أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 17 - صـ 715

جلسة 31 من مايو سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ توفيق الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد صبري، وجمال المرصفاوي، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام.

(132)
الطعن رقم 119 لسنة 36 القضائية

( أ ) قتل عمد. اقتران.
شروط تغليظ العقاب عملاً بالمادة 234/ 2 عقوبات: استقلال الجريمة المقترنة عن جناية وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما. وقوع الجنايات المتعددة لغرض واحد أو تحت تأثير ثورة إجرامية واحدة. غير لازم.
(ب) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". جريمة. "أركانها". باعث.
الباعث ليس ركناً من أركان الجريمة ولا عنصراً من عناصرها. الخطأ فيه لا يؤثر في سلامة الحكم. ما دام أنه لم يتخذ منه دليلاً في الإدانة.
1 - يكفى لتغليظ العقاب عملاً بالفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات أن يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما، ولا أهمية لما إذا وقعت الجنايات المتعددة لغرض واحد أو تحت تأثير ثورة إجرامية واحدة، إذ العبرة هي بتعدد الأفعال وتميزها عن بعضها البعض بالقدر الذي يعتبر به كل منهما مكوناً لجريمة مستقلة عن الأخرى.
2 - الباعث على الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصراً من عناصرها، وبذلك فالخطأ فيه لا يؤثر في سلامة الحكم ما دام أنه لم يتخذ منه دليلاً في الإدانة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 4 يناير سنة 1964 بناحية مركز إيتاي البارود محافظة البحيرة: قتل محمد فتحي عبد المجيد درويش عمداً مع سبق الإصرار بأن صمم على قتله وأطلق عليه عياراً نارياً من بندقيته التي كان يحملها قاصداً قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنه في الزمان والمكان سالفي الذكر شرع في قتل عبد المجيد محمد درويش عمداً مع سبق الإصرار بأن صمم على قتله وأطلق عليه عياراً نارياً من بندقيته قاصداً قتله فأخطأه وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو عدم إحكام الرماية وهو الأمر المنطبق على المواد 45 و46 و230 و231 من قانون العقوبات. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للمواد 230 و231 و234/ 1 - 2 من قانون العقوبات، فصدر قراره بذلك. وادعت حميده منصور أبو هندي عن نفسها وبصفتها وصية على ولديها القاصرين عبد المجيد وفتحية - مدنياً قبل المتهم طالبة إلزامه بتعويض قدره ألف جنيه. كما ادعى عبد المجيد محمد درويش مدنياً قبله طالباً إلزامه بتعويض قدره مائة جنيه. ومحكمة جنايات دمنهور قضت حضورياً في 17 نوفمبر سنة 1965 عملاً بالمادتين 234/ 1 - 2 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة - بعد أن استبعدت ركن سبق الإصرار - وإلزامه بأن يدفع للمدعية بالحق المدني حميده منصور أبو هندي عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها قصر المرحوم محمد فتحي عبد المجيد درويش مبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض مع المصروفات المدنية ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة وألزمته أيضاً بأن يدفع للمدعي بالحق المدني عبد المجيد محمد درويش مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض والمصروفات المدنية ومبلغ ثلاثة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجناية القتل العمد المقترن بجناية شروع في قتل قد انطوى على خطأ في تطبيق القانون وشابه خطأ في الإسناد وقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم طبق في حقه المادة 234/ 2 من قانون العقوبات باعتبار أن جناية القتل العمد التي اقترفها قد اقترنت بها جناية شروع في قتل مما يقتضي استقلال كل من الجنايتين عن الأخرى بعنصريها المادي والمعنوي والحال أن ما أثبته الحكم في بيانه