أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 19 - صـ 21

جلسة 8 من يناير سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمد محفوظ، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الوهاب خليل، وحسين سامح، ومحمود العمراوي، ومحمود عطيفة.

(4)
الطعن رقم 1920 لسنة 37 القضائية

( أ ) قتل خطأ. أسباب الإباحة. مسئولية جنائية. طب. أطباء.
شرط إباحة عمل الطبيب أن يكون ما يجريه مطابقاً للأصول العلمية المقررة.
(ب) خطأ. مسئولية جنائية. مسئولية مدنية.
تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية فاعلة جنائياً أو مدنياً. موضوعي.
(ج) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". تزوير.
كفاية إقامة الحكم على أسباب منتجة ورده على دفاع المتهم بما يفنده.
(د) إثبات. "إثبات بوجه عام". "خبرة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
حق محكمة الموضوع في تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء والمفاضلة بينها والأخذ بما ترتاح إليه منها.
1 - من المقرر أن إباحة عمل الطبيب مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقاً للأصول العلمية المقررة، فإذا فرط في إتباع هذه الأصول أو خالفها حقت عليه المسئولية الجنائية بحسب تعمده الفعل ونتيجته أو تقصيره وعدم تحرزه في أداء عمله.
2 - تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائياً أو مدنياً مما يتعلق بموضوع الدعوى، فإذا كانت المحكمة في حدود ما هو مقرر لها من حق في وزن عناصر الدعوى وأدلتها - قد بينت الواقعة ودللت تدليلاً سائغاً على ثبوت نسبة الخطأ إلى المتهم ووفاة المجني عليها نتيجة لهذا الخطأ، فإنه لا يقبل من المتهم مصادرة المحكمة في عقيدتها أو مجادلتها في عناصر اطمئنانها.
3 - إذا كان الحكم قد أثبت مخالفة البيان المدرج بشهادة الوفاة للحقيقة وأقام قضاءه في هذا الشأن على أسباب منتجة ورد على دفاع المتهم بصدد واقعة التزوير المسندة إليه بما يفند هذا الدفاع ويبرر إطراح المحكمة له، فإن النعي عليه من هذه الناحية يكون غير سديد.
4 - لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء المقدمة في الدعوى والفصل فيما يوجه إلى هذه التقارير من اعتراضات، والمفاضلة بينهما والأخذ بما ترتاح إليه وإطراح ما عداه لتعلق هذا الأمر بسلطتها في تقدير الدليل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في 16 يونيه سنة 1960 بدائرة قسم الساحل محافظة القاهرة: (أولاً) تسبب بغير قصد ولا تعمد في قتل ثريا إبراهيم الصباحي وكان ذلك ناشئاً عن إهماله في ممارسة مهنته كطبيب بأن قام بإجراء عملية تفريغ لرحمها في إجهاض فتم على خلاف الأحوال الطبية فأحدث بها الإصابات الموضحة في تقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها. (ثانياً) ارتكب تزويراً في المحرر العرفي المبين بالتحقيق وشهادة إثبات الوفاة حال تحريرها بأن أثبت فيها على خلاف الحقيقة أن مرض ثريا إبراهيم الصباحي الذي أدى لوفاتها هو انفجار في الزائدة الدودية وطلبت معاقبته بالمادة 213 و215 و238 من قانون العقوبات. ومحكمة الساحل الجزئية قضت غيابياً بتاريخ 23 فبراير سنة 1963 عملاً بمواد الاتهام والمادتين 55/ 1 و56 من قانون العقوبات بتغريم المتهم مائة جنيه عن التهمة الأولى وحبسه شهراً واحداً مع الشغل عن التهمة الثانية وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس مدة ثلاث سنوات تبدأ من يوم صيرورة الحكم نهائياً. فعارض، وفي أثناء نظر المعارضة ادعى حسن عبد الغني خالد زوج المجني عليها عن نفسه وبصفته ولياً طبيعياً على أولاده القصر مدنياً قبل المتهم بمبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت. كما ادعى محمد عبد الله أخ المجني عليها مدنياً قبل كل من المتهم وزوج المجني عليها متضامنين بمبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت. وقضت المحكمة (أولاً) بقبولها شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم الغيابي (ثانياً) إلزام المتهم أن يدفع مبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت إلى المدعي بالحقوق المدنية حسن عبد الغني خالد عن نفسه وبصفته ولياً طبيعياً على أولاده القصر من المجني عليها مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. (ثالثاً) إلزام المتهم أن يدفع مبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت إلى المدعي بالحقوق المدنية محمد عبد الله والمصروفات شاملة مقابل أتعاب المحاماة. (رابعاً) رفض الدعوى المدنية قبل حسن عبد الغني خالد وإلزام رافعها المصروفات. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع (أولاً) في الدعوى الجنائية برفضه وتأييد الحكم المستأنف بلا مصاريف جنائية. (ثانياً) وفي الدعوى المدنية بإلغاء الحكم المستأنف وبإحالتها بحالتها إلى محكمة الساحل المدنية الجزئية للفصل فيها. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبني الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتي القتل الخطأ والتزوير في محرر عرفي قد شابه خطأ في تطبيق القانون وفساد في الاستدلال، ذلك بأنه عول في قضائه على ما انتهي إليه التقرير الطبي الشرعي من أن الطاعن قد ارتكب خطأ مهنياً جسيماً باستعماله "جفت" البويضة في إنزال الجنين عند قيامه بعملية إجهاض المجني عليها وبتفويته عليها العلاج بالمستشفي، مع أن كلا الأمرين لا ينطوي على خطأ مهني جسيم أو خطأ أدي إلى الوفاة، لاختلاف الرأي العلمي بشأنه بين الأطباء إذ ذهب البعض منهم إلى أن ما قام به الطاعن يتفق وما كان يتطلبه واقع الحال وأن الآلة التي استعملها مخصصة للغرض الذي استعملت من أجله. وما دام الطاعن لم يخرج عما تقتضيه أصول المهنة والمبادئ الأساسية المقررة في هذا الشأن فلا مسئولية عليه ولو أدت طريقته في العلاج إلى وفاة المجني عليها هذا فضلاً عن أن النتيجة التي انتهى إليها التقرير الطبي الشرعي تناقض ما ورد بهذا التقرير من أن حالة المجني عليها كانت تستلزم إجراء عملية تفريغ الرحم وأن اعتقاد الطاعن بوفاة الجنين يرجع إلى عدم سماعه ضربات قلبه. الأمر الذي يقطع بعدم وقوع أي خطأ من جانبه. وقد أفصحت مناقشة الطبيب الشرعي بالجلسة عن أن الجروح المشاهدة برأس الجنين لم تنشأ عن الآلة التي استعملها الطاعن وأن التمزق في الرحم - الذي أدى إلى الوفاة - ليس من آثار العملية التي أجريت للمجني عليها، بل كانت نتيجة محاولات إجهاض سابقة، وهو ما يؤكد انتفاء مسئولية الطاعن وقد تمسك الطاعن في دفاعه بأن التقرير الطبي الشرعي جاء معيباً لأخذه في تحديد المسئولية بمعيار موضوعي في حين أن الطبيب لا يسأل إلا عن الخطأ المهني الجسيم لاستعماله في ممارسة مهنته حقاً أباحه القانون معيار التجريم فيه معيار شخصي مرده إلى استعمال الحق وحده. وقد تعزز دفاع الطاعن القائم على عدم وقوع خطأ من جانبه بما تضمنه التقرير الاستشاري المقدم منه للمحكمة مثبتاً سلامة كافة الإجراءات التي اتخذها من الوجهة الفنية، غير أن المحكمة أطرحت هذا التقرير لأسباب غير سائغة، كما أطرحت ما ورد في مرجع علمي قدمه الطاعن مؤيد لوجهة نظره - أما ما أثبته الطاعن في شهادة الوفاة من أن المجني عليها قد توفيت بسبب انفجار الزائدة الدودية فلا مخالفة فيه للحقيقة، إذ الثابت مما تضمنه التقرير المحرر بمعرفة مفتش صحة مصر الجديدة أن الأعراض التي ظهرت على المريضة تؤدي إلى الاعتقاد بصحة التشخيص الذي دونه الطاعن في تلك الشهادة خاصاً بسبب الوفاة. ومن ثم فلا وجه لمؤاخذته عن تهمة التزوير.