أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 19 - صـ 107

جلسة 29 من يناير سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الوهاب خليل، وحسين سامح، ومحمود العمراوي، ومحمود عطيفة.

(19)
الطعن رقم 1995 لسنة 37 القضائية

(أ، ب، ج، د، هـ) إصابة خطأ. جريمة. "أركان الجريمة. خطأ. ضرر. علاقة السببية". مسئولية جنائية. مسئولية مدنية. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير توافر أركان الجريمة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
( أ ) جواز أن يكون الخطاء مشتركاً بين شخصين أو أكثر.
(ب) استغراق خطأ المصاب خطأ المتهم تنحسر به مسئولية الأخير.
(ج) تقدير الخطأ المستوجب للمسئولية الجنائية أو المدنية. موضوعي.
(د) تقدير توافر السببية بين الخطأ والنتيجة. موضوعي.
(هـ) كفاية إثبات الحكم ركن الخطأ في حق المتهم واستظهار رابطة السببية بين الخطأ والحادث.
(و) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير أقوال الشهود". إثبات. "إثبات بوجه عام. شهادة".
حق محكمة الموضوع في الأخذ بأقوال الشاهد بمحضر الضبط ولو خالفت أقواله أمامها.
1 - يصح في القانون أن يقع الحادث بناء على خطأين من شخصين مختلفين ولا يسوغ في هذه الحالة القول بان خطأ أحدهما ينفى المسئولية عن الآخر, إذ يصح أن يكون الخطأ مشتركاً بين شخصين مختلفين أو أكثر.
2 - الأصل أن الخطأ المضرور لا يرفع مسئولية المسئول وإنما يخففها ولا يعفى المسئول استثناء من هذا الأصل إلا إذا تبين من ظروف الحادث أن خطأ المضرور هو العامل الأول في إحداث الضرر الذي أصابه وأنه بلغ من الجسامة درجة بحيث يستغرق خطأ المسئول.
3 - تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائياً أو مدنياً مما يتعلق بموضوع الدعوى ولا يقبل المجادلة فيه أمام محكمة النقض.
4 - تقدير توافر السببية بين الخطأ والنتيجة هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة لها أصلها في الأوراق.
5 - متى كان الحكم قد دلل في منطق سائغ على أن المتهم هدأ من سير التزام قيادته عند وصوله إلى المحطة مما جعل المجني عليه يعتقد أنه سيقف ولكن المتهم استمر في سيره بسرعة فتعلق المجني عليه بباب المركبة وتدلت ساقاه على الأرض وجذبهما الترام حتى مرت عليهما عجلات المقطورة مما أدى إلى بترهما، وأن خطأ المجني عليه بركوبه الترام قبل وقوفه تماماً لا يستغرق خطأ المتهم، فإنه يكون قد أثبت توافر ركن الخطأ في حق المتهم واستظهر رابطة السببية بين الخطأ والحادث.
6 - لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد بمحضر ضبط الواقعة وإن خالفت أقواله بجلسة المحاكمة، وهي في ذلك غير ملزمة بإبداء الأسباب إذ الأمر مرجعه إلى اطمئنانها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 23/ 2/ 1965 بدائرة قسم كرموز: تسبب خطأ في جرح سعيد محمد أحمد خليل فأحدث به الإصابات الموضحة بالتقرير الطبي وكان ذلك ناشئاً عن رعونته وعدم مراعاته للقوانين واللوائح بأن لم يقف بالترام في المحطات المعدة لنزول وصعود الركاب علاوة على أنه قاده بسرعة عند المحطات. وطلبت معاقبته بالمادة 244/ 1 من قانون العقوبات. وادعى محمد أحمد خليل بصفته ولياً شرعياً على ابنه القاصر سعيد مدنياً بمبلغ قرش صاغ قبل المتهم وإدارة النقل العام بصفتها مسئولة عن الحقوق المدنية وذلك على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف. ومحكمة كرموز الجزئية قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام بتغريم المتهم عشرة جنيهات وبإلزامه متضامناً مع المسئولة عن الحقوق المدنية بأن يؤديا إلى المدعي بالحقوق المدنية بصفته مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت ومصاريف الدعوى المدنية ومائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة الإسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون والخطأ في الإسناد ذلك بأن الحكم المطعون فيه دان الطاعن بجريمة الإصابة الخطأ دون أن يحدد ركن الخطأ الذي أخذ به الطاعن بل أحال في بيانه إلى أقوال الشاهدين حسن إبراهيم منصور ومحمد السيد حسن، في حين أنه يبين من أقوال هذين الشاهدين أنها نفت الخطأ عن الطاعن واتفقت على أن الحادث وقع بخطأ المجني عليه وحده حين سارع وهو يحمل حقيبته تحت إبطه إلى التعلق بسلم الترام قبل وقوفه تماماً بالمحطة فأفلتت يداه وسقط تحت العجلات وحدثت إصابته وهذا الخطأ يستغرق خطأ الطاعن بعدم وقوفه بالمحطة، ومن ثم فإنه لا يكون مسئولاً عن الحادث لعدم توافر رابطة السببية بين خطئه والنتيجة التي وقعت. كما نسب الحكم إلى الشاهد الأول أنه قرر أن المجني عليه هم بالصعود إلى المركبة وقت أن هدأ الطاعن من السير ثم فوجئ به يستمر في سيره مما أدى إلى وقوع الحادث، في حين أن الشاهد قد شهد أمام المحكمة بأن المجني عليه تعلق بالترام ووقف على سلمه وحقيبته تحت إبطه بعد أن كان الطاعن قد زاد من سرعته فعلاً فأفلتت يداه وسقط على الأرض ولو تنبهت المحكمة إلى شهادة هذا الشاهد على حقيقتها لتغير وجه رأيها في الدعوى.
