أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 19 - صـ 165

جلسة 5 من فبراير سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، وأنور أحمد خلف.

(29)
الطعن رقم 2113 لسنة 37 القضائية

(أ، ب، ج) إثبات. "إثبات بوجه عام". تزوير. "الطعن بالتزوير". إجراءات المحاكمة. دفاع. دعوى جنائية "وقفها". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها. عمل.
( أ ) الطعن بالتزوير. ماهيته؟ وسيلة دفاع وتطبيق خاص لحالة توقف الفصل في دعوى جنائية على الفصل في دعوى جنائية أخرى وفق الإجراءات المرسومة قانوناً - ودون توسع فيها أو قياس عليها.
(ب) عدم قبول مجادلة المحكمة في رفضها وقف الدعوى إلى أن يفصل في الطعن بالتزوير، ما دامت قد خلصت إلى أن الفصل في الدعوى لا يقتضي ذلك.
(ج) شرط قبول وجه الطعن. أن يكون واضحاً محدداً.
(د، هـ) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "إثبات بوجه عام" محضر الجلسة. أوراق رسمية. "حجيتها".
(د) حق القاضي الجنائي في عدم الأخذ بالدليل المستمد من أية ورقة رسمية.
(هـ) تقدير الدليل المستمد من محضر الجلسة من إطلاقات قاضي الموضوع.
(و) شركات. "تمثيلها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب" عقد.
حلول الطاعن في تمثيل الشركة محل ممثلها السابق. اعتبار العقد المحرر بين الأخير والمطعون ضده لا زال قائماً.
(ز) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم جواز مجادلة محكمة الموضوع في تقدير الأدلة.
(ح) دعوى مدنية. حكم. "بياناته. بيانات التسبيب".
بيانات تسبيب الحكم للدعوى المدنية؟
(ط) حكم. "وضعه. إصداره. التوقيع عليه". "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفوع. " الدفع ببطلان الحكم".
العبرة في الأحكام هي بالصورة التي يحررها الكاتب ويوقع عليها هو ورئيس الجلسة.
1 - الطعن بالتزوير في ورقة من أورق الدعوى هو من وسائل الدفاع التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع، وهو من ناحية أخرى يعد وفقاً للمادة 297 من قانون الإجراءات الجنائية تطبيقاً خاصاً لحالة توقف الفصل في الدعوى الجنائية على الفصل في دعوى جنائية أخرى طبقاً للإجراءات التي رسمها القانون وفي نطاق هذه الإجراءات وحدها ودون التوسع فيها أو القياس عليها، وقد جعل القانون هذا الإيقاف جوازياً للمحكمة بحسب ما تراه من ضرورته أو عدم ضرورته للفصل في الدعوى المنظورة أمامها.
2 - إذا كانت المحكمة قد انتهت في استخلاص سائغ إلى أن الفصل في الطعن بالتزوير على محضر الجلسة لا يتوقف عليه الفصل في الدعوى المنظورة أمامها وقضت برفض طلب وقف الدعوى، فإنه لا تقبل مجادلتها في هذا الشأن.
3 - من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً، فإذا كان الطاعن لم يفصح عن مضمون المستندات التي يقول إنه قدمها بالجلسة والتي يدعى بسرقتها، حتى يتضح مدى أهميتها في الدعوى المطروحة وهل تحوي دفاعاً جوهرياً يتعين على المحكمة أن تعرض له وترد عليه فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يكون مقبولاً.
4 - من المقرر في المواد الجنائية أن القاضي في حل من الأخذ بالدليل المستمد من أية ورقة رسمية، ما دام هذا الدليل غير مقطوع بصحته ويصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي استخلصها القاضي من باقي الأدلة، أما ما جاء في القانون عن حجية الأوراق الرسمية والأحكام المقررة للطعن فيها فمحله الإجراءات المدنية والتجارية حيث عينت الأدلة ووضعت قواعدها التي يلتزم القاضي بأن يجرى في قضائه على مقتضاها.
5 - اعتبار محضر الجلسة حجة بما جاء فيه إلى أن يثبت ما ينفيه بالطعن بالتزوير لا يعني أن تكون المحكمة ملزمة بالأخذ بالدليل المستمد منه ما لم يثبت تزويره، بل إن للمحكمة أن تقدر قيمته بمنتهى الحرية فترفض الأخذ به ولو لم يطعن فيه على الوجه الذي رسمه القانون.