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمتين اللتين دين الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها، وقد تصدى لبيان موقف الطاعن من الاتهام المسند في قوله "وبسؤال المتهم (الطاعن) قرر أن المجني عليها حضرت إليه صحبة زوجها وكانت في حالة إجهاض وتنزف دماً متغير الرائحة وأنها أخبرته أثناء توقيعه الكشف الطبي عليها بأنها حاولت أن تجهض نفسها بإدخال جسم غريب في رحمها واستطرد يقول بأنه قام بإجراء عملية الإجهاض لها وأنزل الجنين مستعملاً جفت البويضة وكان الجنين متعفناً وأنها توفيت بعد العملية بسبب الصدمة العصبية نتيجة النزيف والتسمم من الجنين المتعفن وأنه حرر شهادة بحالتها قبل إجراء العملية بناء على طلب زوجها وأضاف أنه أجرى تلك العملية كنوع من الإسعاف لخطورة حالة المجني عليها وأن النزيف السابق على العملية كان هو السبب في وفاتها وأنه أثبت بشهادة الوفاة أن سبب وفاتها هو انفجار بالزائدة الدودية من قبيل الاحتمال كما أنه حاصل على دبلوم الجراحة وإخصائي مسالك بولية، كما أورد الحكم مؤدى ما أثبته التقرير الطبي الشرعي في قوله "ومن حيث إنه جاء بتقرير الصفة التشريحية أن المجني عليها كانت حاملاً في الشهر الخامس الرحمي وأنه إن صح ما جاء بأقوال المتهم فإن المجني عليها تكون في حالة إجهاض محتم يستلزم إجراء عملية لتفريغ الرحم، وبذلك يكون هناك مبرراً لإجراء عملية الإجهاض وأن الآثار الحيوية الموجودة برأس الجنين الذي عثر عليه الطبيب الشرعي بالتجويف البطني تشير إلى أنه وقت إجراء عملية الإجهاض كان الجنين ما زال حياً وغير متعفن كما يقرر المتهم وأنه يفسر تشخيص المتهم لوفاة الجنين نتيجة لعدم سماعه ضربات قلب الجنين وأنه في مثل هذه المدة من الحمل التي وصلت إليها المجني عليها ما كان ينبغي استعمال جفت البويضة لاستخراج الجنين على عدة أجزاء كما قرر المتهم، فضلاً عما ظهر من وجود تمزيق كبير بالرحم وأن ذلك مفاده أن المتهم قد أخطأ في الطريقة التي اتبعها في إنزال الجنين الأمر الذي أدى إلى حدوث الوفاة نتيجة تمزق الرحم وما صاحبه من نزيف وصدمة عصبية. وانتهى الطبيب الشرعي في تقريره إلى أن ذلك في رأيه يعتبر خطأ مهنياً جسيماً وأنه مما يزيد من مسئولية الطبيب المتهم أنه قد فوت على المجني عليها فرصة علاجها على يد أخصائي بعدم تحويلها إلى إحدى المستشفيات" ثم خلص الحكم إلى ثبوت الاتهام المسند إلى الطاعن في قوله: "ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن التهمة الأولى ثابتة في حق المتهم من أقوال الشهود سالفة الذكر وقد جاءت قاطعة الدلالة على أن المتهم أجرى عملية إجهاض للمجني عليها أودت بحياتها ومن أقوال المتهم نفسه وقد اعترف بإجرائه تلك العملية مستعملاً جفت البويضة ومن التقرير الطبي الشرعي وقد ثبت منه أنه ما كان ينبغي على المتهم استعمال ذلك الجفت وهو يدرك أن المجني عليها في الشهر الخامس الرحمي كما أن استعمال تلك الآلة قد أدى إلى إحداث تمزيق كبير بالرحم وأن ذلك يعتبر خطأ مهنياً جسيماً من المتهم. ولما كان ذلك، وكانت القاعدة أن الطبيب أو الجراح المرخص له بتعاطي أعمال مهنية لا يسأل عن الجريمة العمدية وإنما يسأل عن خطئه الجسيم وكان المتهم قد أخطأ في إجرائه تلك العملية خطأ جسيماً فأهمل ولم يتبع الأصول الطبية ولا أدل على جسامة خطئه من تركه رأس الجنين وقد وجدها الطبيب الشرعي بالتجويف البطني عند تشريح جثة المجني عليها. ولما كان ذلك الخطأ قد أدى مباشرة إلى وفاة المجني عليها فإنه يتعين إدانة المتهم طبقاً للمادة 238 من قانون العقوبات... ومن حيث إنه في صدد التهمة الثانية فقد جاءت ثابتة أيضاً إذ يبين للمحكمة من الإطلاع على صورة شهادة الوفاة التي حررها المتهم أنه قد أثبت بها أن مرض المجني عليها هو انفجار بالزائدة الدودية والتهاب بريتوني وتعفن بالرحم ومن اعتراف المتهم في التحقيقات بإثباته تلك البيانات على خلاف الحقيقة ومن أقوال مفتش الصحة، فيثبت من كل ذلك ومن التقرير الطبي الشرعي سالف الذكر أن المتهم ارتكب تزويراً في محرر عرفي هو شهادة إثبات وفاة المجني عليها حال تحريرها بطريق جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن أثبت بها على خلاف الواقع أن مرض المجني عليها الذي أدى إلى وفاتها هو انفجار بالزائدة الدودية والتهاب بريتوني وتعفن بالرحم وصدمة عصبية شديدة، ومن ثم فيتعين إدانة المتهم عن هذه التهمة أيضاً..." وقد عرضت المحكمة الاستئنافية إلى دفاع الطاعن - الذي يردده في وجه طعنه - وأطرحته في قولها "وحيث إنه لما كانت القواعد العامة