أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 15 - صـ 754

جلسة 30 من نوفمبر سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: أديب نصر، ومختار رضوان، ومحمد عبد الوهاب خليل، ومحمود عزيز الدين سالم.

(149)
الطعن رقم 1154 لسنة 34 القضائية

( أ ) سرقة. "أركانها".
المنقول في جريمة السرقة. ماهيته: هو كل ما له قيمة مالية ويمكن تملكه وحيازته ونقله. بصرف النظر عن ضآلة قيمته. ما دام ليس مجرداً من كل قيمة. تفاهة الشيء المسروق لا تأثير لها. ما دام هو في نظر القانون مال. طوابع الدمغة المستعملة. جواز أن تكون محلاً للسرقة.
(ب) دعوى جنائية. "تحريكها".
تهمة بيع طوابع الدمغة المستعملة، عدم جواز تحريك الدعوى الجنائية بشأنها إلا بناء على طلب مصلحة الضرائب وإلا كانت الدعوى غير مقبولة.
(جـ) دعوى جنائية. "تحريكها". نيابة عامة. ارتباط. نقض "المصلحة في الطعن". اختلاس. دمغة.
قيد حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية. أمر استثنائي ينبغي عدم التوسع في تفسيره. وجوب قصره في أضيق نطاق سواء بالنسبة إلى الجريمة التي خصها القانون بضرورة تقديم طلب تحريك الدعوى الجنائية عنها أو بالنسبة إلى شخص المتهم - دون الجرائم الأخرى المرتبطة بها والتي لا يلزم فيها الطلب. مثال.
1 - نصت المادة 311 من قانون العقوبات على أن كل من اختلس منقولاً مملوكاً لغيره فهو سارق. والمنقول في هذا المقام هو كل ما له قيمة مالية ويمكن تملكه وحيازته ونقله بصرف النظر عن ضآلة قيمته ما دام ليس مجرداً من كل قيمة لأن تفاهة الشيء المسروق لا تأثير لها ما دام هو في نظر القانون مالاً. ومن ثم فإن طوابع الدمغة المستعملة يصح أن تكون محلاً للسرقة، ذلك لأن لها قيمة ذاتية باعتبارها من الورق ويمكن استعمالها وبيعها والانتفاع بها بعد إزالة ما عليها من آثار. وقد اعتبرها المشرع أوراقاً جدية وأثم العبث بحرمتها فنص في المادة 37/ 3 من القانون 224 لسنة 1951 بتقرير رسم للدمغة على عقاب "كل من استعمل أو باع أو شرع في بيع طوابع دمغة سبق استعمالها مع علمه بذلك" كما نص في المادة 28 من هذا القانون على أنه "لا يجوز لمصلحة الضرائب التصالح مع المخالفين لأحكام المادة 27 منه". وذلك تقديراً بأن هذه الطوابع المستعملة ليست مجردة من كل قيمة وأن في استعمالها وبيعها من الخطورة على الصالح العام مما لا ينبغي معه لمصلحة الضرائب التغاضي عنه أو التصالح بشأنه.
2 - من المقرر أن طلب مصلحة الضرائب لازم قانوناً لإمكان رفع الدعوى الجنائية عن تهمة بيع طوابع الدمغة المستعملة وإلا كانت غير مقبولة.
