مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1971 إلى آخر سبتمبر سنة 1971) - صـ 189

(28)
جلسة 28 من مارس سنة 1971

برئاسة السيد الأستاذ محمد مختار العزبي - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: أحمد ثابت عويضة وسليمان محمود جاد ومحمد فهمي طاهر وأبو بكر محمد عطية - المستشارين.

القضية رقم 932 لسنة 9 القضائية

موظف - معاش - الجرائم التي تسقط الحق في المعاش.
( أ ) إن نص المادة 56 من القانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات المدنية واضح وصريح في أن صدور حكم على الموظف أو المستخدم أو صاحب المعاش في جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه يترتب عليه سقوط حقه في المعاش - عبارة النص لم تفرق بين الحالات التي يرتكب فيها الموظف هذه الجرائم في أعمال وظيفته وبين الحالات التي يكون ارتكابه إياها منبت الصلة بأعمال هذه الوظيفة - أساس ذلك.
(ب) موظف - أثر مركزه القانوني على ما يرتكبه من جرائم - ترتيب المشرع أثراً يمس حقوق الموظف الوظيفية في حالة ارتكابه جريمة معينة لا ينطوي على إخلال بمبدأ المساواة في العقوبة بين الموظف وبين الفرد غير الموظف - أساس ذلك.
(جـ) موظف - معاش - الجرائم التي تسقط الحق في المعاش.
الحكمة من تخصيص نص المادة 56 من القانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات للجرائم المنصوص عليها فيه - هذه الجرائم تمس مباشرة أمن الدولة ومصالحها وأموالها العامة.
1 - إن المادة 56 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات المدنية تنص على أن "كل موظف أو مستخدم أو صاحب معاش صدر عليه حكم في جريمة غدر أو اختلاس أموال حكومية أو رشوة أو تزوير في أوراق رسمية تسقط حقوقه في المعاش أو المكافأة ولو بعد قيد المعاش أو تسوية المكافأة، وفي هذه الحالة إذا كان يوجد أشخاص يستحقون معاشاً أو مكافأة عند وفاة الموظف أو المستخدم أو صاحب المعاش يمنحون نصف جزء المعاش أو المكافأة الذي كانوا يستحقونه فيما لو توفى عائلهم.
ونص هذه المادة واضح وصريح، في أن صدور حكم على الموظف أو المستخدم أو صاحب المعاش في جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه، يترتب عليه سقوط حقه في المعاش أو المكافأة، وقد جاءت فيه عبارة "في جريمة غدر أو اختلاس أموال حكومية أو رشوة أو تزوير في أوراق رسمية عامة" مطلقة فلم تفرق في خصوص الجرائم التي يترتب على صدور حكم في إحداها على الموظف أو المستخدم أو صاحب المعاش، سقوط حقه في المعاش أو المكافأة، بين الحالات التي يرتكب فيها هذه الجرائم في أعمال وظيفته وبين الحالات التي يكون ارتكابه إياها منبت الصلة بأعمال هذه الوظيفة، ولو قصر المشرع إجراء مثل هذه التفرقة لما أعوزه الإفصاح عن قصده، فالقول مع صراحة النص وعمومه - على نحو ما توضح - يقصر تطبيق الحكم الذي تضمنته المادة المذكورة على الحالات التي يرتكب فيها الموظف أو المستخدم أو صاحب المعاش الجرائم المذكورة في أعمال وظيفته، تخصيص للنص بغير مخصص.
