أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 17 - صـ 737

جلسة 6 من يونيه سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ توفيق أحمد الخشن نائب رئيس المحكمة. وبحضور السادة المستشارين: مختار مصطفى رضوان، ومحمد محمد محفوظ، وحسين سامح، ومحمد أبو الفضل حفني.

(136)
الطعن رقم 366 لسنة 36 القضائية

( أ ) مسئولية جنائية. مسئولية مدنية. "مسئولية مالك البناء". "مسئولية المقاول". قتل خطأ.
لا شان لمسئولية مالك البناء المفترضة قبل الغير بتعويضه عن الضرر الذي يحدثه تهدمه بالمسئولية الفعلية للمقاول الذي أنشأه عن إقامته دون مراعاة الأصول الفنية في تشييده.
(ب) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". تحقيق. "إجراءاته".
لمحكمة الموضوع الأخذ بتعرف الشهود على المتهم ولو لم يجر عرضه في جمع من أشباهه. ما دامت قد اطمأنت إليه.
1 - المسئولية المفترضة لمالك البناء قبل الغير بتعويضه عن الضرر الذي يحدثه تهدمه لا شأن لها بالمسئولية الفعلية للمقاول الذي أنشأه عن خطأ إقامته دون مراعاة الأصول الفنية في تشييده، لأن المسئولية المفترضة في جانب المالك ضمانه مقررة لمصلحة الغير تقوم بقيام موجبها على الدوام. وليست رخصة يتحلل بها المقاول الذي أخطأ في تشييده بل يظل مسئولاً قبل المالك طبقاً للضمان المقرر في المادة 651 من القانون المدني كما يكون مسئولاً عما يحدثه تهدمه بخطئه الفعلي من ضرر المالك أو غيره، وللمالك حق الرجوع عليه انتهاء بما يلزم بأدائه من تعويض للغير ابتداء.
2 - لم يرسم القانون للتعرف صورة خاصة يبطل إذا لم يتم عليها. فمن حق محكمة الموضوع أن تأخذ بتعرف الشهود على المتهم ولو لم يجر عرضه في جمع من أشباهه ما دامت قد اطمأنت إليه. إذ العبرة هي باطمئنان المحكمة إلى صدق الشهود أنفسهم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر حكم ببراءته بأنهما في يوم 22/ 5/ 1964 بدائرة قسم مينا البصل: تسببا خطأ في موت رمضان جابر وآخرين بأن كان ذلك ناشئاً عن إهمالهما وعدم احترازهما بأن أقام البناء الموضح بالمحضر لجابر رفاعي محمد بطريقة غير فنية فسقط البناء وتسبب في حدوث إصابات المجني عليهم التي أدت إلى وفاتهم. وطلبت عقابهما بالمادة 238/ 3 من قانون العقوبات. وادعى مدنياً والد المجني عليه "رمضان جابر" طالباً القضاء له بمبلغ 5000 ج على سبيل التعويض ووالد المجني عليها "بدرية سعفان" طالباً القضاء له بمبلغ 2500 ج على سبيل التعويض والمصاريف والأتعاب وذلك قبل المتهمين متضامنين. ومحكمة جنح مينا البصل الجزئية قضت بتاريخ 29/ 6/ 1965 عملاً بمادة الاتهام. (أولاً) بحبس المتهم (الطاعن) ستة أشهر مع الشغل وكفالة خمسة جنيهات لوقف التنفيذ. (ثانياً) إلزامه أن يدفع لكل من المدعيين بالحق المدني تعويضاً قدره ثلاثمائة جنيه والمصاريف المدنية المناسبة وجنيها مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. فاستأنف المتهم هذا الحكم كما استأنفه المدعيان بالحق المدني ومحكمة الإسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 10/ 11/ 1965 (أولاً) بالنسبة إلى الدعوى الجنائية بقبول استئناف المتهم شكلا وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به عليه من العقوبة بلا مصاريف جنائية. (وثانياً) وفي الدعوى المدنية بقبول استئناف المتهم والمدعيين بالحق المدني شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به من التعويض إلى إلزام المتهم وحده بأنه يدفع لكل من المدعيين بالحق المدني مبلغ 500 جنيه على سبيل التعويض والمصاريف المدنية المناسبة لذلك عن الدرجتين ومبلغ 200 ق مقابل أتعاب المحاماة لكل منهما ورفض ما عدا ذلك من الطلبات. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن الفساد في الاستدلال، والقصور في التسبيب، ومخالفة الثابت في الأوراق، والإخلال بحق الدفاع ذلك بأن الحكم المطعون فيه افترض افتراضين خاطئين رتب على ثبوتهما إدانة الطاعن تأسيساً على أنه بنى الشرفة التي سقطت نتيجة عدم مراعاة الأصول المتبعة في تشييدها: (أولهما) أن بناء الشرفة وحده هو الذي يقتضي عمل خرسانة. (وثانيهما) أن الأعمال التي اعترف الطاعن بإتمامها وهى ترميم دورة المياه لا تقتضيه، مع أن التقرير الفني قاطع الدلالة في فساد الافتراض الأول فيما أثبته من أن المالك قام بتغيير بعض أسقف منزله إلى أسقف من الخرسانة المسلحة، فلم تكن الشرفة وحدها هي التي يحتاج في تشييدها إلى عمل خرسانة، خصوصاً أن كشف الحساب خلا من الإشارة إلى الشرفة فإن التكاليف المقررة وهى أربعة وسبعون جنيهاً لا يمكن أن تشمل مصاريف إنشائها، وقد طلب الدفاع عن الطاعن بجلسة 22/ 6/ 1965 إجراء المعاينة لمعرفة ما إذا كانت كمية المسلح التي يمكن قياسها تدخل في أعمال الشرفة، ولكن المحكمة لم تستجب له، ولم ترد عليه، كما أن الحكم المطعون فيه اعتمد ضمن أدلة الإدانة على شهادة الشاهدين "باتعة نصر" و "فاطمة شحاتة" اللتين تقطنان بنفس المنزل على أن الطاعن هو الذي كان يشرف على بناء الشرفة، وأنهما استعرفتا عليه، مع أن هذا الاستعراف وقع باطلاً، لأنه لم يجئ نتيجة عرض قانوني للمتهم في جمع من أشباهه، كما وأن الشاهدتين لم تسألا أمام محكمة أول درجة على الرغم من تأجيل الدعوى لإعلانهما ضمن شهود الإثبات، وقد فات الحكم أن يورد في أسبابه ما يوجب إطراح شهادة شاهدي النفي "إبراهيم محمود حسن" و"محمد محمود عبد المجيد" وقد دفع الطاعن بعدم قبول الدعوى المدنية المرفوعة من المطعون ضدهما إذ أنهما بصفتهما مالكين للبناء يسألان مسئولية مفترضة عن الضرر الناشئ عن سقوطه، وبالتالي لا يجوز لهما نقل هذه المسئولية إلى غيرهما عن طريق الإدعاء المدني ضده، ولكن الحكم المطعون فيه خلا من إيراد هذا الدفع أو الرد عليه، مما يعيبه بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أنه بتاريخ 22/ 5/ 1964 سقطت شرفة من الدور الثاني للمنزل الكائن بشارع المعاون المتفرع عن شارع الشيخ طموم بالورديان والمملوك لمن يدعى "رفاعي محمد رفاعي" على أربعة من الصبية الذين كانوا يلعبون في الشارع فقتلتهم ومن بينهم "رمضان جابر محمد رفاعي" ابن المدعي بالحقوق المدنية الأول و"رتيبة سعفان رفاعي محمد" ابنة المدعي بالحقوق المدنية الثاني، وأن الطاعن لم يكد يفرغ من إقامة هذه الشرفة من خمسة عشرة يوماً سابقة على الحادث غير مراع الأصول الفنية في إنشائها حتى سقطت نتيجة الثقل العادي على الصبية الذين كانوا يلعبون فقتلتهم، ودلل الحكم على هذه الواقعة بما ينتجها من وجوه الأدلة وهى أقوال المدعيين بالحقوق المدنية، وشهادة كل من فاطمة شحاتة شلبي و باتعة نصر علي اللتين تعرفتا على الطاعن، ودلالة كشف الحساب المقدم من المدعيين بالحقوق المدنية والذي أقر الطاعن بصدوره عنه وتضمنه حساب بعض المواد التي تدخل في التسليح دون تحديد للبناء الذي يراد تشييده، فضلاً عما جاء في التقرير الفني من عدم التزام الأصول الفنية في إقامة الشرفة "حيث لم يعمل للبلاطة التثبيت الكافي بحوائط الواجهة كما أن الكوابيل لم