أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 19 - صـ 176

جلسة 5 من فبراير سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمد محفوظ، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الوهاب خليل، وحسين سامح، ومحمود العمراوي، ومحمود عطيفة.

(30)
الطعن رقم 2274 لسنة 37 القضائية

(أ، ب، ج) حريق عمد. جريمة. "أركان الجريمة". قصد جنائي. قصد احتمالي. باعث. مسئولية جنائية.
( أ ) تحقق القصد الجنائي في جريمة الحريق العمد المنصوص عليها في المادة 253 عقوبات. متى وضع الجاني النار في شيء من الأشياء المذكورة بها عالماً بملكيته للغير.
(ب) توجه الإرادة اختياراً إلى وضع النار. كفايته لتوافر العمد في معنى المادة 253 عقوبات.
(ج) كفاية وضع النار عمداً في مخزن مملوك للغير لقيام المسئولية الجنائية وفق المادة 253 عقوبات. وجوب مؤاخذة المتهم بقصده الاحتمالي ومساءلته عن كافة النتائج المترتبة على فعله.
1 - القصد الجنائي في جريمة الحريق العمد المنصوص عليها في المادة 253 من قانون العقوبات يتحقق متى وضع الجاني النار في شيء من الأشياء المذكورة بهذه المادة وكان عالماً بأن هذا الشيء مملوك لغيره - بقطع النظر عما يكون لديه من باعث - إذ لا تؤثر البواعث على قيام الجريمة.
2 - العمد في معنى المادة 253 من قانون العقوبات، هو توجه الإرادة اختياراً إلى وضع النار أيا كان الباعث عليه - أي سواء أكان الغرض من ذلك هو إحراق المكان ذاته أم كان وضع النار وسيلة لتحقيق غرض آخر.
3 - متى كان الظاهر من الوقائع التي أثبتها الحكم المطعون فيه أن المتهم الأول تعمد وضع النار في المخزن المملوك للشركة المجني عليها - بأن أشعل قطعة من القماش ووضعها داخل ذلك المخزن، فإنه يكون مسئولاً جنائياً وفقاً للمادة 253 من قانون العقوبات مهما يكون من قصده الأول في وضع النار عمداً، هذا فضلاً عن وجوب مؤاخذته بقصده الاحتمالي ومساءلته عن كافة النتائج الناشئة عن فعله.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهما بأنهما في ليلة 25 من أغسطس سنة 1965 بدائرة قسم الشرق محافظة بورسعيد: (أولاً) المتهم الأول: وضع النار عمداً في مخازن شركة التوكيلات التجارية للنقل بالسيارات غير المعدة للسكن وغير المملوكة له وكان ذلك بأن أشعل النار في قطعة من الملابس ووضعها مشتعلة داخل المخازن بالقرب مما بها من البضائع. (ثانياً) المتهم الثاني: اشتراك بطرق التحريض والاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في ارتكاب الجريمة سالفة الذكر بأن حرضه على ارتكابها واتفق معه على أن يخبئه داخل صندوق من الخشب يقوم بتوصيله إلى مقر الشركة باعتبار أن به ماكينة تريكو مطلوب نقلها بسيارات الشركة إلى القاهرة وعلى أنه عقب انصراف موظف الشركة ليلاً وإغلاق مخازنها يقوم هو بالخروج من الصندوق ثم يسرق ما يجده من نقود ويمكث داخل المخازن حتى الصباح حيث يقوم بإشعال النار بها توقعاً لإسراع الأهالي ورجال المطافئ إلى دخول المخازن لإطفاء النار ومن ثم يتمكن من الهرب أثناء ما يصاحب ذلك عادة من اضطراب. كما ساعده على ارتكاب هذه الجريمة بأن قام بإخفائه داخل صندوق خشبي أعده لذلك وأوصل الصندوق إلى مخازن الشركة وأدخله بها وقد وقعت الجريمة بناء على هذا التحريض وذلك الاتفاق وتلك المساعدة. (ثالثاً) المتهم الأول أيضاً: شرع في سرقة جهاز الراديو المملوك لمحمود محمد السيد الشهير بالمصري وطوابع التمغة والمطواة المملوكة لشركة التوكيلات