مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1971 إلى آخر سبتمبر سنة 1971) - صـ 175

(26)
جلسة 20 من مارس سنة 1971

برئاسة السيد الأستاذ محمد شلبي يوسف - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: يوسف إبراهيم الشناوي ومحمد عبد العزيز يوسف ومحمد صلاح الدين السعيد وأحمد حسن العتيق - المستشارين.

القضية رقم 282 لسنة 12 القضائية

عقد إداري - عقد التوريد - فحص الأصناف.
إن لائحة المناقصات تضمنت تنظيماً كاملاً لفحص الأصناف المشتراة طبقاً لعقود التوريد - هذا التنظيم أوجب على الجهة الإدارية أن تفحص الأصناف الموردة بعناية أشد من عناية الرجل العادي.
إن لائحة المناقصات تضمنت تنظيماً كاملاً لفحص الأصناف المشتراة طبقاً لعقود التوريد من شأنه أن تتمكن الجهة الإدارية من التحقق من مطابقة المبيع لشروط العقد ومواصفاته والوفاء بالغرض المقصود منه ولها على ضوء ما تجريه من تجارب وفحص أن تقرر إما قبول الصنف أو رفضه بناءً على تقرير لجنة الفحص واعتماد المصلحة لقرارها ويكون القرار الصادر في هذا الشأن نهائياً أي يكون ملزماً لطرفي العقد.
وهذا التنظيم المتكامل الذي نصت عليه لائحة المناقصات أوجب على الجهة الإدارية أن تفحص الأصناف الموردة بعناية أشد من عناية الرجل العادي.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 741 لسنة 16 ق ضد السيد وزير الصحة ومدير عام الإدارة العامة للتموين الطبي طالباً في ختامها الحكم بإلزامهما بأن يدفعا له مبلغ 677 جنيه و910 مليم والفوائد القانونية والمصروفات وقال شرحاً لدعواه بأنه رسا عليه عطاء توريد كمية من فروخ ورق الإستنسل ماركة دلتا بسعر جنيه و90 مليم للعلبة سعة 48 فرخاً حسب العينة المقدمة منه وذلك في الممارسة التي أجراها المدعى عليهما يوم 26/ 10/ 1959 وبلغت جملة الثمن 599 جنيه و500 مليم سدد عنها التأمين بنسبة 10% وتحددت كمية الصنف بعدد 550 علبة وقام المدعي بالتوريد حسب التعاقد، وقامت لجنة الفحص بفحصها وبعد مطابقتها على العينة المقدمة منه قررت اللجنة قبول الصنف المورد وتسلمته الإدارة واتخذت إجراءات الصرف حتى تم تحرير الشيك بالثمن، إلا أن المدعى عليها عادت فأخطرته في 24/ 1/ 1960 بأنه بتجربة الورق الإستنسل المورد منه تبين أنه من نوع غير جيد وسريع التمزق ولا يطبع عدد الورق الذي يطبعه الإستنسل الجيد ومن ثم كلفته بسحبه وتوريد نوع جيد بدلاً منه وإلا اضطرت للشراء على حسابه. واستطرد المدعي قائلاً أنه قُدمت في الممارسة ثلاثة أنواع من ورق الإستنسل فاختارت منها الإدارة صنف الدلتا وهو أرخصها وأقلها جودة وكان في مُكنتها اختيار أي من الصنفين الآخرين وهما أجود وأغلى سعراً: كما أنها لم تذكر في مواصفاتها بالعطاء أية أوصاف معينة يلتزم بها المورد من ناحية مدى احتمال الصنف أو مقدار الصفحات التي يصلح لطبعها بل كل ما طلبته أن يكون من نوع جيد، والبضاعة الموردة تعتبر بالنسبة لصنفها وسعرها من نوع جيد: وإن قلت الجودة عن الماركات الأخرى المقدمة في الممارسة. وقد تم التوريد طبقاً لشروط العقد وإجراءات لائحة المناقصات فقد جرى التوريد حسب العينة المتفق عليها وتسلمته الإدارة بعد أن قبلته لجنة الفحص وبذلك يكون المدعي قد وفى بالتزامه كاملاً وأصبح من حقه قبض الثمن واسترداد التأمين لا سيما وأن اللائحة تقضي في المادة 100 منها بأن قرار لجنة الفحص بقبول أو رفض الأصناف المحددة يعتبر نهائياً.