3 - الأصل هو أن قيد حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية أمر استثنائي ينبغي عدم التوسع في تفسيره وقصره على أضيق نطاق سواء بالنسبة إلى الجريمة التي خصها القانون بضرورة تقديم طلب بتحريك الدعوى الجنائية عنها أو بالنسبة إلى شخص المتهم - دون الجرائم الأخرى المرتبطة بها والتي لا يلزم فيها الطلب. ولما كانت جريمة الاختلاس التي دين الطاعن بها مستقلة في ركنها المادي عن جريمة بيع الطوابع المستعملة التي اتهم بها فلا ضير على النيابة العامة إن هي باشرت حقها القانوني في الاتهام وقامت بتحريك الدعوى الجنائية ورفعها تحقيقاً لرسالتها. ولا يصح النعي على الحكم قبوله الدعوى الجنائية والفصل فيها دون بحث الطلب الذي يستلزمه القانون بالنسبة إلى التهمة الثانية ذلك لأن واقعة الدعوى تتضمن أفعالاً متعددة يندرج كل منها تحت وصف قانوني مستقل، وإذا كان القانون يقيد حرية النيابة بالنسبة إلى أحد هذه الأفعال وهي جريمة بيع الطوابع المستعملة فإنه لا يسلبها حقها بالنسبة إلى جريمة الاختلاس التي تم تحريك الدعوى الجنائية فيها صحيحاً. كما أنه لا مصلحة للطاعن في التمسك بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى التهمة الثانية ما دامت المحكمة قد دانته بجريمة الاختلاس وأوقعت عليه عقوبتها عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات بوصفها الجريمة الأشد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم في يوم 6/ 1/ 1962 بدائرة قسمي الأزبكية والجيزة: المتهم الأول: (الطاعن الأول) - 1 - اختلس أوراق التمغة المبينة بالمحضر حالة كونه الحافظ لها. 2 - باع طوابع تمغة سبق استعمالها مع علمه بذلك - المتهمان الثاني (الطاعن الثاني) والثالث: 1 - اشتركا مع المتهم الأول في ارتكاب الاختلاس سالف الذكر بطريق الاتفاق والمساعدة مع علمهما بصفته ووقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. 2 - باعا طوابع دمغة سبق استعمالها مع علمهما بذلك. المتهمون من الرابع إلى العاشر أخفوا طوابع الدمغة سالفة الذكر والمتحصلة من جناية مع علمهم بذلك - المتهم الحادي عشر - باع طوابع دمغة سبق استعمالها مع علمه بذلك. وطلبت إلى السيد مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 151 و152/ 2 عقوبات و27/ 1 - 2 من القانون 224 لسنة 1951 بتقرير رسم الدمغة بالنسبة للمتهم الأول و40/ 2 - 3 و41 و151 و252/ 2 عقوبات و27/ 1 - 2 من القانون 224 لسنة 1951 بالنسبة للمتهمين الثاني والثالث والمواد 44/ 1 مكرر عقوبات و27/ 1 - 2 من القانون 224 سنة 1951 بالنسبة للمتهمين من الرابع إلى العاشر. وبجلسة 13/ 12/ 1962 أمر السيد مستشار الإحالة بتعديل وصف التهمة بالنسبة للمتهم الأول على الوجه الآتي: - تقيد الواقعة جناية بالمادتين 151 و152/ 2 عقوبات وجنحة بالمادة 27/ 1 - 2 من القانون 224 سنة 1951 لأنه في يوم 6/ 1/ 1962 بدائرة قسم الأزبكية محافظة القاهرة: 1 - اختلس أوراق التمغة المبينة بالمحضر حالة كونه الحافظ لها - 2 - باع طوابع تمغة سبق استعمالها مع علمه بذلك. وبالنسبة للمتهم الثاني - تقيد الواقعة جناية بالمادتين 151 و152/ 1 عقوبات وجنحة بالمادة 27/ 1 - 2 من القانون 224 لسنة 1951 لأنه في الزمان والمكان سالفى الذكر - 1 - اختلس أوراق التمغة المبينة بالمحضر - 2 - باع طوابع تمغة سبق استعمالها مع علمه بذلك. وبالنسبة للمتهمين من الثالث إلى العاشر تقيد