2 - إن المساواة أمام القانون ليست مسألة حسابية، وإنما المقصود بهذه المساواة، هو عدم التمييز بين أفراد الطائفة الواحدة إذا تماثلت مراكزهم القانونية، والموظف ليس كمثل الفرد غير الموظف في مركزه القانوني، إذ الموظف تربطه بالحكومة علاقة تنظيمية تحكمها قوانين ولوائح لا يخضع لها الفرد غير الموظف، فإذا رتبت بعض هذه القوانين واللوائح، على صدور حكم على الموظف في جريمة ما دون تخصيص لبعض الحالات التي ترتكب فيها هذه الجريمة، إذا رتبت أثراً يمس حقوقه الوظيفية، فإنه ينبغي إعمال النص الذي يرتب هذا الأثر، إذا حُكم على الموظف في الجريمة المذكورة، حتى ولو كان ارتكابه إياها في غير أعمال وظيفته، وليس في هذا التطبيق ما يخل بمبدأ المساواة في العقوبة بين الموظف وبين الفرد غير الموظف، لأن الموظف، بحكم مركزه القانوني العام، لا يستوي والفرد غير الموظف وغني عن البيان، أن مفهوم الجريمة على هذا النحو، هو الذي جرى عليه العمل باطراد عند تطبيق ما نص عليه قانون نظام موظفي الدولة الصادر بالقانون رقم 210 لسنة 1951 ومن بعده قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1964 من انتهاء خدمة الموظف إذا حُكم عليه في جناية أو في جريمة مخلة بالشرف، فلم يقتصر التطبيق على الحالات التي يرتكب فيها الموظف الجناية أو الجريمة المخلة بالشرف، في أعمال وظيفته وإنما تعداها إلى الحالات التي يرتكبها في غير أعمال وظيفته، ومن ثم، فإنه فضلاً عما تقدم، فلا شذوذ في أن يكون هذا المفهوم هو الواجب التطبيقي بالنسبة إلى نص المادة 56 سالفة البيان.
3 - إن الحكمة التي تغياها المشرع من تخصيص النص لهذه الجرائم دون غيرها من الجرائم التي تقع على النفس أو المال، هذه الحكمة التشريعية ظاهرة من أن هذه الجرائم تمس مباشرة أمن الدولة ومصالحها وأموالها العامة، فرأى المشرع بحق، أن الموظف أو المستخدم أو صاحب المعاش الذي يقدم على ارتكاب جريمة تهدد أمن الدولة أو مصالحها أو أموالها العامة لا يستحق أن يتقاضى منها معاشاً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - في أن السيد/...... بصفته قيماً على السيد/.....، أقام الدعوى رقم 945 لسنة 11 القضائية ضد وزارتي الداخلية والاقتصاد، بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 5 من يونيه سنة 1957، طلب فيها "الحكم باستمرار صرف معاش المدعي كاملاً اعتباراً من تاريخ وقفه في 25 من يناير سنة 1956 وما يترتب على ذلك من آثار قانونية مع إلزام المدعى عليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة" وتوجز أسانيد الدعوى في أن السيد/ ...... كان مفتشاً ببوليس مصر وقد أحيل إلى المعاش في نهاية سنة 1951 وفي 25 من يناير سنة 1956 حُكم عليه في الجناية رقم 609 لسنة 1951 كلي مصر بتهمة الاشتراك في تزوير عقد خاص به، وقد أوقفت إدارة المعاشات بوزارة المالية معاشه منذ هذا التاريخ، استناداً إلى المادة 56 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات التي تنص على أن كل موظف أو مستخدم أو صاحب معاش صدر عليه حكم في جريمة غدر أو اختلاس أموال الحكومة أو رشوة أو تزوير في أوراق رسمية تسقط حقوقه في المعاش أو المكافأة ولو بعد قيد المعاش أو تسوية المكافأة. "وقد تظلم من هذا التصرف بمذكرة عرضت على إدارة الفتوى والتشريع بوزارة المالية والاقتصاد، غير أن هذه الإدارة أفتت بسقوط حقه في معاشه، وهو ينعى على تصرف إدارة المعاشات بأنه مخالف للقانون، لأن المفهوم من المادة 56 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 أن سقوط المعاش أو المكافأة هو جزاء عن جريمة يرتكبها موظف عمومي، وأنه إذا كانت المادة المذكورة قد أشارت إلى صاحب المعاش فإن هذه الإشارة في نظره لا يمكن أن تحمل إلا على أنها خاصة بصاحب