أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 19 - صـ 81

جلسة 22 من يناير سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور أحمد خلف.

(14)
الطعن رقم 1930 سنة 37 القضائية

( أ ) إثبات. "معاينة". حكم "تسبيبه تسبيب غير معيب". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". قتل عمد.
متى لا تلتزم المحكمة بسماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه؟ إذا كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى. شرط ذلك؟ أن تبين العلة. مثال.
(ب) إثبات. "إثبات بوجه عام. شهود. خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قتل عمد.
تطابق أقوال الشهود مع مضمون الدليل الفني في كل جزئية منه. غير لازم.
(ج) سبق إصرار. ترصد. نقض. "المصلحة في الطعن". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قتل عمد.
حكم ظرف الترصد في تشديد العقوبة كحكم ظرف سبق الإصرار. إثبات توافر أحدهما يغني عن إثبات توافر الآخر.
1 - من المقرر أنه وإن كان القانون قد أوجب سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه، إلا أن للمحكمة إذا كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى أن تعرض عن ذلك بشرط بيان العلة. ولما كانت المحكمة قد سوغت رفض طلب إعادة إجراء المعاينة بعلتين سائغتين من تراخي الزمن الذي تتغير به معالم الأشياء، وإمكان الرؤية في مكان الحادث حيث بدأ وانتهى لأنه كان مضاء بالمصابيح التي ينبعث ضوؤها من المحال المحيطة بالمكان مستنداً في ذلك إلى ما شهد به الشهود، وما ثبت من معاينة النيابة العامة مما له أصل ثابت في الأوراق التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن، وكان الاعتبار العام الذي ساقه الحكم عن تغير معالم الأمكنة بمرور الزمن بفرض عدم صحته على إطلاقه، لا يقدح في سلامة الأسانيد الخاصة التي سوغ بها رفضه للطلب، لأنها تكفي وحدها لحمل قضائه بغير تساند بين الأمرين فإن ما ساقه الطاعن في هذا الصدد يكون غير ذي وجه ولا يعتد به.
2 - الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني في كل جزئية منه، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
3 - إن الحكم ظرف الترصد في تشديد العقوبة كحكم ظرف سبق الإصرار، وإثبات توافر أحدهما يغنى عن إثبات توافر الآخر. ومن ثم فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره عن خطأ الحكم في إثبات توافر ظرف سبق الإصرار في حقه بفرض صحته.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 9 فبراير سنة 1965 بدائرة قسم الدرب الأحمر محافظة القاهرة: (أولاً) المتهم وآخر مجهول قتلا عمداً مع سبق الإصرار والترصد صلاح حسن محمد بأن عقدا العزم على قتله وأعدا لذلك آلات حادة "سكاكين" وترصدا له في طريق مروره المعتاد حاملين تلك الأسلحة وما أن ظفرا به حتى انهالا عليه طعناً في أجزاء عدة من جسمه ورأسه قاصدين من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. (ثانياً) أحدثا عمداً بناجي أحمد سلام الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أعجزته عن أشغاله الشخصية مدة لا تزيد عن العشرين يوماً. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته على محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 230 و231 و232 و244/ 1 من قانون العقوبات. قرر بذلك. وادعى كل زوجة المجني عليه ووالده عن نفسه وبصفته ولياً طبيعياً على قاصره المجني عليه - مدنياً وطلبا القضاء لهما بمبلغ 100 مائة جنيه تعويضاً مؤقتاً قبل المتهم. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً بتاريخ 26 فبراير سنة 1967 عملاً بالمواد 236/ 1 - 2 و244/ 1 و32/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً وإلزامه أن يدفع إلى المدعيين بالحق المدني مبلغ جنيه على سبيل التعويض المؤقت مع المصروفات المدنية ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بتهمة الضرب المفضي إلى الموت قد شابه القصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن المدافع عنه طلب إلى محكمة الموضوع إجراء معاينة لمكان الحادث إلا أن الحكم رد على هذا الطلب بعدم جدواه، وساق على ذلك علتين غير سائغين هما تغير معالم المكان وأساليب الإضاءة عما كان عليه وقت الحادث مما لم يقم عليه دليل وأن الشهود شهدوا بأن مكان الحادث كان مضاء بالمصابيح الكهربائية في المحال المجاورة وهو قول ينطوي على فهم خاطئ لحقيقة الدفاع الذي أقامه الطاعن على أساس أن المعاينة جرت على مكان يقع أمام دكان غير الدكان الذي ارتكب أمامه الحادث ولا يمتد الضوء إليه، هذا إلى أن الدفاع عن الطاعن أثار أمر الخلاف بين الدليلين الفني والقولي، اعتباراً بأن أقوال الشهود جرت على تعدد الضرب بسكين على رأس المجني عليه وقال أغلبهم إن الضرب كان بنصلها مما يتعارض مع ما جاء بتقرير الصفة التشريحية وأوراق العلاج والكشف الظاهري من أن برأس المجني عليه جرحاً واحداً نتج عن الضرب بجسم صلب راض، إلا أن الحكم المطعون فيه خلا من الرد على هذا الدفاع. كما أخذ الطاعن على أساس توافر ظرف سبق الإصرار في حقه وهو منتف، لأن الحادث وليد شجار عرضي أصيب فيه آخرون، وجاء بلاغ الحادث قاطعاً بذلك، ومن ثم فإن الحكم فيه يكون معيباً بما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أثبت في مدوناته بياناً لواقعة الدعوى أنه لخلاف بين الطاعن وبين القتيل - وهما جاران متواجهان في حارة الروم - تقدم الأخير بشكواه في 6/ 2/ 1965 ضد الطاعن ليكف عن إيذائه - إلا أنه بيت النية على الاعتداء عليه وتربص به حتى خرج من دكانه في الطريق الذي ألف السير فيه في يوم 9/ 2/ 1965 وانقض عليه بالسكين يعملها في رأسه وسائر جسمه ففزع المجني عليه إلى دكان من يدعى "سعيد مرسى خليل" فتعقبه الطاعن إليه، وواصل اعتداءه عليه دون أن يقصد من ذلك قتلاً، ولكن الضرب أفضى إلى الموت. ودلل الحكم على هذه الواقعة بما ينتجها من وجوه الأدلة وهي شهادة الشهود من أصحاب الحوانيت، والتقارير الطبية ومحضر المعاينة التي أجرتها النيابة العامة والذي ثبت منه أن مكان الحادث كان مضيئاً سواء من مصابيح الحوانيت المفتوحة، أو من المصابيح التي يتركها أصحاب الحوانيت المغلقة مضاءة طوال الليل. ثم عرض الحكم لما طلبه الدفاع عن الطاعن من إعادة إجراء المعاينة قولاً بابتداء الاعتداء أمام دكان من يدعى "عبده المهلهل" الذي تتعذر فيه الرؤية لعدم انتشار الضوء إليه دون دكان "سعيد مرسي خليل" وانتهى فيه ورد عليه بقوله "ومن حيث إن المتهم أنكر ما نسب إليه وقرر الحاضر معه أن مكان الحادث لا تمكن فيه الرؤية في الوقت الذي وقع فيه الحادث مما يقطع بعدم صحة ما قرره الشهود وتمسك بإجراء المعاينة بمعرفة المحكمة لإثبات ذلك. ومن حيث إن المحكمة لا تعول على إنكار المتهم لما ثبت لديها من شهادة شهود الإثبات التي تأخذ بها المحكمة وتطمئن إليها والتي تعززت بما جاء بالتقارير الطبية الشرعية. أما عما طلبه الدفاع عن المتهم من إجراء المعاينة بمعرفة المحكمة فهو طلب تراه المحكمة غير مجد في الدعوى لمرور أكثر من عامين على وقوع الحادث وتغير معالم مكان وقوعه في هذا الوقت الطويل وتغير أساليب الإضاءة عما كان عليه وقت الحادث فضلاً عن أن المحكمة تطمئن إلى ما ذكره الشهود من أن مكان الحادث كان مضاء بالمصابيح الكهربائية المنبعثة من المحلات المجاورة، تلك الأقوال التي عززتها معاينة النيابة ومن ثم ترى المحكمة إطراح هذا الطلب لما تقدم ولعدم جدواه الآن". ولما كان من المقرر أنه وإن كان القانون قد أوجب سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه، إلا أن للمحكمة إذا كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى أن تعرض عن ذلك بشرط بيان العلة، وكانت المحكمة قد سوغت رفض طلب إعادة إجراء المعاينة بعلتين سائغتين من تراخي الزمن الذي تتغير به معالم الأشياء، وإمكان الرؤية في مكان الحادث حيث بدأ وانتهى لأنه كان مضاء بالمصابيح التي ينبعث ضوؤها من المحال المحيطة بالمكان مستنداً في ذلك إلى ما شهد به الشهود، وما ثبت من معاينة النيابة العامة مما له أصل ثابت في الأوراق التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن، وكان الاعتبار العام الذي ساقه الحكم عن تغيير معالم الأمكنة بمرور الزمن بفرض عدم صحته على إطلاقه، لا يقدح في سلامة الأسانيد الخاصة التي سوغ بها رفضه للطلب، لأنها تكفي وحدها لحمل قضائه بغير تساند بين الأمرين فإن ما ساقه الطاعن في هذا الصدد يكون غير ذي وجه ولا يعتد به. ولما كان الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني في كل جزئية منه، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان ما أورده الحكم من حصول الاعتداء بالجزء الكال من السكين على رأس المجني عليه، وإجازة الطبيب الشرعي تعدد الضربات في موضع واحد منه أحدث جرحاً واحداً مما يتلاءم به فجوى الدليلين بغير تناقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد بما ينتجه من وجود النزاع السابق بين المجني عليه وبين الطاعن، وتبييته النية على الإيقاع به، وكونه في مكان صالح لتنفيذ تصميمه، وإعداده سكيناً للاعتداء عليه، ومباغتته له، فإن ما ساقه من تلك الشواهد يصلح لإقامة قضائه بتوافر الظرفين كليهما كما هما معرفان في القانون، وفضلاً عن ذلك فإنه لما كان حكم ظرف الترصد في تشديد العقوبة كحكم ظرف سبق الإصرار، وإثبات توافر أحدهما يغنى عن إثبات توافر الآخر فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره عن خطأ الحكم في إثبات توافر ظرف سبق الإصرار في حقه بفرض صحته. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعين الرفض.