أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 15 - صـ 805

جلسة 8 من ديسمبر سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ حسين صفوت السركي، وبحضور السادة المستشارين: مختار مصطفى رضوان، ومحمد عبد الوهاب خليل، ومحمد محمد محفوظ؛ ومحمد نور الدين عويس.

(159)
الطعن رقم 1286 لسنة 34 القضائية

( أ ) استعمال قسوة. قبض وحبس بدون وجه حق.
المادة 129 عقوبات لم تعن إلا بوسائل العنف الذي لا يبلغ القبض على الناس وحبسهم. ورود المادتين 280, 282 عقوبات ضمن جرائم القبض على الناس وحبسهم بدون وجه حق. اعتبار المشرع المصري الاعتداء على حرية الناس بالقبض أو الحبس أو الحجز من الجرائم التي تقع إطلاقاً من موظف أو غير موظف.
(ب) هتك عرض. قصد جنائي.
جريمة هتك العرض. توافرها: يكفي أن يقدم الجاني على كشف جزء من جسم المجني عليه يعد من العورات التي يحرص على صونها وحجبها عن الأنظار ولو لم يقترن ذلك بفعل مادي آخر من أفعال الفحش.
القصد الجنائي في جريمة هتك العرض. تحققه: بانصراف إرادة الجاني إلى الفعل ونتيجته. لا عبرة بما يكون قد دفع الجاني إلى فعلته أو الغرض الذي توخاه منها.
1 - جرى قضاء محكمة النقض على أن نص المادة 129 من قانون العقوبات لم يعن إلا بوسائل العنف الذي لا يبلغ القبض على الناس وحبسهم فقد وردت هذه المادة ضمن جرائم الإكراه وسوء المعاملة من الموظفين لأفراد الناس في الباب السادس من الكتاب الثاني الخاص بالجنايات والجنح المضرة بالمصلحة العمومية، أما المادتان 280، 282 من هذا القانون فقد وردتا ضمن جرائم القبض على الناس وحبسهم بدون وجه حق في الباب الخامس من الكتاب الثالث الخاص بالجنايات والجنح التي تحصل لآحاد الناس، وفي هذه المفارقة بين العناوين التي اندرجت تحتها هذه المواد ما ترتسم به فكرة المشرع المصري من أنه عد الاعتداء على حرية الناس بالقبض أو الحبس أو الحجز من الجرائم التي تقع إطلاقا من موظف أو غير موظف.
2 - جرى قضاء محكمة النقض على أن يكفي لتوافر جريمة هتك العرض أن يقدم الجاني على كشف جزء من جسم المجني عليه يعد من العورات التي يحرص على صونها وحجبها عن الأنظار ولو لم يقترن ذلك بفعل مادي آخر من أفعال الفحش لما في هذا الفعل من خدش لعاطفة الحياء العرضي للمجني عليه من ناحية المساس بتلك العورات التي لا يجوز العبث بحرمتها والتي هي جزء داخل في خلقة كل إنسان وكيانه الفطري. فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره من أنه لم يقصد المساس بأجسام المجني عليهم بل تعذيبهم بتعريضهم للبرد، ذلك أن الأصل أن القصد الجنائي في جريمة هتك العرض يتحقق بانصراف إرادة الجاني إلى الفعل ونتيجته، ولا عبرة بما يكون قد دفع الجاني إلى فعلته أو الغرض الذي توخاه منها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم في يومي 14 و15 من فبراير سنة 1958 بدائرة مركز الصف محافظة الجيزة: أولاً - هتكوا بالقوة عرض كل من حسنين علي عليان وأحمد أحمد خليل صالح ومبروك أحمد خليل صالح وقرني محمود شطر وفضل حفني الحنبلي وهلال عطيه عليان وحميده حسن عليان وروحيه عطيه عليان وهناء عطيه عليان بأن مزقوا عنهم كرهاً كل ما يغطي عوراتهم من ملابس وأبقوهم عراة لا يسترهم شيئاً على مرآى من الناس. ثانياً - قبضوا على المجني عليهم سالفي الذكر ومعهم عطيه أحمد عليان وبيومي بخيت السوداني بدون أمر أحد الحكام المختصين بذلك وفي غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين واللوائح القبض على ذوي الشبهة وقاموا بحجزهم وأحدثوا بهم الإصابات العديدة الموصوفة بالتقارير الطبية الشرعية ثم أنزلوهم قسراً إلى مياه الترعة في جو غير ملائم فإذا ما هم أحدهم بالخروج ضربوه حتى يرغم على البقاء تحت الماء وكان ذلك على مرأى من الناس. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 40 و41 و268 و280 و282 من قانون العقوبات. فقررت الغرفة بذلك. ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضورياً بتاريخ 17 مايو سنة 1954 عملاً بالمواد 40 و41 و268 و280 و282 مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات والمادة 17 من القانون المذكور للمتهمين من الثاني إلى التاسع. أولاً - بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنين. ثانياً - بمعاقبة كل من المتهمين الباقين بالحبس مع الشغل لمدة سنتين. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعنين عدا الأول وإن قرروا بالطعن في الميعاد إلا أنهم لم يقدموا أسباباً لطعنهم فيكون طعنهم غير مقبول شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الأول قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتي القبض المقترن بتعذيبات بدنية وهتك العرض بالقوة قد شابه قصور في التسبيب وانطوى على فساد في الاستدلال كما أخطأ في القانون ذلك بأنه أغفل بعض العناصر الهامة التي أثارها الطاعن في دفاعه بشأن الإجراءات التي ثبت قيامه بها واقتضتها وظيفته فور إبلاغه بحادث السرقة وهي أنه عرض بلاغ السرقة على مأمور المركز تليفونياً فأرسل إليه سيارة انتقل بها إلى حيث أحضر المقبوض عليهم إلى النقطة وهناك عرضهم على المجني عليه فتعرف على اثنين منهم ثم انتقل وبرفقته شقيقة المتهم في السرقة إلى المكان الذي ادعت بوجود شقيقها فيه وقد أثبت كل هذه الإجراءات في دفتر أحوال النقطة وأن شهود الإثبات من أهل المتهم ادعوا بحصول عدوان عليهم عقب وصولهم إلى النقطة مباشرة وقد ذهب الحكم في رده على دفاع الطاعن إلى أن القبض والاعتداء على المجني عليهم وقعا بعد انتهاء بلاغ السرقة وانصراف المجني عليه فيها أثر تدخل شيخ البلد وتحريره سنداً بمبلغ خمسين جنيهاً وهذا يخالف ما هو ثابت على لسان الشهود وشيخ البلد من أن الاعتداء وقع عقب إحضار المقبوض عليهم إلى النقطة وامتناعهم عن الإرشاد عن مكان المتهم في السرقة وأن توقيع السند تم بعد ذلك كما أن ما قاله الحكم من أن الضابط توجه إلى البلدة بغية العثور على المتهم في السرقة بأية طريقة إرضاء لشهوة جبروته وتعسفه في استعمال سلطته يدل على أن ما وقع من الطاعن كان أثناء قيامه بعمله الرسمي في تحقيق جناية السرقة. أما ما قاله الحكم من أن الطاعن كان يعمل لحسابه الشخصي وبباعث الطيش والانتقام فهو قول لا أصل له في الأوراق ويتناقض والثابت فيها. هذا إلى أن المادة 280 وما بعدها من قانون العقوبات التي طبقها الحكم لا تنطبق على تجاوز مأموري الضبط القضائي سلطتهم في القبض فقد وردت في باب جرائم القبض على الناس وحبسهم بدون وجه حق وهو الباب الخامس من الكتاب الثالث الخاص بالجنايات والجنح التي تحصل لأفراد الناس وجميعها من الجرائم التي يرتكبها الأفراد العاديون على آحاد الناس. بينما عقد قانون العقوبات الكتاب الثاني منه للجنايات والجنح المضرة بالمصلحة العامة وأورد في البابين الخامس والسادس منه جرائم تجاوز الموظفين حدود وظائفهم وجرائم الإكراه وإساءة المعاملة من الموظفين لأفراد الناس فضلاً عن أن عبارة المادة 280 تفيد أن شرط انطباقها هو أن يحصل القبض من غير ذي سلطة وفي غير الأحوال التي تصرح بها القوانين واللوائح وبذلك يخرج القبض من حاكم عن نطاق تطبيقها ويخضع في تجاوزه سلطته في القبض للمواد 126 وما بعدها من قانون العقوبات وهو ما أجمع عليه الفقه الفرنسي بالنسبة إلى قانون العقوبات الفرنسي الذي كان مصدراً لهذه المواد. كما أن جريمة هتك العرض التي دان الحكم الطاعن بها تتطلب لقيامها توافر عنصرين هما تركيز الانتباه غلى ما يعد عورة وفقاً للعرف وتوجيه الإرادة في ظل هذا الالتفات إلى المساس بهذه العورات فإذا ما انصرف الالتفات إلى جسم المجني عليه عموماً لتعريضه للبرد أو برودة الماء - كما هو الحال في الدعوى - فإن جريمة هتك العرض لا تقوم خصوصاً وأن عرف الفلاحين قد جرى على الترخيص في نزع الملابس دون أن يكون في ذلك ما يخدش حياءهم وقد قال الحكم في الرد على دفاع الطاعن بشأن هتك عرض النساء أن دفع ملابسهن الخارجية ونزعها قسراً عنهن وتعريضهن بالقميص الداخلي وأنزلهن إلى مياه الترعة دون أن يكون بينهن وبين المتهمين ألفة يعد في القانون من قبيل هتك العرض دون أن يعرض بالرد لأقوال شاهد الإثبات فضلى الحنبلي من أنهن نزلن الترعة بملابسهن كاملة وهو ما يتمسك به الطاعن في دفاعه. كما لم يبين الحكم أن القميص الداخلي يكشف عن أجسادهن فضلاً عن أن ما أورده هذا الشأن يتناقض مع ما قرره في موضع آخر منه من أن النساء نزلن الترعة وهن عرايا أخذاً بأقوال أهل المتهم في السرقة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنه في ليلة 14 فبراير سنة 1958 حضر إلى نقطة شرطة الأخصاص التابعة لمركز الصف مديرية الجيزة، محمود علي عطيه شعبان وأبلغ بأن شخصين اعترضا طريقه أثناء عودته إلى منزله واعتديا عليه بالضرب وسرقاه فتلقى منه البلاغ الجاويش النوبتجي ومكث المجني عليه بالنقطة حتى الصباح فلما حضر ضابط النقطة محمد فتحي صالح المتهم الأول (الطاعن) في صباح يوم 14/ 2/ 1958، قص المجني عليه له ما حدث له وأضاف أنه استعرف على أحد المعتدين عليه وهو عبد الحكيم عطيه عليان من بلدة العطيات فأمر الضابط الأومباشي علي عويس محمد (المتهم الرابع) بإحضار المذكور إلى النقطة فتوجه إلى بلدة العطيات لإحضاره فلم يجده وأحضر والده عطيه أحمد عليان، وأراد الضابط أن يعرف منه المكان الذي يوجد فيه ابنه المتهم فلم يوفق في ذلك، فحجزه في النقطة ثم استقل سيارة الشرطة وبرفقته العسكريين فؤاد عوض النجار وأحمد منير خيري (المتهمان الخامس والسابع) وتوجه إلى بلدة العطيات وقصده العثور على عبد الحكيم عطيه عليان، بأية طريقة وبأي ثمن إرضاء لشهوة جبروته وتعسفه في استعمال سلطته، فلما وصل إلى البلدة شاهد شيخها حسنين علي علي عليان فاستدعاه، وقذفه بالسباب ولطمه على وجهه، ثم طلب منه أن يرافقه ويرشده عن مسكن عطيه أحمد عليان فصحبه إلى المنزل وهناك وجد حميدة حسن عليان زوجة عطيه وأولادها هلال وروحية وهناك تصادف وجود كل من قرني محمود شاطر وفضل حنفي الحنبلي بالمنزل فقبض عليهم جميعاً واقتادهم ومعهم شيخ البلد حسنين علي علي عليان إلى السيارة وفي الطريق مر بمحل مبروك أحمد خليل صالح البقال وكان موجوداً بمحله ومعه شقيقه أحمد أحمد خليل صالح فقبض عليهما أيضاً ونقلهم جميعاً إلى نقطة الأخصاص. وهناك طلب منهم أن يرشدوه عن مكان وجود عبد الحكيم عطيه عليان المتهم بالسرقة، فلما ذكروا له أنهم لا يعلمون بمكانه قام بتنفيذ ما كان يجول بخاطره من الانتقام من هؤلاء فأحضر مقصاً وقص به ناحية من شارب شيخ البلد حسنين ثم مزق ملابسه واشترك معه في ذلك عساكر النقطة جميعاً وهو المتهمون من الثاني إلى التاسع في تمزيق ملابس جميع من قبض عليهم رجالاً ونساء على السواء حتى جردوهم من الملابس فيما عدا المجني عليه عطيه أحمد عليان وانهال المتهمون جميعاً عليهم بالسياط وقيد كل من شيخ البلد حسنين والمجني عليه فضل حنفي الحنبلي في (فلقه) وضربهما المتهم الأول بالسوط ثم أمرهم وأجبرهم جميعاً أن ينزلوا إلى مياه الترعة المجاورة للنقطة وهم عراة ونزل خلفهم العسكري فؤاد عوض النجار المتهم الخامس، وبيده سوط يضربهم به ليضطرهم إلى أن يغطسوا برؤوسهم في المياه ويدفعهم بسوطه ناحية الضابط الذي كان يقف على قنطرة وكلما اقترب أحدهم منه ألهبه بسوطه كما وقف بقية المتهمين العساكر على جانبي الترعة يقذفون المجني عليهم بالحجارة حتى يمنعونهم من الخروج وبعد فترة من الزمن أمر المتهم الأول أن يخرج المجني عليهم من الترعة ثم كرر هذا التعذيب مرة أخرى وبالصورة نفسها على مرأى من العساكر والمارة وأهل البلدة ثم أمر للمرة الثانية أن يخرجوا من الترعة واقتاد المتهمون المجني عليهم جميعاً إلى داخل النقطة ودهنت أجسام الرجال العراة بأمر المتهم الأول بالمداد الذي يستعمل في عمل الفيش والتشبيه لإخفاء معالم إصاباتهم الموصوفة بالتقارير الطبية الشرعية ثم حجزهم جميعاً رجالاً ونساء في النقطة إلى اليوم التالي الموافق 15/ 2/ 1958 ولم يفرج عنهم إلا بعد أن وقع شيخ البلد حسنين علي علي عليان على كمبيالة على بياض بتأثير الضغط والإهانة وبعد أن أقسم هو وغيره من الرجال المجني عليهم بأن لا يتقدموا بشكايته وفي اليوم ذاته الذي قبض فيه على هؤلاء وعذبهم التعذيبات البدنية السالفة الذكر توجه الضابط - المتهم الأول - إلى بلدة البتين ومعه فؤاد عوض النجار وأحمد محمد عيسى (المتهمان الثالث والخامس) وهناك قابل الخفير النظامي بيومي بخيت السوداني وسأله عن شيخ الخفراء فلما أجابه أنه غير موجود اعتدى عليه بالضرب ثم سأله عن شخص يدعى راشد فلم يتمكن من الإرشاد عنه فاعتدى عليه بالضرب فجرى منه الخفير خشية بطشه ولكن العسكريين المرافقين للمتهم الأول لحقا به وضرباه وقبضا عليه واقتاده المتهمون الثلاثة إلى السيارة ثم إلى نقطة الأخصاص فلما وصوا إلى هناك حمله كل من فؤاد عوض النجار وأحمد محمد عيسى من السيارة وألقيا به في مياه الترعة وكاد أن يغرق من شدة الإعياء، فلما خرج منها اقتيد إلى داخل النقطة وقيد في "الفلقة" من عساكر النقطة وضربه المتهم الأول بالسوط، فأصيب المجني عليه بالإصابات المبينة بالتقرير الابتدائي والشرعي وبعد فترة أخلى سبيله في اليوم نفسه". وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة في حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات واعتراف المتهمين الثاني والثالث والرابع والخامس والتقارير الطبية وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن بأن القبض على المجني عليهم إنما اتخذه طبقاً للحق المخول له في المادتين 34 و46 من قانون الإجراءات الجنائية إذ كان بصدد تحقيق جناية سرقة بإكراه مما يترتب عليه انطباق المادتين 280 و282 من قانون العقوبات على واقعة الدعوى التي إنما تندرج تحت حكم المادة 129 منه ورد عليه بما مجمله - أنه بينما كان المجني عليه في السرقة يسير في الطريق الزراعي خرج عليه شخصان وسرقاه بالإكراه وقد تعرف على أحدهما ثم ذهب إلى ديوان العمدة حيث حرر بلاغاً بما حدث وأحيل إلى نقطة الأخصاص حيث سلم البلاغ إلى العسكري النوبتجي ولعدم وجود الضابط بالنقطة مكث بها حتى صباح اليوم التالي في انتظاره وقد حضر إليه حسين أبو عون شيخ بلدة العطيات وعرض عليه إنهاء الموضوع في مجلس عرفي وحرر على نفسه كمبيالة بخمسين جنيهاً ضماناً لحق المجني عليه وعند ما حضر الضابط سلمه العسكري البلاغ فاطلع عليه وعلى تفصيلات الحادث ولما أخبره شيخ البلد بتسوية الموضوع أعاد الضابط إليه البلاغ فانصرف ومزق البلاغ وهو في طريق عودته. ثم خلص الحكم إلى طرح دفاع الطاعن في خصوص عدم انطباق المادتين 280 و282 من قانون العقوبات على واقعة الدعوى وتطبيق المادة 129 عليها وذلك في قوله "ومن حيث إنه لما كان ذلك، فإن موضوع البلاغ لم يكن له وجود أمام الضابط ولم يكن المتهم الأول في مجرى تحقيق جناية كما قال الدفاع إذ لم يكن هناك ما يبرر الإجراءات التي قام بها الضابط إذ لم يكن متصلاً بالجناية المقول عنها إذ لو كان حسن النية وكان قصده منصرفاً كما يقول الدفاع خدمة مصلحة الأمن العام لأثبت البلاغ وسأل المجني عليه في محضره ولأثبت الإجراءات التي قام بها إعمالاً لنص الفقرة الثانية من المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية التي تلزم بإثبات جميع الإجراءات التي يقوم بها وإنما فضل الضابط المتهم العمل لحسابه الشخصي بباعث الطيش والانتقام لا لحساب القانون والعدالة فقبض على عشرة أشخاص من بلدة العطيات بعضهم من أهل المتهم والبعض الآخر لا يمت إليه بأية صلة ومن بلدة أخرى ولم يكن القصد من ذلك عرضهم على المجني عليه في السرقة وإنما كان القصد الحصول منهم على معلومات عن مكان المتهم وتأديبهم لإظهار جبروته وسلطانه مخالفاً بذلك ما نصت عليه المادتين 34 و36 من قانون الإجراءات الجنائية فقبض عليهم في غير الأحوال التي تصرح بها القوانين واللوائح متجاهلاً أيضاً ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 144 من قانون العقوبات من أن الأبوين لا عقاب عليهما حتى ولو ثبت أنهما أعانا ولدهما على الفرار - وقبض على هؤلاء جميعاً وعلى الخفير بيومي بخيت السوداني بدون أية جريمة ارتكبها سوى أنه عجز عن إرشاده عن شخص طلبه وساق الجميع إلى النقطة وحجزهم فيما عدا الخفير إلى اليوم التالي وهو يعلم أنه يحرمهم من حرياتهم بدون وجه حق بصرف النظر عن البواعث التي دفعت إلى ذلك فتحقق بهذا جريمة القبض والحجز المنسوبتين إلى المتهم الأول". لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى وكانت المحكمة قد استظهرت من وقائع الدعوى المطروحة عليها الأدلة القائمة فيها - وبما لها من سلطة التقدير - أن جريمة القبض المقترن بتعذيبات بدنية منقطعة الصلة بحادث السرقة وأن الطاعن إنما كان يعمل لحسابه الشخصي بباعث من الطيش والانتقام وفي غير الأحوال