6 - إذا كان البين من مساق الحكم أنه يقصد أن الطاعن وقد حل محل المدير السابق بعد وفاته في تمثيل الشركة فإن عقد الاتفاق المحرر بين المطعون ضده، والممثل القانوني السابق للشركة يظل قائماً. ومن ثم فإن النعي على الحكم بالخطأ في الإسناد لا يكون له محل.
7 - إذا أثبت الحكم من واقع مستندات المطعون ضده التي أخذ بها واطمأن إليها أن المذكور كان يعمل بالشركة التي أصبح الطاعن ممثلاً لها، فإن ما يثيره الأخير من منازعة في تمثيل الشركة أو اشتغال المطعون ضده لها ينحل في حقيقة الأمر إلى جدل في تقدير الأدلة مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أمام محكمة النقض.
8 - إذا كان الحكم الابتدائي قد أبان في تفصيل مضمون مستندات الطرفين وأثبت اسم المدعى بالحقوق المدنية، وبين علاقته بالطاعن كما بين سبب مطالبة الأخير له بالتعويض في دعواه المدنية، فإنه لا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم من قصور في بيان موضوع الدعويين المدنيتين أو في بيان مستندات الطرفين.
9 - من المقرر أن العبرة في الأحكام هي بالصورة التي يحررها الكاتب ويوقع عليها هو ورئيس الجلسة، لأنها هي التي تحفظ في ملف الدعوى وتكون المرجع في أخذ الصورة التنفيذية وغيرها، فإذا كان الحكم المطعون فيه قد رد على الدفع ببطلان الحكم الابتدائي بدعوى حصول تغيير في منطوقه وأطرحه لما ثبت للمحكمة من مطابقة منطوق ذلك الحكم المبين بالمسودة المحررة بخط القاضي للمنطوق الثابت بالصورة الرسمية الموقع عليها منه، فإنه يكون قد رد رداً سديداً في القانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 3 سبتمبر سنة 1961 بدائرة قسم مصر القديمة: امتنع عن أداء الأجر المستحق ليوسف حمدان ابتداء من أول فبراير سنة 1960، وطلبت عقابه بالمادتين 47/ أ و221 من القانون رقم 91 لسنة 1959، ولدى نظر الدعوى أمام محكمة مصر القديمة الجزئية ادعى بحق مدني يوسف حمدان المجني عليه وطلب الحكم له قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت كما ادعى مدنياً الحاضر مع المتهم وطلب الحكم له قبل المدعى بالحق المدني يوسف حمدان بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً لما أصاب المتهم من ضرر نتيجة اتهامه، كما دفع بعدم قبول الدعوى المدنية لأنها تعطل الفصل في الدعوى الجنائية وبعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها وطعنه في محضر جلسة 19 فبراير سنة 1962 بالتزوير. وبعد أن أنهت المحكمة المذكورة سماع الدعوى قضت حضورياً في 14 يونيه سنة 1962 عملاً بمادتي الاتهام (أولاً) بتغريم المتهم 500 قرش عن التهمة المنسوبة إليه (ثانياً) برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة والدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها والدفع بعدم قبول الدعوى المدنية لأنها تعطل الفصل في الدعوى العمومية (ثالثاً) برفض طلب وقف الدعوى لحين الفصل في الطعن بالتزوير. (رابعاً) بعدم قبول الدعوى المدنية المرفوعة من المتهم وإلزامه المصروفات المدنية. (خامساً) إلزام المتهم أن يدفع إلى المدعى بالحق المدني قرشاً صاغاً على سبيل التعويض المؤقت مع إلزامه المصروفات المدنية وثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة والنفاذ. فاستأنف المحكوم عليه هذا الحكم ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بعدم جواز الاستئناف وألزمت المستأنف المصروفات المدنية الاستئنافية ومائتي قرش أتعاباً للمحاماة.