المعاش الذي تنفتح رابطة توظف جديدة بينه وبين الدولة، وأنه على فرض أن المادة 56 المبينة آنفاً تنطبق على أرباب المعاشات ولو لم يكونوا موظفين، فيجب أن تكون الجريمة التي ارتكبوها متصلة بعملهم الرسمي، إذ أنه لا يمكن في رأيه تبرير الحكم القاسي الذي تضمنته المادة 56 سالفة الذكر إلا على أنه جزاء عن إخلال الموظف الإجرامي بواجبات وظيفته ولا يتصور أن يمتد إلى غير هذا النطاق، وبذا تخرج الجريمة التي ارتكبها عن مجال تطبيق النص المشار إليه لأنها منقطعة الصلة بواجبات وظيفته، وقد أجابت وزارة الداخلية عن الدعوى بأن السيد/ ...... أُحيل إلى المعاش في 27 من نوفمبر سنة 1952، وأرسلت أوراقه وملف خدمته إلى وزارة المالية وسوى معاشه من ذلك الحين وانقطعت صلته بالوزارة، وفي 25 من يناير سنة 1956 حُكم عليه بالسجن في الجناية رقم 609 لسنة 1951 بتهمة اشتراكه في تزوير عقد ملكية خاص به، وأجابت وزارة المالية والاقتصاد عن الدعوى بأنها تلقت من وزارة الداخلية ما يفيد أن السيد/ محمد عديل قايد
حُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات لاتهامه في قضية تزوير في أوراق رسمية، فقامت بإيقاف صرف معاشه طبقاً لما تقضي به المادة 56 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929، وبدأت في اتخاذ إجراءات تسوية المعاش المستحق لأسرته طبقاً لما تقضي به هذه المادة وإذ تنازع في صحة الإجراء الذي قامت به الوزارة بمقولة إن المادة 56 المذكورة لا تنطبق على حالته لأن التزوير الذي ارتكبه لم يكن متصلاً بأعمال وظيفته، أُحيل الموضوع إلى قسم الرأي لوزارة المالية والاقتصاد الذي أفتى بانطباق المادة 56 سالفة البيان على حالته وبسقوط حقه في المعاش، وبجلسة 8 من إبريل سنة 1963 قضت محكمة القضاء الإداري بأحقية المدعي في صرف معاشه من تاريخ الإفراج عنه في 22 من فبراير سنة 1958 ورفض ما عدا ذلك من الطلبات على النحو المبين بالأسباب مع إلزام الحكومة والمدعي بالمصروفات المناسبة "وأقامت قضاءها على أن الفقرة الأولى من المادة 55 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 المعامل به المدعي تقضي بأنه إذا حُكم على موظف أو مستخدم أو صاحب معاش بعقوبة جناية يوقف حقه في الحصول أو الانتفاع بمعاشه مدة تنفيذ العقوبة، وعند إخلاء سبيله ينتهي هذا الإيقاف بدون صرف أي متجمد له، على أنه في فترة الإيقاف إذا كان يوجد أشخاص يستحقون معاشاً في حالة وفاة الموظف أو المستخدم أو صاحب المعاش يمنحون المعاش الذي كانوا يستحقونه فيما لو توفى عائلهم" وأن الثابت من الأوراق أن المدعي حُكم عليه بعقوبة جناية، ونُفذت العقوبة بالفعل اعتباراً من 12 من جمادى الثانية سنة 1375، وظل بالسجن إلى شعبان سنة 1377 الموافق 22 من فبراير سنة 1958 حيث أُفرج عنه تنفيذاً لقرار رئيس الجمهورية الصادر في 19 من فبراير سنة 1958 بالعفو عن باقي العقوبة بالنسبة إلى فريق من المحكوم عليهم ابتهاجاً بميلاد الجمهورية العربية المتحدة وأنه من ثم تكون جهة الإدارة على حق في وقف صرف معاش المدعي خلال فترة تنفيذ العقوبة، ولا يكون للمدعي حق في المطالبة بأي متجمد عن هذه الفترة التي قضاها في السجن من تاريخ دخوله حتى تاريخ الإفراج عنه، على أنه إذا كان هناك من يستحق معاشاً في حالة وفاته فإنهم يمنحون المعاش الذي كانوا يستحقونه فيما لو توفى عائلهم، أما عن المدة التالية لتنفيذ العقوبة، فإن الأمر مرده إلى ما تقضي به أحكام المادة 56 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 المشار إليه والتفسير الذي ينتهج نحوها، وأنه يلاحظ بادئ ذي بدء أنها وردت في قانون المعاشات وليس في قانون العقوبات، كما أنها رتبت أثر معيناً هو سقوط الحق في المعاش على نوع من الجرائم كلها جرائم ضد الحكومة كالرشوة