أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 17 - صـ 806

جلسة 14 من يونيه سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ توفيق الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد صبري، وجمال المرصفاوى، ومحمد عبد المنعم حمزاوى، ونصر الدين عزام.

(152)
الطعن رقم 854 لسنة 36 القضائية

( أ ) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تراخى الدفاع عن التمسك بطلب التأجيل لإعلان شاهد النفي وذلك بمواصلته المرافعة في الموضوع دون إصرار عليه في ختام مرافعته. دلالته: عدم جدية هذا الطلب وتنازله عنه ضمناً. عدم التزام المحكمة بالرد عليه عند إطراحه.
(ب) محكمة الجنايات. "الإجراءات أمامها". إجراءات المحاكمة.
قعود الطاعن عن سلوك الطريق الذي رسمه قانون الإجراءات لسماع شهوده - الذين لم تدرج أسماؤهم في قائمة الشهود - أمام محكمة الجنايات. لا تثريب على المحكمة إن هي فصلت في الدعوى دون سماعهم.
(ج، د) علاقة السببية. ضرب أفضى إلى الموت. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. قصد احتمالي.
(ج) علاقة السببية في المواد الجنائية: علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً.
مسئولية الضارب عن جميع النتائج المحتمل حصولها عن الإصابة التي أحدثها ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه. ما لم يثبت أنه كان متعمداً لتجسيم الإصابة.
(د) علاقة السببية. تقديرها موضوعي.
(هـ) أسباب الإباحة. "الدفاع الشرعي". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي لأول مرة أمام محكمة النقض. غير مقبول. ما دامت الدعوى كما أثبتها الحكم لا تتوافر تلك الحالة ولا ترشح لقيامها.
1 - تراخى الدفاع عن التمسك بطلب التأجيل لإعلان شاهد النفي حين بدئ بنظر الدعوى، وما أعقب إبداء الطلب من مواصلة هيئة الدفاع المرافعة في الموضوع دون إصرار على طلب سماع الشاهد، إنما يفيد أن الدفاع لم يكن جاداً في هذا الطلب وأنه قد تنازل عنه ضمناً بالمرافعة في موضوع الدعوى دون أن يصر عليه في ختام المرافعة، ومن ثم فهو لا يستأهل من المحكمة رداً إن هي أطرحته.
2 - إذا كان الطاعن لم يسلك الطريق الذي رسمه القانون في المواد 185 و186 و178 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى الشهود الذين يطلب من محكمة الجنايات سماعهم ولم تدرج أسماؤهم في قائمة الشهود، فلا تثريب على المحكمة إن هي فصلت في الدعوى دون سماع أقوال هؤلاء الشهود.
3 - علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً. وبذلك فالضارب مسئول عن جميع النتائج المحتمل حصولها عن الإصابة التي أحدثها ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه ما لم يثبت أنه كان متعمداً لتجسيم المسئولية.
4 - علاقة السببية مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها، ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه، ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدى إلى ما انتهى إليه.
5 - لا يقبل الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي لأول مرة أمام محكمة النقض ما دامت واقعة الدعوى كما أثبتها الحكم المطعون فيه لا تتوافر فيها تلك الحالة ولا ترشح لقيامها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما في يوم 2/ 9/ 1963 بدائرة قسم إمبابة محافظة الجيزة: (الأول) ضرب رجب عتريس عمداً بأن طعنه بسكين فأحدث به الإصابات المبينة بالكشف الطبي الشرعي ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكن الضرب أفضى إلى موته. (والأول والثاني): أحدثا عمداً بعتريس حسنين الإصابات المبينة بالكشف الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوماً. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما طبقاً للوصف والقيد الواردين بقرار الاتهام، فصدر قراره بذلك. وادعى مدنياً والد المجني عليه الأول بصفته ولياً طبيعياً عليه طالباً القضاء له قبل المتهم الأول بمبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضورياً في 22 من مارس سنة 1966 (أولاً) بمعاقبة الطاعن بالحبس مع الشغل لمدة سنة عن التهمة الأولى وإلزامه بأن يدفع للمدعي بالحق المدني قرشاً صاغاً واحداً على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية (وثانياً) ببراءته مما أسند إليه من ضرب المجني عليه الثاني (وثالثاً) ببراءة المتهم الثاني مما أسند إليه. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد أخطأ في القانون وشابه قصور في البيان وانطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الطاعن تمسك لدى محكمة الموضوع بسماع أقوال شاهد النفي حلمي فرج عقل غير أن المحكمة قضت بإدانة الطاعن دون أن تسمع شهادته أو تبين علة رفضها هذا الطلب. كما دفع الطاعن بانقطاع رابطة السببية بين إصابة المجني عليه ووفاته إلا أن المحكمة أطرحت الدفع وذهبت في ردها إلى أن الامتصاص التوكسيمي العفن المصاحب للجرح ليس من شأنه أن يقطع رابطة السببية لأنه لو لا الجرح ما كانت الوفاة وهو رد غير سديد في القانون، لأن السببية - على ما استقر عليه القضاء - تقوم على عنصرين مادي والآخر معنوي وقد اعتمدت المحكمة في ردها على العنصر المادي وحده وحجبت نفسها عن بحث العنصر المعنوي فلم تبين