تقضي بأن يبذل الطبيب العناية الفنية التي تقتضيها أصول المهنة وأن يسلك في هذا الشأن السلوك الفني المألوف من أوساط أهل المهنة علماً وكفاية ويقظة فيسأل الطبيب عن خطئه المهني مسئوليته عن خطئه العادي حتى عن الخطأ اليسير فلا يجوز له أن يخطئ فيما استقرت عليه أصول فنه لأن الخروج عن ذلك يكاد يصل إلى الخطأ الجسيم والشخص الفني الوسط يجب ألا يتجرد من الظروف الخارجية وفقاً للقواعد المقررة في هذا الصدد فإذا قطع الطبيب الشرعي بأنه ما كان ينبغي للمتهم استعمال جفت البويضة لاستخراج الجنين في مثل هذه المدة من الحمل واستدل على ذلك من وجود تمزق كبير بالرحم مما أدى إلى الوفاة وأنه قد فوت على المجني عليها فرصة علاجها على يد إخصائي في إحدى المستشفيات العامة فلا يقبل بعد ذلك القول بأن هذا الأمر من المسائل الفنية التي تقبل المناقشة أو لم يستقر عليها إجماع أهل الفن طالما كانت حالة المجني عليها متقدمة وعلى درجة من الخطورة مما كان يقتضي منه الامتناع عن إجراء العملية خاصة وأنه ليس من الإخصائيين في أمراض النساء، ولا تعول المحكمة على تقرير الطبيب الاستشاري الذي ورد تقريره نظرياً وفي صدره رد على سؤال ألقى به عليه المتهم دون أن يلم بظروف المجني عليها ولم يقم بالكشف عليها أو تشريح جثتها كما هو الشأن بالنسبة للطبيب الشرعي الأمر الذي تجزم معه المحكمة بتوافر خطأ المتهم في طريقة إجراء العملية وعدم اتخاذه الاحتياطات التي توجبها عليه أصول المهنة ولا جدال في أن المتهم وقد عاصر كافة المراحل التي مرت بالمجني عليها حتى توفيت على يديه يعلم على وجه القطع بسبب الوفاة فلا يقلب منه بعد ذلك أن يغير هذا السبب في شهادة الوفاة ولم تكن الزائدة الدودية مما تشكو منها المجني عليها وبذلك فقد جاء الحكم المستأنف في محله للأسباب التي بني عليها والتي تأخذ بها المحكمة وتضيفها إلى أسبابها مما يتعين معه القضاء بتأييده". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن إباحة عمل الطبيب مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقاً للأصول العلمية المقررة فإذا فرط في إتباع هذه الأصول أو خالفها حقت عليه المسئولية الجنائية بحسب تعمده الفعل ونتيجته أو تقصيره وعدم تحرزه في أداء عمله، وكان ما أثبته الحكم فيما تقدم من عناصر الخطأ التي وقعت من الطاعن تكفي لحمل مسئوليته جنائياً فإن ما يثيره الطاعن بدعوى خطأ الحكم في تطبيق القانون لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد أخذ بالتقرير الطبي الشرعي واستند إليه في تقدير خطأ الطاعن وإثبات إدانته، وكان لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء المقدمة في الدعوى والفصل فيما يوجه إلى هذه التقارير من اعتراضات والمفاضلة بينها والأخذ بما ترتاح إليه وإطراح ما عداه لتعلق هذا الأمر بسلطتها في تقدير الدليل بما لا يجوز معه مجادلتها فيه أمام محكمة النقض. ولما كانت عناصر الخطأ التي أخذ بها الحكم واطمأن إليها هي عناصر واضحة لا تناقض بينها، فإن ما ينعاه الطعن في هذا الخصوص يكون غير سديد. وإذ ما كان الحكم قد أقام الحجة على مقارفة الطاعن ما أسند إليه بما استخلصه من عناصر الدعوى في منطق سليم، وكان تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبة جنائياً أو مدنياً مما يتعلق بموضوع الدعوى، وكانت المحكمة - في حدود ما هو مقرر لها من حق في وزن عناصر الدعوى وأدلتها - قد بينت الواقعة ودللت تدليلاً سائغاً على ثبوت نسبة الخطأ إلى الطاعن ووفاة المجني عليها نتيجة لهذا الخطأ، فإنه لا يقبل من الطاعن مصادرة المحكمة في عقيدتها أو مجادلتها في عناصر اطمئنانها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت مخالفة البيان المدرج بشهادة الوفاة للحقيقة وأقام قضاءه في هذا الشأن على أسباب منتجة ورد على دفاع الطاعن بصدد واقعة التزوير المسندة إليه بما يفند هذا الدفاع ويبرر إطراح المحكمة له فإن النعي على الحكم من هذه الناحية يكون بدوره غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.