أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 17 - صـ 619

جلسة 16 من مايو سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد صبري، وجمال المرصفاوي؛ وبطرس زغلول، ونصر الدين عزام.

(111)
الطعن رقم 406 لسنة 36 القضائية

( أ ) نقض. "الحكم في الطعن". محكمة الإحالة. "اختصاصها". قوة الشيء المقضي.
نقض الحكم وإعادة المحاكمة. أثره: إعادة الدعوى إلى محكمة الإحالة بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض. عدم تقيد هذه المحكمة بما ورد في الحكم الأول ولا بحكم النقض في شأن تقدير وقائع الدعوى بكامل حريتها.
(ب) نقض. "أسباب الطعن". محكمة الإحالة. قوة الشيء المقضي.
النعي على حكم محكمة الإحالة بمجرد مخالفته اتجاها ورد في حكم محكمة النقض في شأن تقدير وقائع الدعوى. غير صحيح. ضرورة أن يكون محل المخالفة صالحاً بذاته لأن يكون وجهاً للطعن على الحكم.
(ج) خطأ. مسئولية جنائية. مسئولية مدنية. محكمة الموضوع.
تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائياً أو مدنياً. موضوعي.
(د) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها حسبما يؤدى إليه اقتناعها وإطراح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها. ما دام استخلاصها سائغاً.
(هـ) إثبات. "اعتراف". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لمحكمة الموضوع تجزئة الدليل ولو كان اعترافاً والأخذ منه بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه.
1 - نقض الحكم وإعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإحالة بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض. فلا تتقيد بما ورد في الحكم الأول في شأن تقدير وقائع الدعوى ولا يقيدها حكم النقض في إعادة تقديرها بكامل حريتها.
2 - لا يصح النعي على حكم محكمة الإحالة بمجرد مخالفته اتجاها ورد في حكم محكمة النقض في شأن تقدير وقائع الدعوى، إلا إذا كان محل المخالفة صالحاً بذاته لأن يكون وجهاً للطعن على الحكم.
3 - تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائياً أو مدنياً، هو مما يتعلق بموضوع الدعوى.
4 - لمحكمة الموضوع أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
5 - لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها - أن تجزئ الدليل ولو كان اعترافاً، وتأخذ منه بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدها الأولى بأنها في أول يوليه سنة 1958 بدائرة قسم باب شرقي: تسببت بغير قصد ولا تعمد في وفاة علي عبده أبو شال وكان ذلك ناشئاً عن إهمالها وعدم احتياطها بأن قادت سيارتها بسرعة وبطريقة ينجم عنها الخطر دون أن تستعمل آلة التنبيه أو الفرامل فاصطدمت بالمجني عليه وأحدثت به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياته. وطلبت عقابها بالمادة 238 من قانون العقوبات. وادعى الطاعنون مدنياً قبل المتهمة وشركة براندراكسى للتأمين بصفتها مسئولة عن الحقوق المدنية طالبين إلزامهما متضامنين بمبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة باب شرقي الجزئية قضت حضورياً بتاريخ 28 يونيه سنة 1959 عملاً بمادة الاتهام (أولاً) برفض الدفع المبدي من المسئولة عن الحقوق المدنية بعدم قبول الدعوى المدنية أمام المحاكم الجنائية (وثانياً) بحبس المتهمة ستة أشهر مع الشغل وكفالة 20 ج لوقف التنفيذ وإلزامها هي والمسئولة عن الحقوق المدنية بأن يدفعا بالتضامن للمدعين بالحقوق المدنية خمسة آلاف جنيه والمصاريف المدنية المناسبة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. فاستأنف