الواقعة جنحة بالمواد 151 و152/ 1 و44 مكرر عقوبات والمواد 27/ 1 - 2 من القانون 224 لسنة 1951 لأنهم في يوم 6/ 1/ 1962 بدائرة قسمي الأزبكية والجيزة: أخفوا طوابع الدمغة سالفة الذكر المتحصلة من جنحة مع علمهم بذلك. وبالنسبة للحادي عشر بالقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام. وأمر بإحالة الدعوى إلى محكمة جنايات القاهرة لمحاكمة المتهمين بالقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بتاريخ 9 من أبريل سنة 1964 عملاً بالمادتين 151 و152/ 2 من قانون العقوبات للأول والثاني والمادة 44 مكرر من القانون المذكور للمتهم الخامس مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات للأول والخامس والمادة 30 من القانون نفسه بالنسبة لمصادرة المضبوطات: أولاً - بمعاقبة كل من المتهمين الأول والثاني والخامس بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة - ثانياً - ببراءة باقي المتهمين مما أسند إليهم، ثالثاً - بمصادرة طوابع الدمغة المستعملة المضبوطة. وذلك على اعتبار أن المتهمين الأول والثاني والخامس في الزمان والمكان سالفى الذكر: أولاً - المتهم الأول اختلس طوابع التمغة التي كانت ملصقة على حوافظ تصدير البضائع الموجودة في عهدته وذلك باعتباره الحافظ لها. ثانياً - المتهم الثاني اختلس طوابع التمغة التي كانت ملصقة على حوافظ تصدير البضائع الموجودة في عهدة المتهم الأول. ثالثاً - المتهم الخامس - أخفى هذه الطوابع مع علمه بأنها متحصلة من جريمة الاختلاس سالفة البيان. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن الأول وإن قرر بالطعن في الميعاد إلا أنه لم يقدم أسباباً فيكون طعنه غير مقبول شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الثاني (أحمد عبد العاطي مرسي) قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مبنى هذا الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإدانة الطاعن بجريمة اختلاس طوابع دمغة مستعملة قد أخطأ في تطبيق القانون ذلك بأنه دفع بعدم قبول الدعوى الجنائية قبله لعدم صدور إذن من مصلحة الضرائب بتحريكها وفقاً للمادة 28 من القانون رقم 224 لسنة 1951 بتقرير رسم دمغة قولاً بأن المتهم الرابع في الدعوى هو الذي أبدى هذا الدفاع وأنه لا مصلحة للطاعن في التمسك به مع أن الثابت بمحضر الجلسة أن هذا الدفع قد أثير ممن أبداه بصيغة الجمع على نحو يتصل بكل المتهمين، هذا فضلاً عن أنه دفع متعلق بالنظام العام يجوز إبداؤه في أية حالة كانت عليها الدعوى وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها. كما أخطأ الحكم حين قضى بإدانته باختلاس تلك الطوابع على الرغم من أنه ليست لها أية قيمة مادية أو ذاتية مما يفقد تلك الجريمة أحد أركانها الجوهرية.
وحيث إن الدعوى الجنائية أحيلت إلى محكمة الموضوع ضد الطاعن وآخرين بوصف أنه - 1 - اختلس أوراق الدمغة المبينة بالمحضر - 2 - باع طوابع دمغة سبق استعمالها مع علمه بذلك بالتطبيق للمواد 151، 152/ 1 من قانون العقوبات و27/ 1، 2 من القانون رقم 224 لسنة 1951. وقد حصل الحكم واقعة الدعوى فيما يتصل بالطاعن فيما يجمل بأنه نمى إلى علم رئيس مباحث السكة الحديدية ورئيس قسم مباحث البريد أنه توجد عصابة تقوم بنزع طوابع الدمغة المستعملة ومعالجتها بمواد كيماوية لمحو ما عسى أن يكون عليها من آثار تفيد سبق استعمالها ثم تعيد بيعها للجمهور فكلفا ضابط مباحث هيئة البريد بتحري هذا الأمر فتنكر في زي كاتب عمومي واتصل بالطاعن وهو موظف بهيئة السكة الحديدية فباعه أوراق دمغة من فئات مختلفة وقبض ثمنها منه ثم اتفق الضابط معه على مقابلته مرة أخرى، وفي الموعد المحدد لتلك المقابلة اتصل الضابط تليفونياً بالطاعن الذي أفهمه أنه أعد له كمية كبيرة من هذه الطوابع. فحرر الضابط محضراً بذلك واستأذن النيابة في ضبط وتفتيش الطاعن وباقي الأشخاص الذين أثبت أسماءهم في محضره وتفتيش مكاتبهم ومساكنهم وذهب ضابط المباحث وزميلان له إلى حيث تقابلوا مع الطاعن وإذ توجه إلى مبنى خاص بالأوقاف ليحضر لهم الطوابع بعد أن قبض من ضابط المباحث ثلاثة جنيهات ثمناً لها قاموا بتعقبه حيث رأوه يدخل ذلك المبنى وفي حجرة صغيرة يشغلها المتهم الرابع وهو خفير الأوقاف قام الطاعن بتسليم الثلاثة جنيهات للمتهم الثالث الذي أخرج من جيبه مظروفاً تمكن رجال المباحث من ضبطه وكان يحتوي على عدد كبير من طوابع الدمغة المستعملة من فئة الخمسة قروش فواجه رجال القوة الطاعن بتحرياتهم وبما ضبط معه فاعترف لهم بأنه يحضر تلك الطوابع من المتهم الخامس الذي يقوم بمعالجتها بالمواد الكيماوية ثم غسلها وكيها لإزالة ما عليها من آثار تدل على سابقة استعمالها وأن المتهم الأول وهو موظف في هيئة السكة الحديدية يورد له تلك الطوابع المنزوعة من أوراق في عهدته. وقد استدل الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة بأقوال رجال المباحث واعتراف الطاعن بالتحقيقات وبالتقرير الطبي الشرعي الخاص بفحص الطوابع المضبوطة، وهي أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وتتوافر بها كافة العناصر القانونية لجريمة اختلاس طوابع الدمغة المستعملة التي دان الطاعن بها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما أثاره الطاعن والمتهم الأول في الدعوى من أن هذه الطوابع أصبحت بعد لصقها على حوافظ تصدير البضائع المنزوعة منها لا قيمة لها لأن تلك الحوافظ وما عليها من طوابع دمغة مصيرها إلى الحرق مما يجعل تلك الطوابع عديمة القيمة ويكون اختلاسها على هذا النحو لا يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. ورد عليه في قوله: "إن هذا الدفاع مردود بأن العبرة في هذا المجال ليست بالقيمة المادية لطابع الدمغة بل بالقيمة الذاتية له فإن هذا الطابع الذي هو عبارة عن ورقة صغيرة له قيمة ذاتية في حد نفسه تتمثل في أنه وسيلة لتنفيذ قانون الدمغة ومن ثم فلا يجوز نزعه من هذه الورقة بعد لصقه عليها حتى ولو كانت هذه الورقة مصيرها الإعدام بدليل أن القانون حرم إعادة استعمال هذا الطابع بعد ذلك وجعل هذا الفعل جريمة معاقباً عليها". وما انتهى إليه الحكم فيا تقدم يتفق وصحيح القانون ذلك بأن المادة 311 من قانون العقوبات قد نصت على أن كل من اختلس منقولاً مملوكاً لغيره فهو سارق، والمنقول في هذا المقام هو كل ما له قيمة مالية ويمكن تملكه وحيازته ونقله بصرف النظر عن ضآلة قيمته ما دام ليس مجرداً من كل قيمة لأن تفاهة الشيء المسروق لا تأثير لها ما دام هو في نظر القانون مالاً ومن ثم فإن طوابع الدمغة المستعملة يصح أن تكون محلاً للسرقة ذلك لأن لها قيمة ذاتية باعتبارها من الورق ويمكن استعمالها وبيعها والانتفاع بها بعد إزالة ما عليها من آثار كما هو الحال في الدعوى وقد اعتبرها المشرع أوراقاً جدية وأثم العبث بحرمتها فنص في المادة 27/ 3 من القانون 224 لسنة 1951 بتقرير رسم الدمغة على عقاب "كل من استعمل أو باع أو شرع في بيع طوابع دمغة سبق استعمالها مع علمه بذلك" كما نص في المادة 28 من هذا القانون على أنه "لا يجوز لمصلحة الضرائب التصالح مع المخالفين لأحكام المادة 27 منه". وذلك تقديراً بأن هذه الطوابع المستعملة ليست مجردة من كل قيمة وأن في استعمالها وبيعها من الخطورة على الصالح العام ما لا ينبغي معه لمصلحة الضرائب التغاضي عنه أو التصالح بشأنه. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما دفع به الدفاع عن الطاعن والمتهم الأول من عدم قبول الدعوى بالنسبة إلى التهمة الثانية التي أسندت إليهما وهي بيع طوابع دمغة سبق استعمالها مع علمهما بذلك استناداً إلى المادة 28 من القانون رقم 224 لسنة 1951 بتقرير رسم الدمغة التي نصت على أنه لا تقام الدعوى إلا بموافقة مصلحة الضرائب فرد على هذا الدفع بقوله: "أنه لا مصلحة للمتهمين في التمسك بمثل هذا الدفع لأن هذه التهمة الثانية مرتبطة بالتهمة الأول ارتباطاً لا يقبل التجزئة لوحدة الغرض الإجرامي لأن هذين المتهمين ما اختلسا طوابع الدمغة المستعملة إلا ليستفيدا من بيعها ومن ثم فإن المادة 32 من قانون العقوبات تكون واجبة التطبيق ومن مقتضى ذلك وجوب توقيع عقوبة واحدة على هذين المتهمين هي عقوبة الجريمة الأشد التي تتمثل في الجريمة موضوع التهمة الأولى" وخلص الحكم إلى مساءلة الطاعن عن تهمة اختلاس الطوابع التي كانت ملصقة على حوافظ تصدير البضائع الموجودة في عهدة المتهم الأول وأوقع عليه عقوبتها طبقاً للمادتين 151 و152 من قانون العقوبات. وما ذهب إليه الحكم فيما تقدم يستقيم به الرد على ذلك الدفع إذ أنه وإن كان من المقرر أن طلب مصلحة الضرائب لازم قانوناً لإمكان رفع الدعوى الجنائية عن تهمة بيع طوابع الدمغة المستعملة وهو ما خلت منه إجراءات الدعوى - مما كان يستتبع ابتداء عدم قبولها، إلا أنه لا جدوى للطاعن من إثارة هذا الدفع في خصوص الدعوى المطروحة. ذلك لأن الأصل هو أن قيد حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية أمر استثنائي ينبغي عدم التوسع في تفسيره وقصره على أضيق نطاق سواء بالنسبة إلى الجريمة التي خصها القانون بضرورة تقديم طلب بتحريك الدعوى الجنائية عنها أو بالنسبة إلى شخص المتهم دون الجرائم الأخرى المرتبطة بها والتي لا يلزم فيها الطلب. ولما كانت جريمة الاختلاس التي دين الطاعن بها مستقلة في ركنها المادي عن جريمة بيع الطوابع المستعملة التي اتهم بها فلا ضير على النيابة العامة إن هي باشرت حقها القانوني في الاتهام وقامت بتحريك الدعوى الجنائية ورفعها تحقيقاً لرسالتها. ولا يصح النعي على الحكم قبوله الدعوى الجنائية والفصل فيها دون بحث الطلب الذي يستلزمه القانون بالنسبة إلى التهمة الثانية ذلك لأن واقعة الدعوى تتضمن أفعالاً متعددة يندرج كل منها تحت وصف قانوني مستقل، وإذا كان القانون يقيد حرية النيابة بالنسبة إلى أحد هذه الأفعال وهي جريمة بيع الطوابع المستعملة فإنه لا يسلبها حقها بالنسبة إلى جريمة الاختلاس التي تم تحريك الدعوى الجنائية فيها صحيحاً. كما أنه لا مصلحة للطاعن في التمسك بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى التهمة الثانية ما دامت المحكمة قد دانته بجريمة الاختلاس وأوقعت عليه عقوبتها عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات بوصفها الجريمة الأشد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.