ومن حيث إن المدعى عليهما أجابا على الدعوى بأن المدعي تعاقد على توريد 550 علبة فروخ إستنسل تحتوي كل علبة على 48 فرخاً بسعر العلبة جنيه و90 مليم حسب العينة المقدمة منه (ماركة دلتا) وكان من شروط العطاء أن يكون الورق من نوع جيد - إلا أن المدعي ورد ورقاً اتضح عند استعماله أنه مخزون لمدة طويلة ويتعذر إصلاح أخطاء الكتابة عليه لأن سائل التصحيح يخترق الورقة ويمزقها، كما أن الورق يتمزق عند الطبع ولا يطبع أكثر من 200 نسخة، ولذلك أوقفت صرف الثمن إلى المدعي وشكلت لجنة لإعادة فحصه فقامت بمهمتها في 20/ 12/ 1959 فاتضح لها وجود العيوب المذكورة. وقد قام المدعي بإنذار الجهة الإدارية بصرف الثمن بإنذار أعلن في 4/ 1/ 1960 فردت عليه الجهة الإدارية في 18/ 1/ 1960 بكتاب أخطرته فيه بعيوب الورق المورد وعدم صلاحيته وكلفته بسحبه وتوريد غيره من النوع الجيد الذي يطبع 500 نسخة حسب المألوف خلال أسبوع وإلا قامت بالشراء على حسابه طبقاً لشروط العقد ولائحة المناقصات وأضافت الجهة الإدارية أن النزاع ينحصر فيما إذا كان التوريد قد تم وفقاً لمواصفات وشروط العقد التي استلزمت أن يكون الورق من نوع جيد. وقد ثبت من العيوب التي كشف عنها الفحص الثاني أن الورق لم يكن من نوع جيد ولا حجة فيما يدعيه المدعي بأن لجنة الفحص استلمت الصنف المورد وأنه كان مطابقاً للعينة ذلك لأن الاستعمال هو الذي كشف عن عيوب الورق المورد وهو عيب خفي لم يتكشف إلا عند الاستعمال ووجود هذا العيب يخل بشروط التوريد ويؤدي إلى رفض الصنف، وقد خالف المدعي كذلك قاعدة حسن النية في تنفيذ العقود بأن قدم أوراقاً مخزونة غير صالحة للاستعمال ولا يجدي في هذا المقام الادعاء بأنها كانت مطابقة للعينة المقدمة منه وانتهت الجهة الإدارية إلى طلب رفض الدعوى.
ومن حيث إنه بجلسة 14/ 11/ 1965 قضت محكمة القضاء الإداري بإلزام جهة الإدارة بأن تدفع للمدعي مبلغ 677 جنيه و910 مليم والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 12/ 4/ 1962 حتى تمام السداد والمصاريف.
