أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 19 - صـ 47

جلسة 15 من يناير سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمد صبري، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور أحمد خلف.

(10)
الطعن رقم 1935 لسنة 37 القضائية

( أ ) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". ظروف مشددة. عقوبة. "العقوبة المبررة". مواد مخدرة. "جلبها". اشتراك.
خطأ الحكم في إسناد ظرف مشدد للمتهم. لا يعيبه. ما دام أنه قد أخذه بالعقوبة المقررة قانوناً للجريمة المسندة إليه مجردة من الظرف المذكور.
(ب، ج) مواد مخدرة. "جلبها". جريمة. جمارك.
(ب) تحقق جريمة جلب الجواهر المخدرة بنقلها على خلاف الأحكام المنظمة لذلك. المواد من 3 إلى 6 من القانون رقم 182 لسنة 1960.
(ج) تخطي الحدود الجمركية أو الخط الجمركي بجواهر مخدرة بغير ترخيص، يعد جلباً لها.
(د، هـ) جريمة. اشتراك. إثبات. "إثبات بوجه عام".
(د) كفاية اتحاد نية أطراف الاتفاق على ارتكاب الفعل المتفق عليه لتحقق الاشتراك. حق المحكمة في استنتاج حصول الاشتراك من فعل لاحق للجريمة.
(هـ) تحقق المساهمة التبعية في الجريمة بوسيلة من وسائل الاشتراك المنصوص عليها في المادة 40 من قانون العقوبات.
(و) نقض. "نقض الحكم. أثره". محكمة الإحالة. عقوبة.
نطاق عدم جواز إضارة المتهم بطعنه وطعن النيابة العامة؟
(ز) نقض. "الحكم في الطعن". طعن. "الطعن لثاني مرة".
حق محكمة النقض أن تحكم في الطعن لثاني مرة بغير تحديد جلسة. ما دام أن العوار لم يرد على بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر فيه.
(ح) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام".
انحسار الخطأ في الإسناد عن الحكم إذا أقيم على ما له أصل ثابت في الأوراق، ولم يخرج بالدليل عن فحواه.
(ط) حكم. "تسبيبه. ما لا يعيب الحكم في نطاق التدليل". نقض. "المصلحة في الطعن".
خطأ الحكم في بيان تاريخ الواقعة. لا يعيبه. ما دام لم يتصل بحكم القانون أو انقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة.
(ي) حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
نفي بعض أسباب الحكم لما أثبته البعض الآخر. يصم الحكم بالتناقض.
(ك، ل) إثبات. "إثبات بوجه عام. اعتراف". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
(ك) لمحكمة الموضوع الأخذ بأقوال المتهم في حق نفسه أو غيره من المتهمين.
(ل) سلطة القاضي الجنائي في أن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه. ما لم يقيده القانون.
(م) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام الحكم بالرد على دفاع يتصل بدليل لم يأخذ به.
(ن) محكمة الموضوع. "سلطتها في تجزئة الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. " إثبات بوجه عام. اعتراف".
حق محكمة الموضوع في أن تجزئ أي دليل وأخذ منه بما تطمئن إليه.
(س) دفاع. "الإخلال الدفاع. ما لا يوفره".
التزام محكمة الموضوع بالإجابة أو الرد على الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به.
1 - إذا كان الحكم قد أورد في وصف التهمة أن المتهم قد ارتكب أفعال الاشتراك في جلب المخدرات حالة كونه من المنوط بهم مكافحة المخدرات، إلا أن الثابت من مدونات الحكم أن المحكمة قد طبقت الفقرة الأولى من المادة 33 من القانون رقم 182 لسنة 1960 دون الفقرة الثانية من المادة سالفة الذكر التي تقضي بتشديد العقوبات في حالة اقتراف الجريمة من الموظفين أو المستخدمين المنوط بهم مكافحة المواد المخدرة، كما عاملت المتهم كغيره من المحكوم عليهم - فاعلين أصليين أو شركاء - ممن لا يتصفون بتلك الصفة وأنزلت بهم جميعاً عقوبة واحدة هي الأشغال الشاقة المؤبدة والغرامة، مما يشير بوضوح إلى أن ما ورد بنهاية وصف التهمة عن قيام ذلك الظرف المشدد، لا يعدو أن يكون من قبيل الخطأ الذي لا يعيب الحكم، فضلاً عن أنه لا جدوى للمتهم من إثارة هذا النعي ما دامت العقوبة المقضي بها مقررة في القانون لجريمة الاشتراك في جلب المواد المخدرة مجردة من الظرف المشدد.
2 - الجلب في حكم القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها، ليس مقصوراً على استيراد الجواهر المخدرة من خارج الجمهورية العربية المتحدة وإدخالها المجال الخاضع لاختصاصها الإقليمي كما هو محدد دولياً، بل أنه يمتد أيضاً إلى كل واقعة يتحقق بها نقل الجواهر المخدرة على خلاف الأحكام المنظمة لجلبها المنصوص عليها في الفصل الثاني من القانون المذكور في المواد من 3 إلى 6.
