أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 17 - صـ 613

جلسة 16 من مايو سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمود عزيز الدين سالم، وحسين سامح، ومحمود عباس العمراوي.

(110)
الطعن رقم 405 لسنة 36 القضائية

(أ) قبض. تفتيش. مأمور الضبط القضائي.
القبض. ماهيته؟
تفتيش الشخص. ماهيته؟
رجل الشرطة من رجال السلطة العامة وليس من مأموري الضبط القضائي. ليس له أن يجرى قبضاً أو تفتيشاً. كل ما له هو إحضار الجاني في الجرائم المتلبس بها وتسليمه إلى أقرب مأمور ضبط قضائي.
(ب) استيقاف. قبض.
الاستيقاف. ماهيته؟. شرطه: ألا تتضمن إجراءاته تعرضاً مادياً للمتحرى عنه يمكن أن يكون فيه مساس بحريته الشخصية أو اعتداء عليها.
(ج) حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
تساند الأدلة في المواد الجنائية. سقوط أحدها أو استبعاده. تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة أو التعرف على ما كانت تنتهي إليه لو أنها فطنت إلى أن هذا الدليل غير قائم. وجوب إعادة النظر في كفاية باقي الأدلة لدعم الإدانة.
1 - القبض على الإنسان إنما يعني تقييد حريته والتعرض له بإمساكه وحجزه ولو لفترة يسيرة تمهيداً لاتخاذ بعض الإجراءات ضده. وتفتيش الشخص يعني البحث والتنقيب بجسمه وملابسه بقصد العثور على الشيء المراد ضبطه. وقد حظر القانون القبض على أي إنسان أو تفتيشه إلا بترخيص منه أو بإذن من سلطة التحقيق المختصة، فلا يجيز للشرطي - وهو ليس من مأموري الضبط القضائي - أن يباشر أياً من هذين الإجراءين، وكل ما خوله القانون إياه باعتباره من رجال السلطة العامة أن يحضر الجاني في الجرائم المتلبس بها - بالتطبيق لأحكام المادتين 37 و38 من قانون الإجراءات الجنائية - ويسلمه إلى أقرب مأمور من مأموري الضبط القضائي، وليس له أن يجري قبضاً أو تفتيشاً. ولما كان الثابت في الحكم يدل على أن الطاعن لم يقبض عليه إلا لمجرد اشتباه رجل الشرطة في أمره، ومن ثم فإن القبض عليه وتفتيشه قد وقعا باطلين.
2 - الاستيقاف قانوناً لا يعدو أن يكون مجرد إيقاف إنسان وضع نفسه موضع الريبة في سبيل التعرف على شخصيته، وهو مشروط بألا تتضمن إجراءاته تعرضاً مادياً للمتحرى عنه يمكن أن يكون فيه مساس بحريته الشخصية أو اعتداء عليها.
3 - الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة أو التعرف على ما كانت تنتهي إليه لو أنها فطنت إلى أن هذا الدليل غير قائم بما يتعين معه إعادة النظر في كفاية باقي الأدلة لدعم الإدانة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 10 من أغسطس سنة 1964 بدائرة بندر دمنهور: شرع في سرقة الأقمشة المبينة الوصف بالأوراق والمملوكة لشركة بيع المصنوعات وأوقف أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو ضبطه والجريمة متلبس بها حالة كونه عائداً. وطلبت عقابه بالمواد 45 و47 و318 و321 و49/ 3 و50 من قانون العقوبات. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة بندر دمنهور دفع المتهم ببطلان التفتيش وما ترتب عليه. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بتاريخ 29 من نوفمبر سنة 1964 عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهم - وقد أخذت المحكمة بالدفع الذي أبداه المتهم. فاستأنفت النيابة العامة هذا الحكم. ومحكمة دمنهور الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 29 من مارس سنة 1965 عملاً بمواد الاتهام بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وحبس المتهم ثلاثة شهور مع الشغل والنفاذ. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة شروع في سرقة قد أخطأ في تطبيق القانون وفي الإسناد كما شابه الفساد في الاستدلال ذلك بأنه عول في الإدانة على الدليل المستمد من القبض والتفتيش على الرغم من بطلانهما إذ لم يكن الطاعن عندما قبض عليه الشرطي "محمد محمد السيد عوض" في أية حالة من حالات التلبس التي تجيز القبض عليه وتفتيشه. كما أنه ليس من حق ذلك الشرطي - وهو ممن لا يتمتعون بصفة الضبط القضائي التي تجيز في حالات معينة إجراء القبض والتفتيش - أن يباشر أياً من هذين الإجراءين، وليس بصحيح في القانون ما ذكره الحكم من أن الإجراء الذي اتخذه الشرطي في صورة هذه الدعوى يعتبر استيقافاً إذ أن الثابت من أقواله كما أثبتها الحكم أنه تصدى للطاعن حال وقوفه وتحسس جسمه بيديه ولما استراب فيها رفع عنه جلبابه فرأى القماش المسروق وهو ما يفيد بذاته أنه قبضاً وتفتيشاً وقعاً منه بالفعل على الطاعن. هذا بالإضافة إلى أن الحكم قد استنبط من أقوال الطاعن اعترافاً عول عليه بدوره في الإدانة في حين أنه اعتصم بالإنكار طيلة مراحل التحقيق والمحاكمة، وما كان يجوز أن يتخذ الحكم من إنكاره دليلاً عليه أو أن يتخذ من أقوال موظف الشركة المجني عليها واستعرافه على ثوب القماش المضبوط دليلاً قبله إذ أن تعرفه لم يكن ليتم لو لا انتزاع الثوب من على جسد الطاعن على أثر القبض والتفتيش الباطلين وكل ذلك مما يعيب الحكم بما يبطله ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله إنها "تتحصل فيما ورد بإشارة النجدة من أن مصطفى مصطفى البسطويسى كاتب أول شركة بيع المصنوعات قد أبلغ بضبط لص وأنه لدى وصول شرطي النجدة لمكان الحادث وجد المبلغ ممسكاً بالمتهم عبد اللطيف محمد الزناتي وهو يحمل ثوب قماش توركلين قدره أربعون متراً، وقد قرر المبلغ أن الشرطي محمد محمد السيد عوض قد ضبط المتهم خارج باب محل الشركة ومعه الثوب المسروق وثمنه 11 ج، وإذ سئل المتهم عبد اللطيف محمد الزناتى قرر أنه كان يفحص ثوب القماش خارج باب الشركة لوفرة الرؤية" واستند الحكم في إدانة الطاعن إلى أقوال الشرطي محمد محمد السيد عوض وإلى اعتراف الطاعن بضبط الثوب المسروق في حيازته وإلى أقوال كاتب أول الشركة مصطفى البسطويسي. وبعد أن أورد الحكم مضمون كل دليل من هذه الأدلة عرض للدفع المبدي من المدافع عن الطاعن ببطلان القبض والتفتيش لعدم قيام ما يبرر إجراءهما قانوناً ورد عليه بقوله "ومن حيث إنه أخذاً بأقوال الشاهد محمد السيد عوض التي توضحت أمام محكمة أول درجة فإنه يتضح تماماً أنه لم يقم بالتفتيش وإنما توافرت له مظاهر من المتهم تبرر له استيقافه وهى كما عرفتها محكمة النقض أن يكون المتهم قد وضع نفسه مواضع الشبهات والريب والحال في هذه الواقعة أن الذي حدث من هذا الشاهد هو استيقافه للمتهم حينماً بدت له المظاهر من المتهم والتي شهد بها آنفاً ومن ثم يكون ما دفع به من بطلان التفتيش على غير أساس من الواقع والقانون، ويكون ما أدلى به هذا الشاهد أثر استيقاف المتهم صحيح في القانون وبذا تكون الأدلة قد تضافرت جميعها على قيام المتهم بارتكاب الحادث" لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات الحكم أن الشرطي محمد محمد السيد عوض قرر بمحضر ضبط الواقعة أنه شاهد الطاعن يقف مضطرباً على مقربة من باب فرع شركة بيع المصنوعات بدمنهور فتقدم إليه وسأله - في الوقت الذي كان يتحسس فيه جسمه - بيده - عن علة هذا الارتباك