فطعن المحكوم عليه في الحكم الأخير بطريق النقض وقضي فيه بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة القاهرة الابتدائية لتفصل فيها من جديد دائرة استئنافية أخرى وإلزام المطعون ضده المصاريف المدنية ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. أعيدت الدعوى ثانية إلى محكمة القاهرة الابتدائية وقضت حضورياً بعدم قبول استئناف المتهم وإلزامه المصروفات المدنية الاستئنافية وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة بلا مصروفات جنائية. فطعن الطاعن في هذا الحكم للمرة الثانية.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم فيه إذ قضى بعدم جواز استئناف الحكم الابتدائي قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله، ذلك بأن الطاعن استأنف الحكم الابتدائي لما شابه من خطأ في تطبيق القانون وفقاً للفقرة الأخيرة من المادة 402 من قانون الإجراءات الجنائية قبل تعديلها بالقانون رقم 107 لسنة 1962 لأن الثابت بالأوراق أن الطاعن بعد أن طعن بتزوير محضر جلسة 19 فبراير سنة 1962 بتقرير في قلم كتاب المحكمة طلب من المحكمة الجزئية وقف الدعوى لحين الفصل في الطعن بالتزوير إلا أن المحكمة قضت برفض الدفع واستندت في ذلك إلى أن العبارة المطعون عليها بالتزوير لا يترتب عليها الفصل في الدعوى ولا أثر لها في تكوين عقيدة المحكمة في حين أن الطعن بالتزوير امتد إلى عدة مواضع من محضر الجلسة على ما يبين من تقرير الطعن، وإنه على الرغم من هذا التسبيب القاصر فقد عاد الحكم واستند إلى هذا المحضر ذاته في الرد على دفاع الطاعن مع أن المحضر لم يكن وقتذاك مرفقاً بالأوراق بل كان محرزاً. كما أن المحكمة لم تطلع على مستندات الطاعن التي قدمها بجلسة 5 مارس سنة 1962 مما مفاده أنها أطرحت دفاعه بغير أن تمحصه أو ترد عليه. هذا إلى أنه ما كان يجوز للمحكمة أن تستند في قضائها إلى ما يخالف الثابت بمحضر جلسة 19 فبراير سنة 1962 ما دام أنه ورقة رسمية لها حجيتها في الإثبات ما لم يجر تصحيحها بالطريقة التي رسمها القانون. ومن ناحية أخرى فقد دفع الطاعن بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة إذ لا رابطة بينه وبين المجني عليه بيد أن الحكم أطرح هذا الدفع مستنداً إلى أن الطاعن قد وقع على عقد الاتفاق المؤرخ 16 أكتوبر سنة 1943 وهو ما يخالف الثابت بالأوراق لأن الطاعن أنكر توقيعه عليه فلا يقوم حجة ضده فضلاً عن أن المجني عليه لم يدع توقيع الطاعن على العقد بل ذكر أن صالح عيد هو الذي وقع عليه بصفته ممثلاً للشركة ومع ذلك فقد انتهى هذا العقد بانتهاء مدته في سنة 1951 ثم إن الحكم عول في إدانة الطاعن على الدليل المستمد من محضر ضبط الواقعة بغير أن يورد مؤداه، واعتمد في التدليل على توافر صفة المدعى على مستندات لم يبين فحواها، وأغفل تحديد أطراف الدعوى المدنية التي أقامها الطاعن ضد المجني عليه وموضوعها، كما أدخل تغييراً على منطوقه عقب النطق به بأن أضاف إليه وصف النفاذ. وأخيراً فإن المحكمة قد دانت الطاعن بجريمة الامتناع عن أداء الأجر للمجني عليه اعتباراً من أول فبراير سنة 1961 بغير أن تثبت أنه أدى عملاً للطاعن خلال هذه المدة ولا يغير من ذلك أن يكون المجني عليه قد اشتغل لدى الشركة التي يزعم قيامها فقد كان لزاماً على المحكمة أن تتحقق من تمثيل الطاعن لهذه الشركة لأن المسئولية الجنائية شخصية وقد أثار الطاعن هذه المثالب جميعها لدى محكمة الدرجة الثانية وقدم لها مستندات رسمية تؤيد دفاعه إلا أن الحكم المطعون فيه لم يتناول في رد