول على صورة خطاب مفتوح موجه إليه بصفته رئيساً لمدينة بركة السبع حفل بألوان من التعريض والسخرية به وبنشأته فضلاً عن التعريض بذمته. كما ذكر في دعواه أن الجريمة قد وقعت بالنشر في صحيفة فتكون الدعوى من اختصاص محكمة الجنايات عملاً بالمادتين 215 و216 المعدلة بالقانون رقم 353 لسنة 1952 من قانون الإجراءات الجنائية. وطلب محاكمتهم بالمادتين 185 و307 من قانون العقوبات كما طلب القضاء له قبلهم متضامنين بمبلغ 1000 ج على سبيل التعويض مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. ومحكمة جنايات شبين الكوم قضت حضورياً بتاريخ 15/ 1/ 1963 عملاً بمادتي الاتهام بتغريم كل من المتهمين مبلغ خمسين جنيهاً وبإلزامهم متضامنين بدفع مبلغ ثلاثمائة جنيه على سبيل التعويض إلى المدعي بالحق المدني والمصروفات المدنية المناسبة ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض.. إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الأوجه الثلاثة الأولى من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة السب، قد أخطأ في تطبيق القانون وانطوى على فساد في الاستدلال - ذلك بأن العبارات التي تضمنها مقال الطاعن الأول ونشره الطاعنان الثاني والثالث بجريدة السفير لم يكن مقصوداً منها في ظروف النشر سوى مجرد النصح والإرشاد والنقد البريء ومع ذلك فإن الحكم قد فسرها على غير المعنى الذي ترمي إليه ألفاظها وأخطأ في استخلاصه منها توافر القصد الجنائي لدى الطاعنين - ثم إن ظروف النشر تدل على انتفاء القصد الجنائي لدى الطاعنين الثاني والثالث باعتبارهما رئيسين للتحرير فقد سبق لهما أن نشرا مقالين يشيدان فيهما بأعمال المجني عليه وكان يتعين على المحكمة في هذه الحالة - أن تتفهم حقيقة نيتهما وتثبت من جانبها في حقهما علمهما بسوء قصد صاحب المقال من نشره - كما أنه لم يقم أي دليل على علم الطاعن الثالث بالمقال موضوع الاتهام وإجازة نشره وأن الطاعن الثاني هو الذي أقر بإجازة النشر على أنه رئيس التحرير المسئول عن باب الأقاليم الذي نشر فيه هذا المقال ولم يكن الطاعن الثالث مسئولاً إلا عن الأبواب الأخرى التي تنشر في تلك الجريدة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مجمله أن جريدة السفير نشرت بعدديها الصادرين بتاريخي 8 و16/ 11/ 1961 مقالين - بمناسبة تعيين المدعي بالحق المدني (المطعون ضده) رئيساً لمدينة بركة السبع - أشادت فيهما بأعماله وأرسلت إليه خطاباً للتهنئة ذكرت فيه بأنها تصدر إعداداً خاصة بالأقاليم تبرز فيها أوجه النشاط المختلفة بالمدينة وأظهرت استعدادها لتلقي إرشاداته وتوجيهاته في هذا الشأن إلا أنه حدث أن نشرت جريدة الأهرام مقالاً في 13/ 1/ 1962 عن محافظة المنوفية تحدثت فيه عن مدينة بركة السبع الأمر الذي أثار جريدة السفير لما فاتها من فرصة الكسب من أجور الإعلانات وقلبت للمدعي بالحق المدني ظهر المجن بأن نشرت بعددها الصادر في 3/ 2/ 1962 مقالاً في صورة خطاب مفتوح حرره الطاعن الأول وأجاز نشره الطاعن الثاني رداً على مقال جريدة الأهرام وما نشرته عن المدعي بالحق المدني تضمن سباً لهذا الأخير ونيلاً من كرامته وشرفه وانطوت عباراته على الحط من قدره في أعين الناس والهزء والسخرية به والطعن في نزاهته واستقامته - وقد اعترف الطاعن الأول بتحرير المقال كما أقر الطاعن الثاني بإجازة نشره وأنه هو والطاعن الثالث قررا بأنهما يعملان رئيسين