أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 19 - صـ 143

جلسة 5 من فبراير سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور أحمد خلف.

(25)
الطعن رقم 2033 لسنة 37 القضائية

( أ ) نقض. "الطعن بالنقض. ما لا يجوز الطعن فيه من الأحكام". "نقض الحكم. أثره". استئناف. قوة الأمر المقضي.
أثر ارتضاء المحكوم عليه للحكم الابتدائي وعدم استئنافه له؟
(ب، ج، د، هـ) أسباب الإباحة. "الدفاع الشرعي". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". ضرب.
(ب) تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي. موضوعي.
(ج) إطراح الحكم لدفاع المتهم بأنه كان في حالة دفاع شرعي دون تفطن لما يظاهر ذلك الدفاع من وقائع. يعيبه.
(د) صدور فعل يخشى منه المتهم حسب تصوره واعتقاده وقوع جريمة مما يجوز فيها الدفاع الشرعي. كفايته لقيام هذا الحق.
(هـ) مرد تقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته للحالة النفسية التي تخالط المتمسك به.
(و) محكمة الموضوع. "سلطتها في تجزئة الدليل". إثبات. "إثبات بوجه عام". شهادة.
لمحكمة الموضوع تجزئة أقوال الشاهد بغير مسخ لها.
1 - إذا كان المتهم الآخر الذي لم يقرر بالطعن قد ارتضى الحكم الابتدائي الصادر بتغريمه ولم يستأنفه فحاز قوة الأمر المقضي وصار باتاً، وكانت الأحكام الصادرة من محكمة أول درجة كما لا يجوز الطعن عليها، لا يجوز كذلك أن يتعدى إليها طعن، فإن نقض الحكم بالنسبة للطاعن يقتصر عليه وحده.
2 - الأصل أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى، لمحكمة الموضوع الفصل فيه بلا معقب، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استدلال الحكم سليماً لا عيب فيه.
3 - متى كان الثابت من أقوال المجني عليه في محضر الاستدلال أنه أقر بأنه أمسك الطاعن ومزق له قميصه، حتى حضر المتهم وخلصه من يده وأثبتت النيابة العامة أنها ناظرت قميص الطاعن فوجدته محلول العرى فاقداً بعض أزراره مصداقاً لما قال به المذكور من أن المجني عليه أمسك به وجذبه من قميصه؛ وكان الحكم المطعون فيه قد اقتطع هذا الجزء الثابت من قول المجني عليه وأهدر مناظرة النيابة لقميص الطاعن وبني على ذلك إطراح دفاعه بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس، فإن ذلك مما يعيبه.
4 - لا يشترط لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون قد حصل بالفعل اعتداء على النفس أو المال، بل يكفى أن يكون قد صدر من المجني عليه فعل يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي، ولا يلزم في الفعل المتخوف منه أن يكون خطراً حقيقياً في ذاته، بل يكفي أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم وتصوره، بشرط أن يكون لهذا التخوف أسباب معقولة.
5 - تقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر اعتباري المناط فيه الحالة النفسية التي تخالط ذات الشخص الذي يفاجأ بفعل الاعتداء فيجله في ظروف حرجة دقيقة تتطلب منه معالجة موقفه على الفور والخروج من مأزقه مما لا يصح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ المتزن المطمئن الذي كان يتعذر عليه وقتئذ وهو محفوف بهذه الظروف والملابسات.
6 - لئن كان من حق محكمة الموضوع تجزئة أقوال الشاهد، إلا أن ذلك حده أن لا تمسخ تلك الأقوال بما يحيلها عن معناها ويحرفها عن مواضعها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة (الطاعن) وآخر. بأنهما في يوم 21 يونيه سنة 1964 بدائرة قسم أول المنصورة: ضربا حسن إبراهيم محمد فأحدثا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي أعجزته عن أشغاله الشخصية مدة لا تزيد عن عشرين يوماً. وطلبت عقابهما بالمادة 242/ 1 من قانون العقوبات. وادعى حسن إبراهيم محمد المجني عليه - بحق مدني وطلب القضاء له بمبلغ قرش صاغ واحد تعويضاً مؤقتاً. ومحكمة جنح قسم أول المنصورة الجزئية قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام بتغريم كل من المتهمين خمسة جنيهات وإلزامهما متضامنين أن يدفعا إلى المدعى بالحق المدني قرشاً على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات. فاستأنف المحكوم عليهما هذا الحكم. ومحكمة المنصورة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف بلا مصاريف. فطعن وكيل المتهم الأول في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بتهمة الضرب قد شابه القصور في التسبيب، والخطأ في الإسناد، ذلك بأنه دفع في كلتا درجتي التقاضي بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه، إلا أن الحكم رد على دفعه بأن ما وقع لا يعدو