للنقل بالسيارات المبينة الوصف والقيمة بالمحضر حالة كونه يحمل سلاحاً" سكيناً" ولم تتم الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو ضبطه وتلك الجريمة في حالة تلبس. (رابعاً) المتهم الثاني أيضا: اشترك بطرق التحريض والاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في ارتكاب الجريمة سالفة الذكر بأن حرضه على ارتكابها واتفق معه على العمل على إدخاله إلى مخازن الشركة داخل صندوق من الخشب باعتبار أن به إحدى الماكينات وعلى أنه عقب انصراف موظف الشركة وإغلاق أبوابها يقوم بالخروج من الصندوق مستعيناً بالسكين التي أعطاها له وسرقة ما يجده من نقود كما ساعده على ارتكاب هذه الجريمة بأن قام بإخفائه داخل صندوق خشبي أعده لذلك وأوصل الصندوق إلى مخازن الشركة وأدخله بها فعلاً وقد وقعت الجريمة بناء على هذا التحريض وذلك الاتفاق وتلك المساعدة. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما طبقاً لمواد الاتهام، فقرر بذلك، ومحكمة جنايات بورسعيد قضت حضورياً عملاً بالمواد 40 و41 و45 و47 و317/ 4 - 6 و321 من قانون العقوبات (أولاً) ببراءة المتهمين مما أسند إليهما عن التهمة الأولى وهي الحريق والاشتراك فيه (ثانياً) بمعاقبة المتهم الأول بالحبس مع الشغل مدة سنة واحدة عن تهمة الشروع في السرقة ومعاقبة المتهم الثاني بالحبس مع الشغل مدة ستة شهور وذلك عن تهمة الاشتراك في الشروع في السرقة. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن مما تنعاه النيابة العامة على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المتهمين (المطعون ضدهما) من تهمة الحريق العمد المسندة إلى أولهما والاشتراك فيه المسندة إلى ثانيهما قد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه أسس قضاءه على نفي توافر القصد الجنائي في حق المتهمين قولاً منه بأن المتهم الأول لم يقصد إحراق المكان أو محتوياته وإنما قصد من إشعال النار في قطعة القماش مجرد الإيهام بوجود حريق نتيجة تسرب الدخان إلى الخارج حتى يتمكن من الهرب بما يحمله من مسروقات، في حين أن القصد الجنائي في جريمة الحريق العمد يتحقق بمجرد وضع النار عمداً في المكان أياً كان الباعث على هذا الفعل أو نتيجته. ومن ثم يكون الحكم قد أخطأ فيما ذهب إليه في هذا الخصوص مما يعيبه ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أثبت بياناً لواقعة الدعوى أن "اتفاقاً تم بين المتهمين (المطعون ضدهما) على ارتكاب جريمة سرقة من مقر شركة التوكيلات للنقل. وكان سبيلهما إلى تنفيذ هذا الاتفاق أن يقوم المتهم الثاني....... بوضع المتهم الأول.... داخل صندوق خشبي وإغلاقه عليه ثم تسليم الصندوق في المساء إلى مكتب الشركة بزعم أنه يحتوى على ماكينات (تريكو) لنقلها إلى شخص بالقاهرة. فإذا ما أغلقت الشركة أبوابها عمل المتهم الأول على الخروج من الصندوق بعد أن يرفع غطاءه غير المحكم ثم يستولى على ما يمكن أن يجده قابلاً للسرقة فإذا ما أقبل الصباح أشعل قطعة من القماش ليصدر عنها دخان يظنه الناس حريقاً بداخل الشركة فيسعون إلى إطفائه وعندما تفتح الأبواب ويتجمع الناس يتمكن المتهم الأول من الهرب متسللاً بين جمهور الناس. وبالفعل سلم المتهم الثاني الصندوق إلى شركة النقل وبداخله المتهم الأول وتم وزن الصندوق على أن بداخله ماكينات التريكو وبعد أن أغلقت الشركة خرج المتهم الأول من الصندوق وأخذ يبحث عما يسرقه فلم يجد سوى راديو ترانزستور وكمية من أوراق التمغة فاستولى