أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 17 - صـ 460

جلسة 19 من إبريل سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ توفيق الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حسين السركي، ومحمد صبري، وبطرس زغلول، ونصر الدين عزام.

(88)
الطعن رقم 75 لسنة 36 القضائية

(أ، ب، ج) دعوى جنائية. "وقف السير فيها". دفوع. شيك بدون رصيد.
( أ ) قاضى الدعوى في القضاء الجنائي هو قاضى الدفع. اختصاصه بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية، ما دام يختص - بحسب الأصل - بالفصل فيها بصفة تبعية. مثال في جريمة إصدار شيك بدون رصيد.
(ب) وجوب وقف الدعوى الجنائية إذا كان الحكم فيها يتوقف على نتيجة الفصل في دعوى جنائية أخرى. تقدير جدية الدفع بالإيقاف. موضوعي.
(ج) نعي الطاعن على محكمة الموضوع عدم إيقاف الدعوى الجنائية حتى تفصل محكمة أخرى في ذات المسألة التي أثارها أمامها والتي فصلت فيها في حدود اختصاصها. غير مقبول
(د، هـ) محاكمة. "إجراءاتها". محكمة ثاني درجة.
(د) حجز المحكمة القضية للحكم. عدم التزامها بإعادتها إلى المرافعة لإجراء تحقيق فيها.
(هـ) محكمة ثاني درجة تحكم في الأصل على مقتضى الأوراق. هي لا تجرى من التحقيقات إلا ما ترى لزوماً لإجرائه.
1 - الأصل في القضاء الجنائي أن قاضي الدعوى هو قاضي الدفع فتختص المحكمة الجنائية وفقاً للمادة 221 من قانون الإجراءات الجنائية بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية ما دامت تختص - بحسب الأصل - بالفصل فيها بصفة تبعية. ولما كان الطاعن قد دفع أمام محكمة الموضوع بأنه وقت إصدار الشيك كان تحت تأثير تهديد المجني عليه وإكراهه، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لهذا الدفاع وأطرحه في تدليل سائغ، وكان تقدير الوقائع التي يستنتج منها توافر ظروف التهديد أو الإكراه المعنوي أو انتفاؤها متعلقاً بموضوع الدعوى، لمحكمة الموضوع الفصل فيه بغير معقب عليها ما دام استدلال الحكم سليماً يؤدى إلى ما انتهى إليه، فإنه لا يقبل من الطاعن معاودة الجدل فيما خلصت إليه المحكمة في هذا الشأن.
2 - المادة 222 من قانون الإجراءات الجنائية وإن أوجبت وقف الدعوى الجنائية إذا كان الحكم فيها يتوقف على نتيجة الفصل في دعوى جنائية أخرى، إلا أنها لم تقيد حق المحكمة في تقدير جدية الدفع بالإيقاف وما إذا كان يستوجب وقف الدعوى أو أنه دفع لا يؤيده الظاهر قصد به عرقلة السير في الدعوى وتأخير الفصل فيها.
3 - لا يقبل من الطاعن أن ينعى على محكمة الموضوع بعدم إيقاف الدعوى الجنائية حتى تفصل محكمة أخرى في ذات المسألة التي أثارها أمامها كدفع في الدعوى والتي فصلت فيها في حدود اختصاصها.
4 - من المقرر أن المحكمة متى حجزت القضية للحكم فإنها لا تلتزم بإعادتها إلى المرافعة لإجراء تحقيق فيها.