وأقامت قضاءها هذا على أن التعاقد تم على توريد 550 علبة ورق إستنسل فولسكاب ماركة الدلتا نمرة 1 من النوع الجيد حسب العينة المقدمة من المدعي وقد اختارت الإدارة هذا النوع دون نوعين آخرين عرضا عليها في الممارسة وكان أغلى سعراً من النوع المذكور ويستفاد من الأوراق أن لجنة الفحص قبلت البضاعة التي وردها المدعي ولا مراء في أن هذا القبول يعني مطابقة الصنف للعينة وإلا لامتنعت عن قبوله، والمفروض في لجنة الفحص أنها قررت قبول الورق المورد بعد التمحيص والمقارنة والتجارب. ومطابقة الصنف للعينة التي يتم التعاقد على أساسها. وفي هذا المجال تقضي المادة 131 من لائحة المناقصات بأن تفحص اللجنة نسباً مئوية مختلفة تحدد بمعرفة وتحت مسئولية الجهة المختصة حسب أهمية الصنف وبحيث تكون العينة ممثلة للصنف وتعتبر اللجنة مسئولة عن مطابقته من جميع الوجوه للمواصفات والعينة المختومة. كما تقضي المادة 42 من الشروط العامة المتعاقد بموجبها بأن قرار لجنة الفحص بالقبول أو الرفض يعتبر نهائياً بمجرد اعتماد رئيس المصلحة واستطرد الحكم قائلاً إن ملابسات التعاقد تفيد أن ثمة أصنافاً تقدمت في الممارسة متفاوتة السعر وهذا التفاوت إنما يرجع إلى جودة الصنف وقد ارتضت الإدارة أقلها سعراً وهو لا شك أقل جودة، فلا تثريب على المدعي إذا لم يصل هذا الصنف في جودته إلى المدى الذي يصله سواه من الأصناف المرتفعة السعر وليس من حسن النية في تنفيذ العقد أن تقبل الإدارة الصنف المورد ثم تدعي بعد ذلك أن الاستعمال كشف عن عدم صلاحيته وتشكل لجنة أخرى لفحصه بعد اللجنة الأخرى التي قررت قبوله ما دامت المادة 131 من لائحة المناقصات قد حسمت هذا الأمر بأن نصت على مسئولية لجنة الفحص عن مطابقة الصنف من جميع الوجوه للمواصفات والعينة. وأضاف الحكم أن المآخذ المنسوبة إلى الصنف المورد لا تعد من العيوب الخفية بل أن مردها إلى مدى جودة الصنف الذي ارتضته وهذا أمر لا يسأل عنه المورد طالما أنه تقدم سلفاً بعينة قبلتها المدعى عليها وعلى ذلك يكون امتناع الإدارة عن سداد ثمن البضاعة المورد على غير أساس من القانون وانتهت المحكمة إلى الحكم للمدعي بطلباته.
ومن حيث إن الطعن على الحكم يقوم على أساس أن الحكم خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله للأسباب الآتية: إن القواعد العامة في العقود تقضي بأن يكون البائع ملزماً بالضمان إذا لم يتوافر في المبيع وقت التسليم الصفات التي كفل للمشتري وجودها فيه أو إذا كان بالمبيع عيب ينقص من قيمته أو من نفعه بحسب الغاية المقصودة مستفادة مما هو مبين في البند أو مما هو ظاهر من طبيعة الشيء أو الغرض الذي أعد له ويضمن البائع هذا العيب ولو لم يكن عالماً بوجوده وهذا هو ضمان العيوب الخفية الذي لا يستثنى منه إلا العيوب التي كان المشتري يعرفها وقت البيع أو كان يستطيع أن يتبينها بنفسه لو أنه فحص المبيع بعناية الرجل العادي (المادة 447 من القانون المدني والوسيط في القانون المدني للدكتور عبد الرزاق السنهوري ج 4 ص 710 وما بعدها).
وإنه بتطبيق القاعدة العامة على واقعة الدعوى تبين في جلاء: (1) أن العيوب التي تبينتها الوزارة في الأصناف الموردة لها هي من قبيل العيوب التي يضمن البائع خلو الشيء المبيع منها ويكون تصرف الوزارة برفضها هذه الأصناف قد قام على أساس من الحق والواقع ذلك لأن العقد وإن لم يتضمن تحديداً دقيقاً لمواصفات هذا الورق فإنه يتعين الرجوع إلى طبيعة هذا الورق لتحديد المنافع المقصودة منه والتي تبين أن العيوب التي بالورق تؤثر فيها تأثيراً كبيراً وأن ورق إلاستنسل أياً كان صنفه وأياً كان سعره، يستخدم في طبع أعداد كبيرة من النسخ مرات متتالية
كما أنه يتمتع بخاصية إمكان إجراء التصحيحات اللازمة عليه بواسطة سائل خاص يستخدم لذلك في جميع الأصناف، وعلى هذا النحو تتحدد طبيعة الأغراض المقصودة من هذا الورق فإذا كان به عيب يخل بشيء من هذه الأغراض إخلالاً محسوساً كان البائع ضامناً لهذا العيب والثابت بعد استعمال الورق المورد أنه لا يؤدي أي غرض من الأغراض التي خصص من أجلها فهو لا يطبع سوى كميات ضئيلة من الورق لا يمكن مقارنتها بالأعداد المفروض طبعها بنفس الكفاءة كما أنه لا يقبل التصحيح بمعنى أنه إذا حدث خطأ عند الكتابة فإنه لا يمكن تصحيحه باستخدام السائل الخاص بذلك.