3 - يبين من نصوص المواد الثلاث الأولى من قانون الجمارك الصادر به القانون رقم 66 لسنة 1963 أنه "يقصد بالإقليم الجمركي، الأراضي والمياه الإقليمية الخاضعة لسيادة الدولة" وأن "الخط الجمركي هو الحدود السياسية الفاصلة بين الجمهورية العربية المتحدة والدول المتاخمة وكذلك شواطئ البحار المحيطة بالجمهورية، ومع ذلك تعتبر خطا جمركيا قناة السويس وشواطئ البحيرات التي تمر بها هذه القناة" وأنه "يمتد نطاق الرقابة الجمركية البحري من الخط الجمركي إلى مسافة ثمانية عشر ميلاً بحرياً في البحار المحيطة به. أما النطاق البرى فيحدد بقرار من وزير الخزانة وفقاً لمقتضيات الرقابة ويجوز أن تتخذ داخل النطاق تدابير خاصة لمراقبة بعض البضائع بقرار منه" ومفاد ذلك أن تخطي الحدود الجمركية أو الخط الجمركي بغير استيفاء الشروط التي نص عليها القانون رقم 182 لسنة 1960 والحصول على الترخيص - المطلوب من الجهة الإدارية المنوط بها منحه - في شأن جلب المخدر، يعد جلباً محظوراً.
4 - الاشتراك بطريق الاتفاق إنما يتكون من اتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه، وهذه النية أمر داخلي لا تقع تحت الحواس ولا تظهر بعلامات خارجية، فمن حق القاضي - فيما عدا الحالات الاستثنائية التي قيده فيها القانون بنوع معين من الأدلة - إذا لم يقم على الاشتراك دليل مباشر من اعتراف أو شهادة شهود أو غيره، أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج والقرائن التي تقوم لديه، ولا حرج عليه أن يستنتج حصول الاشتراك من فعل لاحق للجريمة يشهد به.
5 - الأصل في القانون أن المساهمة التبعية تتحقق من الشريك بإحدى وسائل الاشتراك التي نص عليها القانون في المادة 40 عقوبات وهي التحريض والاتفاق والمساعدة.
6 - إذا كان الطاعن هو أحد المحكوم عليهم الذين قرروا بالطعن على الحكم المنقوض، وكانت النيابة العامة وإن طعنت بدورها على هذا الحكم بالنقض، إلا أنها بنته على سبب واحد هو خطأ الحكم في القانون إذ لم يقض بمصادرة ثمن الجمال المضبوطة التي استعملت في نقل المواد المخدرة وطلبت تصحيح الحكم والقضاء بالمصادرة، وكانت محكمة النقض قد قضت بقبول الطعن المقدم من المحكوم عليهم وبنقض الحكم بالنسبة إليهم وإعادة محاكمتهم من جديد أمام دائرة أخرى ولم تر من ثم حاجة إلى بحث الطعن المقدم من النيابة العامة، وكان من المبادئ الأساسية في المحاكمات هو ألا يضار طاعن بطعنه، وكان الأصل طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض - أن تتقيد محكمة النقض بالأسباب المقدمة في الميعاد القانوني، ومن ثم فإن محكمة النقض ما كان بوسعها - لو تعرضت في حكمها إلى طعن النيابة العامة وقبلته - أن تقضي إلا بمصادرة ثمن الجمال المضبوطة وبالتالي فإنه ما كان يحق لمحكمة الإعادة أن تشدد عقوبة الغرامة عن حدها الذي قضى به الحكم المنقوض.
7 - لمحكمة النقض حسب القاعدة الأصلية المنصوص عليها في المادة 39 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض أن تحكم في الطعن وتصحح الخطأ وتحكم بمقتضى القانون دون حاجة إلى إعمال المادة 45 من القانون المذكور بتحديد جلسة لنظر الموضوع باعتبار أن الطعن هو طعن لثاني مرة - ما دام أن العوار لم يرد على بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم مما كان يقتضي التعرض لموضوع الدعوى.
8 - إذا كان الثابت من مراجعة الأوراق أن الأدلة التي حصلها الحكم وعول عليها في إدانة الطاعن - ترتد إلى أصول ثابتة في التحقيقات - ولم يحد الحكم عن نص ما أنبأت به أو فحواه، فقد انحسرت عنه قالة الخطأ في الإسناد.
9 - من المقرر أن الخطأ في بيان تاريخ وقوع الجريمة، لا يعيب الحكم، ما دام أن هذا التاريخ لا يتصل بحكم القانون على الواقعة، وما دام أن المتهم لا يدعى بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة.
10 - التناقض الذي يعيب الحكم هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما يثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة.
11 - لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال المتهم في حق نفسه أو في حق غيره من المتهمين - وإن عدل عنها بعد ذلك - ما دامت قد اطمأنت إليها.
12 - العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناءً على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته، ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين إلا في الأحوال التي يقررها القانون، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه.
13 - إذا كان الحكم قد أطرح التسجيل ولم يأخذ بالدليل المستمد منه وبني قضاءه على ما اطمأن إليه من اعتراف المتهمين الآخرين في التحقيقات إلى جانب باقي أدلة الثبوت السابقة التي قام عليها، فقد انحسر عنه الالتزام بالرد استقلالاً على أي دفاع يتصل بهذا التسجيل.
14 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزئ، الدليل - ولو كان اعترافاً - وتأخذ منه بما تطمئن إليه وتلتفت عما عداه دون أن يعد ذلك تناقضاً يعيب حكمها.