العوامل التي طرأت على الجرح وسببت الوفاة وهل نشأت عن إهمال من المجني عليه أو إهمال في العلاج وهل الإهمال مألوف يمكن توقعه أو أنه من النوع الجسيم الذي لا يمكن توقعه. ومن ناحية أخرى فإنه وإن كان الطاعن لم يدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي إلا أن وقائع الدعوى توفر عناصر الدفاع الشرعي عن النفس لأن في إصابة الطاعن بجروح أثبتها التقرير الطبي وفيما قرره شاهد النفي من مشاهدته المجني عليه ووالده يقذفان الطاعن وإخوته بأواني زجاجية ما يوفر حالة الدفاع الشرعي فكان يتعين على المحكمة أن تعرض لهذه الحالة التي ترشح لها وقائع الدعوى وتقول كلمتها فيها، أما وهى لم تفعل فإن حكمها يكون معيباً مستوجباً نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنه في يوم 2/ 9/ 1963 حوالي الساعة التاسعة والنصف مساء بدائرة قسم إمبابة محافظة الجيزة قامت مشاجرة بين رجب عتريس - المجني عليه - وعتريس حسانين محمد موسى وبين محمد إسماعيل كفافى - الطاعن - وآخرين بسبب أن الثاني يستأجر محلاً أعدة للبقالة من إسماعيل كفافى ويرغب المؤجر وأولاده رفع القيمة الايجارية وكان من نتيجة ذلك أن استل محمد إسماعيل كفافى سكيناً طعن بها عمداً رجب عتريس داخل محل البقالة المذكور وأحدث به إصابة طعنية حيوية بمقدم جدار الصدر نافذة إلى التجويف موصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته وقد نقل المجني عليه المذكور للمستشفى لإسعافه بالعلاج حتى توفى متأثراً بإصاباته وقد أخطرت النيابة بالحادث فتولت التحقيق. واستند الحكم في إدانة الطاعن إلى أقوال المجني عليه وعتريس حسانين محمد موسى وإلى تقرير الصفة التشريحية. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن ثلاثة من المحامين أثبتوا حضورهم مع الطاعن ولم يبد أحدهم طلباً ما بشأن تأجيل الدعوى لإعلان شهود نفي وقد استجوبت المحكمة الطاعن ثم استمعت إلى شهادة شاهد الإثبات ومرافعة النيابة العامة والمدعي بالحقوق المدنية فمرافعة المحامي الأول عن الطاعن الذي ناقش أدلة الدعوى وانتهى إلى طلب البراءة أو التأجيل لإعلان شاهد نفي وبعد ذلك ترافع المحاميان الآخران في الموضوع وأصرا على طلب البراءة. لما كان ذلك، وكان تراخى الدفاع عن التمسك بطلب التأجيل لإعلان شاهد النفي حين بدئ بنظر الدعوى، وما أعقب إبداء الطلب من مواصلة هيئة الدفاع لم يكن جاداً في هذا الطلب وأنه قد تنازل عنه ضمناً بالمرافعة في موضوع الدعوى دون أن يصر عليه في ختام المرافعة. ولما كان تنازل الدفاع عن طلب أبداه دون إصرار عليه لا يستأهل من المحكمة رداً حين إطراحها له، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. وفضلاً عن هذا، فإنه لما كان الطاعن لم يسلك الطريق الذي رسمه القانون في المواد 185، 186، 187 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى الشهود الذين يطلب من محكمة الجنايات سماعهم ولم يدرج مستشار الإحالة أسماؤهم في قائمة الشهود، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي فصلت في الدعوى دون سماع أقوال ذلك الشاهد. لما كان ذلك، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن إذ عرض إلى رابطة السببية بين الإصابة والوفاة قال "إن الوفاة كانت نتيجة الإهمال في العلاج الثابت من تقرير الطبيب الشرعي" وقد عرض الحكم إلى دفاع الطاعن في هذا الشأن وأطرحه في قوله "حيث إن الدفاع عن المتهم المذكور الطاعن - دفع بانقطاع السببية وهو دفع في غير محله لتوافر السببية بين الفعل المنسوب إلى المتهم الأول (الطاعن) وبين النتيجة وهى وفاة رجب عتريس. ولا عبرة بما قيل من حصول امتصاص توكسيمى عفن في جرح المجني عليه المذكور لأن ذلك ليس من شأنه أن يقطع رابطة السببية لأنه لو لا الجرح ما كانت الوفاة وهى النظرية المعمول بها في القانون المصري في صدد السببية وهى نظرية تكافؤ أو تعادل الأسباب". وما انتهى إليه الحكم سديد في القانون، ذلك بأنه من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً، وكانت هذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدى إلى ما انتهى إليه. وإذ ما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه أحدث بالمجني عليه عمداً إصابة الصدر بأنه طعنه بسكين، ودلل على توافر رابطة السببية بين الإصابة والوفاة بما حصله من تقرير الصفة التشريحية من إصابة المجني عليه بجرح طعني حيوي بمقدم جدار الصدر نفذ إلى التجويف الصدري وأن الوفاة إصابة جنائية نشأت عن امتصاص توكسيمى عفن مضاعف لإصابة الصدر، وكان ما نقله الحكم عن التقرير الطبي له أصله الصحيح من المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن، فإن الطاعن يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها عن الإصابة التي أحدثها ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه، ما لم يثبت أنه كان متعمداً لتجسيم المسئولية وهو ما لم يقل به الطاعن، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع بقيام حالة الدفاع الشرعي، وكانت واقعة الدعوى كما أثبتها الحكم المطعون فيه لا تتوافر فيها حالة الدفاع الشرعي ولا ترشح لقيامها، فإنه لا يقبل من الطاعن أن يثير هذا الدفاع لأول مرة أمام هذه المحكمة. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.