أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 17 - صـ 115

جلسة 8 من فبراير سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمود عزيز الدين سالم، وحسين سامح، ومحمود عباس العمراوي، ومحمد أبو الفضل حفني.

(21)
الطعن رقم 1368 لسنة 35 القضائية

( أ ) دعوى جنائية. "نظرها". "حالات وقفها". إيجار أماكن.
اختصاص المحكمة الجنائية بالفصل في جميع المسائل التي يترتب عليها الحكم في الدعوى الجنائية المطروحة أمامها. يستثنى من ذلك: المسائل الأولية التي يترتب عليها قبول الدعوى ذاتها وحالات الوقف التي يتوقف فيها الحكم في الدعوى الجنائية على الفصل في دعوى جنائية أخرى أو على مسألة من مسائل الأحوال الشخصية.
ليس في القانون نص يجعل سماع الدعوى الجنائية عن جريمة تجاوز الأجرة المقررة في القانون معلقاً على شرط صدور حكم من المحكمة المختصة بتحديد الأجرة.
(ب) إيجار أماكن. إثبات.
معاملة الشارع الأجرة - في القانون 121 لسنة 1947 في شأن إيجار الأماكن - معاملة الواقعة المادية. إباحته للمستأجر إثباتها بطريق الإثبات كافة بما فيها القرائن.
(ج) إيجار أماكن. ضرائب. قانون. إثبات.
اختلاف نطاق تطبيق القانون 169 لسنة 1961 بتقرير بعض الإعفاءات من الضريبة على العقارات المبنية وخفض الإيجارات بمقدار الإعفاء من نطاق تطبيق القانون 168 لسنة 1961 في شأن خفض إيجار الأماكن. دفاتر الحصر هي السند الوحيد الذي يشهد بمقدار الضريبة المفروضة. أما الأجرة الفعلية التي يدفعها المستأجر فالبينة فيها مطلقة. إطراح الحكم المطعون فيه اعتبار دفاتر الحصر حجة بما فيها على حقيقة الأجرة الفعلية في خصوص تطبيق القانون 168 لسنة 1961. لا مخالفة للقانون.
(د) قانون. "الأثر الرجعي للقانون".
سريان القانون رقم 168 لسنة 1961 على أجور الأماكن التي أنشئت بعد العمل بالقانون 55 لسنة 1958 ابتداء من الأجرة المستحقة عن الشهر التالي لتاريخ العمل بهذا القانون. ليس في ذلك إعمال للأثر الرجعي للقانون.
(هـ) إجراءات المحاكمة.
الأصل في الإجراءات الصحة. الادعاء بما يخالف ما أثبت في محضر الجلسة أو الحكم لا يكون إلا بالطعن بالتزوير.
(و) إجراءات المحاكمة. تقرير التخليص.
فقدان تقرير التلخيص بعد تلاوته. لا يبطل الإجراءات بعد صحة.
(ز) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات. "خبرة".
عدم التزام محكمة الموضوع بإجابة طلب ندب خبير في الدعوى. ما دامت الواقعة قد وضحت لديها، أو كان في مقدورها أن تشق طريقها في المسألة المطروحة عليها.
(ح) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بتعقب المتهم في كل جزئية من جزئيات دفاعه. مثال.