15 - الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه، فإذا كان الدفاع عن المتهم لم يتمسك في مرافعته بطلبات التحقيق التي أبداها في مستهل المحاكمة مما يفيد تنازله عنها، فلا يحق - من بعد - أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق تنازل عنه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر بأنهم في الفترة ما بين 8 و13 من أكتوبر سنة 1963 بدائرة قسم رأس غارب محافظة البحر الأحمر جلبوا إلى أراضي الجمهورية العربية المتحدة جواهر مخدرة "حشيشاً وأفيوناً" دون الحصول على ترخيص بذلك حالة كون المتهمين الثالث عشر والرابع عشر من المنوط بهم مكافحة المخدرات. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً لنص المواد 1 و2 و33/ 1 - أ و34 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبندين 1 و12 من الجدول رقم 1، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات السويس قضت في الدعوى حضورياً عملاً بالمواد 1 و2 و3 و4 و5 و6 و33 و42 من القانون السالف البيان بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة المؤبدة وغرامة قدرها خمسة آلاف جنيه ومصادرة الجواهر المخدرة والمركب المضبوطة فطعن في هذا الحكم بطريق النقض المحكوم عليهم والنيابة العامة في 18 و23 و27 مايو سنة 1965 وقدم الأول والسابع والثالث عشر (الذي لم ينفذ العقوبة) والرابع عشر دون الباقين تقارير بأسباب طعنهم وبتاريخ 8 مارس سنة 1966 قضت المحكمة بقبول الطعن المقدم من النيابة العامة ومن الطاعنين الأول والسابع والثالث عشر والرابع عشر شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه بالنسبة إلى هؤلاء الطاعنين وإلى باقي المحكوم عليهم وإحالة القضية إلى محكمة جنايات السويس لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. ومحكمة جنايات السويس الدعوى من جديد بعد إحالتها إليها وقررت ضم جناية الرشوة رقم 19 لسنة 1963 غارب (31 كلي سنة 1964) المنسوبة إلى المتهم الثاني ليصدر في الدعويين حكم واحد وانتهت إلى تعديل وصف التهمة إلى أنه (أولاً) المتهمون من الأول إلى الحادي عشر في ليلة 12 من أكتوبر سنة 1963 جلبوا إلى الجمهورية العربية المتحدة جواهر مخدرة (حشيشاً وأفيوناً) مبينة الوزن بالتحقيقات دون الحصول على ترخيص بذلك من الجهة المختصة (ثانياً) المتهمون من الثاني عشر إلى الرابع عشر: في الفترة من 8 أكتوبر سنة 1963 إلى 12 من أكتوبر سنة 1963 اشتركوا في ارتكاب الجريمة المتقدمة بطريقي الاتفاق والمساعدة بأن اتفقوا مع المتهمين من الأول إلى الحادي عشر على جلب تلك المواد من مياه خليج السويس من مركبهم وإنزالها على الشاطئ الغربي للخليج وساعدوهم بانتظارهم في موقع تفريغ الحمولة على الشاطئ بسيارة يقودها المتهم الثاني عشر الذي حمل تلك المخدرات إلى جهة حقل كريم التابع لمنطقة غارب فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة حالة كون المتهمين الثالث عشر والرابع عشر من المنوط بهم مكافحة المواد المخدرة (ثالثاً) المتهم الثاني في يوم 14 من أكتوبر سنة 1963 بدائرة قسم غارب محافظة السويس: عرض رشوة على مستخدم عمومي للإخلال بواجبات وظيفته بأن قدم لعبد الحاكم محمد أمين الرقيب أول بمخابرات حدود البحر الأحمر مبلغ مائتي جنيه ووعده بتسليمه كمية من المخدرات على سبيل الرشوة لقاء التستر عليه وعدم الإبلاغ عنه في جريمة الجلب سالفة الذكر ومساعدته في إعادة بعض أفراد عصابته الغائبين المشتركين في تلك الجريمة ولكن المستخدم العمومي لم يقبل الرشوة في حقيقة الأمر وإن كان قد تظاهر بقبولها للحصول من المتهم على معلومات في تلك الجريمة وقضت فيها بتاريخ 14 مارس سنة 1967 حضورياً للمتهمين جميعاً عدا الثاني عشر عملاً بالمواد 1 و2 و33/ 1 - 2 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبندين 1 و12 من الجدول 1 الملحق وذلك بالنسبة إلى المتهمين من الأول إلى الحادي عشر والمواد نفسها مع المادتين 40/ 2 - 3 و41 من قانون العقوبات وذلك بالنسبة إلى المتهمين من الثاني عشر إلى الأخير فضلاً عن المواد 104 و109 مكرراً و32 / 2 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الثاني عن جريمة عرض الرشوة (أولاً) بمعاقبة المتهمين بالأشغال الشاقة المؤبدة وغرامة لكل منهم قدرها عشرة آلاف جنيه (ثانياً) مصادرة المواد المضبوطة وهي الجواهر المخدرة والسلاح الناري والذخيرة وثمن الجمال والسفينة الشراعية المستعملة في الحادث. فطعن المحكوم عليهم حضورياً في هذا الحكم بطريق النقض الثاني عشر والثالث عشر في 14 مارس سنة 1967 والأول في 15 مارس سنة 1967 ومن الأول إلى الحادي عشر في 18 مارس سنة 1967 وقدم المحامي عن الطاعن الأول في 16 من إبريل سنة 1967 تقريراً بالأسباب موقعاً عليه منه. كما قدم المحامي عن الطاعن الثاني عشر في 20 من الشهر نفسه تقريراً بالأسباب موقعاً عليه منه. كما قدم المحامي عن الطاعن الثالث عشر في 22 من الشهر المذكور تقريراً بالأسباب موقعاً عليه منه. أما باقي الطاعنين فلم يقدموا أسباباً لطعنهم.