(2) هذه العيوب كانت موجودة في الأوراق الموردة منذ وقت تسليمها إلى الوزارة فهي لم تستخدمها بعد استلامها يؤكد ذلك اكتشاف هذه العيوب فور استخدام الورق بعد توريده بفترة ضئيلة.
(3) وهي عيوب خفية إذ أنها لم تكن ظاهرة بالورق عند توريده كما أن الوزارة لم تكن عالمة بها وإلا لما اشترتها ولم يكن في وسع الوزارة اكتشافها بحسب المعيار المحدد وهو معيار الرجل العادي ذلك أن الأصناف المتعاقد عليها لم تكن صنفاً واحداً بذاته يمكن تجربته وتبين عيوبه ولكن المبيع عبارة عن أوراق لا تستخدم سوى مرة واحدة، وبالتالي لا يمكن تجربتها والعيوب التي بها لا يمكن تبينها إلا بالاستعمال العادي لهذا الورق فلا يمكن أن تغني تجربة ورقة واحدة منه عن تبين حقيقة باقي الأوراق.
وإن الحكم أخطأ فيما ذهب إليه من أنه كان في وسع الوزارة تبين هذه العيوب إذ أن التوريد كان طبقاً لعينة ولكن قاعدة الحكم أن هذه العينة ليست عينة المورد وعند الاستلام لا يتصور أن تكون المطابقة بين الأصناف الموردة وبين هذه العينة إلا في حدود الماركة والمقاس وما إلى ذلك من المواصفات الظاهرية.
وانتهى تقرير الطعن إلى أن العيوب التي تبينتها الوزارة هي من قبيل العيوب الخفية التي يضمنها البائع حتى بعد تمام التسليم وأنه لذلك يطلب الطاعنان الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
ومن حيث إن السيد المفوض قدم تقريراً بالرأي القانوني مسبباً طلب فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلزام الطاعن بأن يؤدي إلى المطعون ضده مبلغ 659 جنيه و450 مليم والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً اعتباراً من 12 من إبريل سنة 1962 ورفض ما عدا ذلك من إلزام كل من الطرفين بالمصروفات المناسبة عن الدعوى الأصلية وإلزام الطاعن بمصروفات طعنه. ذلك أنه تبين أن حقيقة المبلغ المستحق هو مبلغ 659 جنيه و450 مليم على أساس أن الكمية الموردة 550 علبة بسعر العلبة جنيه و90 مليم فتكون الجملة 599 جنيه و500 مليم يضاف إليه مبلغ 59 جنيه و950 مليم فيكون المبلغ المستحق هو 659 جنيه و450 مليم.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده تقدم إلى ممارسة توريد أدوات كتابية وكان من بين الأصناف المطلوبة ورق إستنسل فولسكاب نوع جيد مقاس 21×33 تشتمل العلبة على 48 فرخاً وقد تقدم المطعون ضده بعينة لنوعين من هذا الورق أحدهما ماركة "دلتا/ 1" بسعر جنيه و90 مليم للعلبة - والثاني ماركة كورس بسعر 2 جنيه و400 مليم للعلبة - كما تقدم مورد بعينة أخرى بسعر جنيه و620 مليم للعلبة.