1 - الأصل هو أن المحكمة الجنائية مختصة بموجب المادة 221 من قانون الإجراءات الجنائية بالفصل في جميع المسائل التي يترتب عليها الحكم في الدعوى الجنائية المطروحة أمامها دون أن تلتزم بأن تعلق قضاءها على ما عساه أن يصدر من أحكام في شأن نزاع مدني قائم على موضوع الجريمة، ولا يستثني من ذلك إلا المسائل الأولية التي يتوقف عليها قبول الدعوى ذاتها وحالات الوقف التي يتوقف فيها الحكم في الدعوى الجنائية على الفصل في دعوى جنائية أخرى أو على مسألة من مسائل الأحوال الشخصية طبقاً لما نصت عليه المادتان 222، 223 من القانون المشار إليه. وليس في القانون نص يجعل سماع الدعوى الجنائية عن جريمة تجاوز الأجرة المقررة في القانون معلقاً على شرط صدور حكم من المحكمة المختصة بتحديد الأجرة ولا يغير من الأمر شيئاً - في ثبوت الاختصاص للمحكمة الجنائية بالمسائل المدنية الفرعية كافة - أن يكون الاختصاص الأصيل بالدعوى المدنية منعقداً لمحكمة عادية في السلم القضائي أو لمحكمة مخصوصة ناط بها القانون ولاية الفصل فيها. ومن ثم فإن المحكمة إذا دانت الطاعن دون أن توقف الدعوى حتى يفصل في تحديد الأجرة من المحكمة المدنية المختصة تكون قد طبقت صحيح القانون.
2 - نص القانون رقم 121 لسنة 1947 - في شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين والذي يعتبر الأصل الجامع المنظم لعقد الإيجار إلى جانب نصوص القانون المدني - في المادة الخامسة منه على أنه: "إذا لم توجد عقود كتابية أو تعذر الحصول عليها جاز إثبات شروط التعاقد والأجرة المتفق عليها والتكاليف الإضافية المشار إليها فيما تقدم بجميع طرق الإثبات مهما كانت قيمة النزاع". كما نصت الفقرة الثانية من المادة الخامسة مكرراً (5) من القانون المذكور والتي أضيفت بمقتضى القانون رقم 168 لسنة 1961 على أن "المقصود بالأجرة الحالية في أحكام هذه المادة الأجرة التي كان يدفعها المستأجر خلال سنة سابقة على تاريخ العمل بهذا القانون أو الأجرة الواردة في عقد الإيجار أيتهما أقل". والبين من هذين النصين في صريح لفظهما وواضح دلالتهما أن الشارع عامل الأجرة معاملة الواقعة المادية من حيث أحل للمستأجر إثباتها بطرق الإثبات كافة بما فيها البينة والقرائن وذلك تيسيراً عليه، كي يضرب على كل محاولة لاستغلاله. وهذا المعنى واضح بالقدر نفسه من المقابلة في صياغة المادة الخامسة المذكورة بين الأجرة التي يدفعها المستأجر وبين الأجرة الواردة في عقد الإيجار وليس من شك في أنه يجوز الإثبات بالبينة فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد نص يقضي بذلك كما هو مفهوم المادة 400 من القانون المدني.
3 - اختلاف نطاق تطبيق القانون رقم 169 لسنة 1961 بتقرير بعض الإعفاءات من الضريبة على العقارات المبنية وخفض الإيجارات بمقدار الإعفاء عن نطاق تطبيق القانون رقم 168 لسنة 1961 في شأن خفض إيجار الأماكن الذي خلا من نص يجيز إصدار تفسيرات تشريعية لأحكامه، فمجال القانون الأول هو الإعفاء من بعض الضريبة المربوطة على الأمكنة المؤجرة والتي كان يتعين جبايتها من المؤجرين، ومجال الثاني خفض الأجرة الفعلية المقررة لها والتي يدفعها المستأجرون مقابل الانتفاع بالأعيان المؤجرة، ودفاتر الحصر هي السند والوحيد الذي يشهد بمقدار الضريبة المفروضة، أما الأجرة الفعلية التي يدفعها المستأجر فالبينة فيها مطلقة منعاً من الاحتيال على القانون، ولا تزاحم بين القانونين في التطبيق بل أن لكل منهما مجاله الذي يستأثر به بغير تناقض. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ أطرح اعتبار دفاتر الحصر المشار إليها حجية بما فيها على حقيقة الأجرة الفعلية في خصوص تطبيق القانون رقم 168 لسنة 1961 لا يكون قد خالف القانون في شيء.
