أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 17 - صـ 286

جلسة 14 من مارس سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حسين السركي، ومحمد صبري، وعبد المنعم حمزاوي، وبطرس زغلول.

(56)
الطعن رقم 2096 لسنة 35 القضائية

(أ، ب) تحقيق. "إجراءاته". سجون.
( أ ) تنفيذ أمر الحبس الاحتياطي على متهمين بجريمة واحدة في سجن مركزي واحد. غير واجب.
(ب) المخاطب بنص المادة 140 إجراءات هو مأمور السجن بقصد تحذيره من اتصال رجال السلطة بالمتهم المحبوس داخل السجن. عدم ترتب بطلان ما للإجراءات على هذا الاتصال بذاته.
(ج، د) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع.
(ج) التفات الحكم عن الرد على دفاع قانوني بعيد عن محجة الصواب. لا يعيبه.
(د) لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تكوين عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى بما في ذلك القرائن. لها استخلاص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة.
1 - ليس في المواد من 134 إلى 143 الواردة في الفصل التاسع من الباب الثالث من الكتاب الأول من قانون الإجراءات الجنائية ولا في القانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون أو في قرار وزير الداخلية رقم 79 لسنة 1961 باللائحة الداخلية للسجون ما يوجب تنفيذ أمر الحبس الاحتياطي على متهمين بجريمة واحدة في سجن مركزي واحد. ومن ثم فلا محل لما أثير من بطلان عزل الطاعن الأول عن زميليه عند حبسهم احتياطياً.
2 - نصت المادة 140 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه: "لا يجوز لمأمور السجن أن يسمح لأحد من رجال السلطة بالاتصال بالمحبوس داخل السجن إلا بإذن كتابي من النيابة العامة" والمخاطب بهذا النص - بحكم وروده في الفصل التاسع من الباب الثالث الخاص بقاضي التحقيق من القانون المذكور هو مأمور السجن بقصد تحذيره من اتصال رجال السلطة بالمتهم داخل السجن، ولا يترتب على هذا الاتصال بذاته بطلان ما للإجراءات، وكل ما يلحقه هو مظنة التأثير على المتهم.
3 - لا يعيب الحكم التفاته عن الرد على دفاع قانوني بعيد عن محجة الصواب.
4 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تكوين عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى بما في ذلك القرائن، وهى ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة بل إن لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة متى كان ما حصله الحكم منها لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم في يوم 13 من إبريل سنة 1963 بدائرة قسم الوايلي محافظة القاهرة: قتلوا محمد صالح محمد عيد عمداً ومع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتله وانتظروه في المقهى الذي اعتاد التردد عليه وما أن حضر حتى اقتادوه إلى منزل المتهم الثاني واسقوه مشروباً (قرفة) ممزوجاً بمخدر وأمسكوا به شالين مقاومته ولف المتهم الثالث سلكاً حول عنقه عدة مرات قاصدين قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقاً للقيد والوصف الوارد بقرار الإحالة. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً في 31 ديسمبر سنة 1964 عملاً بالمواد 230، 231، 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهمين بالأشغال الشاقة المؤبدة لارتكابهم جريمة القتل المسندة إليهم عمداً ومع سبق الإصرار والترصد. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه إذ دانهم بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد قد شابه قصور في التسبيب وخطأ في الإسناد وفساد في الاستدلال، وفى بيان ذلك يقول الطاعنون إن المدافع عن الطاعن الأول دفع لدى المحكمة ببطلان الإجراءات التي أدت إلى اعترافه على الطاعنين الآخرين وذلك على نظر حاصله أن هذا الاعتراف جاء وليد حبس انفرادي لجأ إليه رجال الشرطة - وهم بصدد تنفيذ أمر الحبس الاحتياطي الصادر من النيابة العامة بعد أن باشرت التحقيق وقامت باستجواب الطاعنين لأول مرة - فأبعدوا كلاً من الطاعنين عن الآخر وراحوا يستجوبون أولهم - وهو أمر ممنوع عليهم قانوناً - فأدلى تحت تأثير هذا الظرف بما شاءوا له أن يعترف به لدى استجوابه للمرة الثانية بمعرفة النيابة العامة، وعلى الرغم من ذلك فقد التفت الحكم عن هذا الدفع ولم يرد عليه. وأما الخطأ في الإسناد فيراه الطاعنون قائماً فيما حصله الحكم نقلاً عن أقوال حنفي حسين سالم وعباس عبد الحكيم منصور من أنهما شاهدا المجني عليه معهم في مقهى ثالثهم ليلة الحادث، والحال أن هذين الشاهدين لم يذكرا غير رؤيتهما شخصاً لا يعرفانه برفقة الطاعنين. وإذ ما عرضت عليها المحكمة صورة القتيل ليطابقاها على من رأياه، فقد احتج أولهما بضعف بصره وقرر الثاني بمغايرة الصورة لذلك الشخص. وأما فساد الاستدلال فآيته أن الحكم عول في قضائه على أن الطاعنين أحرقوا ملابس المجني عليه في "كانون" بمنزل الطاعن الثاني، واتخذ من وجود آثار احتراق بحائط في الردهة دليلاً على إزالته، في حين أنه فضلاً عن أن معاينة النيابة العامة قد خلت مما يدل على تلك الإزالة، فإن آثار الاحتراق لا تقطع بذاتها بسابقة وجود "الكانون". هذا إلى أنه مما يعيب الحكم أيضاً أنه قطع بأن الطاعنين وضعوا الجثة في جوال أحضروه من البقال عبده عبد الحميد حنفي لمجرد ضبط جوالين متشابهين في متجره، دون أن يورد ما يميز هذه الأجولة عن غيرها من الأجولة الأخرى المتداولة في السوق.