والتزوير واختلاس أموال الحكومة وذلك دون جرائم الاعتداء على النفس أو المال كالقتل والنصب، مما يستفاد منه أن الجرائم المنصوص عليها فيها إنما هي من جرائم الموظفين أي الجرائم التي يرتكبها الفرد بصفته موظفاً أي تمت إلى العمل بصلة، وليس باعتباره فرداً عادياً من الأفراد دون أن تكون لصفته كموظف أي دخل فيها، وإلا كان استثناء للموظف من الأحكام العامة لقانون العقوبات دون مبرر حيث لم تساو مع غيره في العقوبة ولا في الآثار المترتبة على ارتكاب الجريمة، وأن القول بغير ذلك لا يفسر تخصيص النص لهذه الجرائم ذاتها دون سائر الجرائم التي تقع على النفس أو المال والتي تقع من الكافة، وأنه مما يؤيد هذا النظر أن الجرائم التي أشارت إليها المادة سالفة الذكر هي فقط جرائم الغدر واختلاس أموال الحكومة والرشوة وتزوير الأوراق الرسمية وهي جرائم لا يتسنى ارتكابها إلا من الموظفين، وأنه ولئن كان الثابت أن المدعي ارتكب جريمته التي أُدين من أجلها أثناء خدمته بالحكومة وهو ضابط بوليس إلا أن ما أتاه لا يمت بصلة إلى عمله، فقد ارتكب جريمته باعتباره فرداً عادياً يسعى إلى المال من غير طريقه المشروع، وأنه من ثم يكون على حق فيما يطلبه من عدم تطبيق حكم المادة 56 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاصة بالمعاشات في حقه، ويتعين إجابته إلى طلبه صرف معاشه عن المدة التالية للإفراج عنه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه حين قصر تطبيق حكم المادة 56 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 على حالة التزوير في الأوراق الرسمية التي تدخل في عمل الموظف واختصاصه، في حين أن نص هذه المادة عام ومطلق في خصوص جريمة التزوير في أوراق رسمية وغيرها من الجرائم التي أشار إليها، إذ لم يخصصها الشارع أو يقيدها بأن تكون متصلة بعمل الموظف.
ومن حيث إن المادة 56 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات المدنية تنص على أن "كل موظف أو مستخدم أو صاحب معاش صدر عليه حكم في جريمة غدر أو اختلاس أموال حكومية أو رشوة أو تزوير في أوراق رسمية تسقط حقوقه في المعاش أو المكافأة ولو بعد قيد المعاش أو تسوية المكافأة، وفي هذه الحالة إذا كان يوجد أشخاص يستحقون معاشاً أو مكافأة عند وفاة الموظف أو المستخدم أو صاحب المعاش يمنحون نصف جزء المعاش أو المكافأة الذي كانوا يستحقونه فيما لو توفى عائلهم.
ومن حيث إن نص هذه المادة واضح وصريح، في أن صدور حكم على الموظف أو المستخدم أو صاحب المعاش في جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه، يترتب عليه سقوط حقه في المعاش أو المكافأة، وقد جاءت فيه عبارة "في جريمة غدر أو اختلاس أموال حكومية أو رشوة أو تزوير في أوراق رسمية" عامة مطلقة، فلم تفرق في خصوص الجرائم التي يترتب على صدور حكم في إحداها على الموظف أو المستخدم أو صاحب المعاش، سقوط حقه في المعاش أو المكافأة، بين الحالات التي يرتكب فيها هذه الجرائم في أعمال وظيفته وبين الحالات التي يكون ارتكابه إياها منبت الصلة بأعمال هذه الوظيفة، ولو قصد المشرع إجراء مثل هذه التفرقة لما أعوزه الإفصاح عن قصده، فالقول مع صراحة النص وعمومه - على نحو ما توضح - يقصر تطبيق الحكم الذي تضمنته المادة المذكورة على الحالات التي يرتكب فيها الموظف أو المستخدم أو صاحب المعاش الجرائم المذكورة في أعمال وظيفته، تخصيص للنص بغير مخصص.
ومن حيث إنه لا حجة فيما ذهب إليه الحكم المطعون فيه، من أن تطبيق حكم المادة 56 - سالفة الذكر - على الجرائم التي يرتكبها الموظف بوصفه فرداً عادياً، يعتبر استثناء للموظف من الأحكام العامة في قانون العقوبات دون مبرر، بمقولة إنه لا يتساوى مع غيره في العقوبة ولا في الآثار المترتبة على الجريمة، لا حجة في ذلك.