4 - نصت المادة الخامسة مكرراً (5) المضافة إلى القانون رقم 121 لسنة 1947 بالقانون رقم 168 لسنة 1961 في فقرتها الأولى على أنه: "تخفض بنسبة 20% الأجور الحالية للأماكن التي أنشئت بعد العمل بالقانون رقم 55 لسنة 1958 المشار إليه وذلك ابتداء من الأجرة المستحقة عن الشهر التالي لتاريخ العمل بهذا القانون". وقد صدر هذا القانون على أن يعمل به من تاريخ نشره في 5 نوفمبر سنة 1961 فليس له أثر رجعي ينعطف إلى ما قبل التاريخ المحدد لنفاذه، وإنما هو يسري من تاريخ نفاذه على الأجور التي تحصل بعد صدوره، وذلك لأن عقود الإيجار بطبيعتها عقود ممتدة تولد أداءات متجددة مما يعتبر معه تحصيل ما يزيد على الأجرة المقررة عن المدة المحددة كلما حصلت جريمة مستمرة لأنها تقتضي تدخلا متتابعا متجددا ممن يقارفها. ولا يعتبر ورود الأجرة على بناء سبق إنشاؤه أو تقريرها بعقود أبرمت قبل صدور القانون الجديد مبرراً للقول برجعية القانون على وقائع سبقت صدوره، لأن المراد بالواقعة المؤثمة التي يسري عليها هو عدم خفض الأجرة بالنسبة التي حددها القانون فيما يحصل من أجور بعد نفاذه لا فيما حصل منها من قبل، مما ليس فيه إعمال للأثر الرجعي للقانون.
5 - الأصل في الإجراءات الصحة، ولا يجوز الادعاء بما يخالف ما أثبت منها سواء في محضر الجلسة أو الحكم إلا بالطعن بالتزوير.
6 - فقدان تقرير التلخيص بعد تلاوته لا يبطل الإجراءات بعد صحة.
7 - لا تلتزم محكمة الموضوع بإجابة طلب ندب خبير في الدعوى ما دامت الواقعة قد وضحت لديها، وما دام في مقدورها أن تشق طريقها في المسألة المطروحة عليها.
8 - لا على المحكمة إن هي لم تتعقب المتهم في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاتها عنها أنها أطرحتها. ولما كان في أخذ المحكمة إثباتاً للأجرة الفعلية بشهادة شهود الإثبات ما يفيد أنها أطرحت ما ساقه الدفاع من شواهد أخرى للتدليل بها على جدية العقود المقدمة منه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في أول ديسمبر سنة 1961 بشبرا: امتنع عن تخفيض القيمة الإيجارية الحقيقية طبقاً لأحكام القانون بالنسبة إلى المساكن المؤجرة المبينة بالمحضر المملوكة له. وطلبت عقابه بالمواد 5 و5 مكرر و16 من القانون رقم 121 لسنة 1947 المعدل بالقانون رقم 168 لسنة 1961، وقد أدعي النقيب فايز عزت والسيدة اسكندره معوض بحق مدني قبل المتهم وطلبا القضاء لهما بمبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة شبرا الجزئية دفع الحاضر مع المتهم (أولاً) بعدم اختصاص القضاء الجنائي بنظر الدعوى. (ثانياً) عدم جواز إثبات عكس الثابت بعقود الإيجار إلا بالكتابة، وقضت المحكمة بتاريخ 4 من مارس سنة 1964 عملاً بمواد الاتهام. (أولاً) برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة الجنائية وباختصاصها. (ثانياً) رفض الدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة وبجوازه. (ثالثاً) تغريم المتهم مائة جنيه مصري وإلزامه أن يدفع للمدعيين بالحق المدني مبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف. فاستأنف المحكوم عليه هذا الحكم وأمام محكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - تمسك المتهم بعدم جواز الإثبات بالبينة. ثم قضت المحكمة المذكورة حضورياً بتاريخ 23 من يونيه سنة 1964 (أولاً) بقبول الاستئناف شكلاً (ثانياً) برفض الدفع المبدي من المتهم بعدم جواز الإثبات بالبينة وبجوازه (ثالثاً) وفي موضوع الاستئناف برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المتهم المصاريف المدنية الاستئنافية. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن حاصل أوجه الطعن في التقارير الثلاثة هو مخالفة القانون والقصور في التسبيب والإخلال بحق الطاعن في الدفاع والبطلان في الإجراءات الذي أثر في الحكم ذلك بأن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة عدم خفض الأجرة بالنسبة التي حددها الشارع في القانون رقم 168 لسنة 1961 قد أخطأ في تطبيق القانون من أوجه (أولاً) مخالفته قواعد الاختصاص الولائي حين رفض الدفع المبدي من الطاعن بعدم اختصاص المحاكم الجزئية بتحديد القيمة الإيجارية على اعتبار أن المشرع ناط في المادة 15 من القانون رقم 121 لسنة 1947 بالمحكمة الابتدائية وحدها الفصل في مسألة الأجرة وهي في خصوص جريمة مخالفتها أصل لا فرع، ومن ثم فإنها تشكل مسألة أولية أو دفعا مانعاً للدعوى الجنائية فلا تتولد ولا تستحق القبول حتى يفصل من جهة القضاء المدني في الأجرة، مما كان يتعين معه على القاضي الجنائي أن يتخلى عن الدعوى الجنائية أو على الأقل أن يوقف الفصل فيها حتى يصدر حكم من المحكمة المدنية بتحديد الأجرة محل النزاع. (ثانياً) مخالفة قواعد الإثبات المقررة في المسائل المدنية إذ أجازت المحكمة إثبات عكس ما جاء في عقود الإيجار المكتوبة بالبينة دون أن يتضمن القانون رقم 168 لسنة 1961 نصا يجيزه بل إن المحكمة فسرت هذا القانون تفسيراً يخالف مدلول عبارته من أنه لا يسار إلى الإثبات بالبينة إلا عند عدم وجود السند الكتابي كما أنه خليقاً أن لا تقبل المحكمة الإثبات بالبينة دون قرائن قوية تجعل القول بالاحتيال على القانون أمراً محتملاً. (ثالثاً) أن الحكم أهدر قاعدة شرعية الجريمة والعقاب حين عاقب الطاعن عن عقود أبرمت قبل صدور القانون الذي دين بمقتضاه وأهدر التفسير التشريعي الذي جعل لدفاتر الحصر حجية في شأن إثبات القيمة الفعلية للأجرة، وفضلاً عما تقدم فإن المحكمة لم تبين في حكمها صفة الطاعن التي دين بمقتضاها بل سارت على أنه مالك للمبنى المشتمل على الأماكن المؤجرة مع أنه ملك لزوجته التي ظهر اسمها في بعض عقود الإيجار المبرمة وقد طلب الطاعن تحديد أجرة المثل بواسطة خبير هندسي قدم عقود إيجار محررة بينه وبين مستأجرين سابقين نفياً لدعوى الاحتيال على القانون، إلا أن المحكمة لم تجبه إلى ما طلبه من تحقيق، ولم ترد بشيء على العقود المقدمة منه، كما أنها لم تعلق بشيء على أقوال شهود النفي، بل بررت أخذها بأقوال شهود الإثبات مع قيام الخصومة بين الطاعن وبينهم وكونهم أصحاب المصلحة بدعوى الاطمئنان - وأطرحت دليل النفي بعدم الارتياح، وهو تسبيب غامض يعجز محكمة النقض عن مراقبته. هذا إلى أن تقرير التلخيص لم يودع ملف الدعوى مما يجعل الحكم باطلاً لإبتنائه على مخالفة المادتين 331 و411 من قانون الإجراءات الجنائية مما يعيبه بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الامتناع عن تخفيض القيمة الإيجارية طبقاً للنسبة التي حددها القانون التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من منازعة في ولاية المحكمة للفصل في تحديد إيجار المساكن مردوداً بأن الأصل هو أن المحكمة الجنائية مختصة بموجب المادة 221 من قانون