أن يكون نقاشاً جرى بين الطاعن وبين المجني عليه الذي تهدده بإدخاله السجن بناء على مستند لوح به، مما لا يبيح الدفاع الشرعي، مع أن الطاعن أسس دفعه على أن المجني عليه (المطعون ضده) لم يكتف بأن اقتحم عليه مكتبه وتهدده وسبه، بل أمسك به ومزق قميصه الأمر الثابت باعتراف المجني عليه نفسه في استدلال الشرطة، كما هو ثابت من تحقيق النيابة، فكان من حقه في الظروف التي وجد فيها أن يعتقد أن خطراً يتهدده بما يبيح له أن يدافع عن نفسه، وإذا صح أنه ضرب المجني عليه بقبضة يده تحت عينه ضرباً بسيطاً فإنه يكون قد استعمل قدراً أقل من الواجب في درء الاعتداء الموجه إليه، فلا يقال في هذه الحالة أنه جاوز حق الدفاع الشرعي، ولو تفطنت المحكمة إلى أسس دفاعه، وما ثبت في التحقيق مصداقاً له، لتغير وجه رأيها في الرد عليه، ومن ثم فإنها تكون قد أخطأت خطأ يعيب حكمها بما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المأخوذ بأسبابه عرض إلى الدفع الذي أبداه الطاعن والمتهم الآخر في الدعوى بأنهما كانا في حالة دفاع شرعي عن النفس ورد عليه بما نصه "وحيث إن ما ساقه المتهمان في مذكرتهما من دفاع في هذا الخصوص لا سند له من القانون إذ أنه طبقاً للمادتين 245 و249 من قانون العقوبات لا يقوم هذا الحق إلا إذا كان هناك اعتداء موجه إلى النفس أو المال أو أن يكون اعتقاد المتهم قد انصرف على الأقل إلى أن هناك خطراً حالاً على نفسه أو نفس غيره أو ماله. والمقصود بالخطر على النفس هو وقوع فعل على جسم المجني عليه يجوز دفعه دفعاً شرعياً، أما الجرائم التي تصيب الشخص في سمعته كالقذف والسب والإهانة فلا يجوز الالتجاء إلى الدفاع الشرعي فيها وبالتالي فإذا كان ما وقع من المجني عليه هو أنه توجه إلى مكتب المتهم الأول (الطاعن) وطالبه بسرعة تقديم الميزانية وأثناء النقاش المحتوم بينهما، أظهر له مستنداً مقرراً أنه يدخله السجن، فإن هذا القول لا يعد اعتداء على نفس أو مال يبيح حق الدفاع الشرعي" ولما كان الأصل أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى لمحكمة الموضوع الفصل فيه بلا معقب، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استدلال الحكم سليماً لا عيب فيه، ويؤدي منطقياً إلى ما انتهى إليه، كما أنه وإن كان من حق محكمة الموضوع تجزئة أقوال الشاهد، إلا أن ذلك حده أن لا تمسخ تلك الأقوال بما يحيلها عن معناها ويحرفها عن مواضعها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد اعتمد في نفى حالة الدفاع الشرعي عن النفس على أن اعتداء المجني عليه كان قاصراً على إهانة الطاعن وتهديده، في حين أن الثابت من أقوال المجني عليه نفسه في استدلال الشرطة أنه أقر بأنه أمسك بالطاعن، ومزق له قميص، حتى حضر المتهم الثاني وخلصه من يده، وقد أثبتت النيابة العامة أنها ناظرت قميص الطاعن فوجدته محلول العرى فاقداً بعض أزراره مصداقاً لما قال به الطاعن من أن المجني عليه أمسك به وجذبه من قميصه، وكان الحكم المطعون فيه قد اقتطع هذا الجزء الثابت من قول المجني عليه وأهدر مناظرة النيابة لقميص الطاعن وبني على ذلك إطراحه لدفعه، وكان لا يشترط لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون قد حصل بالفعل اعتداء على النفس أو المال، بل يكفي أن يكون قد صدر من المجني عليه فعل يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي، ولا يلزم في الفعل المتخوف منه أن يكون خطراً حقيقياً في ذاته، بل يكفي أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم وتصوره، بشرط أن يكون لهذا التخوف أسباب معقولة، وتقدير ظروف الدفاع ومقتضياته أمر اعتباري المناط فيه الحالة النفسية التي تخالط ذات الشخص الذي يفاجأ بفعل الاعتداء فيجعله في ظروف حرجة دقيقة تتطلب منه معالجة موقفه على الفور والخروج من مأزقه مما لا يصح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ المتزن المطمئن الذي كان يتعذر عليه وقتئذ وهو محفوف بهذه الظروف والملابسات. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أسقط من الوقائع الثابتة في التحقيق - حسبما تقدم البيان، ما يرشح لقيام حالة الدفاع الشرعي دون أن يعرض لدلالة هذه الوقائع بغير مسخ أو تحريف ويقسطها حقها إيراداً لها ورداً عليها، فإنه يكون قاصر البيان واجب النقض بالنسبة إلى الطاعن وحده دون المتهم الآخر - على الرغم من وحدة الواقعة، ذلك بأنه ارتضى الحكم الابتدائي الصادر بتغريمه ولم يستأنفه فحاز قوة الأمر المقضي وصار باتاً، والأحكام الصادرة من محكمة أول درجة كما لا يجوز الطعن عليها، لا يجوز كذلك أن يتعدى إليها أثر الطعن عند نقض الحكم.