وقد وقع اختيار الجهة الإدارية على الصنف ماركة دلتا/ 1 بالسعر المقدم وهو جنيه و90 مليم للعلبة - وقد تعاقدت مع المطعون ضده على توريد 550 علبة منه بثمن إجمالي قدره 599 جنيه و500 مليم على أساس العينة المقدمة منه وحرر العقد في 29/ 11/ 1959 وقام المطعون ضده بتوريد الكمية المتعاقد عليها بموجب ثلاثة فواتير مؤرخة 18 و19/ 11/ 1959 وشكلت الإدارة العامة للتموين الطبي لجنة لفحصها طبقاً للمادة 129 من لائحة المناقصات فانعقدت يوم 23/ 11/ 1959 برئاسة مدير المخازن وعضوية مندوب الورش وأمين مخزن المطبوعات واشتراك رئيس مطبعة الإدارة وقد أثبتت هذه اللجنة بمحضرها أنها فحصت الصنف المورد بنسبة خمسة في المائة حسب الماركة وعينة المتعهد وأن التوريد ماركة دلتا وحسب العينة المتعاقد عليها/ 1 وبتجربة عينة منه ومقارنتها مع عينة التعاقد وجدت مطابقة، وتوصي اللجنة بقبول التوريد وقد وقع رئيس اللجنة والأعضاء على محضرها ثم اعتمده مدير عام الإدارة العامة للتموين الطبي في 25/ 11/ 1959.
ومن حيث إن الجهة الإدارية بعد أن قامت باستلام الورق المورد بناءً على قرار لجنة الفحص بقبوله عادت فأوقفت إجراءات صرف الثمن إلى المطعون ضده مستندة في ذلك إلى أنها أعادت فحص التوريد في 20/ 12/ 1959 بناءً على شكوى الأقسام التي استعملته من عدم جودته ولما يشوبه من عيوب كشف عنها الاستعمال، فظهر لها أن هذه العيوب موجودة فعلاً وأنها تجعل الورق غير صالح للاستعمال فيما اشتري من أجله وأنها لذلك كلفت المورد توريد بدله ولكنه رفض وأقام هذه الدعوى مطالباً بثمن ما قام بتوريده.
ومن حيث إنه من المقرر قانوناً أن البائع لا يضمن العيوب التي كان المشتري يعرفها وقت البيع أو كان يستطيع أن يتبينها بنفسه لو أنه فحص المبيع بعناية الرجل العادي وهو ما نصت عليه المادة 447 من القانون المدني.
ومن حيث إن لائحة المناقصات التي أوجب عقد التوريد تطبيق أحكامها نصت في المادة 100 منها على أن "يقوم المتعهد بتسليم الأصناف المتعاقد عليها وبتسليمها أمين المخازن بإيصال مؤقت وذلك لحين إخطار المتعهد بميعاد اجتماع لجنة الفحص لكي يتسنى له حضور إجراءات الفحص والاستلام النهائي ويعتبر قرار اللجنة بقبول أو رفض الأصناف نهائياً وذلك بمجرد اعتماد اعتماده من رئيس المصلحة أو مدير السلاح" وتبين المادة 129 طريقة تشكيل لجنة الفحص بأن تكون برئاسة مدير المخازن وأن يشترك في عضويتها مندوب فني إذا كانت الأصناف المطلوب فحصها تستدعي وجوده، كما تنص المادة 131 على أن تفحص اللجنة نسباً مئوية مختلفة تحدد بمعرفة وتحت مسئولية الجهة المختصة حسب أهمية الصنف وبحيث تكون العينة ممثلة للصنف، وتعتبر اللجنة مسئولة عن مطابقته من جميع الوجوه للمواصفات والعينة المختومة.
ومن حيث إنه يبين من مجموع هذه النصوص:
أن لائحة المناقصات تضمنت تنظيماً كاملاً لفحص الأصناف المشتراة طبقاً لعقود التوريد، من شأنه أنه تتمكن الجهة الإدارية من التحقق من مطابقة المبيع لشروط العقد ومواصفاته والوفاء بالغرض المقصود منه ولها على ضوء ما تجريه من تجارب وفحص أن تقرر إما قبول الصنف أو رفضه بناءً على تقرير لجنة الفحص واعتماد المصلحة لقرارها ويكون القرار الصادر في هذا الشأن نهائياً أي يكون ملزماً لطرفي العقد.
