أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 19 - صـ 228

جلسة 19 من فبراير سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور أحمد خلف.

(41)
الطعن رقم 2177 لسنة 37 القضائية

(أ، ب) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "إثبات بوجه عام". قرارات وزارية. تموين. خبز. دعوى جنائية.
( أ ) مرد اقتناع القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته، إلى الأدلة المطروحة على بساط البحث بالجلسة. عدم انسحاب تقدير المحكمة لدليل في دعوى إلى دعوى أخرى.
(ب) النص في القرارات الوزارية على إجراءات وزن الخبز وكيفية حصوله، مقصود به الإرشاد والتوجيه للموظفين المنوط بهم المراقبة وإثبات المخالفة.
(ج، د، هـ) تموين. خبز "خبز بلدي". جريمة. "أركان الجريمة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره" حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ج) تحقق العجز في وزن الخبز البلدي بعد مرور ثلاث ساعات على تهويته دون تأثير لما قد يطرأ بعد ذلك من زيادة في نسبة العجز.
(د) إجراء وزن الخبز عند ضبطه على ميزان المخبز. غير لازم قانوناً.
(هـ) النعي على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها. غير مقبول.
1 - تقدير المحكمة لدليل في دعوى لا ينسحب أثره إلى دعوى أخرى ما دامت لم تطمئن إلى الدليل المقدم فيها، ذلك أن الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الأدلة التي تطرح على المحكمة على بساط البحث بالجلسة ويقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته، مستقلاً في تكوين عقيدته بنفسه [(1)].
2 - جرى قضاء محكمة النقض على أن النص في القرارات الوزارية على إجراءات وزن الخبز وكيفية حصوله هي من قبيل الإرشاد والتوجيه للموظفين المنوط بهم المراقبة وإثبات المخالفة ليتم عملهم على وجه سليم ودقيق دون أن تؤثر هذه القرارات على الحق المقرر للقاضي بمقتضى القانون في استمداد عقيدته من عناصر الإثبات المطروحة أمامه في الدعوى دون أن يتقيد بدليل معين.
3 - العجز في وزن الخبز البلدي الذي يؤثمه القانون، يتحقق بعد أن تكون قد مرت على تهويته ثلاث ساعات وهو ما كشف الحكم عن ثبوته - وليس بذي بال بعد ذلك ما يطرأ من الزيادة في نسبة العجز، فإنه لا على الحكم إن هو أعرض عما أثاره الطاعنان في هذا الشأن ولم يرد عليه، ما دام أنه دفاع ظاهر البطلان.
4 - لم يستلزم المشرع أن يجري وزن الخبز عند ضبطه على ميزان المخبز.
5 - إذا كان الثابت من مراجعة محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعنين ترافع في الدعوى طالباً البراءة ولم يبد للمحكمة أية طلبات، فإنه لا يكون للطاعنين من بعد أن ينعيا على المحكمة قعودها عن الاستجابة إلى إعلان شهود نفي أو حجز القضية للحكم لتقديم أحكام أو غيرها من الأوراق.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 8 يناير سنة 1966. بدائرة قسم أول طنطا محافظة الغربية: (الأول) بصفته صاحب مخبز ومديره المسئول (والثاني) الخراط به - أنتجا خبزاً بلدياً طرياً يقل متوسط وزن الرغيف الواحد عن الوزن المقرر قانوناً. وطلبت عقابهما بالمواد 1 و21/ 1 و26 و27 و38/ 1 من القرار رقم 9 لسنة 1957 المعدل بالقرارات 109 لسنة 1959 و93 لسنة 1960 و74 لسنة 1961 والمواد 1 و8 و9/ 1 - 4 - 5 و57 و58 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 المعدل بالمرسوم بقانون رقم 250 لسنة 1952. ومحكمة جنح طنطا المستعجلة الجزئية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بحبس كل من المتهمين ستة شهور مع الشغل وكفالة 500 قرش لوقف التنفيذ وتغريم كل منهما مائة جنيه والمصادرة وإشهار ملخص الحكم على واجهة المخبز لمدة ستة شهور بلا مصاريف جنائية. فاستأنف المحكوم عليهما هذا الحكم. ومحكمة طنطا الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف بلا مصروفات جنائية. فطعن الوكيل عن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة إنتاج خبز يقل وزن الرغيف فيه عن المقرر قانوناً - قد أخطأ في القانون وأخل بحقهما في الدفاع وران عليه القصور. فأما الخطأ في القانون فيراه الطاعنان في أن الحكم دان أولهما على الرغم من أن المحكمة ذاتها قضت في يوم صدور الحكم المطعون فيه ببراءته في قضية أخرى على أساس عدم