الإجراءات الجنائية بالفصل في جميع المسائل التي يترتب عليها الحكم في الدعوى الجنائية المطروحة أمامها دون أن تلتزم بأن تعلق قضاءها على ما عساه أن يصدر من أحكام في شأن نزاع مدني قائم على موضوع الجريمة ولا يستثنى من ذلك إلا المسائل الأولية التي يتوقف عليها قبول الدعوى ذاتها وحالات الوقف التي يتوقف فيها الحكم في الدعوى الجنائية على الفصل في دعوى جنائية أخرى أو على مسألة من مسائل الأحوال الشخصية طبقاً لما نصت عليه المادتان 222 و223 من القانون المشار إليه وليس في القانون نص يجعل سماع الدعوى الجنائية عن جريمة تجاوز الأجرة المقررة في القانون معلقاً على شرط صدور حكم من المحكمة المدنية المختصة بتحديد الأجرة ولا يغير من الأمر شيئاً - في ثبوت الاختصاص للمحكمة الجنائية بالمسائل المدنية الفرعية كافة أن يكون الاختصاص الأصيل بالدعوى المدنية منعقداً لمحكمة عادية في السلم القضائي أو لمحكمة مخصوصة ناط بها القانون ولاية الفصل فيها. لما كان ذلك، فإن المحكمة إذ دانت الطاعن دون أو توقف الدعوى حتى يفصل في تحديد الأجرة من المحكمة المدنية المختصة تكون قد طبقت صحيح القانون. لما كان ذلك، وكان القانون رقم 121 لسنة 1947 في شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقات بين المؤجرين والمستأجرين والذي يعتبر الأصل الجامع المنظم لعقد الإيجار إلى جانب نصوص القانون المدني قد نص في المادة الخامسة منه على أنه (إذا لم توجد عقود كتابية أو تعذر الحصول عليها جاز إثبات شروط التعاقد والأجرة المتفق عليها والتكاليف الإضافية المشار إليها فيما تقدم بجميع طرق الإثبات مهما كانت قيمة النزاع) كما نصت الفقرة الثانية من المادة الخامسة مكرراً (5) من القانون المذكور والتي أضيفت بمقتضى القانون رقم 168 لسنة 1961 على أن المقصود بالأجرة الحالية في أحكام هذه المادة الأجرة التي كان يدفعها المستأجر خلال سنة سابقة على تاريخ العمل بهذا القانون أو الأجرة الواردة في عقد الإيجار أيتهما أقل) والبين من هذين النصين في صريح لفظهما وواضح دلالتهما أن الشارع عامل الأجرة معاملة الواقعة المادية من حيث أحل للمستأجر إثباتها بطرق الإثبات كافة بما فيها البينة والقرائن وذلك تيسيراً عليه - كي يضرب على كل محاولة لاستغلاله وهذا المعنى واضح بالقدر نفسه من المقابلة في صياغة المادة الخامسة المذكورة من الأجرة التي يدفعها المستأجر وبين الأجرة الواردة في عقد الإيجار وليس من شك في أنه يجوز الإثبات بالبينة فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد نص يقضي بذلك كما هو مفهوم المادة 400 من القانون المدني، أما ما تحدى به الطاعن من تفسير تشريعي للقانون رقم 169 لسنة 1961 بتقرير بعض الإعفاءات من الضريبة على العقارات المبينة وخفض الإيجارات بمقدار الإعفاء في شأن اعتبار دفاتر الحصر التي أطرحها الحكم المطعون فيه أساساً لتحديد الأجرة - ما تحدى به من ذلك - مردود باختلاف نطاق تطبيق القانون المشار إليه عن نطاق تطبيق القانون رقم 168 لسنة 1961 في شأن خفض إيجار الأماكن الذي خلا من نص يجيز إصدار تفسيرات تشريعية لأحكامه فمجال القانون الأول هو الإعفاء من بعض الضريبة المربوطة على الأمكنة المؤجرة والتي كان يتعين جبايتها من المؤجرين ومجال الثاني خفض الأجرة الفعلية المقررة لها والتي يدفعها المستأجرون مقابل الانتفاع بالأعيان المؤجرة. ودفاتر