لواقعة الدعوى من أن فكرة التخلص من المجني عليهما قد نبتت لدى الطاعن في وقت واحد يستتبع اعتبار ما وقع منه مظهراً متعدداً لقصد استهدف إحداث نتيجة واحدة، وجدوى هذا النظر أن الحكم طبق المادة 17 من قانون العقوبات وقضى بمعاقبة الطاعن بالأشغال الشاقة المؤبدة ومن شأن استبعاد الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات وتطبيق الفقرة الأولى منها أن تصبح العقوبة الموقعة غير جائزة قانوناً. ثم إن الحكم أثبت في مدوناته أن الطاعن أقر بوجود خلاف بينه وبين المجني عليهما بيد أن الثابت بالأوراق أن أقوال الطاعن قد خلت في جميع مراحل التحقيق من القول بوجود خلاف بينه وبين القتيل ويكون ما أورده الحكم في هذا الخصوص قد جاء على خلاف الأصل الثابت بالأوراق. ومن ناحية أخرى فقد أثار الطاعن في مذكرته التي قدمها بجلسة المحاكمة أن رواية الشرطي محمد عبد الرؤوف الكاشف بأنه ضبط بيد الطاعن أربعة أظرف عند محاولة حشو سلاحه لإعادة إطلاقه على المجني عليه الثاني إنما هو رواية غير صحيحة ودلل على كذبها بأن مأمور المركز لم يشر في محضره إلى أن الشرطي ضبط هذه الطلقات أو أنه قدمها له بل إن المستفاد من هذا المحضر أن معاون الشرطة هو الذي ضبط تلك الطلقات عند تفتيش جيوب الطاعن بمركز الشرطة. ولما كان دفاع الطاعن في هذا الشأن له أهمية خاصة بالنسبة لواقعة الشروع في القتل فقد كان لزاماً على المحكمة أن تعرض له وأن ترد عليه أما وهى لم تفعل فإن حكمها يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "حدث في حوالي الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم 4/ 1/ 1964 أن ركب المتهم علي محمد أبو شادي - الطاعن - سيارة أمنيبوس من بلدته ناحية صفط خالد قاصداً مركز إيتاي البارود وظل بالموضع المخصص للدرجة الأولى في مقدمة السيارة وكان يحمل كعادته بندقيته الخرطوش عيار 12 بروحين المرخص له بإحرازها وبعد أن سارت السيارة مسافة قليلة صعد إليها المجني عليهما محمد فتحي عبد المجيد درويش وعبد المجيد محمد درويش وبقياهما أيضاً في مقدمة السيارة وكانا يقصدان كذلك مركز إيتاي البارود لقضاء مصلحة لهما ولما وصلت السيارة إلى موقفها بإيتاي البارود نحو الساعة 9 صباحاً وهم المجني عليهما بمغادرتها نبتت لدى المتهم فكرة التخلص منهما أخذاً بالثأر لاتهام ثانيهما وآخرين بقتل كل من أخيه عوض محمد أبو شادي وابن عمه عبد المنعم على أبو شادي وهى الواقعة التي تحررت عنها قضية الجناية 2090 سنة 1963 إيتاي البارود فوضع داخل بندقيته طلقتين ناريتين ثم غادر السيارة من بابها الخلفي وما أن أبصر بالمجني عليه الأول محمد فتحي عبد المجيد درويش ينزل منها من بابها الأمامي حتى صوب نحوه سلاحه الناري وأطلق عليه عياراً نارياً قاصداً قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته فخاف المجني عليه الثاني عبد المجيد محمد درويش فأسرع بالفرار من مكان الحادث وجرى فتعقبه المتهم وأطلق عليه عيارا من بندقيته قاصداً قتله فأخطأه واستمر المجني عليه في فراره يتبعه المتهم الذي كان يهم عندئذ بوضع طلقات نارية أخرى في بندقيته إلى أن تمكن المجني عليه من دخول مقهى محمد محمد القفاص الذي أغلق بابها حتى يحول بينه وبين المتهم. وقد أقبل عندئذ الشرطي محمد عبد الرؤوف الكاشف وتمكن من القبض على المتهم ومعه البندقية المستعملة في الحادث وفي يده أربع طلقات نارية" وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال المجني عليه الثاني والشرطي محمد عبد الرؤوف الكاشف ومحمد محمد القفاص ومن الاطلاع على قضية الجناية رقم 2090 سنة 1963 إيتاي البارود وما دلت عليه المعاينة وما ورد بتقرير الصفة التشريحية وهى أدلة سائغة تتوافر بها العناصر القانونية للجريمتين اللتين دين الطاعن بهما وتؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من نعي على الحكم في خصوص عدم انطباق الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات على الوقائع التي دين بها مردوداً بما أورده الحكم في "أن المتهم - الطاعن - إذ أطلق على كل من المجني عليهما عياراً نارياً فإنه بذلك يكون مرتكباً لجنايتين لاقترانه فعلين مستقلين أولهما يكون جناية قتل والثاني يكون جناية شروع في قتل، وأن كل جناية متميزة عن الجناية الأخرى ونظراً لتوافر رابطة الزمنية بين هاتين الجنايتين فيتعين تطبيق حكم المادة 234/ 2 من قانون العقوبات على اعتبار أن جناية قتل محمد فتحي عبد المجيد درويش قد اقترنت بها جناية الشروع في قتل عبد المجيد محمد درويش" وما ذهب إليه الحكم من ذلك صحيح في القانون، ذلك بأنه يكفى لتغليظ العقاب عملاً بالفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات أن يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما، ولا أهمية لما إذا وقعت الجنايات المتعددة لغرض واحد أو تحت تأثير ثورة إجرامية واحدة، إذ العبرة هي بتعدد الأفعال وتميزها عن بعضها البعض بالقدر الذي يعتبر به كل منهما مكوناً لجريمة مستقلة عن الأخرى. وإذ ما كان الثابت من وقائع الدعوى كما أوردها الحكم أن الطاعن أطلق النار على المجني عليه الأول حال نزوله من السيارة فأرداه قتيلاً ثم تبع المجني عليه الآخر في طريق فراره وأطلق عليه عياراً نارياً آخر قاصداً قتله فأخطأه، فتكون كل من الجنايتين قد ارتكبت في مسرح واحد وبفعل مستقل متميز عن الآخر وجمعت بينهما رابطة الزمنية مما يحقق معنى الاقتران المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات، ويكون الحكم قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً على واقعة الدعوى. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من قالة الخطأ في الإسناد في شأن ما نسبه إليه الحكم من إقراره بوجود خلاف بينه وبين المجني عليهما مع أن أقواله خلت من القول بوجود خلاف بينه وبين المجني عليه الأول فإنه مردود بأن يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن أن الطاعن أقر في محضر تحقيق النيابة العامة بأن المجني عليه الأول وأولاده وأولاد أخيه قد اتهموا بقتل شقيقه وابن عمه وأنه كان يوم الحادث في طريقه إلى مركز الشرطة ليقدم بلاغاً ضد عائلة درويش من بين أفرادها المجني عليهما - يطلب فيه أخذ التعهد عليهم بعدم الاعتداء عليه، ومفاد هذا القول إقرار الطاعن بوجود خلاف بينه وبين تلك العائلة إثر اتهام بعض أفرادها بقتل أخيه وابن عمه، ومن ثم فإن ما أثبته الحكم على لسان الطاعن في هذا الشأن يكون له سنده الصحيح بالأوراق مما ينفى عن الحكم قالة الخطأ في الإسناد. ومن ناحية أخرى فإنه لما كان ما يثيره الطاعن في هذا الصدد إنما يتعلق بالباعث على الجريمة، وكان الباعث ليس ركناً من أركان الجريمة أو عنصراً من عناصرها والخطأ فيه - بفرض وقوعه - لا يؤثر في سلامة الحكم ما دام أنه لم يتخذ من سبب الجريمة دليلاً في إدانة الطاعن وما دام أن الحكم قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم من قصور لالتفاته عن التصدي لما ساقه من قرائن تشير إلى عدم صحة ما رواه الشاهد محمد عبد الرؤوف الكاشف بشأن ضبطه للطلقات الأربع بيد الطاعن، ما ينعاه الطاعن من ذلك مردود بأنه يبين من الاطلاع على المفردات أن مأمور المركز وإن ضمن محضره ما يفيد أنه استلم تلك الطلقات من معاون الشرطة إلا أن الثابت من محضر المعاون أنه أفصح عن استلامه لتلك الطلقات من الشرطي المذكور وأنه أخبره بضبطها بيد الطاعن إثر مقارفته للجريمة. ومن ثم فإنه ليس ثمة تناقض بين ما قرره الشاهد وبين الثابت بمحضر ضبط الواقعة. ولما كان دفاع الطاعن في هذا الشأن فضلاً عن عدم اتساقه مع الثابت بالأوراق فإنه من قبيل الجدل الموضوعي الذي لا يقبل منه أمام محكمة النقض، وهو باعتباره من أوجه الدفاع الموضوعية لم تكن المحكمة ملزمة بالرد عليه استقلالاً اكتفاء بأخذها بأدلة الإثبات القائمة في الدعوى. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.