هذه المآخذ جميعها وما أورده منها جاء مجملاً مجهلاً فغدا الحكم معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي بين واقعة الدعوى بما مفاده أن المطعون ضده تقدم بشكوى إلى مكتب العمل يتهم فيها الطاعن بأنه بصفته مديراً لشركة صالح عيد قد أمتنع عن سداد أجره ابتداء من يناير سنة 1961 وثبت من محضر ضبط الواقعة المؤرخ 3 سبتمبر سنة 1961 أن الطاعن بصفته مديراً للشركة أمتنع عن أداء الأجر المستحق للمطعون ضده اعتباراً من أول فبراير سنة 1961 حتى تاريخ تحرير ذلك المحضر. وبسؤال الطاعن قرر أنه لا يمثل الشركة التي توقفت أعمالها منذ أكتوبر سنة 1952. ثم استظهر الحكم الدعويين المدنيتين المرفوعتين من كل من الطرفين على الآخر ودفاع كل منهما ومستنداته وعرض بعد ذلك إلى ما دفع به الطاعن من انتفاء صفة المطعون ضده ورد عليه بأن علاقة الأخير بالشركة ثابتة من عقد الاتفاق المحرر بينهما والمؤرخ 16/ 10/ 1943 والذي ما زال قائماً ومن أوراق الشركة الموقع عليها من مأمور الضرائب والطاعن والمطعون ضده والمؤرخة 24 و25 يونيه سنة 1953 ومن التوكيل الصادر من المرحوم صالح عيد ممثل الشركة إلى المطعون ضده والطاعن ومن محضر الاتفاق المؤرخ 10 أكتوبر سنة 1955 بين مصلحة الضرائب والشركة ومن التوكيل الصادر من شقيق الطاعن إلى المطعون ضده بتاريخ 9 أبريل سنة 1960 والإخطار الصادر من مصلحة الضرائب بتاريخ 2 مارس سنة 1958 إلى الطاعن بصفته شريكاً متضامناً في الشركة مما يفيد قيامها وأنها ما زالت تمارس نشاطها وإن اختلفت صورته عما كان عليه الحال من قبل وأن علاقة المطعون ضده بالشركة لا زالت قائمة. ولا يقدح في ذلك ما دفع به الطاعن من أن تلك الشركة قد شطبت من السجل التجاري لأن هذا الأمر يتوقف على إرادة الطاعن ولا يعد دليلاً على تصفية الشركة وأن الإقرارين اللذين تقدم بهما الطاعن والصادرين من عاملين بالشركة باستلام مكافآتهما لتوقف أعمالها ليس من شأنهما التدليل على إنهاء تلك الشركة أو حلها فإن كان نشاطها الخاص بالعمل مع الجيش البريطاني قد توقف فإن هذا لا يفيد أنها لم تمارس أوجه نشاطها الأخرى التي كان المطعون ضده مضطلعاً بها. ثم تصدى الحكم لطلب وقف الدعوى لحين الفصل في الطعن بتزوير محضر جلسة 19 فبراير سنة 1962 وأطرحه بما محصله أن الفصل في الدعوى لا يتوقف على القضاء في الإدعاء بالتزوير إذ أن المحكمة كونت عقيدتها من محضر الضبط ومستندات المطعون ضده ثم عرضت المحكمة للدعوى المدنية المرفوعة من المطعون ضده قبل الطاعن وقضت بقبولها وإلزام الطاعن بالتعويض المؤقت المطالب به لأن الطاعن قد ارتكب خطأ في حقه بامتناعه عن وفائه بأجره وتصدت المحكمة بعد ذلك إلى الدعوى المدنية التي رفعها الطاعن قبل المطعون ضده وقضت برفضها تأسيساً على أن هذا الأخير لم يرتكب ثمة جريمة بل إنه كان يمارس حقه الشرعي في التبليغ عن جريمة امتناع الطاعن عن سداد الأجر المستحق له. ويبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه عرض إلى ما يثيره الطاعن في طعنه ورد عليه في قوله "حيث إن المحكمة ترى أنه لا محل لجميع ما طعن فيه المتهم الطاعن على الحكم المستأنف إذ جاء الحكم مستوفياً أركانه القانونية ومطابقاً للقواعد الصحيحة ولا خطأ فيه في تطبيق القانون أو إخلال بحق الدفاع ويؤيد ذلك (أولاً) أنه لا محل للقول بأن الحكم لم يشتمل على الأسباب التي بني عليها والواقعة المنسوبة للمتهم ونص القانون لأنه بمراجعة الحكم المستأنف يبين أنه أوضح تماماً موضوع الاتهام ومواد القانون المطالب بتطبيقها على هذا