المحكمة

من حيث إن الطعن المقدم من كل من الطاعنين الأول والثاني عشر والثالث عشر قد استوفي الشكل المقرر في القانون.
(أولاً) عن أسباب الطعن المقدم من الطاعن الأول.
من حيث إن مبني ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه - إذ دانه بجريمة جلب مخدرات إلى الجمهورية بغير ترخيص - قد شابه فساد في الاستدلال وخطأ في الإسناد وقصور في التسبيب فضلاً عن خطئه في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه على الرغم من أن كل ما قام في شأنه لا يعدو أن يكون بعض التحريات اللاحقة لضبط الواقعة أو ما جري على لسان بعض المتهمين من قول لا يرقى إلى الكشف عن شخصه وذلك في ثنايا اعتراف عدلوا عنه، فإن الحكم قد صور واقعة الدعوى بما يشير إلى أن الطاعن كان ضمن عصبة اتفقت على الجريمة مع أن الأدلة التي ساقها لا تساند تلك الصورة، وفضلاً عن ذلك فهو قد خالف في تحصيله لمؤدى بعض هذه الأدلة على ما هو ثابت في الأوراق وآية ذلك ما قال به - على غير سند - من إقرار الرقيب أحمد على أن تحرياته دلت على مساهمة الطاعن في الجريمة، وما أسنده إلى المتهمين من الثاني إلى الحادي عشر من قول يظاهر مع أن أقوال بعض هؤلاء المتهمين لم تتناه في وصف الطاعن إلا إلى تعريف نفر منهم له بأنه رجل "بدوي" وتعريف آخرين له باسمه الأول مجرداً عن اللقب أو الكنية. وأما القصور فيراه الطاعن في أنه كان قد طلب من المحكمة سماع الشريط الذي سجلت عليه اعترافات المتهمين، وإذ سمعت المحكمة هذا التسجيل وجدته مشوشا لا ينبئ عن شيء، وكانت المحكمة - بهيئة أخرى - قد سمعت هذه التسجيلات من قبل وكشف هذا الاستماع عن خلوها مما يشير إلى الطاعن واستدل المدافع عنه نتيجة استماع المحكمة على فساد اعتراف المتهمين عليه مما كان يتعين معه على الحكم - بلوغاً لغاية الأمر في تحقيق هذا الدفاع - أن يقول كلمته فيه، وليس يغني عن ذلك إطراح الحكم للتسجيلات كدليل من أدلة الإثبات، وأما الخطأ في تطبيق القانون فمرجعه أن الحكم اعتبر الواقعة جلباً للمخدر في حين أنه لم يثبت أن المخدر قد تخطى الحدود الجمركية للبلاد الأمر الذي يجعل فعلة الجناة نقلاً لا جلباً. ويكون الحكم لكل أولئك المثالب معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بارتكابها، وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان الثابت من مراجعة الأوراق والمفردات المضمومة أن الأدلة التي حصلها الحكم وعول عليها في إدانة الطاعن ترتد إلى أصول ثابتة في التحقيقات ولم يحد الحكم عن نص ما أنبأت به أو فحواه، ومن ثم فقد انحسر عنه قالة الخطأ في الإسناد أما ما يثيره الطاعن من نعي على الحكم بالفساد في الاستدلال لأنه عول في إدانته على تحريات لاحقة لواقعة الضبط وعلى اعترافات لمتهمين عدلوا عنها فمردود بأن العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناءً على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين إلا في الأحوال التي يقررها القانون، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه. وإذ ما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشهود الإثبات وأخذت بإقرار المتهمين الآخرين في التحقيقات عن إسهام الطاعن في عملية جلب المخدرات المضبوطة فضلاً عن كونه صاحب الشأن الأول فيها، وكان الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال المتهم في حق نفسه أو في حق غيره من المتهمين - وإن عدل عنها بعد ذلك - ما دامت قد اطمأنت إليها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل في تقدير أدلة الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أطرح التسجيل ولم يأخذ بالدليل المستمد منه وبني قضاءه على ما اطمأن إليه من اعتراف المتهمين الآخرين في التحقيقات إلى جانب باقي أدلة الثبوت السائغة التي قام عليها، فقد انحسر عنه الالتزام بالرد استقلالاً على أي دفاع يتصل بهذا التسجيل، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا يجوز إثارته أمام هذه المحكمة. لما كان ذلك، وكان النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون إذا اعتبر الواقعة جلباً للمخدر لا نقلاً مردوداً بأنه لما كان الجلب في حكم القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها ليس مقصوراً على استيراد الجواهر المخدرة من خارج الجمهورية العربية المتحدة وإدخالها المجال الخاضع لاختصاصها الإقليمي كما هو محدد دولياً، بل إنه يمتد أيضاً إلى كل واقعة يتحقق بها نقل الجواهر المخدرة