أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 19 - صـ 254

جلسة 20 من فبراير سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمد محفوظ، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الوهاب خليل، وحسين سامح، ومحمود العمراوي، ومحمود عطيفة.

(46)
الطعن رقم 1927 لسنة 37 القضائية

(أ، ب) طب. "مزاولة مهنة الطب". أسباب الإباحة. "استعمال حق مقرر بمقتضى القانون". أطباء. توليد. جريمة. قانون. لوائح. جرح عمد.
( أ ) شروط مزاولة مهنة الطب؟ المادة الأولى من القانون رقم 415 لسنة 1954.
(ب) إباحة عمل الطبيب. مشروطة بالحصول على إجازة علمية وترخيص وفقاً للقوانين واللوائح.
(ج، د) طب. "مزاولة مهنة الطب". مسئولية جنائية. موانع العقاب. "حالة الضرورة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". جرح عمد.
(ج) مساءلة كل من لا يملك مزاولة مهنة الطب عما يحدثه للغير من جروح وما إليها على أساس العمد. إعفاؤه من العقوبة متى توافرت حالة الضرورة.
(د) صحة الحكم بإدانة من يزاول مهنة الطب بغير ترخيص أو في غير حالة الضرورة.
1 - مؤدى نص المادة الأولى من القانون رقم 415 لسنة 1954 في شأن مزاولة مهنة الطب أنه لا يملك مزاولة هذه المهنة ومباشرة الأفعال التي تدخل في عداد ما ورد بها، بأية صفة كانت إلا من كان طبيباً مقيداً اسمه بسجل الأطباء بوزارة الصحة وبجدول نقابة الأطباء البشريين، وذلك مع مراعاة الأحكام المنظمة لمهنة التوليد.
2 - الأصل أن أي مساس بجسم المجني عليه يحرمه قانون العقوبات وقانون مزاولة مهنة الطب. وإنما يبيح القانون فعل الطبيب بسبب حصوله على إجازة علمية طبقاً للقواعد والأوضاع التي نظمتها القوانين واللوائح، وهذه الإجازة هي أساس الترخيص الذي تتطلب القوانين الخاصة بالمهنة الحصول عليه قبل مزاولتها فعلاً.
3 - من لا يملك حق مزاولة مهنة الطب يسأل عما يحدثه للغير من جروح وما إليها باعتباره معتدياً على أساس العمد، ولا يعفى من العقاب إلا عند قيام حالة الضرورة بشروطها القانونية.
4 - إذا كان الثابت أن الطاعنة الثانية قد عادت المجني عليها بإجراء مس لها في عينها ووضعت لها "البنسلين" كدواء وقامت الطاعنة الأولى بعملية حقنها بهذه المادة، فإنه لا مراء في أن ما اقترفته الطاعنتان من أفعال يعد مزاولة منهما لمهنة الطب لدخولها في الأعمال التي عددتها المادة الأولى من القانون رقم 415 لسنة 1954، وإذا كان ذلك، وكانت المتهمتان المذكورتان لا تملكان مزاولة مهنة الطب ولم تكن حالة المجني عليها من حالات الضرورة المانعة للعقاب، فإن الحكم المطعون فيه إذ دانهما عن تهمة مزاولة مهنة الطب وساءل الطاعنة الأولى عن جريمة إحداث جرح عمداً بالمجني عليها يكون قد طبق القانون على وجهه الصحيح.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنتين بأنهما في يوم 3 من أغسطس سنة 1962 بدائرة باب الشعرية محافظة القاهرة: (أولاً) المتهمتان الأولى والثانية: زاولتا مهنة الطب دون أن يكون اسماهما مقيداً بسجل الأطباء بوزارة الصحة وبجدول نقابة الأطباء البشريين. (ثانياً) المتهمة الثانية: أحدثت عمداً برسمية فرحات جرحاً نشأ عنه مرض أو عجز عن أشغالها الشخصية مدة تزيد عن عشرين يوماً. وطلبت عقابهما بالمادتين 1 و10 من القانون رقم 415 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 490 لسنة 