ومن حيث إنه يبين من هذا التنظيم المتكامل الذي نصت عليه لائحة المناقصات أن المشرع أوجب على الجهة الإدارية أن تفحص الأصناف الموردة بعناية أشد من عناية الرجل العادي.
ومن حيث إنه لا يسوغ للجهة الإدارية بعد أن قامت بفحص الأوراق الموردة وثبت لها مطابقتها للعينة ووفائها بالغرض وأصبح قرارها في هذا الشأن نهائياً أي ملزماً لطرفي العقد أن تعود فتقرر أن عيباً خفياً تكشف لها عندما شرعت في الوفاء بالثمن للمطعون ضده ذلك أنه تبين من الاطلاع على أوراق الممارسة أن ثلاثة أصناف من الورق عرضت عليها أحدها وهو أقلها سعراً ماركة دلتا/ 1 بسعر جنيه و90 مليم والثاني ماركة كورس بسعر 2 جنيه و400 مليم للعلبة ونوع ثالث بسعر جنيه و620 مليم للعلبة فاختارت أقلها سعراً ومفروض أن جودة هذا الصنف تتناسب مع سعره وليس يعقل أن يصل في جودته إلى مستوى الصنف الذي يتجاوز سعره ضعف هذا السعر وهو النوع الثاني ماركة كورس والذي بلغ سعر العلبة منه 2 جنيه و400 مليم.
ومن حيث إن المطعون ضده قد بصر الجهة الإدارية بوجود أكثر من صنف من الأوراق وأحاطها علماً بسعر كل نوع منها فاختارت أقلها سعراً ومفروض أن تقنع الجهة الإدارية بالنتائج التي يحققها هذا الصنف والتي تتناسب مع سعره وقد قامت اللجنة الفنية بفحص الأوراق الموردة وتحققت من مطابقتها للعينة ووفائها بالغرض المقصود منها وصار قرارها نهائياً ملزماً لطرفي العقد فلا يسوغ بعد ذلك أن تتردد الجهة الإدارية وتحاول التنصل من أحكام العقد بدعوى وجود عيب خفي والحاصل أن العيب ليس خفياً إذ كان في مُكنة الجهة الإدارية حتى لو أخذنا بمعيار الرجل العادي أن تتحقق من هذه النتائج جميعها قبل أن تبرم العقد وتقرر مطابقة الورق للعينة ومفروض أنها تحققت من وفائه بالغرض.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وقد قام على هذه الأسس فإنه يكون قد أصاب الحق في قضائه وإن كان قد أخطأ في حساب المبلغ المستحق فيتعين تصحيحه في هذا الشق منه ذلك أن مجموع العلب الموردة بلغ 550 علبة بسعر العلبة جنيه و90 مليم فيكون المبلغ المستحق 599 جنيه و500 مليم يضاف إليه التأمين المدفوع من المورد ومقداره 59 جنيه و950 مليم فيكون مجموع المبلغ المستحق 659 جنيه و450 مليم وهو ما يتعين الحكم به.
ومن حيث إن المبلغ المطالب به معين المقدار مستحق الأداء وقت رفع الدعوى فإنه يتعين إلزام الجهة الإدارية فوائده بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 12/ 4/ 1962 مع إلزام الجهة الإدارية مصروفات الطعن كاملة لأنها هي التي دفعت بتصرفها المطعون ضده إلى التقاضي.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه وبإلزام الجهة الإدارية المدعى عليها بأن تدفع للمدعي مبلغ 659 جنيه و450 مليم (ستمائة وتسعة وخمسين جنيهاً وأربعمائة وخمسين مليماً) والفوائد القانونية بواقع أربعة في المائة سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 12 من إبريل سنة 1962 حتى السداد والمصروفات المناسبة وبرفض ما عدا ذلك من طلبات، وألزمت الطاعن بمصروفات طعنه.