هذا الحكم كل من المتهمة والمسئولة عن الحقوق المدنية والمدعون بها. ومحكمة الإسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 27 ديسمبر سنة 1959 عملاً بالمادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهمة من التهمة المسندة إليها ورفض الدعوى المدنية وإلزام رافعيها بالمصروفات المدنية عن الدرجتين. فطعن المدعون بالحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض، وقضت محكمة النقض بتاريخ 27 يونيه سنة 1961 بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه فيما قضى به في الدعوى المدنية وإحالة القضية إلى محكمة الإسكندرية الابتدائية لتحكم فيها مجدداً هيئة استئنافية أخرى مع إلزام المطعون ضدها المصروفات. ومحكمة الإسكندرية الابتدائية - بهيئة جديدة - قضت في 15/ 11/ 1964 بقبول استئناف كل من المتهمة والمسئولة بالحقوق المدنية والمدعية بالحقوق المدنية شكلاً وفي موضوع الدعوى المدنية بإلغاء الحكم المستأنف (أولاً) بعدم اختصاص محكمة أول درجة بنظر تلك الدعوى بالنسبة للمسئولة بالحقوق المدنية (وثانياً) برفض دعوى المدعين بالحقوق المدنية وألزمتهم المصاريف المدنية عن الدرجتين ومبلغ مائتي قرش أتعاب محاماة. فطعن المدعون بالحقوق المدنية في هذا الحكم للمرة الثانية بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى المدنية قبل المطعون ضدها الأولى وبعدم اختصاص محكمة أول درجة بنظر تلك الدعوى بالنسبة لمصلحة التأمين المطعون ضدها الثانية قد شابه خطأ في القانون وفساد في الاستدلال وقصور في التسبيب، ذلك بأن محكمة الإعادة في حكمها المطعون فيه قد أقامت قضاءها برفض الدعوى المدنية على إطراح أقوال شاهد الإثبات في شأن قيادة المتهمة لسيارتها بسرعة غير عادية وعلى نفى خطأ المتهمة الثابت في روايتها عن الحادث مع أن محكمة النقض سبق أن حكمت بنقض الحكم الاستئنافى الصادر من هيئة أخرى والمؤسس على هذين الأمرين فما كان للحكم المطعون فيه بعد ذلك أن يحكم على خلاف حكم النقض الحائز لقوة الشيء المقضي به. ومن ناحية أخرى فقد أطرح الحكم شهادة شاهد الرؤية فيما يتعلق بتصويره للحادث واستند في ذلك إلى أن أقوال الشاهد مبناها الاستنتاج لأنه قرر أنه يظن أن المجني عليه كان يعبر الطريق من الجانب الأيمن للجانب الأيسر في حين أن الثابت من الاطلاع على أقوال الشاهد أنه استعمل في شهادته كلمة "يظهر" التي تفيد المشاهدة مما يعيب استدلال الحكم بالفساد. ثم إن المحكمة استخلصت من تعارض تصوير الشاهد لواقعة الدعوى مع ماديات الحادث مبرراً لإطراح شهادته مع أنه ليس ثمة ما يمنع من أن يتمكن الشاهد من رؤية الحادث دون أن يتحقق من معرفة خط سير المجني عليه قبل التصادم كما أن استدلال الحكم بأقوال هذا الشاهد على نفى سرعة السيارة لا يتفق وما قرره الشاهد - وحصله الحكم - من سماعه صوت صدمة شديدة. كذلك استخلص الحكم من تحقق الشاهد من قائدة السيارة دليلاً على أنها لم تكن تقود سيارتها بسرعة كبيرة مع أن الثابت من أقوال الشاهد - على ما سجله حكم النقض - أن تهدئة السيارة كان لاحقاً على وقوع الحادث مما مفاده أنها كانت - قبل الحادث - تسير بسرعة كبيرة هذا إلى أن الحكم أغفل دلالة ما قالته المتهمة في محضر الضبط من مشاهدتها المجني عليه يعبر الطريق من الطوار الأيسر إلى الطوار الأيمن وهو ما يفيد رؤيتها للمجني عليه على مسافة 55 متراً باعتبار أن سرعة السيارة خمسة أضعاف سرعة المارة وأن عرض الطريق 16 متراً وكان الحادث على مسافة 11 متراً من الطوار الأيسر ولا يقوم من فساد استدلال الحكم في هذا الشأن استناده إلى تقصير محقق الشرطة في