أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 19 - صـ 94

جلسة 22 من يناير سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور أحمد خلف.

(17)
الطعن رقم 1981 سنة 37 القضائية

( أ، ب) إثبات. "خبرة". قتل خطأ. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب"
( أ ) جواز إثبات سبب الوفاة نتيجة الكشف الظاهري على الجثة.
(ب) استناد الحكم إلى تقرير مفتش الصحة بناء على الكشف الظاهري على الجثة في إثبات سبب الوفاة. لا عيب.
(ج، د) خطأ. مسئولية جنائية. مسئولية مدنية. حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
(ج) تعدد الأخطاء الموجبة لوقوع الحادث يوجب مساءلة كل من أسهم فيها، أياً كان قدر الخطأ، وسواء كان سبباً مباشراً أو غير مباشر في حصوله.
(د) تقدير الخطأ الموجب للمسئولية الجنائية والمدنية. موضوعي.
(هـ، و) حكم. تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(هـ) عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في كل جزئية يثيرها في مناحي دفاعه الموضوعي.
(و) لا يصح النعي على المحكمة قعودها عن القيام بإجراء لم يطلب منها.
1 - لا يوجب القانون أن يكون إثبات سبب الوفاة نتيجة الصفة التشريحية دون الكشف الظاهري حيث يغنى في هذا المقام.
2 - يعتبر مفتش الصحة من أهل الخبرة المختصين فنياً بإبداء الرأي. ومن ثم فإن استناد الحكم إلى تقريره بناء على الكشف الظاهري في إثبات سبب الوفاة دون الصفة التشريحية بمعرفة الطبيب الشرعي لا يقدح في تدليله في هذا الصدد.
3 - تعدد الأخطاء الموجبة لوقوع الحادث يوجب مساءلة كل من أسهم فيها أياً كان قدر الخطأ المنسوب إليه، يستوي في ذلك أن يكون سبباً مباشراً أو غير مباشر في حصوله.
4 - تقدير الخطأ الموجب لمسئولية مرتكبه جنائياً ومدنياً مما يتعلق بموضوع الدعوى.
5 - لا تلتزم المحكمة بمتابعة المتهم في كل جزئية يثيرها في مناحي دفاعه الموضوعي، إذ أن اطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها إياها.
6 - لا يصح النعي على المحكمة قعودها عن القيام بإجراء لم يطلب منها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم في يوم 9 أكتوبر سنة 1963 بدائرة مركز طهطا: - تسببوا خطأ في قتل فله بخيت جرجس بأن كان ذلك ناشئاً عن إهمالهم وإخلالهم الجسيم بما تفرضه عليهم أصول وظائفهم، بأن أهمل المتهمون الأربعة الأخيرون في تنظيف وصيانة أحد أعمدة الكهرباء المحدد بالمحضر وقصر المتهمان الأولان في الإشراف عليهم مما أدى إلى تراكم الأتربة والعنكبوت على الأسلاك والعوازل فسرى التيار الكهربائي إلى جسم العمود ذاته فضلاً عن عدم تزويد المتهمين الأول والثاني العمود بالمصهر اللازم الوارد ذكره في تقرير اللجنة الفنية وتكاتف السببان على إماتة المجني عليها عندما لمست يدها العمود فحدثت بها الإصابة الموصوفة بتقرير مفتش الصحة والتي أودت بحياتها وطلبت عقابهم بالمادة 238 / 1 - 2 من قانون العقوبات. وادعى فكري خليل وموريس فكري مدنياً قبل المتهمين بالتضامن مع وزارة الحكم المحلي بصفتها مسئولة عن الحقوق المدنية بمبلغ خمسمائة جنيه تعويضاً مع المصروفات. ومحكمة طهطا الجزئية قضت بتاريخ 7 نوفمبر سنة 1965 عملاً بمادة الاتهام حضورياً اعتبارياً للمتهم الأول وحضورياً للباقين (أولاً) بتغريم كل من المتهمين الأول والثاني خمسين جنيهاً وكل من الباقين عشرة جنيهات بلا مصروفات جنائية (ثانياً) إحالة الدعوى المدنية إلى الدائرة المدنية بالمحكمة وعلى قلم الكتاب بها إعلان ذوي الشأن بالجلسة التي تحدد لنظرها. فاستأنف المحكوم عليهم هذا الحكم وفي أثناء نظر الاستئناف أمام محكمة سوهاج الابتدائية تدخلت وزارة الحكم المحلي في الدعوى ثم قضت بتاريخ 4 ديسمبر سنة 1966 حضورياً بالنسبة إلى المتهم الأول والثالث والرابع والخامس والسادس وحضورياً اعتبارياً بالنسبة إلى المتهم الثاني بقبول الاستئناف شكلاً وبقبول تدخل وزارة الحكم المحلي كمسئولة عن الحقوق المدنية