أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 17 - صـ 689

جلسة 23 من مايو سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: مختار مصطفى رضوان، ومحمد محمد محفوظ، ومحمود عزيز الدين سالم، ومحمود عباس العمراوي.

(127)
الطعن رقم 890 لسنة 36 القضائية

(أ، ب) محكمة الجنايات. تصد. دعوى جنائية. "إقامتها".
( أ ) حق محكمة الجنايات في إقامة الدعوى الجنائية عن جناية أو جنحة مرتبطة بالتهمة المعروضة عليها استثناء من مبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام والمحاكمة. هذا الحق محدود بتحريك الدعوى أمام سلطة التحقيق أو المستشار المندوب لتحقيقها من بين أعضاء الدائرة التي قصدت لها. للجهة التي تجرى التحقيق حرية التصرف في الأوراق حسبما يتراءى لها.
(ب) على محكمة الجنايات تأجيل الدعوى الأصلية حتى يتم التصرف في الدعوى الجديدة التي تصدت لها. عليها إذا أحيلت إليها وكانت مرتبطة بالدعوى الأصلية ارتباطاً لا يقبل التجزئة أن تحيل الدعويين معاً إلى محكمة أخرى.
1 - الأصل هو الفصل بين سلطتي الاتهام والمحاكمة حرصاً على الضمانات الواجب أن تحاط بها المحاكمات الجنائية، إلا أنه أجيز بمقتضى المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية من باب الاستثناء فيما أجازته لمحكمة الجنايات - لدواع من المصلحة العليا - ولاعتبارات قدرها المشرع نفسه - وهى بصدد الدعوى المعروضة عليها - أن تقيم الدعوى الجنائية عن جناية أو جنحة مرتبطة بالتهمة المعروضة عليها، ولا يترتب على استعمال هذا الحق غير تحريك الدعوى أمام سلطة التحقيق أو أمام المستشار المندوب لتحقيقها من بين أعضاء الدائرة التي تصدت لها، ويكون بعدئذ للجهة التي تجرى التحقيق حرية التصرف في الأوراق حسبما يتراءى لها.
2 - يجب على محكمة الجنايات تأجيل نظر الدعوى الأصلية المعروضة عليها حتى يتم التصرف في الدعوى الجديدة التي تصدت لها. فإذا أحيلت إليها وكانت مرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة بالدعوى الأصلية تعين عليها إحالة الدعويين إلى محكمة أخرى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يومي 15 و17/ 9/ 1958 بدائرة قسم مصر القديمة محافظة القاهرة: (أولاً) المتهم الأول 1 - بوصفه موظفاً عمومياً (موظفاً بحسابات مستشفى المنيل) ارتكب تزويراً في ورقتين أميريتين هما استمارة صرف مبلغ 1130 ج و533 م وشيك رقم 92234 منسوب صدوره من مستشفى المنيل الجامعي على بنك مصر حال تحريره المختص بوظيفته بأن اصطنع هاتين الورقتين ووقع عليهما بإمضاءات مزورة نسبها كذباً للموظفين المختصين بتحريرها (2) بوصفه موظفاً عمومياًً ارتكب تزويراً في أوراق رسمية هما صحيفتين من الدفتر 224 ع. ح صرفيات حال تحريره المختص بوظيفته بأن انتزاع صحيفتين منه ووضع بدلاً منهما ورقتين أخرتين أثبت فيهما على خلاف الحقيقة - صرف الاستمارة والشيك المبينين بالتهمة الأولى (3) بوصفه موظفاًً عمومياً اختلس ورقتين من الدفتر 224 ع. ح المسلم إليه بسبب وظيفته حالة كونه أميناً عليه (4) اشترك بطريق الاتفاق والتحريض والمساعدة مع المتهم الثاني الموظف العمومي في الاستيلاء على مبلغ 1130 ج و533 م للدولة المصرية بأن اتفق معه وحرضه على ذلك وساعده بأن سلمه الاستمارة والشيك المزورين فقام بصرفهما ووقعت الجريمة