يوفر لها أي تثبيت بالحائط مما أدى إلى سقوطها نتيجة ثقلها العادي" ولما كان يبين من المساق المتقدم بأن الحكم المطعون فيه اعتمد بصفة أساسية في قضائه بالإدانة على أقوال شهود الإثبات من جهة أن الطاعن وحده هو الذي قام ببناء الشرفة، وعلى التقرير الفني من جهة أنه لم تتبع الأصول الفنية في بنائها فسقطت نتيجة الثقل العادي، واعتمد على كشف الحساب قرينة معززة باعتباره يتضمن بياناً عن مواد تدخل في التسليح الذي يقتضيه إنشاء الشرفة، وهذا مستفاد بالدلالة الصريحة لعبارة الحكم الابتدائي المأخوذ بأسبابه، وأن محكمة أول درجة لم يفتها الإشارة في سؤالها للمدعيين بالحقوق المدنية إلى أن كشف الحساب لا يتضمن بياناً صريحاً لنوع البناء المراد تشييده بالخرسانة، مما مفاده أن هذا التحديد لنوع البناء خارج عن نطاق تسبيب الحكم واقتناع المحكمة، أما ما استطرد إليه الحكم المطعون فيه من أن الشرفة وحدها هي التي يحتاج في تشييدها إلى عمل خرسانة فاعتبار عام من نوافل التسبيب غير مؤثر في استدلال الحكم فلا يعيبه، وبذلك يكون الحكم قد أسس قضاءه على يقين ثبت لا على افتراض لم يصح، ومن ثم فإن قالة الفساد في التسبيب أو مخالفة الثابت في الأوراق لا يكون لها من وجه. ولما كان الطاعن قد طلب الخبرة والمعاينة أمام محكمة أول درجة في مذكرتيه اللتين قدمهما إليها دون أن يعاود طلبه أمام المحكمة الاستئنافية فإنه يعتبر قد تنازل عنه، ومن ثم فإن دعوى الإخلال بحقه في الدفاع تكون منتفية. ولما كان من المقرر قانوناً في تفسير المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية أن للمحكمة أن تستغني عن سماع شهود الإثبات إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً دون أن يمس ذلك بحقها في الاعتماد على أقوالهم التي أدلوا بها في التحقيقات الأولية ما دامت مطروحة على بساط البحث في الجلسة، وكان الطاعن لم يصر على سماع الشاهدين أمام محكمة أول درجة، ولم يطلب إلى المحكمة الاستئنافية استدعاءهما، فإنه يعد متنازلاً عن سماعهما، ومن ثم فإن دعوى الإخلال بحقه في الدفاع في هذا الخصوص لا تصح. ولما كان القانون لم يرسم للتعرف صورة خاصة يبطل إذ لم يتم عليها , وكان من حق محكمة الموضوع أن تأخذ بتعرف الشهود على المتهم ولو لم يجر عرضه في جمع من أشباهه ما دامت قد اطمأنت إليه، إذ العبرة هي باطمئنان المحكمة إلى صدق الشهود أنفسهم، فلا وجه لما يثيره الطاعن في هذا الصدد. ولما كان تسبيب حكم الإدانة أخذاً بأدلة الثبوت هو بعينه تسبيب لإطراح الأخذ بشهادة النفي، فإن النعي على الحكم بالقصور لعدم إيراده هذه الشهادة والرد عليها يكون على غير أساس. ولما كانت المسئولية المفترضة لمالك البناء قبل الغير بتعويضه عن الضرر الذي يحدثه تهدمه لا شأن لها بالمسئولية الفعلية للمقاول الذي أنشأه عن خطأ إقامته دون مراعاة الأصول الفنية في تشييده، لأن المسئولية المفترضة في جانب المالك ضمانه مقررة لمصلحة الغير تقوم بقيام موجبها على الدوام، وليست رخصة يتحلل بها المقاول الذي أخطأ في تشييده بل يظل مسئولاً قبل المالك طبقاً للضمان المقرر في المادة 651 من القانون المدني كما يكون مسئولاً عما يحدثه تهدمه بخطئه الفعلي من ضرر للمالك أو غيره، وللمالك حق الرجوع عليه انتهاء بما يلزم بأدائه من تعويض للغير ابتداء، ومن يلزمه الضمان قانوناً لا يجوز له أن يحتج على مضمونه بإسقاط ضمانه الذي يبيح له الرجوع عليه مما تسبب هو فيه بخطئه - لما كان ذلك، فإن الطعن يكون على غير أساس متعين الرفض.