عليها وظل متربصاً مقدم الصباح ثم أشعل النار في قطعة بالية من القماش انبعث عنها دخان ظنه الجيران حريقاً فأسرع بعضهم وأحضر مفتاح مقر الشركة من صاحبها وفتحوا الباب فلما أراد المتهم الأول أن يتسلل في غفلة من الحاضرين إلى الخارج قبضوا عليه ثم أخرجوا قطعة القماش مصدر الدخان إلى الخارج وأطفئوها دون أن تمتد النار إلى شيء من محتويات الشركة التي يبلغ اتساع مقرها نحو 30×30 متراً وقد اعترف المتهم الأول تفصيلاً في تحقيقات النيابة". وبعد أن أورد الحكم الأدلة التي استند إليها في إدانة المطعون ضده الأول بجريمة الشروع في السرقة وإدانة المطعون ضده الثاني بالاشتراك في هذه الجريمة - عرض إلى تهمة الحريق العمد المسندة إلى أولهما وإلى تهمة الاشتراك في الحريق المسندة إلى الثاني - وخلص إلى تبرئتهما مما نسب إليهما في هذا الخصوص وذلك بقوله "وحيث إنه عن التهمة الأولى (وضع النار عمداً والاشتراك فيها) فإنه متى كان قد ثبت للمحكمة أن المتهم الأول لم يتجه قصده إلى إحراق المكان أو شيء من محتوياته وإنما كان القصد من إشعال النار في قطعة القماش هو الإيهام بوجود حريق نتيجة تسرب الدخان إلى الخارج حتى يتمكن من الهرب بما يحمله من مسروقات فإن هذا الفعل لا يكون جريمة وضع النار عمداً كما هي معرفة قانوناً سيما وأن الثابت من المعاينة أن المكان الذي وضعت به قطعة القماش المشتعلة متسع جداً ومن ثم فلا يتحمل معه أن تمتد النار إلى محتوياته. كل ذلك يجعل هذه التهمة غير متوفرة الأركان كما أنه لم يثبت أن لقطعة القماش قيمة مادية حتى يمكن وصف الأفعال التي أتاها المتهم الأول بشأنها إتلافاً في مفهوم المادة 361 عقوبات ومن ثم بات متعيناً تبرئة المتهمين مما أسند إليهما في هذا الشأن". وما ذهب إليه الحكم فيما تقدم - وأسس عليه قضاءه - غير سديد في القانون، ذلك بأن القصد الجنائي في جريمة الحريق العمد المنصوص عليها في المادة 253 من قانون العقوبات يتحقق متى وضع الجاني النار في شيء من الأشياء المذكورة بهذه المادة وكان عالماً بأن هذا الشيء مملوك لغيره - بقطع النظر عما يكون لديه من باعث إذ لا تؤثر البواعث على قيام الجريمة، فمتى ثبت للمحكمة أن الجاني تعمد وضع النار على هذا الوجه وجب تطبيق تلك المادة. والعمد هنا معناه توجه الإرادة اختياراً إلى وضع النار أياً كان الباعث عليه - أي سواء أكان الغرض من ذلك هو إحراق المكان ذاته أم كان وضع النار وسيلة لتحقيق غرض آخر. ولما كان الظاهر من الوقائع التي أثبتها الحكم المطعون فيه أن المطعون ضده الأول تعمد وضع النار في المخزن المملوك للشركة المجني عليها - بأن أشعل قطعة القماش ووضعها داخل ذلك المخزن على النحو الوارد بالحكم - فإنه يكون مسئولاً جنائياً وفقاً للمادة سالفة البيان مهما يكون من قصده الأول في وضع النار عمداً، هذا فضلاً عن وجوب مؤاخذته بقصده الاحتمالي ومساءلته عن كافة النتائج الاحتمالية الناشئة عن فعله. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. وإذ كان هذا الخطأ قد حجب المحكمة عن التعرض للعناصر الدالة على ثبوت أو انتفاء اشتراك المطعون ضده الثاني في جريمة الحريق العمد، كما حجبها عن أن تقول كلمتها في قيام الارتباط بين هذه الجريمة وجريمة الشروع في السرقة التي دين المطعون ضده الأول بها ودين المطعون ضده الثاني بالاشتراك فيها، فإنه يتعين - تحقيقاً لحسن سير العدالة - نقض الحكم المطعون فيه بالنسبة إلى جميع التهم المسندة إلى المطعون ضدهما والإحالة.