بناء على هذا الاشتراك (ثانياً) المتهم الثاني. (1) بوصفه موظفاً عمومياً استولى بغير حق على مبلغ 1130 ج و533 م للدولة المصرية (2) استعمل الاستمارة والشيك المزورين السالفى الذكر مع علمه بتزويرهما بأن قدمهما لبنك مصر مع علمه بتزويرهما لصرف قيمتهما (3) بوصفه موظفاًًً عمومياًًً استولى بغير حق على مال للدولة هو الاستمارة المزورة سالفة الذكر - (ثالثاً) المتهمان الأول والثاني (1) بوصفهما موظفين عموميين شرعاً في الاستيلاء على مال للدولة هو "المستندين 891 و910 لمستشفى المنيل الجامعي" بأن طلبا إلى شديد محمد شديد الموظف بالمستشفى المذكور تسليمهما إليهما للاستيلاء عليهما وأوقف أثر الجريمة لسبب خارج عن إرادتهما وهو ضبطهما والجريمة متلبس بها (2) اشتركا وآخر مجهول بطريق الاتفاق والتحريض في ارتكاب تزوير في ورقة أميرية هي الصحيفة رقم/ 12 من الدفتر 81 ع. ح ماهيات بأن اتفقا معه على إثبات صرف الاستمارة المزورة تحت رقم 786 على خلاف الحقيقة ففعل المجهول ذلك ووقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وذلك التحريض. وأحالتهما على محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 40/ 1 - 2 - 3 و41 و45 و46 و111 و112 و113 و118 و119 و211 و212 و214 من قانون العقوبات. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة جنايات القاهرة طلبت النيابة العامة تعديل وصف التهمة بإضافة مبلغ 812 ج و73 م إلى المبلغ المختلس ودفع الحاضر مع المتهم الثاني بعدم قبول الدعوى الجديدة لعدم ورودها بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة بعد أن سمعت الدعوى قضت حضورياً في 14 نوفمبر سنة 1966 عملاً بالمواد 40/ 1 - 2 - 3 و41 و111 و113 و118 و119 و151 و152 و213 و214 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 32/ 2 منه بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة مدة ثلاث سنوات وبعزلهما من وظيفتهما وإلزامهما متضامنين برد مبلغ 1130 ج 533 م وبتغريم كل منهما مبلغ 1130 ج 533 م. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إن النيابة العامة أحالت مباشرة للمحكمة الدعوى رقم 490 سنة 1955 أمن الدولة التي أتهم فيها مع الطاعن الأول باختلاس مبلغ 812 ج و73 م موضوع الشيك رقم 92234 والتزوير والاشتراك فيه، حال نظر القضية الأصلية رقم 351 سنة 1958 جنايات مصر القديمة للارتباط بين الدعويين، وقد دفع الطاعن بعدم قبول هذه الدعوى بعد أن سلب القانون رقم 107 لسنة 1962 النيابة العامة حق الإحالة المباشرة وضمت المحكمة هذا الدفع للموضوع إلا أنها عادت وبجلسة 4/ 1/ 1966 وقبل أن تفصل في الدعوى الأصلية وقررت إقامة الدعوى الجنائية ضده والطاعن الأول بالنسبة للدعوى الجديدة وإحالتها إلى النيابة العامة لإجراء شئونها فيها ورغم ذلك واصلت المحكمة بنفس الهيئة السير في الدعوى الأصلية وفصلت فيها بإدانة الطاعنين، وهو خطأ ومخالفة للقانون لأن الفقرة الأخيرة من المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية توجب إحالة القضية كلها إلى محكمة أخرى ما دامت المحكمة لم تكن قد فصلت في الدعوى الأصلية المرتبطة مع الدعوى الجديدة ارتباطاً لا يقبل التجزئة ورأت التصدي لها لعلة قيام سبب من أسباب التنحي المنصوص عليها بالمادة 247 إجراءات.
