أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 17 - صـ 303

جلسة 15 من مارس سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: مختار مصطفى رضوان، ومحمود عزيز الدين سالم، ومحمود عباس العمراوي، ومحمد أبو الفضل حفني.

(60)
الطعن رقم 1817 لسنة 35 القضائية

(أ، ب) تزوير. استعمال.
( أ ) التنازل عن السند المزور ممن تمسك به في الدعوى المدنية. لا أثر له على وقوع جريمة التزوير أو الاستعمال.
(ب) وقف السير في دعوى التزوير أمام المحكمة المدنية طبقاً للمادة 281 مرافعات. لا أثر له على جريمتي التزوير والاستعمال،
(ج) تزوير. إثبات.
جريمة التزوير. عدم رسم القانون طريقة إثبات خاصة لها تلتزم المحاكم الجنائية بانتهاجها. للمحكمة الأخذ في إدانة المتهم بتقرير خبير سبق تقديمه للمحكمة المدنية.
(د) تزوير. مضاهاة.
المضاهاة: عدم تنظيمها في قانون الإجراءات الجنائية بنصوص آمره يترتب البطلان على مخالفتها.
(هـ) محكمة استئنافية. "الإجراءات أمامها".
المحكمة الاستئنافية تقضي في الأصل على مقتضى الأوراق. عدم التزامها بسماع شهود أو إجراء تحقيق إلا ما ترى لزوماً له.
1 - من المقرر أنه متى وقع التزوير أو الاستعمال فإن التنازل عن السند المزور ممن تمسك به في الدعوى المدنية المرددة بين طرفيها لا أثر له على وقوع الجريمة.
2 - لا أثر لوقف السير في دعوى التزوير أمام المحكمة المدنية - طبقاً للمادة 289 من قانون المرافعات بإقرار الخصم بعدم تمسكه بالسند - على جريمتي التزوير والاستعمال واستحقاق مقارفهما للعقاب.
3 - لم يرسم القانون لجريمة التزوير طريقة إثبات خاصة يتعين على المحاكم الجنائية انتهاجهاً، ولا يوجد ما يمنعها من أن تأخذ في إدانة المتهم بتقرير خبير سبق تقديمه للمحكمة المدنية متى اطمأنت إليه واقتنعت به.
4 - لم ينظم القانون المضاهاة في قانون الإجراءات الجنائية بنصوص آمره يترتب البطلان على مخالفتها.
5 - المحكمة الاستئنافية إنما تقضي في الأصل من واقع الأوراق، ولا تلتزم بسماع شهود أو إجراء تحقيق إلا ما ترى لزوماً له.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 26 ديسمبر سنة 1956 بدائرة مركز ببا: المتهم الأول: (أولاً) نسب للمدعي بالحق المدني ورقة مزورة "إقرار تنازل تاريخه 26 ديسمبر سنة 1956 بتنازله عن أطيان مؤجرة إليه". (ثانياً) استعمل الورقة المزورة سالفة الذكر مع علمه بتزويرها بأن قدمها لمحكمة ببا الوطنية في القضية المدنية رقم 396 سنة 1957 مدني ببا. والمتهم الثاني: اشترك مع المتهم الأول بطريق الاتفاق والتحريض في تزوير الورقة المزورة سالفة الذكر ووقع عليها بصفته شاهداً ومحرراً لها. وطلبت عقابه بالمواد 214 و215 و40 و41 من قانون العقوبات. ادعى محمد علي علي مدنياً طالباً القضاء له بمبلغ 60 ج على سبيل التعويض والمصاريف قبل المتهمين متضامنين. ومحكمة جنح ببا الجزئية عدلت وصف التهمة أثناء سير الدعوى على النحو الآتي: المتهم الأول (أولاً) اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهم الثاني في ارتكاب تزوير في محرر عرفي هو إقرار التنازل المؤرخ 26 ديسمبر سنة 1956 وذلك بوضعه إمضاءاً مزوراً مع علمه بالتزوير ذلك بأن اتفق مع المتهم الثاني على تحرير هذا الإقرار وساعد على ذلك بأن قدم له البيانات اللازمة فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. (وثانياً) استعمل إقرار التنازل سالف الذكر مع علمه بتزويره بأن قدمه لمحكمة ببا أثناء سير الدعوى رقم 396 سنة 1957 مدني ببا والمتهم الثاني: ارتكب تزويراً في محرر عرفي هو إقرار التنازل المؤرخ 26 ديسمبر سنة 1956 بأن اصطنعه وملأ بياناته ووقع عليه توقيعاً مزوراً نسبه زوراً إلى المدعى بالحق المدني ثم قضت المحكمة المذكورة فيها بتاريخ 25 يناير سنة 1964 عملاً بمواد الاتهام مع استبعاد المادة 214 منها وتطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات: (أولاً) بحبس المتهم الأول شهراً مع الشغل وكفالة مائتي قرش لوقف التنفيذ للتهمتين. (ثانياً) بحبس المتهم الثاني شهراً مع الشغل وكفالة مائتي قرش لوقف التنفيذ. (ثالثاً) إلزام المتهمين متضامنين أن يدفعا إلى المدعى بالحق المدني مبلغ عشرين جنيهاً على سبيل التعويض والمصاريف المدنية المناسبة ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. فاستأنف المحكوم عليهما هذا الحكم. ومحكمة بني سويف الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 27 يونيه سنة 1964 بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن المحكمة عولت في إدانة الطاعنين على ما ورد في تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير الذي