تحديد المسافة بين السيارة والمجني عليه قبل الحادث وعدم تحريه الدقة في تسطير أقوال المتهمة وافتراضه جهلها اللغة العربية لمجرد توقيعها بالحروف الأجنبية. ثم إن الحكم لم يعرض إلى الصورة الأخرى من صور الخطأ التي اقترفتها المتهمة من عدم استعمالها جهاز التنبيه قبل الحادث على ما جاء بأقوال الشاهد، كما استدل بعدم وجود آثار فرامل للسيارة على نفي السرعة مع أن خلو الطريق من هذه الآثار يدل على سرعة السيارة، وأخذ - على خلاف الثابت بالأوراق - بما قرره شقيق المتهمة من مرافقته لها وقت الحادث. ومع أن الحكم المستأنف استند إلى هذه الأمور الثلاثة في قضائه بإدانة المتهمة وإلزامها بالتعويض فإن الحكم المطعون فيه لم يعن بالرد على ما أورده الحكم الابتدائي في هذا الشأن مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى واستعرض أقوال الشهود والمتهمة وما دلت عليه المعاينة والتقارير الطبية خلص إلى قوله: "وحيث إنه يبين مما تقدم، أن الدليل في الأوراق قبل المتهمة يقوم على ما ذكره إبراهيم إبراهيم أبو غزالة وما قالت به المتهمة بمحضر ضبط الواقعة. وأنه بالنسبة لأقوال إبراهيم إبراهيم أبو غزالة فقد ذكر بأنه عبر الطريق من الجهة اليمنى إلى الجهة اليسرى وفور وصوله إلى الجانب الأيسر سمع صوت اصطدام قوى وشاهد سيارة المتهمة تهدئ من سيرها وسمع من يجلس بجوارها يطلب إليها مواصلة السير ومفاد تلك الأقوال أن صوت الاصطدام هو الذي نبه الشاهد إلى وقوع الحادث فألقى ببصره إليه وشاهد ما تخلف عن الحادث بعد اصطدام المجني عليه بالسيارة، فإذا قال الشاهد بعد ذلك برؤيته للحادث وقت وقوعه فهو غير حريص في ذلك القول، ويؤكد ذلك أنه عندما سئل عن تعليله للحادث قال بأنه يظن أن المجني عليه كان يعبر الطريق من الجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر وكلمة يظن هذه تدل في ذاتها دون ما حاجة إلى دليل آخر على أن تصوير الشاهد للحادث مبناه الاستنتاج ولا يستند إلى رؤيته للحادث لحظة وقوعه كما أنه قال بعدم معرفته لجزء السيارة التي اصطدم به المجني عليه ويزيد من ذلك التأكيد أن ماديات الدعوى تقطع بأن المجني عليه ما كان يعبر الطريق من الجانب الأيمن للجانب الأيسر كرواية الشاهد وإنما كان يجتازه من الاتجاه المضاد أي - الجانب الأيسر إلى الجانب الأيمن وفق ما قالت به المتهمة وآية ذلك أن إصابات المجني عليه كلها بالجانب الأيمن الأمر الذي يدل على عبور الطريق من الجهة اليسرى للجهة اليمنى كما أن آثار الاصطدام كلها برفوف السيارة الأيسر ولا توجد آثار اصطدام بالرفرف الأيمن وتستخلص المحكمة بذلك أن الشاهد إبراهيم إبراهيم أبو غزالة لم ير الحادث لحظة وقوعه وإنما سمع صوت الاصطدام الناشئ عنه فانتبه واتجه بناظريه إلى مكان الحادث فشاهد ما تخلف فيه من آثار وتمكن من سماع الحديث الذي دار بين المتهمة وجارها وتحقق من أن التي تقود السيارة سيدة وترى لذلك الأخذ بجزء من أقواله وهو الخاص بما رآه وسمعه عقب سماعه صوت الاصطدام وتطرح ما جاء بباقي أقواله من رؤيته للحادث لحظة وقوعه ومن أن سيارة المتهمة كانت تسير بسرعة كبيرة لأنه ما دام لم ير الحادث إلا بعد وقوعه والسيارة بمكان الحادث مهدئة السير واقفة فلم يكن في استطاعته أن يرى السيارة قبل الحادث ليتحقق من سرعتها وقد قرر كذلك صراحة أنه لا يعرف في أمر تقدير سرعة السيارات ولأن ماديات الدعوى تؤكد أيضاً أن المتهمة لم تكن تقود سيارتها بسرعة كبيرة وآية ذلك أن هذا الشاهد قد رأى السيارة في مكان الحادث على مسافة قريبة منه مكنته من سماع الحديث الذي دار بين المتهمة وجارها وطلب الأخير منها الاستمرار في