الاتهام وشرح أسباب الحكم شرحاً مستفيضاً وافياً. (ثانياً) إن للمحكمة الجنائية أن تكون عقيدتها دون الرجوع إلى أية مستندات بالطريقة التي تطمئن إليها فلا محل للقول بسرقة مستندات من ملف الدعوى أو تغيير مدعى به في محضر إحدى الجلسات الأمر الذي ترى المحكمة أنه لا دليل عليه، واكتفاء المحكمة في تكوين عقيدتها من محضر الضبط كاف ولا تناقض فيه (ثالثا). إن الحكم المستأنف رد على طلب وقف الدعوى للأسباب العديدة التي أوردها وكان رده يتفق مع القواعد السليمة خاصة وأن المدني لا يوقف الجنائي وإدعاء شهادة زور من أحد الشهود لا يتعين معه وقف الفصل في الدعوى الحالية (رابعاً) إن الحكم المستأنف أورد الأسباب التي أستند إليها في إدانة المتهم ولا تناقض فيها وشرح شرحاً وافياً رده على دفوع المتهم بعدم قبول الدعوى قبله كما أنه لا محل للتمسك بأحكام القانون التجاري التي أشار إليها لأنها لا علاقة لها بالدعوى الحالية فموضوع الدعوى الحالية امتناع عن أداء أجر ولم تسقط الجريمة فيها. (خامساً) لا محل للقول بوقوع تغيير في الحكم الصادر من محكمة أول درجة فإن منطوق هذا الحكم الوارد بالمسودة المحررة بخط السيد القاضي يطابق تماماً الحكم الموقع عليه منه وهو الحكم الصحيح الذي يحتج به قبل المتهم ولا يغير من هذا وقوع خطأ مادي في آخر منطوق الحكم الوارد بمحضر الجلسة والذي سقط منه النص على أتعاب المحاماة خاصة وأن القضاء بمصاريف الدعوى على المدعي المدني يتضمن قضاء في أتعاب المحاماة وإعلان المتهم بمنطوق حكم فيه تغيير عن الحكم المستأنف لا يترتب عليه بطلان هذا الحكم لأن الأحكام الجنائية العبرة فيها بالحكم الصادر وليس بالإعلان المعلن به الحكم إلى المتهم "ثم خلص الحكم إلى القول "إنه تأسيساً على ما تقدم ترى المحكمة أنه لا محل لجميع ما طعن به المتهم على الحكم المستأنف كما أن هذا الحكم غير جائز استئنافه إعمالاً للمادة 402 أ. ج على النحو السابق بيانه ومن ثم ترى المحكمة الحكم بعدم جواز الاستئناف وما أورده الحكم فيما تقدم سائغ وسديد في القانون، ذلك بأن الطعن بالتزوير في ورقة من أوراق الدعوى هو من وسائل الدفاع التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع وهو من ناحية أخرى يعد - وفقاً للمادة 297 من قانون الإجراءات الجنائية - تطبيقاً خاصاً لحالة توقف الفصل في الدعوى الجنائية على الفصل في دعوى جنائية أخرى طبقاً للإجراءات التي رسمها القانون وفي نطاق هذه الإجراءات وحدها دون التوسع فيها أو القياس عليها، وقد جعل القانون هذا الإيقاف جوازياً للمحكمة بحسب ما تراه من ضرورته أو عدم ضرورته للفصل في الدعوى المنظورة أمامها. وإذ ما كانت المحكمة قد انتهت في استخلاص سائغ إلى أن الفصل في الطعن بالتزوير على محضر جلسة 19 فبراير سنة 1962 لا يتوقف عليه الفصل في الدعوى المنظورة أمامها وقضت برفض طلب وقف الدعوى، فإنه لا يقبل من الطاعن مجادلتها في هذا الشأن. أما النعي على الحكم بأنه عاد واستند إلى هذا المحضر في إطراح دفاع الطاعن فهو نعى لا يتفق مع الواقع، إذ لا يبين من مدونات الحكم أنه عول على ذلك المحضر في قضائه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً. ولما كان الطاعن لم يفصح عن مضمون المستندات التي يقول إنه قدمها بجلسة 5 مارس سنة 1962 والتي يدعى بسرقتها حتى يتضح مدى أهميتها في الدعوى المطروحة وهل تحوي دفاعاً جوهرياً يتعين على المحكمة أن تعرض له وترد عليه فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً. أما القول بأنه ما كان يجوز للمحكمة أن