5 - الأصل أن محكمة ثاني درجة إنما تحكم على مقتضى الأوراق وهى لا تجرى من التحقيقات إلا ما ترى لزوماً لإجرائه. ولما كانت المحكمة الاستئنافية لم تر من جانبها حاجة لإجابة طلب التحقيق الذي أبداه الطاعن في مذكرته التي قدمها في فترة حجز القضية للحكم بسماع أقوال شاهدي نفي، وكان الدفاع عن الطاعن قد ترافع في الدعوى بغير أن يطلب سماع شهادتهما أو التصريح بإعلانهما، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من قالة الإخلال بحق الدفاع يكون غير سديد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 31/ 12/ 1961 بدائرة قسم العرب: أعطى بسوء نية لمحمد صالح الجازوى شيكاً لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب. وطلبت عقابه بالمادتين 336 و337 من قانون العقوبات. وادعى المجني عليه بحق مدني وطلب القضاء له قبل المتهم بمبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة بورسعيد الجزئية قضت غيابياً في 23/ 9/ 1962 عملاً بمادتي الاتهام بحبس المتهم ثلاثة شهور مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لوقف التنفيذ وألزمته أن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت ومصروفات الدعوى المدنية. فعارض، وقضى في معارضته في 5/ 10/ 1964 بقبولها شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة بورسعيد الابتدائية دفع الحاضر مع المتهم بإيقاف الفصل في الدعوى حتى يفصل في الدعوى المباشرة المقامة منه ضد المجني عليه بشأن واقعة الحصول على الشيك بطريق التهديد، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً في 25/ 10/ 1965 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المتهم المصروفات المدنية الاستئنافية ومبلغ ثلاثة جنيهات أتعاباً للمحاماة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إصدار شيك بدون رصيد قد أخطأ في القانون وشابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على إخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقول الطاعن أنه طلب من محكمة الموضوع إيقاف الفصل على الدعوى حتى يفصل في القضية رقم 381 سنة 1963 جنح العرب التي رفعها بالطريق المباشر ضد المطعون ضده لارتكابه الجريمة المنصوص عليها في المادة 326 من قانون العقوبات لأنه حصل منه على الشيك موضوع الدعوى المطروحة بطريق الإكراه والتهديد إلا أن المحكمة مضت في نظر الدعوى ورفضت إيقافها مع وجوب ذلك عملاً بالمادة 222 من قانون الإجراءات الجنائية التي توجب وقف الدعوى الجنائية إذا كان الحكم فيها يتوقف على نتيجة الفصل في دعوى جنائية أخرى، ولما كان الفصل في دعوى إعطاء شيك بدون رصيد يتوقف على الفصل في الجنحة المباشرة الخاصة بالحصول على هذا الشيك بطريق التهديد والإكراه فقد كان لزاماً على المحكمة أن توقف الفصل في الدعوى الأولى لحين الفصل في الثانية، أما الإخلال بحق الدفاع فمرجعه أن الطاعن طلب في مذكرته التي قدمها في فترة حجز الدعوى للحكم إعادة فتح باب المرافعة لسماع أقوال الأستاذين علي حسن عمر وإبراهيم درويش المحامين بيد أن المحكمة رفضت إجابة طلبه بحجة أنه قصد به تعطيل الفصل في الدعوى لوروده متأخراً في حين أنه وقد صرح للطاعن بتقديم مذكرة بدفاعه فإن من حقه أن يبدي ما يعن له من أوجه دفاع. ثم إن الطاعن دفع بأن الدين الثابت في ذمته قد أثبت في سندين أحدهما الشيك موضوع الدعوى والآخر سند إذني وكلاهما يحمل تاريخ 31/ 12/ 1960 وأنه لا يحق للمطعون ضده أن يستعمل السندين معاً، إلا أن الحكم أطرح دفاعه ورد عليه رداً غير سائغ. ومن ناحية أخرى فقد تمسك الطاعن في دفاعه بأن السند الإذني يحمل على ظهره بياناً بما سدد من أصل الدين بحيث لم يبق من قيمته سوى 150 ج وأن الشيك فضلاً عن الحصول عليه بطريق التهديد لا يمثل أداه وفاء إلا بقدر ما يكون ثابتاً في السند الإذني وطلب من المحكمة تكليف المطعون ضده تقديم السند الإذني إلا أن المحكمة لم تجبه إلى طلبه أو ترد عليه مع ما لهذا الطلب من أهمية في إظهار جدية دفاع القائم على أن الشيك إنما حصل عليه المطعون ضده بطريق التهديد مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد والمكمل بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة إعطاء شيك بدون رصيد التي دين الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال المجني عليه ومن تقديم أصل ورقة الشيك وإفادة البنك المسحوب عليه بالرجوع على الساحب. لما كان ذلك، وكان يبين من مراجعة محاضر جلسات المحاكمة الاستئنافية أن الطاعن دفع بأنه أصدر الشيك للمستفيد نتيجة إكراه وتهديد منه، كما يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن أن الطاعن تقدم بمذكرة في فترة حجز الدعوى للحكم ردد فيها الدفع بإصدار الشيك بطريق الإكراه والتهديد وطلب في ختامها الحكم بقبول الدفع وإلغاء الحكم المستأنف وبراءته من التهمة المسندة إليه واحتياطياً فتح باب المرافعة لسماع شهادة الأستاذين علي حسن عمر وإبراهيم درويش المحاميين وعلى سبيل الاحتياط الكلي إيقاف الدعوى أو تأجيلها حتى يفصل نهائياً في قضية الجنحة المباشرة رقم 381 سنة 1963 العرب. وقد أودع الطاعن ملف الدعوى حافظة طواها على المستندات التي رأى أنها تؤيد دفاعه. أما الجنحة رقم 381 سنة 1963 العرب فقد رفعها الطاعن بالطريق المباشر بصحيفة أعلنت في 22/ 12/ 1963 جاء فيها أن الطاعن سبق أن أعطى المجني عليه تحت تأثير عدة عوامل شيكاً برقم 794429 بمبلغ 1552 ج يحمل تاريخين أحدهما تاريخ التحرير في 18/ 6/ 1958 والآخر تاريخ الاستحقاق في 15/ 11/ 1958 إلا أن المجني عليه قام بمحو تاريخ الإصدار وقدم بلاغاً ضد الطاعن يتهمه فيه بإعطائه شيكاً لا يقابله رصيد قائم فرفعت النيابة العامة الدعوى الجنائية ضده وحكم فيها ابتدائياً بالحبس وفي ظل الظروف التي كان يقاسيها الطاعن عقب صدور الحكم من رهبة وخوف وخطر محدق أخذ المجني عليه يساومه في ثمن تخليصه من هذا الحكم بأن فرض عليه تحرير إقرار بصحة المديونية وبأن يدفع له 52 ج نقداً وأن يحرر له بالمبلغ الباقي وقدره 1500 ج سندا إذنياً استحقاق 31/ 12/ 1960 وأن يعطيه شيكاً عن المبلغ ذاته - علاوة على السند - تاريخه 31/ 12/ 1960، وبعد أن حصل المجني عليه على هذه المستندات حرر المخالصة ثم صدر الحكم الاستئنافى في 25/ 12/ 1960 ببراءة الطاعن وتضمنت أسبابه ما يثبت ارتكاب المجني عليه لجريمتي التزوير والبلاغ الكاذب وانتهى الطاعن إلى اتهام المجني عليه بحصوله على الشيك رقم 386103 بطريق التهديد والإكراه (وهو الشيك موضوع الدعوى المطروحة) وبارتكاب جريمتي التزوير والبلاغ الكاذب عن واقعة الشيك الأول التي قضى فيها استئنافياً بالبراءة وطلب إلزامه بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض إلى الدفع بصدور الشيك عن تهديد وإكراه وأطرحه في قوله: "وحيث إنه عن حدوث إكراه من المجني عليه على المتهم (الطاعن) للحصول على الشيك محل الدعوى ورفع المتهم عنه الجنحة المباشرة رقم 381 سنة 1963 العرب فإنه لم يثبت وقوع هذا الإكراه والتهديد كما أن الشيك كان مستحق الدفع في 31/ 12/ 1960 وأبلغ عنه المجني عليه الشرطة في 6/ 3/ 1961 كما قدمه للبنك في نفس تاريخ الاستحقاق وتبين أنه ليس له رصيد فلو أن المتهم جاد في وقوع إكراه عليه لأبلغ فوراً بهذه الواقعة ولما انتظر حتى عام سنة 1963 حتى رفع الجنحة المباشرة ضد المجني عليه ينسب إليه فيها الإكراه والتهديد والواقعة لم تحدث كما صور وإنما قام هو بتحرير الشيك للمجني عليه صحيحاً لا إكراه فيه ولا تهديد" ثم عرض الحكم إلى طلب وقف الدعوى ورد عليه في قوله "أما عن الطلب الآخر وهو التأجيل أو إيقاف السير في القضية لحين الفصل في القضية رقم 381 سنة 1963 جنح العرب فإنه من المسلم به أن القضية المذكورة مرفوعة من المتهم بطريق الجنحة المباشرة ومن المقرر أنه لا يجوز أن يخلق الإنسان لنفسه دليلاً على خصمه خصوصاً وأنه لم يرفع الجنحة المذكورة إلا بعد أن قضى بإدانته ابتدائياً في هذه الدعوى ومن ناحية أخرى فإن المحكمة لا ترى في نصوص القانون ما يسعف المتهم في طلبه هذا سواء من ناحية طلب وقف السير في الدعوى أو تأجيلها حتى يفصل في الجنحة رقم 381 سنة 1963 العرب مما يتعين معه رفض هذا الطلب". لما كان ذلك, وكان الأصل في القضاء الجنائي أن قاضي الدعوى هو قاضى الدفع فتختص المحكمة الجنائية - وفقاً للمادة 221 من قانون الإجراءات الجنائية - بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية ما دامت تختص - بحسب الأصل - بالفصل فيها بصفة تبعية. ولما كان الطاعن قد دفع أمام محكمة الموضوع بأنه وقت إصدار الشيك كان تحت تأثير تهديد المجني عليه وإكراهه، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لهذا الدفاع وأطرحه - كما سلف البيان - في تدليل سائغ، وكان تقدير الوقائع التي يستنتج منها توافر ظروف التهديد أو الإكراه المعنوي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى لمحكمة الموضوع الفصل فيه بغير معقب عليها ما دام استدلال الحكم سليماً يؤدى إلى ما انتهى إليه فإنه لا يقبل من الطاعنين معاودة الجدل فيما خلصت إليه المحكمة في هذا الشأن. لما كان ذلك، وكانت المادة 222 من قانون الإجراءات الجنائية وإن أوجبت وقف الدعوى الجنائية إذا كان الحكم فيها يتوقف على نتيجة الفصل في دعوى جنائية أخرى، إلا أنها لم تقيد حق المحكمة في تقدير جدية الدفع بالإيقاف وما إذا كان يستوجب وقف الدعوى أو أنه دفع لا يؤيده الظاهر قصد به عرقلة السير في الدعوى وتأخير الفصل فيها. ولما كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى عدم جدية الدفع ودلل على ذلك بأن دعوى الجنحة المباشرة رقم 381 سنة 1963 العرب قد رفعها الطاعن في نهاية سنة 1963 متهماً فيها المجني عليه بالحصول على الشيك بطريق الإكراه والتهديد في حين أن تاريخ الشيك 31/ 12/ 1960 وقدمه المستفيد للبنك في تاريخ استحقاقه وتبين عدم وجود رصيد له فاخطر الشرطة بالجريمة في 6/ 3/ 1961 ورفعت النيابة العامة الدعوى الجنائية وفصل فيها ابتدائياً بإدانة الطاعن واستخلص الحكم من رفع دعوى الجنحة المباشرة بعد مضى نحو