أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 17 - صـ 266

جلسة 7 من مارس سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حسين السركي، ومحمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، وبطرس زغلول.

(53)
الطعن رقم 2001 لسنة 35 القضائية

(أ، ب، ج، د، هـ) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "شهادة".
( أ ) قول المحكمة في حكمها - تأييداً لعدم تعذر الرؤية - بسطوع القمر في مساء اليوم الخامس من الشهر العربي بمراعاة توقيت الحادث في الساعة التاسعة مساء. حقيقة لا تخفى باعتبارها من المعلومات العامة.
(ب) العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته. لا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين إلا إذا قيده القانون في ذلك.
(ج) أخذ المحكمة بشهادة شاهد يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
(د) تجزئة الشهادة من إطلاقات محكمة الموضوع. إغفالها إيراد بعض الوقائع من أقوال الشاهد. إفادته ضمناً عدم اطمئنانها إليها. عدم التزامها ببيان علة ما ارتأته.
(هـ) لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها. ما دام استخلاصها سائغاً.
1 - متى كان شاهدا الرؤيا قد اتفقا على أن القمر كان ساطعاً وقت وقوع الحادث وأنهما تمكنا من رؤية الطاعنين على ضوئه وكانت المحكمة قد اقتنعت - في حدود سلطتها التقديرية - بعدم تعذر الرؤية وقت الحادث وأيدت ذلك بما ذكرته من سطوع القمر في مساء اليوم الخامس من الشهر العربي بمراعاة توقيت الحادث في الساعة التاسعة مساء وهي حقيقة لا تخفى باعتبارها من المعلومات العامة، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي لا يقبل إثارته أمام هذه المحكمة.
2 - العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته، ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه.
3 - الأصل أنه متى أخذت المحكمة بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، ولا يجوز الجدل في ذلك أمام محكمة النقض.
4 - من المقرر أن تجزئة الشهادة من إطلاقات محكمة الموضوع وفي إغفالها إيراد بعض الوقائع من أقوال الشاهد ما يفيد ضمناً عدم اطمئنانها إليها، وهي في ذلك لا تلتزم ببيان علة ما ارتأته إذ مرجع الأمر إلى اطمئنانها إلى ما تأخذ به دون ما تعرض عنه.
5 - لمحكمة الموضوع أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها أو أو ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 26/ 6/ 1963 بدائرة مركز المراغة محافظة سوهاج (أولاً) قتلا محمد عبد الكريم محمود الصغير عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن انتويا قتله وترصداه في المكان الذي يعلمان أنه سيحضر إليه حاملين بندقيتين وما أن ظفرا به حتى أطلق عليه الأول مقذوفاً نارياً من بندقيته بقصد قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنهما في الزمان والمكان سالفي الذكر شرعا في قتل كل من عبد الكريم محمود الكبير وأحمد محمود محمد عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن انتويا قتل الأول وأعدا لذلك بندقيتين وترصداه في المكان الذي يعلمان أنه سيحضر إليه ولما حضر بصحبته الثاني أطلق عليهما المتهم الثاني عدة مقذوفات نارية بقصد قتلهما وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهما فيه هو عدم إحكام الرماية وهي الجناية المنطبقة على المواد 45 و46 و230 و231 و232 من قانون العقوبات. (وثانياً) أحرزا سلاحين ناريين "بندقيتين موزر" بغير ترخيص. (وثالثاً) أحرزا ذخيرة مما تستعمل في الأسلحة النارية دون أن يكون مرخصاً لأيهما باستعمال السلاح. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 230 و231 و232 و234/ 2 من قانون العقوبات و1/ 1 و6 و26/ 2 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والبند ب من القسم الأول من الجدول رقم 3 المرفق به. فقرر بذلك. وادعى مدنياً محمود عبد الكريم محمود الكبير طالبا القضاء له قبل المتهمين متضامنين بمبلغ 100 ج على سبيل التعويض والمصاريف والأتعاب. ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضورياً في 25 نوفمبر سنة 1964 عملاً بمواد الاتهام والمادتين 32 و17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين، مع تخصيص المادة 30 من قانون الأسلحة والذخائر بالنسبة إلى المتهم الأول بمعاقبة كلاً من المتهمين بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة ومصادرة السلاح المضبوط وبإلزامهما بأن يؤديا متضامنين إلى المدعي بالحق المدني مبلغ خمسين جنيهاً والمصاريف المناسبة ومبلغ ثلاثة جنيهات أتعاباً للمحاماة. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجناية القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بجناية شروع في قتل وبجرائم إحراز سلاحين ناريين وذخيرة بدون ترخيص قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الحكم اعتنق الصورة التي أوردها شاهدا الرؤية لواقعة الدعوى والتي مؤداها أنهما توجها صحبة المجني عليه القتيل في الساعة التاسعة من مساء يوم الحادث لري زراعتهم من ماكينة الإصلاح الزراعي التي كان يباشر الطاعنان إدارتها بيد أن الثابت بالأوراق أن الماكينة لم تعمل مساء ذات اليوم وأن هناك جهازاً لتسجيل ساعات العمل وقد أطلع المحقق على البطاقة الخاصة وتبين أن الماكينة توقفت عن العمل في الساعة العاشرة من صباح يوم الحادث وتأيد ذلك بالسركي الذي تسجل فيه بيانات البطاقة وعلي الرغم من إثارة الطاعنين لهذا الدفاع فإن الحكم لم يعرض له أو يرد عليه. ثم إن الحكم استند في إدانة الطاعنين إلى ما أسفرت عنه تحريات ضابط المباحث من إلقاء الطاعن الأول سلاحه الناري بالزراعات المجاورة أثناء فراره وأن الضابط بحث عنه حتى عثر عليه في اليوم التالي بزراعة ذرة تخص الطاعن الأول مع أن الدفاع دلل على عدم اتصال هذا الطاعن بالسلاح المضبوط بما أسفرت عنه عملية العرض من عدم استعراف الكلب الشرطي على الطاعن بعد شم البندقية وبما قرره الضابط - خشية ظهور الحقيقة - من عثوره وحده على البندقية دون باقي رجال القوة وهو أمر غير سائغ. وفضلاً عن هذا فإن الحكم لم يورد الدليل الذي استقى منه أن الطاعن الأول يمتلك الحقل الذي عثر فيه على السلاح المضبوط. ومن ناحية أخرى فقد تمسك الدفاع بأن حالة الظلام وقت الحادث لا تسمح بالرؤية لأنه وقع في مساء اليوم الخامس من الشهر العربي ودلل على ذلك بما أثبته المحقق من تعذر الانتقال لإجراء المعاينة بسبب الظلام وما تضمنته مناقشته للشهود من الإشارة إلى حالة الإظلام إلا أن الحكم أطرح هذا الدفاع وذهب في رده إلى أن الرؤية كانت ممكنة بمراعاة توقيت الحادث ووقوعه في مساء اليوم الخامس من الشهر العربي بغير أن يبين الدليل المادي أو العلمي الذي استقى منه القول بإمكان الرؤية مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنه بتاريخ 26/ 6/ 1963 ظهراً تقابل المجني عليه محمد عبد الكريم محمود الكبير شقيق المجني عليه الأول مع المتهم الثاني واتفق معه على ري أرضه ليلاً من ماكينة الإصلاح الزراعي الكائنة بناحية نجع الأخيضر تبع أولاد إسماعيل مركز المراغة إذ ما يباشر ذلك المتهم شئونها في غيبة المشرف عليها بسبب مسكنه بجوارها وأنه كان خفيراً سابقاً عليها وإثر ذلك الاتفاق أصر المتهمان الطاعنان - على قتل المجني عليهما المذكورين عند حضورهما لري أرضهما لثأر قديم وترصدوهما حتى حضرا وابن أخيهما حوالي الساعة 9 من مساء نفس اليوم لأخذ المياه من الماكينة وفي ضوء القمر وعلى بعد مائتي متر منها كان المجني عليه الأول يتقدمهما يتبعه محمد عبد الكريم محمود الكبير ومن ورائه أحمد محمود محمد ابن أخيهما نادوا على المتهم الثاني الذي كان يجلس مع ابن أخته المتهم الأول بجوار كومة من التبن فرد عليه النداء وتقدم المتهمان ناحيتهم حتى أصبحت المسافة الفاصلة بينهما وبين المجني عليهم حوالي ثلاثة أمتار وكان كل من المتهمين يحمل بندقية موزر وإذ ذاك بادرهم المتهم الثاني بقوله (مش كفاكم خربتوا بيوتنا) يعبر بذلك عما بين عائلتيهما من ثأر قديم وما أن أتم هذا القول حتى بادر المتهم الأول بإطلاق رصاصة من بندقيته على المجني عليه الأول قاصداً قتله فدخلت الرصاصة من أعلا يسار مقدم البطن وأحدثت تهتكاً بالأمعاء والكلية اليسرى وأوعيتهما الدموية الرئيسية وكسر الفقرة الفطنية الثانية ونزيف دموي