1957 والمادة 242/ 1 من قانون العقوبات. وادعى مدنياً..... زوج المجني عليها عن نفسه وبصفته ولياً طبيعياً على أولاده منها..... وطلب القضاء له قبل المتهمتين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف وأتعاب المحاماة. ومحكمة باب الشعرية الجزئية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات والمادتين 55 و56 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 435 لسنة 1953 بتغريم كل من المتهمتين عشرة جنيهات ومصادرة الأدوات المضبوطة والغلق وأمرت بنشر الحكم مرة واحدة في جريدة الأهرام والجمهورية على نفقة المحكوم عليهما وألزمتهما أن يدفعا للمدعي بالحق المدني قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية ومبلغ 1 ج مقابل أتعاب المحاماة وأعفتهما من المصاريف الجنائية وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة والغلق والنشر المقضي بهما على المتهمتين مدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ انتهاء الحكم. فاستأنفت المحكوم عليهما والنيابة العامة هذا الحكم ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبولهما شكلاً وفي الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف وإلزام المستأنفين المصروفات المدنية الاستئنافية فطعن المحامي الوكيل عن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنتين بجريمة مزاولتهما مهنة الطب دون أن يكون اسماهما مقيداً بسجل الأطباء بوزارة الصحة وبجدول نقابة الأطباء البشريين، ودان الطاعنة الأولى بجريمة إحداث جرح عمداً، قد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن مسئولية الطاعنتين الجنائية عن وفاة المجني عليها منتفية لانقطاع علاقة السببية بين الوفاة وفعل الطاعنة الأولى لما ثبت من وجود حساسية لدى المجني عليها لعقار البنسلين أدت إلى حصول الوفاة، ولأنه مصرح للطاعنتين بمزاولة مهنة التمريض وإعطاء الحقن وقد قامت الطاعنة الأولى بحقن المجني عليها بالبنسلين بناء على مشورة طبية وتحت إشراف طبيب.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مجمله أن المجني عليها توجهت إلى مستوصف الراهبات تشكو مرضاً في عينها فقامت الطاعنة الثانية بمسها ثم وضعت لها عقار البنسلين كدواء وإحالتها إلى الطاعنة الأولى التي قامت بحقنها بالبنسلين مقابل مبلغ عشرة قروش، وفوجئت المجني عليها إثر ذلك بالدوار يغالبها ورغم ما أجرى لها من وسائل الإسعاف فإن المنية عاجلتها، وبعد أن أورد الحكم أدلة الثبوت - التي عول عليها في قضائه - عرض إلى دفاع الطاعنتين المنبني على أن ما اقترفتاه لا يعد ممارسة منهما لمهنة الطب بدون ترخيص وأن اسميهما مقيداً بوزارة الصحة في سجل مساعدات الممرضات، وأن من حقهما إعطاء الحقن بأنواعها المختلفة، ورد عليه في قوله "إن ما أتته المتهمتان من أفعال يكون في حقهما الجريمة المسندة إليهما والخاصة بممارسة مهنة الطب دون أن يكون اسماهما مقيداً بسجل الأطباء بوزارة الصحة ذلك لأن الثابت من اعتراف المتهمتين أن الثانية قد أوقعت الكشف الطبي على عين المجني عليها وقامت بمسها كما وضعت لها دواء هو حقنة بنسلين ثم توجهت بها إلى المتهمة (الأولى) التي أعطتها هذه الحقنة، وجميع هذه الأفعال تدخل في جميع عمل الأطباء الذي حرمه القانون على غيرهم. فالتحريم الوارد بنص المادة الأولى