المسير ودلالة ذلك القول أن المتهمة تمكنت من تهدئة السيارة في مكان الحادث على مقربة من الشاهد ودون أن تحتاج إلى مسافة طويلة حتى تتمكن من تهدئة سرعة السيارة كما أن المعاينة أظهرت عدم وجود آثار فرامل بمكان الحادث وتلك النتيجة إن دلت على شيء فإنما على عدم زيادة سرعة سيارة المتهمة لأنها لو كانت مسرعة في قيادتها للسيارة وأرادت تهدئة تلك السرعة في مكان الحادث لترك ذلك آثار فرامل ظاهرة بسطح الطريق ولمسافات طويلة أما ولم يعثر على آثار الفرامل بسطح الطريق فذلك قاطع الدلالة على أن سرعة سيارة المتهمة كانت في النصاب العادي المسموح به قانوناً ومكنتها تلك السرعة المعتادة من التهدئة في مكان الحادث دون حدوث آثار للفرامل بسطح الطريق... وبالنسبة لأقوال المتهمة وتصويرها للحادث وقولها في موضع مشاهدتها للمجني عليه بتعجل عبور الطريق من الجانب الأيسر إلى الجانب الأيمن للحاق بسيارة الأتوبيس أو في موضع آخر بعدم رؤيتها له وبأنها فوجئت باصطدامه بجانب السيارة أو رفرفها الأيسر واصطدام رأسه بالزجاج الأمامي فترى المحكمة أن المحقق لم يعن باستيضاح مقدار المسافة التي كانت بين السيارة والمجني عليه عند رؤية المتهمة له كما تميل إلى الاعتقاد بأنه لم يتحر الدقة في تسطير أقوال المتهمة وهى الأجنبية التي لا تجيد اللغة العربية بل لا تكاد تعرفها والتي وقعت على أقوالها بمحضر ضبط الواقعة باللغة الأجنبية وتستخلص المحكمة من أقوال المتهمة ومن ماديات الدعوى أنها لم تر المجني عليه على مسافة تمكنها من تجنب الاصطدام به ذلك لأن الثابت من أقوال المتهمة والتي تطمئن إليها المحكمة لمطابقتها ماديات الدعوى ولما قال به شقيقها قسطنطين بأن سيارة أتوبيس كانت تقف إلى يسار الطريق وخرج المجني عليه من خلفها يريد اللحاق بسيارة أوتوبيس تقف بالجهة اليمنى، وما من شك في أن السيارة التي كانت تقف إلى يسار الطريق حجبت المجني عليه عن المتهمة لحظة تركه الطوار الأيسر ولم يظهر أمامها إلا بعد عبوره مسافة من الطريق تضاف إليها المسافة التي كانت تعبرها سيارة المتهمة من الجانب الأيمن للطريق فيكون من عرض الطريق أمتاراً معدودات لا تمكن المتهمة من السيطرة على السيارة وتجنب الاصطدام بالمجني عليه المتوقع الذي عبر الطريق في عجلة من أمره والذي لم يستطع إيقاف خطواته المسرعة فجأة أن رأى خطراً وشيك الوقوع بل يستمر في اندفاعه لخطوات قبل أن يتمكن من ذلك أيضاً. ويؤيد ذلك أيضاً ما أثبته المحقق عند معاينته لسيارة المتهمة من وجود عجلة القيادة في الجانب الأيمن لا الأيسر الذي توجد فيه عجلات القيادة في أغلب السيارات فبالنظر إلى وجود عجلة القيادة في هذا الجانب وجلوس شقيق المتهمة إلى يسارها وخروج المجني عليه مندفعاً من الجانب الأيسر للطريق متجهاً للناحية المقابلة ووقوع الحادث بعد منتصف الليل وآثار عنصر المفاجأة من تعطيل الحواس لفترة قبل أن يملك المرء زمام أمره ثانية كل ذلك دلائل تؤيد ما اطمأنت إليه المحكمة من أن المتهمة لم تبصر المجني عليه إلا على مسافة قصيرة لم تتمكن معها من تجنب الاصطدام به" ثم خلصت المحكمة إلى القول "وحيث إنه متى كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأنت من أقوال المتهمة وماديات الدعوى إلى أن المجني عليه قد أخطأ كل الخطأ بعبوره الطريق مندفعاً وقبل أن يتبصر مواقع قدميه ويلتفت إلى اليمين واليسار ليتأكد من خلو الطريق من السيارات وأنه بخطئه هذا قد تسبب في وقوع الحادث وأنه لا يمكن نسبة أي خطأ إلى جانب المتهمة التي كانت تقود سيارتها بسرعة معتادة وفوجئت باندفاع المجني عليه وظهوره في الطريق على مسافة قصيرة لا يمكنها