لتحرير تلك الجريدة وبعد أن استعرض الحكم دفاع الطاعنين في هذا الصدد - أورد الأدلة التي استخلص منها ثبوت الواقعة لديه على هذا النحو في حق الطاعنين ثم عرض الحكم إلى ما يثيره الطاعنون في دفاعهم من القول بانتفاء القصد الجنائي لديهم فيما أسند إليهم بدعوى أن المقال إنما قصد به مجرد النقد البريء والنصح والتوجيه ورد عليه بما يفنده في قوله "ولما كان النقد المباح هو إبداء الرأي في أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر بغية التشهير به أو الحط من كرامته فإذا ما تجاوز النقد هذا الحد فاشتمل على إسناد عيب أو خدش للناموس أو الاعتبار وجب العقاب عليه باعتباره مكوناً لجريمة سب - ومتى كان المقال محل الدعوى قد حوي في خطابه للمدعي المدني... أنك لست غريباً عن المدينة حتى يعرف الناس قصة حياتك فكل الناس يعرفونها جيداً.. أتريد مثلاً أن تقول أنك من عائلة عريقة في الحسب والسكلاريدس... لقد أضحكت الناس كثيراً أنك ذهبت إلى القاهرة فقيراً وجئت إلينا مليونيراً ثق يا سيادة الأستاذ الكبير أن اليوم الذي ستقول لك فيه حكومتنا من أين لك هذا آت لا شك في هذا؟؟ تجعل للهامس مجالاً للقول أن هناك في حياتك حلقة ضائعة تحاول دائماً أن تهيل عليها التراب. متى كان ذلك، فقد حق العقاب للسب ما دامت هذه الألفاظ هي في ذاتها مما يخدش الشرف والاعتبار ويحط من قدر المجني عليه في أعين الناس مما تضمنته من الهزء به والسخرية به من نشأته والطعن في نزاهته واستقامته ومن الخطأ قول الدفاع أن هذا المقال نقد مباح للمجني عليه وقع بحسن نية - ذلك أنه متى كانت الألفاظ الواردة في المقال دالة بذاتها على معاني السب فقد وجبت محاسبة كاتبها عليها بصرف النظر عن البواعث التي دفعته لنشرها فإن القصد الجنائي يتحقق في السب متى أقدم المتهم على إسناد العبارات الشائنة عالماً بمعناها فإذا ما تعدى بها حد النقد المباح حتى خرج إلى حد الطعن والتجريح حقت عليه كلمة القانون". واستطرد الحكم في الرد على دفاع الطاعنين في قوله "وإذا كان التبليغ عن الجرائم حق بل فرض على كل فرد فذلك لا يكون إلا إذا اتجهت النية إلى التبليغ فحسب فلم يقصد النشر على الملأ والإذاعة بين الناس فإذا ما ورد بالمقال أن المجني عليه لابد أن يسأل وشيكاً من أين له ماله الذي جمع بعد إملاقه فالقصد منه إنما هو التشهير بالمجني عليه للنيل منه ولا يعول على قول الدفاع أن كاتب المقال قد استعمل حقه في الشكوى والتبليغ - ولا يقال أن المتهم الأول (الطاعن الأول) ما أراد بمقاله إلا إسداء النصح للمجني عليه لا يكون ثمة مجال للهمس وأن هناك في حياته حلقة ضائعة يحاول دائماً أن يهيل عليها التراب لأن الإسناد في السب كما يتحقق بكل صيغة كلامية أو كتابية توكيدية يتحقق أيضاً بكل صيغة ولو تشكيكية من شأنها أن تلقي في الأذهان عقيدة ولو وقتية أو ظناً أو احتمالاً ولو وقتيين في صحة الأمور المدعاة ومن ثم فلا عبرة بما يتخذه الكاتب من الأسلوب الذي يجتهد فيه في التهرب من نتائج سبه لا يجدي القول أن المقال قد اشتمل على عبارات تضمنت مجرد النقد تحقيقاً للصالح العام فليس بمانع أن يشتمل عليها مع غيرها من العبارات التي قصد بها التشهير وذلك ليتخذ من بعض القول ستاراً لغيره يريد به تجريح المجني عليه والنيل منه وإلا لاستطاع الكاتب تحت ستار الدفاع ظاهرياً عن مصلحة عامة أن ينال من كرامة الغير ما شاء دون أن يناله القانون بعقاب". ثم