الحصر هي السند الوحيد الذي يشهد بمقدار الضريبة المفروضة أما الأجرة الفعلية التي يدفعها المستأجر فالبينة فيها مطلقة منعاً من الاحتيال على القانون ولا تزاحم بين القانونين في التطبيق - بل إن لكل منهما مجاله الذي يستأثر به بغير تناقض، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذا أطرح اعتبار دفاتر الحصر المشار إليها حجة بما فيها على حقيقة الأجرة الفعلية في خصوص تطبيق القانون رقم 168 لسنة 1961 لا يكون قد خالف القانون في شيء. لما كان ذلك، وكانت المادة الخامسة مكرراً (5) المضافة إلى القانون رقم 121 لسنة 1947 بالقانون رقم 168 لسنة 1961 قد نصت في فقرتها الأولى على أنه (تخفض بنسبة 20% الأجور الحالية للأماكن التي أنشئت بعد العمل بالقانون رقم 55 لسنة 1958 المشار إليه وذلك ابتداء من الأجرة المستحقة عن الشهر التالي لتاريخ العمل بهذا القانون) وقد صدر هذا القانون على أن يعمل من تاريخ نشره في 5 من نوفمبر سنة 1961 فليس له أثر رجعي ينعطف إلى ما قبل التاريخ المحدد لنفاذه وإنما هو يسري من تاريخ نفاذه على الأجور التي تحصل بعد صدوره، وذلك لأن عقود الإيجار بطبيعتها عقود ممتدة تولد أداءات متجددة مما يعتبر معه تحصيل ما يزيد على الأجرة المقررة عن المدة المحددة كلما حصلت جريمة مستمرة لأنها تقتضى تدخلاً متتابعاً متجدداً ممن يقارفها، ولا يعتبر ورود الأجرة على بناء سبق إنشاؤه أو تقريرها بعقود أبرمت قبل صدور القانون الجديد مبرراً للقول برجعية القانون على وقائع سبقت صدوره، لأن المراد بالواقعة المؤثمة التي يسري عليها هو عدم خفض الأجرة بالنسبة التي حددها القانون فيما يحصل من أجور بعد نفاذه لا فيما حصل منها من قبل مما ليس فيه إعمال للأثر الرجعي للقانون. لما كان ما تقدم، وكان الطاعن يسلم في طعنه بصفته كمؤجر ذي شأن فيما أجره من الأمكنة موضوع الجريمة المسندة إليه، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت قيام هذه الصفة به ودانه على أساسها، ولا يدعي الطاعن أنه كان فضولياً حين تعاقد مع المستأجرين وكان الطاعن لم يدفع بانتفاء هذه الصفة لدى محكمة الموضوع، فإن قالة القصور في الحكم لا يكون لها من وجه ولا يعتد بها. لما كان ذلك، وكان بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم، ولا عليه أن لا يتعقب الطاعن في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها ولا تلتزم محكمة الموضوع بإجابة طلب ندب خبير في الدعوى ما دامت الواقعة قد وضحت لديها وما دام في مقدورها أن تشق طريقها - في المسألة المطروحة عليها - ولما كان في أخذ المحكمة إثباتاً للأجرة الفعلية بشهادة شهود الإثبات ما يفيد أنها أطرحت ما ساقه الدفاع من شواهد أخرى للتدليل بها على جدية العقود المقدمة منه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن في شأن عدم إيداع تقرير التخليص ملف الدعوى مردوداً بأن الثابت من الاطلاع على محاضر الجلسات أن تقرير التلخيص قد تلي، وكان الأصل في الإجراءات الصحة، ولا يجوز الادعاء بما يخالف ما أثبت منها سواء في محضر الجلسة أو الحكم إلا بالطعن بالتزوير، وكان فقدان تقرير التلخيص بعد تلاوته لا يبطل الإجراءات بعد صحة. لما كان ما تقدم وكان، سائر الطعن جدلاً موضوعياً فيما اطمأنت إليه محكمة الموضوع من أدلة الدعوى، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.