شديد أودت بحياته ثم تلاه المتهم الثاني فأطلق من بندقيته عدة أعيرة صوب المجني عليهما الآخرين قاصداً قتلهما ولكنه أخطأهما فارتميا في القناة المجاورة لطريقهم وظلا يزحفان حتى تمكنا من الفرار وتوجه الأول من فوره وأبلغ بالحادث نائب عمدة أولاد إسماعيل علي أحمد همام ثم تلاه أحمد محمود محمد الذي أبلغ نائب العمدة بوفاة المجني عليه الأول فقام نائب العمدة بإبلاغ الحادث إلى مركز شرطة المراغة، ثم علم الملازم أول محمود أحمد النجار ضابط مباحث مركز المراغة من تحرياته أن المتهم الأول ألقى بسلاحه الذي استعمله في الحادث بالزراعة أثناء هربه فأخذ الضابط في البحث عن ذلك السلاح حتى عثر عليه في مساء اليوم التالي للحادث بزراعة ذرة تخص المتهم المذكور وإذا به بندقية اشتم من ماسورتها رائحة البارود وتبين من تقرير فحصها أنها من طراز لي أنفيلد ماسورتها مششخنة من الداخل وجهاز إطلاقها سليم" واستند الحكم في إدانة الطاعنين إلى شهادة المجني عليهما. الثاني والثالث وإلى أقوال نائب العمدة وشيخ الخفراء وعوض محمد إسماعيل وما أثبته ضابط المباحث في محضره وأدلى به في أقواله وإلى المعاينة والتقرير الطبي وتقرير فحص السلاح المضبوط. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أخذ بتصوير شاهدي الرؤية لكيفية وقوع الحادث ولم يأخذ بما جاء في أقوالهما من إدارة ماكينة الري في ذلك الوقف فلم يورد هذه الواقعة عند تحصيله لأقوال الشاهدين أو في بيانه لواقعة الدعوى، وكان من المقرر أن تجزئة الشهادة من إطلاقات محكمة الموضوع، وفي إغفالها إيراد بعض الوقائع من أقوال الشاهد ما يفيد ضمناً عدم اطمئنانها إليها فأطرحتها، وهي في ذلك لا تلتزم ببيان علة ما ارتأته إذ مرجع الأمر إلى اطمئنانها إلى ما تأخذ به دون ما تعرض عنه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان من توقف ماكينة الري عن العمل وقت الحادث خلافاً لما قرره الشاهدان لا يكون له محل ما دامت المحكمة من جانبها لم تطمئن إلى أقوال الشاهدين في هذا الصدد فأطرحتها وما دامت هذه الواقعة ليس من شأنها أن تؤدى إلى نفي وقوع الحادث بالصورة التي اعتنقها الحكم لواقعة الدعوى. لما كان ذلك، وكانت العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه والأصل أنه متى أخذت المحكمة بأقوال شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ولا يجوز الجدل في ذلك أمام محكمة النقض. وإذ ما كان الحكم المطعون فيه قد أخذ بأقوال ضابط المباحث من أن تحرياته أسفرت عن إلقاء الطاعن الأول لسلاحه الناري الذي استعمله في مقارفة الجريمة في الزراعات المجاورة فأخذ يبحث عنه حتى عثر على بندقية تفوح منها رائحة البارود ملقاة في حقل ذرة خاص بهذا الطاعن فإنه لا يقبل من الطاعنين مصادرة المحكمة في عقيدتها أو النعي عليها إطراحها الدليل المستمد من عملية العرض على الكلب الشرطي. أما القول بأن الحكم لم يبين المصدر الذي استقى منه أن الحقل خاص بالطاعن الأول فمردود بأن أقوال الضابط - حسبما حصلها الحكم - صريحة في أنه عثر على البندقية في زراعة الطاعن الأول وهو ما لا ينازع الطاعنان في أن له أصله الصحيح في الأوراق. لما كان ذلك، وكان الحكم بعد أن حصل مؤدى أقوال الشاهدين من أنهما تمكنا من رؤية الطاعنين على ضوء القمر الذي كان ساطعاً وقت وقوع الحادث عرض إلى دفاع الطاعنين في هذا الشأن ورد عليه في قوله "إن ما أثاره الدفاع تجريحاً لأقوال الشاهدين عن حالة الرؤيا لا يؤدى إلى ذلك إذا لا ينفي ما قرراه بمراعاة توقيت الحادث الذي استقر آنفاً وأنه وقع في مساء اليوم الخامس من الشهر العربي". ولما كان شاهدا الرؤيا قد اتفقا على أن القمر كان ساطعاً وقت وقوع الحادث وأنهما تمكنا من رؤية الطاعنين على ضوئه وكانت المحكمة قد اقتنعت - في حدود سلطتها التقديرية - بعدم تعذر الرؤية وقت الحادث وأيدت ذلك بما ذكرته من سطوع القمر في مساء اليوم الخامس من الشهر العربي بمراعاة توقيت الحادث في الساعة التاسعة مساء وهي حقيقة لا تخفى باعتبارها من المعلومات العامة فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي لا يقبل إثارته أمام هذه المحكمة. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.