انتهى الحكم من ذلك إلى القول: "ولما كان الثابت من اعتراف المتهم الأول أنه محرر المقال موضوع الدعوى الذي نشر بصحيفة السفير في عددها الصادر بتاريخ 3/ 2/ 1962 فقد حق عقابه بمقتضى المادتين 185 و307 عقوبات ولما كان المتهمان الثاني والثالث (رئيسي التحرير) حسبما هو مبين بصدر تلك الصحيفة وثابت من إقرارهما بجلسة المحاكمة وقول أولهما أنه اطلع على المقال وأجاز نشره فإن مسئوليتهما عن عبارات السب الواردة في هذا المقال ثابتة بحكم الفقرة الأولى من المادة 195 عقوبات". لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم فيما تقدم من عبارات دالاً بذاتها على معنى السباب كما هو معرف به في القانون لما تضمنته من إسناد وقائع لو صحت لأوجبت احتقار المجني عليه عند أهل وطنه ونالت من سمعته ونزاهته فضلاً عن التشهير بنشأته وصفة أصله - لما كان ذلك، فإن ما استخلصه الحكم من توافر القصد الجنائي لدى الطاعنين من اعتراف الأول بكتابة المقال وإقرار الثاني والثالث بصفتيهما رئيسين لتحرير تلك الجريدة التي نشر فيها المقال - يكون استخلاصاً سديداً في القانون وما يثيره الطاعنون في هذا الصدد يكون جدلاً موضوعياً مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض - ذلك بأنه من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة السب أو القذف يتوفر إذا كانت المطاعن الصادرة من الساب أو القاذف محشوة بالعبارات الخادشة للشرف والألفاظ الماسة بالاعتبار فيكون علمه عندئذ مفترضاً - ومتى تحقق القصد فلا يكون هناك ثمة محل للتحدث عن النقد المباح الذي هو مجرد إبداء الرأي في أمر أو عمل دون أن يكون فيه مساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته فإذا ما تجاوز النقد هذا الحد وجب العقاب عليه باعتباره مكوناً لجريمة السب أو القذف. لما كان ذلك، وكانت مسئولية رئيس التحرير مسئولية مفترضة مبناها صفته ووظيفته في الجريدة فهي تلازمه متى ثبت أنه يباشر عادة وبصورة عامة دوره في الإشراف ولو صادف أنه لم يشرف بالفعل على إصدار هذا العدد أو ذاك من أعداد الجريدة ولا يرفع هذه المسئولية عن عاتقه أن يكون قد عهد ببعض اختصاصه لشخص آخر ما دام قد استبقى لنفسه حق الإشراف عليه، ذلك لأن مراد الشارع من تقرير هذه المسئولية المفترضة إنما مرده في الواقع هو افتراض علم رئيس التحرير بما تنشره جريدته وإذنه بنشره أي أن المشرع قد أنشأ في حقه قرينة قانونية بأنه عالم بكل ما تنشره الجريدة التي يشرف عليها فمسئوليته إذن مفترضة نتيجة افتراض هذا العلم - وما دام أن عبارات المقال دالة بذاتها على معنى السباب فقد حقت عليه مسئوليته الفرضية ولا يمكنه التنصل منها إلا إذا كان القانون لا يكتفي للعقاب بمجرد العلم بالمقال والإذن بنشره بل يشترط قصداً خاصاً لا تفيده عبارات المقال ولا تشهد به ألفاظه أو علماً خاصاً لا تدل على وجوده معاني المقال المستفادة من قراءة عباراته وألفاظه. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن الثالث من أنه وإن كان رئيساً للتحرير إلا أنه لم يكن مختصاً بباب أخبار الأقاليم الذي نشر فيه المقال موضوع الاتهام وإنما هو من اختصاص الطاعن الثاني وحده فمردود بأنه لما كان الطاعن الثالث لا يدعي في وجه طعنه أنه أثار شيئاً من ذلك أمام القضاء الموضوعي وكان ما يثيره في هذا الصدد يتطلب إجراء تحقيق موضوعي للتثبت منه وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض لأول مرة. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعنون في هذه الأوجه الثلاث لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع من الطعن هو القصور في التسبيب ذلك بأن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلزام الطاعنين بالتعويض لم يبين عناصر هذا الموضوع ومقدار الضرر الذي أصاب المجني عليه وعوضته عنه بالمبلغ الذي قدرته.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها - خلص من ذلك إلى قوله: "إن ثبوت تلك الجريمة في حقهم يتوافر به قيام الفعل الضار الذي يستوجب الحكم على فاعله بالتعويض". لما كان ذلك، وكان مؤدى ما أورده الحكم في مدوناته يفيد أن نشر المقال كان من شأنه خدش شرف المجني عليه والمساس باعتباره والحط من قدره في أعين الناس لما تضمنه من التشهير به والسخرية من نشأته والطعن في نزاهته واستقامته وكان هذا البيان يتضمن في ذاته الإحاطة بأركان المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية مما يستوجب الحكم على مقارفة بالتعويض فلا تثريب على المحكمة إن هي لم تبين عناصر الضرر الذي قدر على أساسه مبلغ التعويض المحكوم به إذ الأمر في ذلك متروك لتقديرها بغير معقب عليها. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الوجه لا يكون مقبولاً.
وحيث إن مبنى الوجه الخامس من الطعن هو بطلان الحكم المطعون فيه ذلك بأنه صدر في جلسة أمرت المحكمة بتعجيلها لأخرى خلاف التي كانت محددة للنطق به فيها ودون أن تأمر المحكمة بفتح باب المرافعة لجلسة يعلن فيها الخصوم وتتخذ فيها القرار الذي تراه الأمر الذي يبطل قرار التعجيل ويبطل تبعاً لذلك الحكم المطعون فيه والذي نطق به في تلك الجلسة تأسيساً على هذا القرار الباطل.
وحيث إنه يبين من الأوراق أن الدعوى نظرت بجلسة 9/ 12/ 1962 وبعد أن سمعت فيها المرافعة وأبدى كل من الخصوم طلباته واختتم مرافعته أمرت المحكمة بحجزها ليصدر الحكم فيها بجلسة 16/ 1/ 1963 إلا أنه بتاريخ 16/ 12/ 1963 أمرت المحكمة بتعجيل تلك الجلسة إلى يوم 15/ 1/ 1963 وهو اليوم الذي صدر فيه الحكم ونطق به. لما كان ذلك، وكان كل ما أوجبه قانون الإجراءات الجنائية في هذا الصدد هو ما نصت عليه المادة 303/ 1 من هذا القانون من أنه "يصدر الحكم في جلسة علنية ولو كانت الدعوى نظرت في جلسة سرية ويجب إثباته في محضر الجلسة ويوقع عليه من رئيس المحكمة والكاتب". ولم ينص على البطلان في حالة النطق بالحكم في جلسة تغاير الجلسة المحددة لذلك - وكان من المقرر قانوناً أنه لا يلزم إعلان المتهم بالجلسة التي حددت لصدور الحكم فيها - متى كان حاضراً جلسة المرافعة أو معلناً بها إعلاناً صحيحاً طالما أن الدعوى نظرت على وجه صحيح في القانون واستوفى كل خصم دفاعه وحجزت المحكمة الدعوى للحكم فيها فإن صلة الخصوم بها تكون قد انقطعت ولم يبق اتصال بها إلا بالقدر الذي تصرح به المحكمة وتصبح القضية في هذه المرحلة مرحلة المداولة وإصدار الحكم وفي هذا الوضع تكون الدعوى بين يدي المحكمة لبحثها والمداولة فيها ويمتنع على الخصوم إبداء أي دفاع فيها. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الوجه لا يكون سديداً.
وحيث إنه لما تقدم جميعه فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً ومصادرة الكفالة طبقاً لنص المادة 36/ 2 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض .