أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 17 - صـ 236

جلسة 7 من مارس سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ توفيق الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حسين السركي، ومحمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، وبطرس زغلول.

(46)
الطعن رقم 1982 لسنة 35 القضائية

( أ ) بلاغ كاذب. جريمة.
جريمة البلاغ الكاذب. أركانها: ثبوت كذب الوقائع المبلغ عنها، وأن يكون الجاني عالماً بكذبها ومنتوياً السوء والإضرار بالمجني عليه، وأن يكون الأمر المخبر به مما يستوجب عقوبة فاعله.
(ب) بلاغ كاذب. حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". نصب.
الحكم الجنائي الصادر في جريمة من الجرائم يقيد المحكمة التي تفصل في دعوى البلاغ الكاذب عن الواقعة التي كانت محل الجريمة من حيث ما سبق أن فصل فيه من صحة البلاغ وكذبه. مثال.
(ج) عقد. صلح.
الصلح. ماهيته: عقد يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه.
1 - من المقرر قانوناً أنه يشترط لتحقق جريمة البلاغ الكاذب توافر ركنين هما ثبوت كذب الوقائع المبلغ عنها وأن يكون الجاني عالماً بكذبها ومنتوياً السوء والإضرار بالمجني عليه، وأن يكون الأمر المخبر به مما يستوجب عقوبة فاعله ولو لم تقم دعوى بما أخبر به.
2 - من المقرر أن الحكم الجنائي الصادر في جريمة من الجرائم إنما يقيد المحكمة التي تفصل في دعوى البلاغ الكاذب عن الواقعة التي كانت محل الجريمة من حيث ما سبق أن فصل فيه من صحة البلاغ وكذبه. ولما كان الحكم القاضي ببراءة المتهم من تهمة النصب لم يؤسس قضاءه بالبراءة على كذب البلاغ وإنما أسسه على أن الواقعة كما رواها المجني عليه لا تكون جريمة نصب لفقد أحد أركانها ألا وهو الطرق الاحتيالية مما يفيد تسليم الحكم المذكور بصحة الواقعة ضمناً، وما انتهى إليه الحكم المطعون فيه فيما تقدم حين أسست البراءة على رأي قانوني مبناه افتراض صحة الواقعة لا يدل بحال على أن المحكمة تعرضت لصحة الواقعة موضوع البلاغ أو كذبها بالبحث والتمحيص الواجبين لتكوين رأي فاصل فيها وإنما يدل على أنها لم تجد نفسها بحاجة إلى هذا البحث الموضوعي للفصل في تهمة النصب المعروضة عليها فسلمت بالواقعة المعروضة عليها وضمنت حكمها أنها بفرض صحتها لا تكون جريمة. وإذ كان هذا الافتراض يحتمل الصحة كما يحتمل الكذب بالنسبة إلى ما افترض إذ هو قرين الظن لا القطع فإنه بذلك لا يشكل رأياً فاصلاً للمحكمة التي نظرت دعوى الواقعة موضوع البلاغ في شأن صحة هذه الواقعة أو كذبها وبالتالي فما كان يصح لمحكمة دعوى البلاغ الكاذب أن تلتزم به من حيث الواقعة على نحو ما التزمت بل كان من المتعين عليها ألا تعترف له بحجية ما وأن تتصدي هي لواقعة البلاغ وتقدر بنفسها مدى صحة التبليغ عنها أو كذبه، أما وهي لم تفعل فإن قضاءها يكون معيباً.
3 - من المقرر قانوناً أن الصلح عقد يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه.


الوقائع

أقام المدعي بالحق المدني هذه الدعوى بالطريق المباشر أمام محكمة مصر الجديدة الجزئية ضد المطعون ضده بوصف أنه في يوم 27/ 4/ 1961 بدائرة قسم مصر الجديدة: أبلغ ضده كذباً مع سوء القصد ناسباً إليه استعمال طرقاً احتيالية من شأنها إيهامه بوجود مشروع كاذب الأمر الذي حدا به إلى تحرير كمبيالات لا يقابلها مقابل. وطلب عقابه بالمادة 305 من قانون العقوبات وإلزامه أن يدفع له مبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً في 8/ 12/ 1963 عملاً بالمادة 303 من قانون العقوبات بحبس المتهم ثلاثة أشهر مع الشغل وكفالة خمسة جنيهات وبإلزامه بأن يدفع للمدعي بالحق المدني 51 ج ومصاريف الدعوى المدنية ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً في 16/ 11/ 1964 عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وببراءة المتهم مما أسند إليه وبرفض الدعوى المدنية المقامة قبله وألزمت رافعها مصاريفها عن الدرجتين. فطعن المدعي بالحق المدني في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءة المطعون ضده من جريمة البلاغ الكاذب ورفض الدعوى المدنية الموجهة له - قد شابه خطأ في القانون وفساد في الاستدلال ذلك بأنه عول في قضائه على ما سبق أن حكم به في الجنحة 8497 سنة 1961 مصر الجديدة من براءة الطاعن من جريمة النصب لعدم توافر ركن الاحتيال التي أبلغ بها المطعون ضده قبل الطاعن مع أن القضاء ببراءته على هذا الأساس لا يمنع من توافر جريمة البلاغ الكاذب في حق المطعون ضده إذ يكفي في البلاغ الكاذب أن يكون عن أمر كاذب وبسوء قصد. هذا إلى أن ما استند إليه الحكم - من أن شهادة شاهدي المطعون ضده بوساطتهما لدى الطاعن وقبوله رد السندات المحررة لصالحه بمديونية المطعون ضده في مبلغ ألف ومائة وسبعة وستين جنيهاً مقابل قبض الطاعن مبلغ ثمانمائة جنيه مؤداها عدم صحة هذه السندات - إنما كان استدلالاً عارضاً على الحكم وليس أصيلاً فيه فضلاً أن هذه الشهادة نفسها لا تؤدى إلى ما استخلصه الحكم منها باعتبار أن الصلح الذي توسط الشاهدان فيه بين الطاعن والمطعون ضده يقتضي أن ينزل كل منهما عن جزء من ادعائه مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الطاعن أقام دعواه بالطريق المباشر على المطعون ضده بوصف أنه أبلغ كذباً مع سوء القصد ضد الطاعن بالوقائع المبينة بعريضة الدعوى وطلبت إلزامه أن يدفع له مبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت وقضى الحكم الابتدائي على المطعون ضده بالعقوبة والتعويض فاستأنف هذا الحكم وقضت المحكمة الاستئنافية ببراءة المطعون ضده ورفض الدعوى المدنية الموجهة له واستند الحكم المطعون فيه في ذلك إلى قوله "وحيث إنه يشترط في القانون لتحقق جريمة البلاغ الكاذب توافر ركنين هما كذب الوقائع المبلغ عنها وأن يكون الجاني عالماً بكذبها ومنتوياً السوء والإضرار بالمجني عليه. ولما كان ذلك، وكان الحكم الجنائي الصادر في جريمة من الجرائم يقيد المحكمة التي تفصل في الدعوى التي ترفع بالبلاغ الكاذب عن الواقعة التي كانت محل الجريمة من حيث صحة البلاغ أو كذبه وكان الحكم الجنائي الصادر بتاريخ 31/ 5/ 1962 في الجنحة 8497 سنة 1961 مصر الجديدة والقاضي ببراءة المدعي المدني الحالي من تهمة النصب لم يؤسس قضاءه بالبراءة على كذب البلاغ وإنما أسسه على أن الواقعة كما رواها المجني عليه (المتهم الحالي) لا تكون جريمة نصب لفقد أحد أركانها ألا وهو الطرق الاحتيالية مما يعني بطريق اللزوم العقلي تسليم الحكم المذكور بصحة الواقعة ضمناً ومتى كان الأمر كذلك وكان فضلاً عما تقدم فإن عبد العزيز حافظ ومحمد محمد أمين اللذين أشهدهما المتهم قد قررا أنهما توسطا لدى المدعي المدني لرد الكمبيالات فطلب مبلغ 800 ج لردها ولو كانت الكمبيالات عن دين حقيقي لطالب المدعي المدني بكل قيمتها وهي 1167 ج" مما مفاده أن الحكم عول بصفة أصيلة على عدم توافر جريمة البلاغ الكاذب في حق المطعون ضده من القضاء على الطاعن بالبراءة في جريمة النصب لعدم توافر ركن الاحتيال. لما كان ذلك، وكان من المقرر قانوناً أنه يشترط لتحقق جريمة البلاغ الكاذب توافر ركنين هما ثبوت كذب الوقائع المبلغ عنها وأن يكون الجاني عالماً بكذبها ومنتوياً السوء والإضرار بالمجني عليه. وأن يكون الأمر المخبر به مما يستوجب عقوبة فاعله ولو لم تقم دعوى بما أضر به، وكان من المقرر أيضاً أن الحكم الجنائي الصادر في جريمة من الجرائم إنما يقيد المحكمة التي تفصل في دعوى البلاغ الكاذب عن الواقعة التي كانت محل الجريمة من حيث ما سبق أن فصل فيه من صحة البلاغ وكذبه، وكان الحكم القاضي ببراءة الطاعن من تهمة النصب لم يؤسس قضاءه بالبراءة على كذب البلاغ وإنما أسسه على أن الواقعة كما رواها المجني عليه (الطاعن الحالي) لا تكون جريمة نصب لفقد أحد أركانها ألا وهو الطرق الاحتيالية مما يعني بطريق تسليم الحكم المذكور بصحة الواقعة ضمناً وما انتهى إليه الحكم المطعون فيه فيما تقدم حين أسست البراءة على رأي قانوني مبناه افتراض صحة الواقعة لا يدل بحال على أن المحكمة تعرضت لصحة الواقعة موضوع البلاغ أو كذبها بالبحث والتمحيص الواجبين لتكوين رأي فاصل فيها وإنما يدل على أنها لم تجد نفسها بحاجة إلى هذا البحث الموضوعي للفصل في تهمة النصب المعروضة عليها فسلمت بالواقعة المعروضة عليها وضمنت حكمها أنها بفرض صحتها لا تكون جريمة - وإذ كان هذا الافتراض يحتمل الصحة كما يحتمل الكذب بالنسبة إلى ما افترض إذ هو قرين الظن لا القطع فإنه بذلك لا يشكل رأياً فاصلاً للمحكمة التي نظرت دعوى الواقعة موضوع البلاغ في شأن صحة هذه الواقعة أو كذبها وبالتالي فما كان يصح لمحكمة دعوى البلاغ الكاذب أن تلتزم به من حيث صحة الواقعة على نحو ما التزمت بل كان من المتعين عليها ألا تعترف له بحجية ما وأن تتصدى هي لواقعة البلاغ وتقدر بنفسها مدى صحة التبليغ عنها أو كذبه أما وهي لم تفعل فإن قضاءها يكون معيباً. لما كان ذلك، وكان ما استند إليه الحكم من أقوال الشاهدين اللذين توسطا في الصلح بين الطرفين هو استناد غير أصيل فيه هذا فضلاً عن أن ما ساقه الحكم من أقوالهما للتدليل على عدم صحة السندات لا يؤدى إلى هذه النتيجة لما هو مقرر قانوناً من أن الصلح عقد يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه. لما كان ما تقدم، فإن الحكم يكون معيباً بالخطأ في القانون وفساد الاستدلال مما يتعين معه نقضه وكان هذا العوار في الحكم قد حجبه عن بحث أركان جريمة البلاغ الكاذب في حق المطعون ضده وما يترتب على ذلك من حقوق مدنية للطاعن فإنه يتعين أن يكون مع النقض الإحالة.