وحيث إن المحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى استخلاصاً في أقوال الشهود بما يخلص في أن الطاعن وهو قائد الترام رقم 7 الذي يعمل بين النزهة وكرموز والمكون من قاطرة ومقطورة عمد إلى تهدئة سير الترام قبل وصوله إلى المحطة ولكنه لم يقف وكان المجني عليه قد هم بركوب الترام إلا أن الطاعن عاود السير بسرعة فتعلق المجني عليه بالباب الأمامي للمركبة الخلفية ولكن ساقيه تدلتا على الأرض وجذبهما الترام حتى مرت عليهما عجلات المقطورة مما أدى إلى بترهما. وثبت من المعاينة وجود آثار دماء عالقة بالعجلة الخلفية اليمنى للمقطورة كما وجد الترام واقفاً على مسافة ثلاثين متراً من المحطة التي كان يجرى بأرضها بعض الإصلاحات واستند الحكم في إدانة الطاعن إلى أقوال المجني عليه والشاهدين حسن إبراهيم منصور ومحمد السيد حسن بمحضر ضبط الواقعة وإلى التقرير الطبي الابتدائي والتقرير الطبي الشرعي وخلص إلى مساءلة الطاعن عن جريمة الإصابة الخطأ في قولة "ومن حيث إن المحكمة تشير بداءة إلى أنها تطمئن إلى أقوال الشاهدين حسن إبراهيم منصور ومحمد السيد حسن الواردة بمحضر ضبط الواقعة فور وقوع الحادث لأن أقوال محصل الترام ومفتش إدارة النقل العام وهما زميلا المتهم وتابعان جميعاً للمسئول عن الحقوق المدنية على نحو يوهن منها ويشهد بالتحيز والمجاملة. لما كان ذلك, وكان الثابت من أقوال الشاهدين الأولين التي جاءت مطابقة لأقوال المجني عليه أن المتهم لم يقف بالترام قيادته عند المحطة رغم وجود ركاب بها بل هدأ من سرعته دون أن يتوقف به تماماً ثم زاد من سرعته فجأة فإن ذلك يشكل ركن الخطأ في جانب المتهم. ولما كان ذلك, وكان هذا الخطأ من جانب المتهم بالاشتراك مع خطأ المجني عليه الذي أقدم على ركوب الترام قبل التأكد من وقوفه تماماً بالمحطة هو الذي أدى إلى وقوع الحادث ومنم ثم فإن الجريمة تكون ثابتة قبل المتهم ومتوافرة الأركان ويتعين بالتالي معاقبته طبقاً لمادة الاتهام عملاً بنص المادة 304/ 2 أ. ج. وتكتفي المحكمة بالقضاء عليه بعقوبة الغرامة نظراً لمساهمة المجني عليه في الخطأ الذي أدى إلى وقوع الحادث, ذلك أنه من المقرر أن مساهمة المجني عليه في الخطأ لا يسقط مسئولية المتهم إذا ما ثبت لدى المحكمة قيام خطأ من جانبه, كما أنه يصح في القانون أن يقع الحادث بناء على خطأ من شخصين مختلفين ولا يسوغ في هذه الحالة القول بأن خطأ أحدهما ينفي المسئولية عن الآخر فيصح أن يكون الخطأ مشتركاً بين شخصين مختلفين أو أكثر. لما كان ذلك, وكان الأصل أن خطأ المضرور لا يرفع مسئولية المسئول وإنما يخففها ولا يعفى المسئول استثناء من هذا الأصل إلا إذا تبين من ظروف الحادث أن خطأ المضرور هو العامل الأول في إحداث الضرر الذي أصابه وأنه بلغ من الجسامة درجة بحيث يستغرق خطأ المسئول, وكان تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائياً أو مدنياً مما يتعلق بموضوع الدعوى ولا يقبل المجادلة فيه أمام محكمة النقض, وكان الحكم قد دلل في منطق سائغ على أن الطاعن هدأ من سير الترام قيادته عند وصوله إلى المحطة مما جعل المجني يعتقد أنه سيقف ولكن الطاعن استمر في سيره بسرعة فتعلق المجني عليه بباب المركبة وتدلت ساقاه على الأرض وجذبهما الترام حتى مرت عليهما عجلات المقطورة مما أدى إلى بترهما وأن خطأ المجني عليه بركوبه الترام قبل وقوفه تماماً لا يستغرق خطأ الطاعن, فإنه يكون أثبت توافر ركن الخطأ في حق الطاعن واستظهر رابطة السببية بين الخطأ والحادث. لما كان ذلك, وكان تقدير توافر السببية بين الخطأ والنتيجة هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة ولها أصلها في الأوراق , وكان الطاعن لا ينازع في أن ما أودع الحكم من أقوال الشاهد حسن إبراهيم منصور له أساس من أقوال هذا الشاهد بمحضر ضبط الواقعة وهي الأقوال التي أفصح الحكم في جلاء عن أنه يأخذ بها مما مفاده إطراحه لأقوال هذا الشاهد أمام المحكمة والتي جاءت مخالفة لأقواله الأولى وكان لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد بمحضر ضبط الواقعة وإن خالفت أقواله بجلسة المحاكمة وهي في ذلك غير ملزمة بإبداء الأسباب إذ الأمر مرجعه إلى اطمئنانها. لما كان ما تقدم, فأن ما يثيره الطاعن ينحل إلى جدل في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض ويتعين لذلك رفض الطعن مودعاً مع مصادرة الكفالة.