كان مقدماً في الدعوى المدنية التي اختصم فيها الطاعن الأول (المدعي بالحقوق المدنية)، وقد دفع الطاعنان أمام محكمة أول درجة بأنه ما كان يجوز إقامة دعوى التزوير أمام المحاكم الجنائية بعد أن تنازل مقدم السند إلى المحكمة المدنية عن التمسك به ولم يحكم برده وبطلانه وأنه ما كان يستقيم التعويل على تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير المقدم في الدعوى المدنية بل كان يتعين على القاضي الجنائي أن يسير في طريق الإثبات طبقاً للقواعد المقررة للمواد الجنائية وأن يبحث الورقة المقول بتزويرها من جديد، وأن يجري استكتاباً وأن تكون المضاهاة على أساس هذا الاستكتاب لأنه بمراجعة تقرير الخبرة نجد أنه مبنى على أوراق لا تصلح للمضاهاة هي صور كربونية لمحاضر حجز، وقد اكتفى الحكم المطعون عليه في الرد على دفاعهما بأنهما لم يأتيا بجديد يستأهل الرد مع أنهما قدما مذكرة بدفاعهما تتضمن ما سبق ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ اجتزأ في رده على دفاع الطاعن بتلك العبارة المبتسرة يكون قاصر البيان واجب النقض.
وحيث إن الحكم الابتدائي المأخوذ بأسبابه في الحكم المطعون فيه أثبت بياناً لواقعة الدعوى أن المدعي بالحقوق المدنية استأجر فدانين من الطاعن الأول بموجب عقد إيجار مؤرخ 19/ 2/ 1955 لمدة ثلاث سنوات، وفى 1/ 1/ 1956 صدر قرار من لجنة الإصلاح الزراعي بتجنيبه في نصف هذا القدر، ثم أقام الطاعن المذكور الدعوى رقم 396 لسنة 1957 مدني ببا يطلب فيها الحكم بطرده من الفدان الذي جنب فيه بعد أن فشل في مسعى الطرد بناء على شكوى قدمها ضده، وقدم للمحكمة المدنية إقراراً مؤرخاً 26/ 12/ 1956 مذيلاً بتوقيع منسوب إلى المدعي بالحقوق المدنية بتنازله عن هذا القدر ويتعهد فيه بعدم منازعته وإلا التزم بالتعويض، ويحمل الإقرار توقيع المتهم الثاني بصفته شاهداً، فطعن المدعى عليه - المطعون ضده - في هذا الإقرار بالتزوير وثبت من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير المقدم في الدعوى المدنية أن التوقيع المنسوب إلى المدعي المدني مزور على صاحبه، فتنازل الطاعن الأول عن التمسك بالسند بعد ثبوت تزويره. ويبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت هذه المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن أن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير المؤرخ 31/ 10/ 1959 قد أثبت فيه الخبير الباحث أنه اتخذ عدة أوراق رسمية أساساً للمضاهاة هي محضر حجز مؤرخ 15/ 2/ 1956 ومحضر تبديد مؤرخ 24/ 3/ 1956 ومحضر حجز مؤرخ 7/ 10/ 1955 وجميعها كربونية، وكذلك اعتمد على توقيع المدعي بالحقوق المدنية المذيل به محضر البوليس المؤرخ 11/ 1/ 1957 وتوقيعه على تقرير الطعن المؤرخ في 16/ 5/ 1957 وانتهى التقرير إلى أنه ثبت أن هذه التوقيعات كلها تتفق فيما بينها من حيث المنظر العام للتوقيع وطريقة كتابة أحرفه ومميزاته وتختلف جميعها عن التوقيع المنسوب إلى محمد علي علي مصطفى (المطعون ضده) والمدعي بالحقوق المدنية الموقع به على التنازل المؤرخ 26/ 12/ 1956 ثم خلص إلى أن ذلك التوقيع المنسوب إلى المدعي بالحقوق المدنية بالتنازل المؤرخ 26/ 12/ 1956 المطعون فيه هو توقيع مزور على صاحبه ولم يصدر عنه. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة التزوير والاستعمال اللتين دين فيهما الطاعنان، وكان من المقرر أنه متى وقع التزوير أو الاستعمال، فإن التنازل عن السند المزور ممن تمسك به في الدعوى المدنية المرددة بين طرفيها، لا أثر له على وقوع الجريمة، كما لا أثر لوقف السير في دعوى التزوير أمام المحكمة المدنية طبقاً للمادة 281 من قانون المرافعات بإقرار الخصم بعدم تمسكه بالسند على جريمتي التزوير والاستعمال، واستحقاق مقارفهما للعقاب وكان القانون لم يرسم لجريمة التزوير طريقة إثبات خاصة يتعين على المحاكم الجنائية انتهاجها ولا يوجد ما يمنعها من أن تأخذ في إدانة المتهم بتقرير خبير سبق تقديمه للمحكمة المدنية متى اطمأنت إليه واقتنعت به، وكان الشارع لم ينظم القانون المضاهاة في قانون الإجراءات الجنائية بنصوص آمره يترتب البطلان على مخالفتها، وكانت دعوى الطاعنين بافتقار أوراق المضاهاة على نسخ كربونية من محاضر حجز وتبديد غير صحيحة إذ تضمنت أوراقاً أخرى رسمية حسبما سبق البيان، وكان الطاعنان لم يطلب أحدهما أو كلاهما إلى محكمة أول درجة إجراء تحقيق جديد في شأن استكتاب المدعي بالحقوق المدنية، وكانت المحكمة الاستئنافية إنما تقضى في الأصل من واقع الأوراق، ولا تلتزم بسماع شهود أو إجراء تحقيق إلا ما ترى لزوماً له، فإن الطعن كله يكون على غير أساس حقيقاً بالرفض.