وحيث إن النعي على الحكم بالقصور حين التفت عن الرد على ما أثير من بطلان عزل الطاعن الأول عن زميليه عند حبسهم احتياطياً وبطلان استجوابه بعد ذلك بمعرفة رجال الشرطة استجواباً أدى إلى اعترافه عليهما مردود في شقة الأول بأنه ليس في المواد من 134 إلى 143 الواردة في الفصل التاسع من الباب الثالث من الكتاب الأول من قانون الإجراءات الجنائية، ولا في القانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون، أو في قرار وزير الداخلية رقم 79 لسنة 1961 باللائحة الداخلية للسجون، ما يظاهر الرأي الذي يقول به الطاعنون من بطلان الإجراء الذي اتبع في حق الطاعن الأول لخلو تلك المواد مما يوجب تنفيذ أمر الحبس الاحتياطي على متهمين بجريمة واحدة في سجن مركزي واحد. وهو مردود أيضاً في شقه الثاني بما هو مقرر من أن المادة 140 من قانون الإجراءات الجنائية إذ نصت على أنه: "لا يجوز لمأمور السجن أن يسمح لأحد من رجال السلطة بالاتصال بالمحبوس داخل السجن إلا بإذن كتابي من النيابة العامة" فإن المخاطب بهذا النص بحكم وروده في الفصل التاسع من الباب الثالث الخاص بقاضي التحقيق من القانون المذكور هو مأمور السجن بقصد تحذيره من اتصال رجال السلطة بالمتهم المحبوس داخل السجن. ولا يترتب على هذا الاتصال بذاته بطلان ما للإجراءات. وكل ما يلحقه هو مظنة التأثير على المتهم، وتقدير ذلك موكول لمحكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان لا يعيب الحكم التفاته عن الرد على دفاع قانوني بعيد عن محجة الصواب. وكان الحكم قد عنى في مدوناته بمناقشة الإكراه والتعذيب الذي قيل بأن الطاعن الأول وقع تحت سلطانه حين أدلى باعترافه لرجال الشرطة ورد عليه رداً سائغاً محصله أنه حين استجوبت النيابة العامة هذا الطاعن بعد الاعتراف لم تشاهد به إصابات غير تلك التي شاهدتها وسجلتها عند استجوابه لأول مرة والتي زعم أنها من اعتداء رجال الشرطة ولم يثبت من التحقيق صحة مدعاه وهى إصابات تافهة ليست مما يحمل المتهم على الاعتراف بجريمة عقوبتها الإعدام سبق له أن أنكرها لدى استجوابه الأول، ومن ثم فإن الحكم يكون قد سلم من دعوى القصور في التسبيب. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بارتكابها، وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها وحصل مؤداها بما يتطابق وما استند إليه منها في تكوين معتقده في الدعوى. وكان الحكم قد حصل أقوال الشاهدين حسني حسين سالم وعباس عبد الحكيم منصور في قوله: "وقد شهد حسني حسين سالم في التحقيق وأمام المحكمة أنه يعرف المتهمين وأنه كان في طريقه لعمله وهو كسح خزانات المراحيض ويزاوله ليلاً ومر بمقهى المتهم الثالث ورأى المتهمين الثلاثة - الطاعنين - مجتمعين ومعهم شخص رابع لا يعرفه وذكر أوصاف ملابسه ووصفه وصفاً عاماً ينطبق على أوصاف القتيل وملابسه التي ذكرتها والدة القتيل، وشهد عباس عبد الحكيم منصور أنه يعمل خفيراً لمبنى جار إنشاؤه على مقربة من مقهى المتهم الثالث، وأنه شاهد المتهمين الثلاثة وهو يعرفهم لأنهم جعلوا من المقهى مراداً لهم كلما خلوا من أعمالهم، وأنهم في ليلة الحادث كانوا في المقهى كعادتهم ومعهم رابع نحيل الجسم لم يره معهم من قبل ولا يعرفه، وفى الصباح علم بوجود قتيل في جوال بالمسقى، وأن رجال المباحث سألوه إن كان قد رأى المتهمين معاً؛ فروى لهم ما رآه وأضاف أن رابعهم كان