وفي الموضوع بإلغاء الحكم فيما قضى به بالنسبة للمتهمين الثالث والرابع والخامس والسادس وبراءتهم مما أسند إليهم وتأييد الحكم فيما عدا ذلك. فعارض المحكوم عليه الثاني (الطاعن الثاني) وقضي في معارضته بتاريخ 26 مارس سنة 1967 بقبولها شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه. وبتاريخ 4 يناير سنة 1967 طعن المحكوم عليه الأول (الطاعن الأول) بطريق النقض في الحكم الحضوري الصادر بتاريخ 4 ديسمبر سنة 1966 وقدم تقريراً بأسباب طعنه، أما المحكوم عليه الثاني فقد طعن في الحكم الصادر باعتبار المعارضة كأن لم تكن بتاريخ 26 مارس سنة 1967 وقدم تقريراً بأسباب طعنه... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعنين أن الحكم المطعون فيه إذ دانهما بتهمة القتل الخطأ قد شابه القصور والتناقض في التسبيب، والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن الحكم الابتدائي الذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه، عول في إثبات الخطأ في حق الطاعنين على تقرير اللجنة الفنية وأطرح دفاعهما المؤسس على أن التيار الكهربائي سرى في عمود النور نتيجة الرطوبة والمياه التي ألقيت أسفله، وأن تعرية أسلاكه جاء نتيجة رفع الأحطاب من فوق الأرض إلى سطح منزل المجني عليها وكان يتعين لإطراح هذا الدفاع الارتكان على معاينة تجريها النيابة العامة دون الاكتفاء بإفادة مأمور الضبط، كما كان الواجب في إثبات علاقة السببية بين الخطأ والقتل وهو الصعق بالتيار الكهربائي الاستناد إلى صفة تشريحية يجريها الطبيب الشرعي المختص فنياً دون الكشف الظاهري الذي أوقعه مفتش الصحة معززاً بشهادة شاهدين لا شأن لهما بذلك، وقد أثبت الحكم نوعين من الخطأ هما الإهمال في تنظيف وصيانة عمود النور مما لا شأن للطاعنين به، وإنما الشأن فيه للعمال الذين قضي ببراءتهم، ثم العيب في التركيبات الكهربائية وعدم وجود المصهرات والبوازك وهو من عمل شركة عالمية ولا قدرة للطاعنين على تغييره، وقد خالف الحكم القانون حين دانهما على الرغم من تعدد الأخطاء التي ساهمت في وقوع الحادث، وتعدد المساهمين فيه بحيث لا يستطاع إفراد الطاعنين بخطأ معين يوجب مساءلتهما، كما تناقض في تسبيبه إذ قضى ببراءة العمال الأربعة المسئولين عن نظافة الأعمدة في حين أنه دان الطاعنين لإهمالهما في الإشراف على عملية التنظيف التي يقوم بها هؤلاء العمال، وهو ما يتضمن إثباتاً لهذا الخطأ ونفياً له معاً، هذا إلى أن الحكم المطعون فيه لم يرد على دفاع الطاعنين نفياً للخطأ عنهما وتمسكا بالسبب الأجنبي ولم يعرض للمستندات المقدمة منهما تدعيماً له، مما يعيبه بما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بالنسبة إلى الطاعنين وهما المهندسان المسئولان عن الإنارة في مدينة طهطا قد بين واقعة الدعوى بما محصله أن المجني عليها خرجت من بيتها وراء حفيد لها فمست يدها أحد أعمدة الإنارة، فأصابها صعق كهربائي قتلها في الحال وتبين من الكشف الطبي الموقع عليها بمعرفة مفتش الصحة أن الوفاة حدثت نتيجة صدمة عصبية من جراء صدمتها بالتيار الكهربائي كما تبين من المعاينة أن بصمات أصابعها وجدت منطبعة على العمود بصورة واضحة. وأفاد محرر المحضر بأنه لم يلاحظ وجود مياه أسفل عمود الإنارة الذي سبب الحادث ويبين من تقرير اللجنة الفنية المشكلة من ثلاثة من أساتذة كلية الهندسة أن الحادث وقع نتيجة ارتفاع الجهد الكهربائي على جسم العمود إلى "135 فولت" مما أدى إلى توصيل هذا الجهد إلى جسم المجني عليها وبالتالي إلى وفاتها نتيجة لمرور تيار كبير في جسمها بدليل انطباع بصمات أصابعها على العمود بصورة واضحة، وأن ذلك يرجع إلى تلامس أسلاك توصيل المصباح على العمود موضوع الحادث، مع تراكم الأتربة والعنكبوت على عازلات وأسلاك الخط الكهربائي بشكل كاف لتوصيل التيار الكهربائي وأن حالة العمود والشبكة وصلت إلى ما هي عليه نتيجة الإهمال منذ فترة طويلة في صيانة الشبكة على الوجه الأكمل تحت إشراف