معها تجنب الاصطدام به ومن ثم فقد انهار ركن الخطأ وانتفت بالتالي المسئولية المدنية التي أساسها الخطأ". لما كان ذلك، وكان الأصل أن نقض الحكم وإعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإحالة بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض، فلا تتقيد بما ورد في الحكم الأول في شأن تقدير وقائع الدعوى ولا يقيدها حكم النقض في إعادة تقديرها بكامل حريتها. ولما كان الطاعنون ينعون على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون لمجرد مخالفته قضاء محكمة النقض، وكانت هذه المخالفة - بفرض وقوعها - لا يصح أن تكون وجهاً للطعن إلا إذا كان محل المخالفة المدعاة يصلح في ذاته لأن يكون وجهاً للطعن على الحكم، فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد يكون غير سديد. ومع ذلك فإن البادي من مراجعة حكم النقض والحكم المطعون فيه أنه ليس ثمة تعارض بينهما لأن الوقائع التي اعتمدت عليها محكمة الإحالة في نفى الخطأ عن المتهمة وفي إلقاء تبعة الحادث على خطأ المجني عليه وحده تخالف تلك التي عول عليها الحكم المنقوض والتي كانت محلاً لقضاء محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائياً أو مدنياً مما يتعلق بموضوع الدعوى، وكانت محكمة الموضوع قد استخلصت من الأدلة السائغة التي أوردتها أن الحادث إنما يرجع إلى خطأ المجني عليه وحده بعبوره الطريق مندفعاً قبل أن يتحقق من خلوه من السيارات فاصطدم بالرفوف الأيسر لسيارة المتهمة وأن الأخيرة لم ترتكب ثمة خطأ يستوجب مساءلتها إذ كانت تقود سيارتها بسرعة عادية مكنتها من تهدئتها في مكان الحادث بالذات دون أن تترك آثار فرامل بسطح الطريق، ولم تأخذ بتصوير شاهد الإثبات من وقوع الحادث أثناء عبور المجني عليه للطريق من جانبه الأيمن إلى الجانب الأيسر فصدمته المتهمة بسيارتها التي كانت تقودها بسرعة كبيرة نظراً لما استبانته من أن أقواله إنما بنيت على مجرد الاستنتاج فضلاً عما ثبت لديها من تناقض تصويره مع المعاينة والتقرير الطبي. ولما كان الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كما هي الحال في الدعوى المطروحة - فإنه لا يقبل من الطاعنين المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال المتهمة من عدم مشاهدتها للمجني عليه قبل الحادث وأنها فوجئت باصطدامه بالجانب الأيسر من سيارتها وأطرحت ما أثبت في موضع آخر من أقوالها بأنها رأته يتعجل عبور الطريق من الجانب الأيسر إلى الجانب الأيمن، وبررت إطراحها لهذا الشق من أقوال المتهمة بأسباب سائغة. ولما كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع تكوين عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة الدعوى - ولها في سبيل ذلك أن تجزئ الدليل - ولو كان اعترافاً - وتأخذ منه بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، فإنه لا يجوز للطاعنين مصادرتها في عقيدتها أو مجادلتها في عناصر اطمئنانها. لما كان ذلك، وكان يكفى في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي له بالبراءة إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة، وكان ما أثبته الحكم المطعون فيه من أن الحادث يرجع إلى خطأ المجني عليه وحده كاف في ذاته للرد على ما أورده الحكم المستأنف من أسباب الإدانة، فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد ينحل إلى جدل في تقدير أدلة الدعوى مما لا يقبل إثارته أمام هذه المحكمة. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً ومصادرة الكفالة وإلزام الطاعنين المصاريف المدنية ومقابل أتعاب المحاماة.