يرتدى قميصاً أبيضاً وسروالاً رمادي اللون". ثم عرض الحكم بعد ذلك للدليل المستمد من اعتراف الطاعن الأول فبين فحواه. وإذ ما كان هذا الاعتراف قد انطوى على أن القتيل قد جرى في منزل الطاعن الثاني، وأن ملابس القتيل قد أحرقت هناك "في كانون" بصحن الدار، فقد تناول الحكم ما ثبت من معاينة النيابة العامة من سلامة وصف الطاعن الأول للمسكن - إلا فيما يختص بالكانون - فقد بينت المعاينة عدم وجوده، ولكنها أثبتت وجود آثار احتراق بالحائط. وبعد أن ساق الحكم ما تقدم وراح يستخلص ثبوت مقارفة الطاعنين للجريمة، أورد أن من بين ما عول عليه في ذلك هو ثبوت اجتماعهم والمجني عليه في مقهى ثالثهم على ما شهد به كل من الشاهدين سالفى البيان وما دل عليه الاحتراق بحائط منزل الطاعن الثاني من أن "الكانون" كان قائماً في هذا المكان فضلاً عن ضبط جوالين لدى بقال - عثر عنده على مذياع للطاعن الثاني - مماثلين للجوال الذي وجدت فيه جثة القتيل. وما خلص إليه الحكم فيما تقدم يحمل قضاءه، ذلك بأنه من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تكوين عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى بما في ذلك القرائن، وهى ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة، بل إن لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة متى كان ما حصله الحكم منها لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي. لما كان ذلك، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الشاهد الأول وصف الشخص الذي كان يجالس الطاعنين بأنه كان يرتدى بنطلوناً رمادي اللون وقميصاً وهو وصف يتفق مع ما ذكرته والدة القتيل في تحقيق النيابة على ما يبين من المفردات المضمومة، كما يبين أيضاً من هذه المفردات أن الشاهد الثاني وصف ذلك الشخص بأنه كان نحيل الجسم "سفيف" واتفق وصفه لملابسه مع وصف الشاهد السابق وشهد بمضمون ذلك أمام المحكمة. ولما كانت أقوال الشاهدين كما حصلها الحكم فيما سلف بيانه لم تقف من ممكنات إلقاء الضوء على شخصية المجني عليه موقفاً خالص السلبية كما يقول الطاعنون، ذلك بأن الشاهدين وإن قرراً بعدم معرفتهما له إلا أنهما وقد أدلياً بأوصاف لملبسه اتفقت مع وصف والدته لها فقد كان للمحكمة ترتيباً على حقها المقرر على النحو المار ذكره أن تستنبط من شهادة الشاهدين بصورتها تلك بالإضافة إلى ما تساندت إليه من أدلة أخرى أن القتيل هو بذاته الذي كان مجتمعاً بالطاعنين في المقهى ليلة الحادث وبذلك يسلم استدلال الحكم وتنحسر عنه قالة الخطأ في الإسناد. لما كان ذلك، وكان لا يقدح في سلامة الحكم خلو المعاينة من تأييد صريح لما قال به من أن "الكانون" الذي أحرقت فيه ملابس القتيل قد أزيل، ذلك بأنه يكفى لتوافر سلامة الحكم فيما ذهب إليه ما جاء بالمعاينة من وجود آثار احتراق بالحائط لأنها حقيقة مادية ثابتة تسوغ استنتاج الحكم في هذا الصدد. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنون حول ما أثبته الحكم من مشابهة الجوال الذي وجدت به الجثة للجوالين المضبوطين لدى البقال - الذي قامت قرينة على صلته بالطاعن الثاني - مردوداً بأنه لا يعدو أن يكون مجرد جدل حول سلطة محكمة الموضوع في تقديرها للدليل مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه ترتيباً على ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.