ثلاث سنين من تاريخ إصدار الشيك والإخطار بالجريمة وبعد مدة تزيد عن عام من صدور الحكم الابتدائي بالعقوبة أن الدفع بالإيقاف غير جدي قصد به عرقلة السير في الدعوى، وهو تدليل سائغ يؤدى إلى ما رتبه عليه الحكم. ومن ناحية أخرى فإنه لما كان موضوع دعوى الجنحة المباشرة - في شقه المتصل بالدعوى المطروحة - قد طرحه الطاعن على محكمة الموضوع كدفع في الدعوى، فإنه لا يقبل منه بعد ذلك أن ينعى عليها عدم إيقاف الدعوى حتى تفصل محكمة أخرى في ذات المسألة التي أثارها أمامها والتي فصلت فيها في حدود اختصاصها. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة بدرجتيها أن محكمة أول درجة حققت شفوية المرافعة بسماع أقوال المجني عليه كما أعادت محكمة ثاني درجة سماع أقواله مرة أخرى في حضور الطاعن ومحاميه دون أن يطلب أيهما سماع أقوال شهود آخرين أو التصريح بإعلان شهود نفى ثم أدلى الدفاع بمرافعته وبعدها أمرت المحكمة بإقفال باب المرافعة وحجز القضية للحكم والتصريح بمذكرات لمن يشاء. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة متى حجزت القضية للحكم فإنها لا تلتزم بإعادتها إلى المرافعة لإجراء تحقيق فيها، وكان الأصل أن محكمة ثاني درجة إنما تحكم على مقتضى الأوراق وهى لا تجرى من التحقيقات إلا ما ترى لزوماً لإجرائه. ولما كانت المحكمة الاستئنافية لم تر من جانبها حاجة لإجابة طلب التحقيق الذي أبداه الطاعن في مذكرته التي قدمها في فترة حجز القضية للحكم بسماع أقوال شاهدي نفي، وكان الدفاع عن الطاعن قد ترافع في الدعوى بغير أن يطلب سماع شهادتهما أو التصريح بإعلانهما، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من قالة الإخلال بحق الدفاع يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكانت الجريمة المنصوص عليها في المادة 337 من قانون العقوبات التي دين الطاعن بها تتحقق بمجرد إعطاء الشيك للمستفيد مع علم الساحب بعدم وجود رصيد مقابل وفاء له في تاريخ السحب، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الشيك موضوع الدعوى لا يحمل إلا تاريخاً واحداً فإنه يكون في حكم القانون التجاري أداة وفاء لا أداة ائتمان ولا عبرة بعد ذلك بسبب إصداره أو الغرض من تحريره، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من أن الدين الثابت بالشيك قد حرر به كذلك سند إذني يكون دفاعاً بعيداً عن محجة الصواب، لأن القانون إنما يعاقب في هذه الجريمة على مجرد الإخلال بالثقة الموضوعة في الشيك بوصفه أداة وفاء تجرى مجرى النقود في المعاملات، وبالتالي فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من قالة الفساد في الاستدلال لأنه لم يفطن إلى دفاعه ولم يرد عليه رداً سائغاً لا يكون له محل. ولا يجدي الطاعن ما دفع به من أنه أوفى بجل قيمة الشيك بحيث لم يبق من قيمته سوى مبلغ 150 ج، أو ما ينعاه على الحكم من إغفاله الرد على طلبه الخاص بإلزام المجني عليه بتقديم أصل السند إذ أثبت بظاهره المبالغ المسددة - لا يجدي الطاعن ما يثيره في هذا الشأن ما دام أنه من جانبه لم يسترد الشيك من المستفيد، وإنما يكون مجال إثارة هذا الدفاع - إن صح - عند المطالبة بقيمة الشيك أمام المحكمة المدنية لا عند المحاكمة الجنائية عن إصداره دون رصيد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات المدنية ومقابل أتعاب المحاماة