المختصين في الشبكات الفنية، وأن مدير الإدارة الهندسية بمجلس مدينة طهطا أفاد بخطابه المؤرخ 17 / 10 / 1964 بأن اختصاص الطاعنين يشمل الإشراف الإداري والفني على الشبكة الكهربائية لمدينة طهطا، وإن كان الأول يعلو الثاني درجة، وأن الاثنين يرأسان سائر العمال المنوط بهم أعمال الشبكة تحت إشرافهما. ودلل الحكم على هذه الواقعة بما ينتجها من وجوه الأدلة الواردة في المساق المتقدم، وأطرح دفاع الطاعنين المبين في الطعن استناداً إليها - ومنها تقرير اللجنة الفنية سابق البيان. وبعد أن اعتنق الحكم المطعون فيه أسباب الحكم الابتدائي فيما قضي به من الإدانة بالنسبة إلى الطاعنين عرض إلى المتهمين الأربعة الأخيرين، فإن المحكمة لا تتمشى مع الحكم المستأنف في إدانتهم إذ أن الثابت أنهم من العمال المرؤوسين للمتهمين الأول والثاني الطاعنين - وهم يقومون بتنفيذ ما يصدر إليهم من أوامر صادرة إليهم منهما، ولم يثبت في حق أي منهم خطأ أو تقصير في تنفيذ هذه الأوامر الصادرة بتنظيف الأعمدة، وبالتالي لا يمكن نسبة إهماله إلى أي منهم إذ أنهم ينفذون ما يلقى عليهم من الأوامر وهم لبسوا من الفنيين فقد قرروا في أقوالهم بالتحقيقات والتي تطمئن لها المحكمة أنهم يقومون بالتنظيف الدوري طبقاً لما يلقيه إليهم المتهمان الأول والثاني من أوامر أو تكليف" لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد بين واقعة الدعوى بياناً كافياً تتحقق به أركان جريمة القتل الخطأ التي دانهما بها كما هي معرفة في المادة 238 من قانون العقوبات واستند في إثباتها إلى أدلة تبرر قضاءه وتحمله، وكان تقدير الخطأ الموجب لمسئولية مرتكبه جنائياً ومدنياً مما يتعلق بموضوع الدعوى، وكان تعدد الأخطاء الموجبة لوقوع الحادث يوجب مساءلة كل من أسهم فيها أياً كان قدر الخطأ المنسوب إليه، يستوي في ذلك أن يكون سبباً مباشراً أو غير مباشر في حصوله وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر الخطأ في حق الطاعنين من الإهمال في الإشراف الإداري والفني على الشبكة الكهربائية وبين رابطة السببية بين الخطأ والقتل بياناً كافياً فيما أثبته من أن المجني عليها تركت بصمات أصابعها على العمود الذي تسبب التيار الذي يسري فيه في صعقها، وأن الكشف الطبي أثبت أنها توفيت من الصدمة العصبية الناشئة عن الصعق الكهربائي، فضلاً عما ورد في تقرير اللجنة الفنية حسبما سبق البيان، وكان استناد الحكم إلى تقرير مفتش الصحة بناء على الكشف الظاهري في إثبات سبب الوفاة دون الصفة التشريحية بمعرفة الطبيب الشرعي لا يقدح في تدليله في هذا الصدد لأن مفتش الصحة يعتبر من أهل الخبرة المختصين فنياً بإبداء الرأي فيما تصدى له وأثبته، ولأن القانون لا يوجب أن إثبات سبب الوفاة نتيجة الصفة التشريحية دون الكشف الظاهري حيث يغني في هذا المقام. ولما كان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم ينف واجب النظافة في ذاته، وأن تقصيراً وقع في القيام بهذا الواجب وأن هذا التقصير كان أحد الأخطاء التي أسهمت في وقوع الحادث بل قضي ببراءة العمال بعلة أنهم مأمورون بتوجيه الطاعنين فيما يكلفونهم بأدائه من أعمال، وأنهم لم يمتنعوا عن تنفيذ ما يلقى إليهم من أوامر أو تكليف، وبذلك تنتفي دعوى التناقض عن الحكم، لأنه لم ينف هذا الخطأ بعد إثباته كما يقول الطاعنان. لما كان ما تقدم، وكان الطاعنان لم يطلبا إلى محكمة الموضوع في أي من درجتي التقاضي إجراء تحقيق في شيء مما يدعيانه في طعنهما فليس يصح لهما أن ينعيا على المحكمة قعودها عن القيام بإجراء لم يطلب منها، وكانت المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في كل جزئية يثيرها في مناحي دفاعه الموضوعي إذ أن اطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها إياها، وكان الحكم المطعون فيه قد أقسط دفاع الطاعنين حقه ورد عليه بما يفنده من أدلة الثبوت في الدعوى. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعين الرفض موضوعاً