وتبين له في هذه الأثناء وجود شيء موثوق على جسده أسفل جلبابه وكشف عنه فألقاه ثوباً من القماش فقبض عليه واقتاده إلى مقر الشركة حيث عرض الأمر على السيد/ مصطفى البسطويسى فأخبره أن القماش المضبوط مسروق من الشركة، وأنه لما أن سئل بمحكمة أول درجة أضاف الطاعن كان يهم بركوب سيارة الأمنيبوس العامة المتهجة إلى أبي حمص وأنه رأى جانباً من القماش يبرز من أسفل الجلباب فأمسك به ورفع عنه جلبابه ووجد القماش المسروق موثوقاً حول جسده برباط. ولما كان هذا الذي أثبته الحكم إنما يفيد أن الشرطي قد قبض بالفعل على الطاعن وفتشه، إذ القبض على الإنسان إنما يعنى تقييد حريته والتعرض له بإمساكه وحجزه ولو لفترة يسيرة تمهيداً لاتخاذ بعض الإجراءات ضده، كما أن تفتيش الشخص يعنى البحث والتنقيب بجسمه وملابسه بقصد العثور على الشيء المراد ضبطه. ولما كان القانون قد حظر القبض على أي إنسان أو تفتيشه إلا بترخيص منه أو بإذن من سلطة التحقيق المختصة، وكان لا يجيز لمثل الشرطي المذكور - وهو ليس من مأموري الضبط القضائي - أن يباشر أياً من هذين الإجراءين، وكل ما خوله القانون إياه باعتباره من رجال السلطة العامة أن يحضر الجاني في الجرائم المتلبس بها - بالتطبيق لأحكام المادتين 37 و38 من قانون الإجراءات الجنائية - ويسلمه إلى أقرب مأمور من مأموري الضبط القضائي وليس له أن يجرى قبضاً أو تفتيشاً على نحو ما فعل في واقعة الدعوى. لما كان ذلك، وكان الثابت في الحكم على الوجه المتقدم يدل على أن الطاعن لم يقبض عليه إلا لمجرد اشتباه رجل الشرطة في أمره ومن ثم فإن القبض عليه وتفتيشه قد وقعا باطلين. وليس بصحيح ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن الشرطي إنما استوقف الطاعن على أثر المظاهر التي بدت له عليه إذ أن الاستيقاف قانوناً لا يعدو أن يكون مجرد إيقاف إنسان وضع نفسه موضع الريبة في سبيل التعرف على شخصيته وهو مشروط بألا تتضمن إجراءاته تعرضاً مادياً للمتحرى عنه يمكن أن يكون فيه مساس بحريته الشخصية أو اعتداء عليها، وهو ما لا يتفق ووقائع الدعوى المطروحة التي تضمنت قبضاً ثم تفتيشاً بالمعنى الوارد فيما تقدم. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه إذ اعتبر ما وقع من رجل الشرطة ليس قبضاً على الرغم مما انطوى عليه من اعتداء على الحرية الشخصية يكون قد أخطأ في تأويل القانون على الوجه الصحيح ويكون ما أسفر عنه تفتيش الطاعن من ضبط القماش باطلاً كذلك وبالتالي فلا يعتد بشهادة من قام بهذين الإجراءين الباطلين - التي اعتمد عليها الحكم - ولا يغير من ذلك أن يكون الحكم قد استند في الإدانة أيضاً إلى ما وصفه بأنه اعتراف من الطاعن بضبط الثوب المسروق في حيازته وإلى أقوال كاتب أول فرع الشركة المجني عليها بدمنهور، إذ أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة أو التعرف على ما كانت تنتهي إليه لو أنها فطنت إلى أن هذا الدليل غير قائم بما يتعين معه إعادة النظر في كفاية باقي الأدلة لدعم الإدانة. هذا فضلاً عن أنه يبدو من مراجعة مدونات الحكم أن المحكمة لم تتحدث عن هذين العنصرين من عناصر الإثبات القائمة في الدعوى كدليلين قائمين بذاتها ومنفصلين عن تلك الإجراءات الباطلة التي اتخذت وأسفرت عن ضبط الثوب المسروق، ولا هي كشفت في وضوح وبطريق الجزم عن ظروف ومدلول اعتراف الطاعن ومأخذه ومدى استقلاله وشهادة كاتب أول الشركة عن الضبط والتفتيش الباطلين، وكل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه والإحالة.