على خلاف الأحكام المنظمة لجلبها المنصوص عليها في الفصل الثاني من القانون المذكور في المواد من 3 إلى 6 إذ يبين من استقراء هذه النصوص أن الشارع اشترط لجلب الجواهر المخدرة أو تصديرها الحصول على ترخيص كتابي من الجهة الإدارية المختصة لا يمنح إلا للفئات المبينة بالمادة الرابعة ولا تسلم الجواهر المخدرة التي تصل إلى الجمارك إلا بموجب إذن سحب كتابي تعطيه الجهة الإدارية المختصة للمرخص له بالجلب أو لمن يحل محله في عمله وأوجب على مصلحة الجمارك في حالتي الجلب والتصدير تسلم إذن السحب أو التصدير من صاحب الشأن وإعادته إلى الجهة الإدارية المختصة كما يبين من نصوص المواد الثلاث الأولى من قانون الجمارك الصادر به القانون رقم 66 لسنة 1963 الصادر في 13 يونيه سنة 1963 والمعمول به من تاريخ نشره في 26 يونيه سنة 1963 أنه "يقصد بالإقليم الجمركي الأراضي والمياه الإقليمية الخاضعة لسيادة الدولة" وأن "الخط الجمركي هو الحدود السياسية الفاصلة بين الجمهورية العربية المتحدة والدول المتاخمة وكذلك شواطئ البحار المحيطة بالجمهورية ومع ذلك تعتبر خطاً جمركياً ضفتا قناة السويس وشواطئ البحيرات التي تمر بها هذه القناة" وأنه "يمتد نطاق الرقابة الجمركية البحري من الخط الجمركي إلى مسافة ثمانية عشر ميلاً بحرياً في البحار المحيطة به. أما النطاق البري فيحدد بقرار من وزير الخزانة وفقاً لمقتضيات الرقابة ويجوز أن تتخذ داخل النطاق تدابير خاصة لمراقبة بعض البضائع التي تحدد بقرار منه". ومفاد ذلك أن تخطى الحدود الجمركية أو الخط الجمركي بغير استيفاء الشروط التي نص عليها القانون رقم 182 لسنة 1960 والحصول على الترخيص المطلوب من الجهة الإدارية المنوط بها منحه - على ما هو حاصل في الدعوى المطروحة - يعد جلباً محظوراً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ثانياً: عن أسباب الطعن المقدمة من الطاعن الثالث عشر.
من حيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه - إذ دانه بجريمة الاشتراك في جلب المخدر بغير ترخيص حالة كونه من المنوط بهم مكافحة المواد المخدرة - قد أخطأ في تطبيق القانون وران عليه قصور وفساد في الاستدلال كما أخل بحقه في الدفاع، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم تساند في إدانته إلى أنه كان في انتظار المركب على الشاطئ عند وصولها بالمخدرات وأنه ركب السيارة التي نقلتها ونفى الحكم عنه أي مساهمة في الجريمة قبل ذلك، وإذ ما كانت جريمة الجلب تتم بمجرد اجتياز الحدود الجمركية، وكان فعل الاشتراك في الجريمة يجب أن يكون معاصراً لها أو سابقاً عليها، وكانت الأفعال التي نسبها الحكم إلى الطاعن لاحقة لتمام الجريمة، فقد انتفت مساهمته فيها بوصفه شريكاً. هذا إلى أن الحكم لم يستظهر عناصر المساهمة التبعية في حقه وما أورده في هذا الشأن لا يخرج عن أن يكون إسهاماً في نقل مخدر وليس جلباً له. ويضيف الطاعن إلى ما تقدم أن الفساد الذي يعيب الحكم هو أنه اعتمد في إدانته على اعترافات المتهمين رغم أنه دفع بأنها كانت وليدة إكراه وهو ما يسقط قيمتها في الاستدلال، كما استند الحكم إلى أقوال رجال مخابرات الحدود ورجال الأمن مع أنها جاءت خلواً من وقائع معينة يمكن إسنادها إليه أو استخلاص دليل منها على إسهامه في الجريمة. وأما إخلال الحكم بحق الطاعن في الدفاع فيتمثل في أن الحكم لم يمحص ما دفع به من أنه لم يكن موجوداً وقت إنزال المخدرات إلى الشاطئ لأنه كان قد نقل إلى نقطة أخرى بعيدة وطلب من المحكمة ضم دفتر أحوال نقطة الطاحونة وتصريح الصيد الخاص بالمتهم الثاني فأمرت المحكمة بضمها إلا أن ممثل النيابة أفاد بعدم الاستدلال عليها رغم ما هو ثابت بالأوراق من أنها كانت من بين عناصر التحقيق الابتدائي فأثار الدفاع عن الطاعن أن رجال الحدود قد أخفوا هذه الأوراق درءاً لما كان موجهاً إليهم من إهمال وتستر عن حوادث التهريب، بيد أن المحكمة لم تأخذ بدفاع الطاعن أو تعني بتحقيقه أو الرد عليه، فغدا حكمها بذلك معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن البين من واقعة الدعوى وأدلة الثبوت التي حصلها الحكم المطعون فيه أنه دلل على اشتراك الطاعن في جريمة جلب المواد المخدرة التي دانه بها بما اطمأن إليه من إقرار المتهمين الآخرين عن واقعة اجتماع الطاعن وزميله بداخل نقطة الطاحونة مع الطاعن الأول والطاعن الثاني - الذي لم يقدم أسباباً لطعنه - وذلك قبل إبحار المركب لجلب المخدر فضلاً عما فاضت به أقوال هؤلاء المتهمين عن انتظار الطاعن للمركب