التي تصرح بها القوانين واللوائح وأنه لم يكن بصدد تحقيق جنائي، وهو استخلاص لا يتنافر عقلاً مع موجب العناصر المطروحة في الدعوى ويتضمن الرد على دفاع الطاعن بشأن الإجراءات التي يقول أنه باشرها في الحادث. لما كان ذلك، فإن ما ينعاه الطاعن من قصور الحكم في تحصيل بعض عناصر دفاعه وفساده في الرد على سائر عناصره الأخرى لا يكون له محل. لما كان ذلك وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن نص المادة 129 من قانون العقوبات لم يعن إلا بوسائل العنف الذي لا يبلغ القبض على الناس وحبسهم فقد وردت هذه المادة ضمن جرائم الإكراه وسوء المعاملة من الموظفين لأفراد الناس في الباب السادس من الكتاب الثاني الخاص بالجنايات والجنح المضرة بالمصلحة العمومية، أما المادتان 280 و282 من هذا القانون فقد وردتا ضمن جرائم القبض على الناس وحبسهم بدون وجه حق في الباب الخامس من الكتاب الثالث الخاص بالجنايات والجنح التي تحصل لآحاد الناس، وفي هذه المفارقة بين العناوين التي اندرجت تحتها هذه المواد ما ترتسم به فكرة المشرع المصري من أنه عد الاعتداء على حرية الناس بالقبض أو الحبس أو الحجز من الجرائم التي تقع إطلاقاً من موظف أو غير موظف. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ طبق المادتين 280 و282 من قانون العقوبات على واقعة الدعوى يكون صحيحاً في القانون ويكون ما ينعاه عليه الطاعن في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت مقارفة الطاعن وسائر المتهمين جريمة هتك العرض بالقوة بركنيها المادي والمعنوي فيما أورده من اجتزائهم على إرغام المجني عليهم فيها - على خلع ملابسهم كرهاً حتى أصبحوا عراة الأجسام وبذلك استطالوا إلى أجسامهم بأن كشفوا على الرغم منهم عن عوراتهم أمام النظارة فهتكوا بذلك عرضهم بالقوة مما يندرج تحت حكم المادة 268 من قانون العقوبات. وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن يكفي لتوافر جريمة هتك العرض أن يقدم الجاني على كشف جزء من جسم المجني عليه يعد من العورات التي يحرص على صونها وحجبها عن الأنظار ولو لم يقترن ذلك بفعل مادي آخر من أفعال الفحش لما في هذا الفعل من خدش لعاطفة الحياء العرضي للمجني عليه من ناحية المساس بتلك العورات التي لا يجوز العبث بحرمتها والتي هي جزء داخل في خلقة كل إنسان وكيانه الفطري - فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره من أنه لم يقصد المساس بأجسام المجني عليهم بل تعذيبهم بتعريضهم للبرد، ذلك أن الأصل أن القصد الجنائي في جريمة هتك العرض يتحقق بانصراف إرادة الجاني إلى الفعل ونتيجته وهو ما استخلصه الحكم في منطق سليم في حق الطاعن ولا عبرة بما يكون قد دفع الجاني إلى فعلته أو الغرض الذي توخاه منها - كما لا يجدي الطاعن ما يثيره بشأن عدم الكشف عن عورات النساء ما دام أن جريمة هتك عرض الرجال ثبتت في حقه تكفي لحمل الحكم بالإدانة، وطالما أن الحكم قد أوقع على الطاعن العقوبة المقررة للجريمة الأشد المنصوص عليها في المادتين 280 و282 من قانون العقوبات عملاً بحكم الفقرة الثانية من المادة 32 من ذات القانون. لما كان ما تقدم، وكان الحكم قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي هتك العرض بالقوة والقبض المقترن بتعذيبات بدنية اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.