إن المساواة أمام القانون ليست مسألة حسابية، وإنما المقصود بهذه المساواة، هو عدم التمييز بين أفراد الطائفة الواحدة إذا تماثلت مراكزهم القانونية. والموظف ليس كمثل الفرد غير الموظف في مركزة القانوني، إذ الموظف تربطه بالحكومة علاقة تنظيمية تحكمها قوانين ولوائح لا يخضع لها الفرد غير الموظف، فإذا رتبت بعض هذه القوانين واللوائح، على صدور حكم على الموظف في جريمة ما دون تخصيص لبعض الحالات التي ترتكب فيها هذه الجريمة، إذا رتبت أثراً يمس حقوقه الوظيفية، فإنه ينبغي إعمال النص الذي يرتب هذا الأثر، إذا حُكم على الموظف في الجريمة المذكورة، حتى ولو كان ارتكابه إياها في غير أعمال وظيفته، وليس في هذا التطبيق ما يخل بمبدأ المساواة في العقوبة بين الموظف وبين الفرد غير الموظف وغني عن البيان، أن مفهوم الجريمة على هذا النحو، هو الذي جرى عليه العمل باطراد عند تطبيق ما نص عليه قانون نظام موظفي الدولة الصادر بالقانون رقم 210 لسنة 1951 ومن بعده قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1964 من انتهاء خدمة الموظف إذا حُكم عليه في جناية أو في جريمة مخلة بالشرف، فلم يقتصر التطبيق على الحالات التي يرتكب فيها الموظف الجناية أو الجريمة المخلة بالشرف في أعمال وظيفته وإنما تعداها إلى الحالات التي يرتكبها فيها في غير أعمال وظيفته، ومن ثم، فإنه فضلاً عما تقدم، فلا شذوذ في أن يكون هذا المفهوم هو الواجب التطبيق بالنسبة إلى نص المادة 56 سالفة البيان.
ومن حيث إنه لا حجة أيضاً فيما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن الجرائم المنصوص عليها في المادة 56 سالفة الذكر، لا يتسنى ارتكابها إلا من الموظفين، ذلك أن ارتكاب هذه الجرائم كما يتسنى للموظفين، يتسنى لغيرهم من الأفراد العاديين فغير خاف أن العقوبة في جريمة الرشوة وهي إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة المذكورة، تلحق الراشي والمرتشي على السواء، ولعل من اليسير أن يتصور أن يكون الراشي من غير الموظفين كما أن مرتكب أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة 56 آنفة الذكر، قد يكون شريكاً وليس فاعلاً أصلياً، والاشتراك بصوره المختلفة، كما يقع في الجرائم المشار إليها، من أحد الموظفين، يمكن تصور وقوعه من غير موظف.
أما ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن تخصيص نص المادة 56 للجرائم المنصوص عليها فيه دون سائر الجرائم التي تقع على النفس أو المال، لا يفسره إلا القول بأن الشارع قصد الجرائم المنصوص عليها في هذا النص إذا ما ارتكبت من الموظف أثناء تأديته أعمال وظيفته أو بسببها فمردود بأن الحكمة التي تغياها المشرع من تخصيص النص لهذه الجرائم دون غيرها من الجرائم التي تقع على النفس أو المال، هذه الحكمة التشريعية ظاهرة من أن هذه الجرائم تمس مباشرة أمن الدولة ومصالحها وأموالها العامة، فرأى المشرع بحق، أن الموظف أو المستخدم أو صاحب المعاش الذي يقدم على ارتكاب جريمة تهدد أمن الدولة أو مصالحها أو أموالها العامة لا يستحق أن يتقاضى منها معاشاً.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم تكون الجهة الإدارية قد طبقت القانون في حق المدعي السيد/ ....... تطبيقاً سليماً حين قررت سقوط حقه في المعاش، بعد أن صدر عليه حكم بالسجن في الجناية رقم 609 لسنة 1951 لاشتراكه في ارتكاب جريمة تزوير في أوراق رسمية عملاً بحكم المادة 56 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات المدنية، ويكون الحكم المطعون فيه وقد قضى بعدم سريان المادة 56 سالفة الذكر على حالة المدعي السيد/ ....... وبعدم سقوط حقه في المعاش تطبيقاً لها، استناداً إلى أن الحكم الذي صدر عليه وإن صدر في جريمة تزوير في أوراق رسمية، إلا أنه لم يرتكب هذه الجريمة بصفته موظفاً وإنما ارتكبها بصفته فرداً عادياً، يكون الحكم المطعون فيه وقد قضى بذلك، قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين - والحالة هذه - القضاء بإلغائه ورفض الدعوى مع إلزام المدعي السيد/ ...... بالمصاريف وذلك دون إخلال بما عسى أن يكون للمدعي السيد/ ...... أو لورثته من بعده من حق مستمد من المادة 36 من القانون رقم 50 لسنة 1963 الخاص بالمعاشات إذا ما توفرت شروطها.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.