لدى عودتها إلى الشاطئ وإنزال المخدرات منها وأنه استقل السيارة التي نقلها إلى باقي عصابة المهربين في الجبل. لما كان ذلك، وكان الاشتراك بطريق الاتفاق إنما يتكون من اتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه، وهذه النية أمر داخلي لا تقع تحت الحواس ولا تظهر بعلامات خارجية، فمن حق القاضي - فيما عدا الحالات الاستثنائية التي قيده فيها القانون بنوع معين من الأدلة - إذا لم يقم على الاشتراك دليل مباشر من اعتراف أو شهادة شهود أو غيره أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج من القرائن التي تقوم لديه، ولا حرج عليه أن يستنتج حصول الاشتراك من فعل لاحق للجريمة يشهد به، وكان الأصل في القانون أن المساهمة التبعية تتحقق من الشريك بإحدى وسائل الاشتراك التي نص عليها القانون في المادة 40 من قانون العقوبات وهي التحريض والاتفاق والمساعدة. ولما كان الحكم المطعون فيه قد دلل على اشتراك الطاعن في الجريمة بأفعال سابقة على إبحار المركب لجلب المخدرات وأخرى لاحقة على عودتها إلى الشاطئ، وكان ما ساقه الحكم في هذا الشأن سائغاً ويؤدي إلى ما رتبه عليه، ومن ثم فإنه لا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد من خطأ في تطبيق القانون أو قصور في التسبيب - أما ما يقول به الطاعن من أنه يفرض سلامة مشاركته في الجريمة فإن فعلته لا تعدو أن تكون مساهمة في نقل مخدر داخل البلاد لا جلباً له فهو مردود بما سلف تفصيله في الرد على وجه النعي المماثل من وجوه طعن الطاعن الأول. لما كان ذلك، وكان النعي على الحكم بالإخلال بحق الطاعن في الدفاع حين قضت المحكمة في الدعوى دون أن تضم الأوراق التي طلب ضمها أو ترد على دفاعه في هذا الشأن فإنه مردود بأن الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أمرت بضم الأوراق التي طلبها الدفاع ولما لم تضم ترافع المدافع عن الطاعن في موضوع الدعوى دون أن يتمسك بطلبه أو يشير إليه في مرافعته مما يفيد تنازله ضمناً عنه، ومن ثم فإنه لا يقبل منه أن ينعى على المحكمة نكولها عن التصدي إلى دفاع تنازل عنه، ومع ذلك فإن الحكم قد سجل أن تلك الأوراق لم يعثر عليها. لما كان ذلك، وكان باقي ما يثيره الطاعن في طعنه ينحل إلى جدل موضوعي في سلطة المحكمة في وزن عناصر الدعوى مما تستقل بتقديره دون رقابة لمحكمة النقض عليها ما دامت أنها لا تخرج في ذلك عن موجب الاقتضاء العقلي والمنطقي، وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ثالثاً: عن أسباب الطعن المقدمة من الطاعن الثاني عشر.
من حيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه - إذ دانه بجريمة الاشتراك في جلب المخدر بغير ترخيص حالة كونه من المنوط بهم مكافحة المواد المخدرة - قد أخطأ في الإسناد وأخل بحقه في الدفاع وشابه قصور وتخاذل فضلاً عن التناقض في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن الحكم عول في إدانته على ما ثبت لديه من أقوال شهود الإثبات من رجال الحدود والأمن ومن اعتراف المتهمين بأنه كان في مركب الصيد التي توجهت لإحضار المخدرات ثم نزل منها وانتظر المتهمين عند الشاطئ فجر يوم 12/ 10/ 1963 لدى دعوتهم بالمخدر والحال أن أياً من هؤلاء لم يقل بذلك في أي مرحلة من مراحل التحقيق هذا إلى أن الحكم لم يمحص دفاع الطاعن الجوهري القائم على أنه نقل بتاريخ 9/ 10/ 1963 إلى نقطة دمشة التي تبعد عن مكان إنزال المخدرات بما يقرب من 120 كيلو متراً وأنه نفذ أمر النقل في 10/ 10/ 1963 مما يستحيل معه وجوده في يوم 12/ 10/ 1963 في ذلك المكان، وقد طلب المدافع عن الطاعن من المحكمة تحقيقاً لهذا الدفاع ضم ملف تحقيق عسكري فلم تجبه المحكمة إلى طلبه واكتفت بالتصريح له بإعلان شهود نفي فأعلن المساعد حسن علي حسن فسمع وجاءت أقواله مصدقة - للطاعن - إلا أن الحكم لم يأخذ بدفاعه أو يرد عليه. وأما التناقض فيراه الطاعن في موضعين (أولهما) أن الحكم خلص إلى اشتراكه في الجريمة وحدد تاريخ الواقعة بأنه كان في الفترة من 8 إلى 12/ 10/ 1963 حالة أنه في تحصيله للواقعة ذكر أن الاتفاق تم قبل يوم 4/ 10/ 1963 وهو قول ليس في الأوراق ما يسانده. (وثانيهما) أن الحكم عول في إدانة الطاعن على أقوال المتهمين في التحقيقات أو ما رواه عنهم رجال الحدود والأمن بالرغم من أن هذه الأقوال لا تعدو أن تكون مجرد دفاع قصدوا به التخلص من الاتهام زاعمين أنهم نقلوا المخدرات مكرهين أو مضللين، ومع أن المحكمة أطرحت دفاعهم هذا فهي قد أقامت قضاءها على