صلته بالمخبز، وأما الإخلال بحق الدفاع فيتمثل في أن المدافع عن الطاعنين كان قد طلب في الجلسة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه التأجيل لإعلان شهود نفي - كما طلب أيضاً حجز القضية للحكم ليقدم مذكرة وأحكاماً يدلل بها على انعدام صلة الطاعن الأول بالمخبز وعلى سلامة باقي وجوه الدفاع، غير أن المحكمة لم تستجب إلى هذين الطلبين. وأما القصور فآيته أن الحكم لم يرد على ما أثاره من دفاع قام على أن مفتش التموين لم يبين رقم العجز في "الجشنى" الذي أجراه على الخبز في المخبز، ولم يقم بالوزن على ميزان المخبز الذي أوجب القانون وجوده فيه لهذا الغرض وأنه من ثم لم يكن يصح نقل الخبز إلى خارج المخبز، وأن المفتش لم يوضح نوع الميزان الذي وزن عليه الخبز ومدى حساسيته ولا وحدات الصنج التي استعملها، وأنه كان يتعين عليه وزن العجين عند الخراط حتى تتبين جريمته قبل أن تتدخل النار والتهوية بفعلهما في نقص الوزن، وأنه لم يحدد موعد إنتاج أول رغيف ليتبين فوات أكثر من ثلاث ساعات على قيامه بالوزن، ذلك بأن القانون حدد العجز بـ 5% في وزن الخبز الذي يمر عليه ثلاث ساعات ولم يحدد العجز فيما يمر عليه أكثر من ذلك، هذا إلى أن الحكم لم يلتفت أيضاً إلى ما قال به الطاعنان من أن الخبز عرض على لجنة التحكيم بعد ثلاث أيام فضاعت معالمه. وبذلك كله يكون الحكم معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه ولما أنشأه الحكم المطعون فيه من أسباب أنه حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين - بوصف أن أولهما صاحب المخبز والثاني هو الخراط فيه - بارتكابها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها وهي مستمدة من أقوال مفتش التموين الذي ضبط الواقعة، ونتيجة فحص اللجنة التي شكلت لفحص الخبز واطمئنان المحكمة إلى سلامة الإجراءات فضلاً عن اعتراف الطاعن الثاني بأنه الذي قام بتخريط الخبز وأن الطاعن الأول هو صاحب المخبز. لما كان ذلك، وكان تقدير المحكمة لدليل في دعوى لا ينسحب أثره إلى دعوى أخرى ما دامت لم تطمئن إلى الدليل المقدم فيها، ذلك أن الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الأدلة التي تطرح أمام المحكمة على بساط البحث بالجلسة ويقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته مستقلاً في تكوين عقيدته بنفسه بناءً على ذلك، فإن ما ينعاه الطاعن الأول على الحكم من خطأ حين دانه في الدعوى الحالية حال أن المحكمة أصدرت حكماً آخر في الجلسة ذاتها قضى بتبرئته في قضية أخرى تأسيساً على عدم صلته بالمخبز، لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الثابت من مراجعة محضر جلسة الحكم المطعون فيه أن المدافع عن الطاعنين ترافع في الدعوى طالباً البراءة ولم يبد للمحكمة أي طلبات، فإنه لا يكون للطاعنين من بعد أن ينعيا على المحكمة قعودها عن الاستجابة إلى إعلان شهود نفي أو حجز القضية للحكم لتقديم أحكام أو غيرها من الأوراق. لما كان ذلك، وكان المشرع لم يستلزم أن يجري وزن الخبز - عند ضبطه - على ميزان المخبز، وكان العجز في وزن الخبز البلدي الذي يؤثمه القانون يتحقق بعد أن تكون قد مرت على تهويته ثلاث ساعات - وهو ما كشف الحكم عن ثبوته - وليس بذي بال بعد ذلك ما يطرأ من الزيادة في نسبة العجز، فإنه لا على الحكم إن هو أعرض عما أثاره الطاعنان في هذا الشأن ولم يرد عليه ما دام أنه دفاع ظاهر البطلان. لما كان ما تقدم، وكان قضاء محكمة النقض قد جرى على أن النص في القرارات الوزارية على إجراءات الوزن وكيفية حصوله هي من قبيل الإرشاد والتوجيه للموظفين المنوط بهم المراقبة وإثبات المخالفات ليتم عملهم على وجه سليم ودقيق دون أن تؤثر هذه القرارات على الحق المقرر للقاضي بمقتضى القانون في استمداد عقيدته من عناصر الإثبات المطروحة أمامه في الدعوى دون أن يتقيد بدليل معين، فإن سائر ما يثيره الطاعنان في طعنهما ينحل إلى جدل موضوعي في سلطة المحكمة في وزن عناصر الدعوى مما تستقل بتقديره دون رقابة لمحكمة النقض ما دامت أنها لا تخرج في ذلك عن موجب الاقتضاء العقلي والمنطقي وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره.
وحيث إنه ترتيباً على ما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.


[(1)] (والطعن رقم 2030 لسنة 37 ق جلسة 5/ 2/ 1968).