تستند في قضائها إلى ما يخالف الثابت بمحضر جلسة 19 فبراير سنة 1962 لأنه محضر رسمي له حجيته في الإثبات فهو قول غير سديد، ذلك بأن اعتبار محضر الجلسة حجة بما جاء فيه إلى أن يثبت ما ينفيه بالطعن بالتزوير لا يعني أن تكون المحكمة ملزمة بالأخذ بالدليل المستمد منه ما لم يثبت تزويره، بل إن للمحكمة أن تقدر قيمته بمنتهى الحرية فترفض الأخذ به ولو لم يطعن فيه على الوجه الذي رسمه القانون، إذ من المقرر في المواد الجنائية أن القاضي في حل من عدم الأخذ بالدليل المستمد من أية ورقة رسمية ما دام هذا الدليل غير مقطوع بصحته ويصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي استخلصها القاضي من باقي الأدلة، أما ما جاء في القانون عن حجية الأوراق الرسمية والأحكام المقررة للطعن فيها فمحله في الإجراءات المدنية والتجارية حيث عينت الأدلة ووضعت قواعدها التي يلتزم القاضي بأن يجرى في قضائه على مقتضاها. لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي قد أثبت أن عقد الاتفاق المؤرخ 16 أكتوبر سنة 1943 كان معقوداً بين المدعى بالحقوق المدنية وبين المرحوم صالح عيد بصفته ممثلاً لشركة "صالح عيد وشركاه" وبعد وفاته أصبح الطاعن هو الممثل لهذه الشركة حسبما تبينته المحكمة من واقع مستندات المطعون ضده. وكان الحكم وإن ذكر بعد ذلك "أن صفة المتهم - الطاعن - ثابتة من عقد الاتفاق المحرر بتاريخ 16/ 10/ 1943 بين المتهم بصفته ممثلاً لشركة صالح عيد وشركاه وبين المدعى بالحق المدني إلا أن البين من مساق الحكم أنه يقصد أن الطاعن وقد حل محل صالح عيد بعد وفاته في تمثيل الشركة فإن عقد الاتفاق المذكور يكون قائماً بين الطاعن والمطعون ضده، ومن ثم يكون النعي على الحكم بالخطأ في الإسناد لا محل له. أما ما استطرد إليه الطاعن من نعى على الحكم الابتدائي بالقصور في البيان لأنه لم يبين مؤدى الدليل المستمد من محضر ضبط الواقعة، فإنه نعى غير صحيح، ذلك بأن الحكم حصل مؤدى الدليل المستمد من ذلك المحضر بما له أصله الثابت بالمفردات المضمومة. لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي قد أبان في تفصيل مضمون مستندات الطرفين، وأثبت اسم المدعي بالحقوق المدنية، وبين علاقته بالطاعن كما بين سبب مطالبة الأخير له بالتعويض في دعواه المدنية فإنه لا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم من قصور في بيان موضوع الدعويين المدنيتين أو في بيان مستندات الطرفين. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد رد على الدفع ببطلان الحكم الابتدائي بدعوى حصول تغيير في منطوقه وأطرحه لما ثبت للمحكمة من مطابقة منطوق ذلك الحكم المبين بالمسودة المحررة بخط القاضي للمنطوق الثابت بالصورة الرسمية الموقع عليها منه، وهو رد سديد في القانون ذلك بأنه من المقرر أن العبرة في الأحكام هي بالصور التي يحررها الكاتب ويوقع عليها هو ورئيس الجلسة، لأنها هي التي تحفظ في ملف الدعوى وتكون المرجع في أخذ الصورة التنفيذية وغيرها ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي قد أثبت من واقع مستندات المطعون ضده - التي أخذ بها واطمأن إليها أنه كان يعمل بالشركة التي أصبح الطاعن ممثلاً لها، فإن ما يثيره الأخير من منازعة في تمثيله لتلك الشركة أو في اشتغال المطعون ضده بها ينحل في حقيقة الأمر إلى جدل في تقدير الأدلة مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أمام هذه المحكمة. لما كان ما تقدم، فإن النعي برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.