مؤداه. وأخيراً فإن الطاعن يرى خطأ الحكم في تطبيق القانون ماثلاً في أنه قد دانه كشريك في جريمة جلب في حين أن الواقعة لا تخرج عن أن تكون نقلاً من المياه الإقليمية إلى داخل البلاد لأنه لم يثبت أنها جلبت من خارج حدود المياه الإقليمية. هذا فضلاً عن أن الحكم ذكر في وصف التهمة أن الطاعن من المنوط بهم مكافحة المخدرات واعتبر ذلك ظرفاً مشدداً يؤدي إلى تغليظ العقوبة مع أن الظرف المشدد الخاص بالشريك لا أثر له بالنسبة للفاعل الأصلي ولا بالنسبة إلى الشريك هذا ويختم الطاعن طعنه بأن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون إذ قضى بتشديد الغرامة المقضي بها عليه وعلى باقي المحكوم عليهم عما سبق أن قضى به الحكم الأول المنقوض، وأن كل أولئك شوائب مست الحكم معيبة بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه وإن كان الحكم المطعون فيه قد أورد في تحصيله لواقعة الدعوى أن الطاعن قد صاحب الجناة في مركب الصيد ثم عاد منها ونزل إلى الشاطئ وظل يتحين فرصة حضور السيارة لنقل حمولة المركب إلى أن وصلت وتم نقل المخدرات إليها إلا أن الواضح من سياق مدونات الحكم ومن تحصيله لأدلة الثبوت أنه أقام قضاءه بإدانة الطاعن على سند من اشتراكه مع باقي الطاعنين بطريقي الاتفاق والمساعدة على مقارفة جريمة جلب المخدرات وساق أدلة الاشتراك مستمدة من اجتماعه وزميله مع الطاعنين الأول والثاني داخل مبنى نقطة الطاحونة قبل إبحار المركب ومن انتظاره لها عند عودتها إلى الشاطئ وهى محملة بالمخدرات ثم من معاونته في نقل حمولتها إلى السيارة. ولما كان الواضح مما تقدم أن الحكم لم يجعل من واقعة مصاحبة الطاعن للمركب عنصراً من العناصر التي عول عليها في تكوين عقيدته، وأن هذه الواقعة لم يكن لها أي أثر في منطقة أو في النتيجة التي انتهى إليها، وكان من المقرر أن البيان المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دن غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد - بفرض صحته - لا ينال من سلامة الحكم لما كان ذلك، وكان الثابت من الاطلاع على المفردات المضمومة أن ما أورده الحكم من مؤدى شهادة الشهود واعترافات المتهمين الآخرين له أصله الثابت في الأوراق، فإن القول بخطأ الحكم في الإسناد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن عن إخلال المحكمة بحقه في الدفاع حين التفتت عن طلبه بضم ملف التحقيق العسكري وقصوره في الرد على دفاع الخاص بأنه كان بعيداً عن مكان إنزال المخدرات مردوداً بأن الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن قد طلب من المحكمة سماع شهود نفي وضم ترخيص الصيد الصادر للمتهم الثاني، وقد أمرت المحكمة بضم ترخيص الصيد ودفتر نقطة الطاحونة التي قال الطاعن إنه نقل منها وقت الحادث وصرحت له بإعلان شهود نفي وأمرت أيضاً بضم التسجيل فضم واستمعت المحكمة إليه كما استمعت إلى أقوال شهود النفي ثم ترافع المدافع عنه في الموضوع دون أن يطلب إجراء تحقيق ما. ولما كان الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه، وكان الدفاع عن الطاعن لم يتمسك في مرافعته بطلبات التحقيق التي أبداها في مستهل المحاكمة مما يفيد تنازله عنها فلا يحق له - من بعد - أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق تنازل عنه ولم تر المحكمة من جانبها حاجة إليه. ومع ذلك فان الثابت من مدونات الحكم أنه عرض لدفاع الطاعن ورد عليه بما مفاده أن التصريح ودفتر النقطة لم يعثر عليهما وأن نقل الطاعن من نقطة الطاحونة لا ينفي إمكان وجوده في مكان إنزال المخدرات وهو رد كاف وسائغ لإطراح دفاع الطاعن، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الخطأ في بيان تاريخ وقوع الجريمة - بفرض صحته - لا يعيب الحكم ما دام أن هذا التاريخ لا يتصل بحكم القانون على الواقعة وما دام أن الطاعن لا يدعي بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل. أما ما ينعاه الطاعن على الحكم من تناقض في التسبيب فمردود بما هو مقرر من أن التناقض الذي يعيب الحكم هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما يثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، ومن المقرر كذلك أن لمحكمة الموضوع أن تجزئ الدليل - ولو كان اعترافاً - وتأخذ منه بما تطمئن إليه وتلتفت عما عداه دون أن يعد ذلك تناقضاً بعيب حكمها. وإذ ما كانت المحكمة في حدود سلطتها التقديرية. قد أخذت بما جاء في أقوال المتهمين الآخرين عن اشتراك الطاعن في الجريمة وأطرحت أقوالهم في شأن وقوع إكراه عليهم من الطاعن أو سواه، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من قالة التناقض في التسبيب لا يكون له محل، أما النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون لأن ما أسنده إلى الطاعن لا يعدو أن يكون اشتراكاً في نقل المخدرات لا جلباً لها فمردود بما سبق بيانه في الرد على وجه الطعن المماثل في تقرير أسباب الطاعن الأول. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من نعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون إذ جعل من الأحوال الخاصة بالطاعن بوصفه شريكاً ظرفاً مشدداً مردوداً بأنه وإن كان الحكم قد أورد في وصف التهمة أن الطاعن الثالث عشر قد ارتكبا أفعال الاشتراك حالة كونهما من المنوط بهم مكافحة المخدرات إلا أن الثابت من مدونات الحكم أن المحكمة قد طبقت الفقرة الأولى من المادة 33 من القانون رقم 182 لسنة 1960 دون الفقرة الثانية من المادة سالفة الذكر التي تقضي بتشديد العقوبة في حالة اقتراف الجريمة من الموظفين أو المستخدمين المنوط بهم مكافحة المواد المخدرة، كما عاملت المحكمة الطاعن كغيره من المحكوم عليهم - فاعلين أصليين أو شركاء - ممن لا يتصفون بتلك الصفة وأنزلت بهم جميعاً عقوبة واحدة هي الأشغال الشاقة المؤبدة والغرامة، مما يشير بوضوح إلى أن ما ورد بنهاية وصف التهمة عن قيام ذلك الظرف المشدد لا يعدو أن يكون من قبيل الخطأ الذي لا يعيب الحكم. على أنه لا جدوى للطاعن من إثارة هذا النعي ما دامت العقوبة المقضي بها مقررة في القانون لجريمة الاشتراك في جلب المواد المخدرة مجردة من الظرف المشدد. لما كان ما تقدم، فإن كل وجوه النعي المار ذكرها تكون على غير أساس.
وحيث إنه فيما يختص بآخر وجوه النعي، فإن الثابت من مراجعة الأوراق أن الحكم الأول الصادر بإدانة المتهمين جميعاً كان قد قضى بتغريم كل منهم خمسة آلاف جنيه إلى جانب العقوبات الأخرى المقضي بها، فلما نقض الحكم وأعيدت المحاكمة من جديد قضى الحكم المطعون فيه بتغريم كل منهم عشرة آلاف جنيه وبرر الحكم قضاءه في هذا الشأن في قوله "وبما أنه لما تقدم رأت المحكمة أن توقع أقصى العقوبتين الأصليتين على المتهمين" - الطاعنين والمتهم المحكوم عليه غيابياً - لا سيما في الغرامة مستندة في ذلك على أن المتهمين لم يكونوا وحدهم الذين طعنوا في الحكم السابق الذي قضي بنقضه بل كانت النيابة قد طعنت فيه أيضاً، الأمر الذي يخول المحكمة ألا تتقيد بحدود العقوبة كما صدر بها الحكم المقضي بنقضه. لما كان ذلك، وكان الطاعن وهو أحد المحكوم عليهم الذين قرروا بالطعن على الحكم المنقوض وكانت النيابة العامة وإن طعنت بدورها على هذا الحكم بالنقض إلا أنها بنته على سبب واحد هو خطأ الحكم في القانون إذ لم يقض بمصادرة ثمن الجمال المضبوطة التي استعملت في نقل المواد المخدرة وطلبت تصحيح الحكم والقضاء بالمصادرة، وكانت محكمة النقض قد قضت بقبول الطعن المقدم من المحكوم عليهم ونقض الحكم بالنسبة إليهم وإعادة محاكمتهم من جديد أمام دائرة أخرى ولم تر من ثم - حاجة إلى بحث الطعن المقدم من النيابة العامة. لما كان ما تقدم، وكان من المبادئ الأساسية في المحاكمات هو ألا يضار طاعن بطعنه، وكان الأصل - طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض - أن تتقيد محكمة النقض بالأسباب المقدمة في الميعاد القانوني، ومن ثم فإن محكمة النقض ما كان بوسعها - لو تعرضت في حكمها إلى طعن النيابة العامة وقبلته - أن تقضي إلا بمصادرة ثمن الجمال المضبوطة وبالتالي فإنه ما كان يحق لمحكمة الإعادة أن تشدد عقوبة الغرامة عن حدها الذي قضى به الحكم المنقوض، أما وهي قد فعلت فقد تعيب حكمها بمخالفة القانون وهو عيب يؤذن لمحكمة النقض حسب القاعدة الأصلية المنصوص عليها في المادة 39 من القانون المشار إليه أن تحكم في الطعن وتصحيح الخطأ وتحكم بمقتضى القانون دون حاجة إلى إعمال المادة 45 من القانون سالف الذكر بتحديد جلسة لنظر الموضوع باعتبار أن الطعن هو طعن لثاني مرة ما دام أن العوار لم يرد على بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم مما كان يقتضي التعرض لموضوع الدعوى. لما كان ذلك، وكان الخطأ الذي شاب الحكم يتصل بالطاعنين - من قدم منهم أسباباً لطعنه ومن لم يقدم - فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً وتصحيح هذا الخطأ بالنسبة لهم جميعاً وذلك بتخفيض الغرامة إلى خمسة آلاف جنيه لكل منهم بالإضافة إلى باقي العقوبات الأخرى المقضي بها.