من قانون الاتهام جرى في نص صريح على عدم جواز إبداء المشورة الطبية أو وصف الأدوية وما قامت به المتهمة الثانية بالنسبة للمجني عليها لا يعدو كونه إبداء لمشورة طبية ووصفاً لحقنة البنسلين كدواء...". وما انتهى إليه الحكم فيما تقدم سديد في القانون، ذلك بأن المادة الأولى من القانون رقم 415 لسنة 1954 في شأن مزاولة مهنة الطب قد نصت على أنه "لا يجوز لأحد إبداء مشورة طبية أو عيادة مريض أو إجراء عملية جراحية أو مباشرة ولادة أو وصف أدوية أو علاج مريض أو أخذ عينة من العينات التي تحدد بقرار من وزير الصحة من جسم المرضى الآدميين للتشخيص الطبي العملي بأية طريقة كانت أو وصف نظارات طبية وبوجه عام مزاولة مهنة الطب بأية صفة كانت إلا إذا كان مصرياً أو كان من بلد تجيز قوانينه للمصريين مزاولة مهنة الطب وكان اسمه مقيداً بسجل الأطباء بوزارة الصحة وبجدول نقابة الأطباء البشريين وذلك مع عدم الإخلال بالأحكام الخاصة المنظمة لمهنة التوليد". ومؤدى ذلك أنه لا يملك مزاولة مهنة الطب ومباشرة الأفعال التي تدخل في عداد ما ورد بهذه المادة بأية صفة كانت إلا من كان طبيباً مقيداً اسمه بسجل الأطباء بوزارة الصحة وبجدول نقابة الأطباء البشريين مع مراعاة الأحكام المنظمة لمهنة التوليد. فإذا كان الثابت أن الطاعنة الثانية قد عادت المجني عليها بإجراء مس لها في عينها ووصفت لها البنسلين كدواء وقامت الطاعنة الأولى بعملية حقنها بهذه المادة فإنه لا مراء في أن ما اقترفته الطاعنتان من أفعال يعد مزاولة منهما لمهنة الطب لدخولها في عداد الأعمال التي أوردتها المادة الأولى من القانون رقم 415 لسنة 1954 والتي لا يملك حق مزاولتها إلى من كان طبيباً مسجلاً اسمه طبقاً للقانون. وإذ كان الأصل أن أي مساس بجسم المجني عليه يحرمه قانون العقوبات وقانون مزاولة مهنة الطب. وإنما يبيح القانون فعل الطبيب بسبب حصوله على إجازة علمية طبقاً للقواعد والأوضاع التي نظمتها القوانين واللوائح - وهذه الإجازة هي أساس الترخيص الذي تتطلب القوانين الخاصة بالمهنة الحصول عليه قبل مزاولتها فعلاً، وأن من لا يملك حق مزاولة مهنة الطب يسأل عما يحدثه للغير من جروح وما إليها باعتباره معتدياً أي على أساس العمد ولا يعفى من العقاب إلا عند قيام حالة الضرورة بشروطها القانونية وهي منتفية في ظروف هذه الدعوى على ما يبين من مدونات الحكم، فإن الحكم المطعون فيه إذ خلص إلى مساءلة الطاعنتين عن تهمة مزاولتهما مهنة الطب ومساءلة الطاعنة الأولى عن جريمة إحداث جرح عمداً بالمجني عليها يكون قد طبق القانون على وجهه الصحيح. ويكون غير مجد ما تثيره الطاعنتان من أن قيد اسميهما بسجل مساعدات الممرضات يخولهما الحق في إعطاء الحقن وأن عملية حقن المجني عليها كانت بناء على مشورة طبية، فإن ذلك فضلاً عن مخالفته الواقع الثابت بالأوراق على ما يبين من الاطلاع على كتاب وزارة الصحة المرفق بالمفردات المضمومة، لا يبرر مخالفتهما القانون. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعنة الأولى بجريمة إحداث جرح عمداً نشأ عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد عن عشرين يوماً، فإن ما تثيره الطاعنتان من انتفاء مسئوليتهما عن وفاة المجني عليها لحصول الوفاة بسبب الحساسية لعقار البنسلين لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً ومصادرة الكفالة.