وحيث إن النيابة العامة أقامت الدعوى الجنائية رقم 351 سنة 1958 جنايات مصر القديمة قبل الطاعنين بوصف أنهما باعتبارهم موظفين عموميين استوليا بغير حق على مبلغ 1130 ج و533 م للدولة موضوع الشيك رقم 92234 وارتكبا تزويراً فيه وفي استمارة الصرف والدفاتر المعدة لإثبات عملية الصرف واختلاس أوراق منها والاشتراك في ذلك وأحالتهما إلى محكمة الجنايات بالوصف سالف البيان، ويبين من الاطلاع على محاضر الجلسات أنه في أثناء سير الدعوى أمام محكمة الجنايات وبجلسة 13/ 3/ 1963 طلبت النيابة تعديل وصف التهمة بإضافة مبلغ 812 ج و73 م الذي صرفه المتهمان بالشيك رقم 91744 موضوع الدعوى رقم 490 سنة 1955 أمن الدولة المضمومة إلى المبلغ المختلس موضوع الدعوى الأصلية لوحدة الغرض الإجرامي الذي يحتويه قصد المتهمين، وقد دفع الحاضر عن الطاعن الثاني بعدم قبول الدعوى الجديدة بعد أن سلب القانون رقم 107 لسنة 1962 النيابة العامة حق الإحالة المباشرة فضمت المحكمة هذا الدفع للموضوع، إلا أنها عادت وبجلسة 4/ 1/ 1964 وقبل أن تفصل في الدعوى الأصلية وقررت (أولاًً) إقامة الدعوى الجنائية ضد المتهمين بالنسبة لمبلغ 812 ج و73 م موضوع القضية 490 سنة 1955 أمن الدولة طبقاً لمواد الاتهام المقامة بها الدعوى الأصلية وإحالتها إلى النيابة العامة لإجراء شئونها فيها طبقاً للمادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية (ثانياً) التأجيل لجلسة 8/ 1/ 1966 لنظر القضية الأصلية ثم واصلت المحكمة - وبنفس الهيئة التي تصدت للدعوى الجديدة - السير في نظر الدعوى الأصلية وفصلت فيها بإدانة الطاعنين. لما كان ذلك، وكان الأصل هو الفصل بين سلطتي الاتهام والمحاكمة حرصاً على الضمانات الواجب أن تحاط بها المحاكمات الجنائية، إلا أنه أجيز بمقتضى المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية من باب الاستثناء فيما أجازته لمحكمة الجنايات - لدواع من المصلحة العليا ولاعتبارات قدرها المشرع نفسه - وهى بصدد الدعوى المعروضة عليها - أن تقيم الدعوى الجنائية عن جناية أو جنحة مرتبطة بالتهمة المعروضة عليها، ولا يترتب على استعمال هذا الحق غير تحريك الدعوى أمام سلطة التحقيق أو أمام المستشار المندوب لتحقيقها من بين أعضاء الدائرة التي تصدت لها، ويكون بعدئذ للجهة التي تجرى التحقيق حرية التصرف في الأوراق حسبما يتراءى لها، وإذا كانت المحكمة لم تفصل في الدعوى الأصلية - حين التصدي - وكانت مرتبطة مع الدعوى الجديدة ارتباطاً لا يقبل التجزئة - وجب إحالة القضية كلها إلى محكمة أخرى، بمعنى أنه يجب على المحكمة تأجيل الدعوى الأصلية حتى يتم التصرف في الدعوى الجديدة التي تصدت لها فإذا أحيلت إليها وجب عليها إحالة الدعويين إلى محكمة أخرى. لما كان ذلك، وكانت المحكمة رغم تصديها للدعوى الجديدة وإصدار قرارها فيها بإقامة الدعوى الجنائية ضد المتهمين وإحالتها إلى النيابة العامة لإجراء شئونها فيها، ورغم ما تضمنه قول النيابة العامة من ترشيح لحالة الارتباط بين الدعويين - واصلت السير في الدعوى الأصلية التي لم تكن قد فصلت فيها من بعد وحكمت نفس الهيئة في موضوعها دون أن تستظهر أمر الارتباط إثباتاً أو نفياً وتقول كلمتها فيه رغم ترشيح ظروف الحال له حتى تنتهي بالتالي لتقرير صلاحيتها أو عدم صلاحيتها لنظر الدعوى، فإن حكمها قد جاء مشوباًًًً بالقصور الذي أدى به إلى مخالفة القانون، ولا يؤثر في هذا القول أن الدفاع عن المتهمين قبل المرافعة في الدعوى الأصلية ولم يعترض في السير في المحاكمة لأن ما أجرته المحكمة - على ما سلف ذكره - وقع مخالفاً للنظام العام لتعلقه بأصل من أصول المحاكمات الجنائية لاعتبارات سامية تتصل بصلاحية المحكمة بنظر الدعوى برمتها، وإذ هي لم تفعل يكون حكمها قد خالف القانون ومعيباً بالقصور مما يحجب محكمة النقض عن بسط رقابتها في شأن صلاحية المحكمة في الفصل في الدعوى الأصلية.
وحيث إنه لما تقدم يتعين قبول هذا الوجه دون حاجة إلى بحث وجوه الطعن الأخرى، ونقض الحكم المطعون فيه والإحالة بالنسبة إلى الطاعنين لحسن سير العدالة