مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1971 إلى آخر سبتمبر سنة 1971) - صـ 252

(38)
جلسة 17 من إبريل سنة 1971

برئاسة السيد الأستاذ محمد شلبي يوسف - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة يوسف إبراهيم الشناوي ومحمد صلاح الدين السعيد وعلي لبيب حسن وأحمد حسن العتيق - المستشارين.

القضية رقم 1246 لسنة 11 القضائية

( أ ) اختصاص "ما يدخل في اختصاص القضاء الإداري" - قرار إداري. "عيوبه" القرارات الصادرة من جهات إدارية ذات اختصاص قضائي - جواز الطعن فيها استناداً إلى عيب الانحراف - أساس ذلك.
(ب) دعوى "الصفة فيها" إدارة محلية - مجلس المحافظة - المحافظ.
مجلس المحافظة هو الجهة صاحبة الصفة فيما يثور من منازعات بشأن القرارات التي تصدر عنه أو عن الأجهزة التي يستخدمها في مباشرة اختصاصه ويتعين تبعاً لذلك أن تقام عليه الدعوى - المحافظ هو صاحب الصفة في تمثيل المحافظة - جزاء عدم توجيه الدعوى إلى أي منهما - أساس ذلك.
1 - لا حجة فيما أبدته جهة الإدارة الطاعنة من الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى. ذلك أن الدعوى قائمة على انعدام الحالة الواقعية والقانونية التي كان يمكن لمجلس المراجعة بناء عليها إصدار القرار المطلوب إلغاؤه، أي على أساس انعدام ركن السبب، وبذلك تكون الدعوى مستندة إلى مخالفة هذا القرار للقانون، لا على كونه معيباً بإساءة استعمال السلطة، وفضلاً عن ذلك فإن المشرع في المادة 11 من قانون مجلس الدولة إذ لم يذكر عيب إساءة استعمال السلطة، أو الانحراف بها ضمن أوجه الطعن في القرارات الصادرة من جهات إدارية لها اختصاص قضائي، لم يقصد إلى أن يجعل الطعن في هذه القرارات التي هي قرارات إدارية وفقاً للمعيار الشكلي - أضيق نطاقاً من الطعن في سائر القرارات الإدارية بحيث لا يشمل عيب الانحراف، وإنما سكتت عن ذكر هذا العيب لمجرد استبعاد احتمال وقوعه في قرارات تلك الجهات بحكم أنها قرارات ذات طبيعة قضائية، أو لصعوبة تصوره منفصلاً عن عيوب الشكل والاختصاص ومخالفة القانون، وعلى هذا الأساس فإنه لا حجة في القول بأن عيب الانحراف ليس من العيوب التي يجوز الاستناد إليها في مهاجمة قرارات الجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي ومن ثم يكون الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر هذه المنازعة في غير محله قانوناً خليقاً بالرفض.
2 - إن المستفاد من نص مواد القانون رقم 145 لسنة 1949 بإنشاء مجلس بلدي لمدينة القاهرة، والقانون رقم 522 لسنة 1954 بتعديل المادة 20 (الفقرة رابعاً) من القانون رقم 145 لسنة 1949 المتقدم الذكر، والقانون رقم 56 لسنة 1954 في شأن الضريبة على العقارات المبنية معدلاً بالقانون رقم 549 لسنة 1955 (م 13 و16) والقانون رقم 124 لسنة 1960 بإصدار قانون نظام الإدارة المحلية ( م 39 و76) أن محافظة القاهرة هي صاحبة الاختصاص بربط وتقدير وتحصيل العوائد والرسوم والضرائب المخصصة لإيرادات المجلس، ومن بينها الضريبة على العقارات المبنية الواقعة في دائرة اختصاصه، وبناء على ذلك، وعلى أن المحافظة يمثلها مجلس المحافظة ولها الشخصية الاعتبارية ولها أهلية التقاضي، فإن المجلس المذكور يكون هو الجهة صاحبة الصفة فيما يثور من منازعات بشأن القرارات التي تصدر عنه أو عن الأجهزة والإدارات التي يستخدمها في مباشرة اختصاصه، ويتعين تبعاً لذلك أن تقام عليه الدعوى باعتباره الجهة الإدارية ذات الشأن في تلك المنازعات، ولما كانت المادة 53 من قانون نظام الإدارة المحلية المشار إليه ينص على أن رئيس المجلس (وهو المحافظ) يقوم بتمثيله أمام المحاكم، فإنه ينبغي أن توجه الدعوى إلى ذلك المحافظ دون مديري أو رؤساء أو وكلاء الإدارات أو الفروع التي تتألف منها المحافظة.
ولما كان المطعون ضده لم يوجه دعواه إلى المحافظة باعتبارها الجهة الإدارية ذات الشأن في المنازعة، ولا إلى المحافظ بوصفه صاحب الصفة في تمثيل المحافظة، وإنما وجهها إلى وزارة الشئون البلدية والقروية "وزارة الإسكان والمرافق" وكلتا هاتين الوزارتين ليست - وفق ما تقدم - بالجهة الإدارية ذات الشأن في المنازعة المطروحة والمتعلقة بربط ضريبة المباني مما عقد الاختصاص به للمحافظة، كما وجهها إلى مجلس المراجعة ببلدية القاهرة، وهذا المجلس ليس سوى أحد الأجهزة التي تستخدمها المحافظة في مباشرة اختصاصها بربط وتقدير الضريبة، ولم يمنح القانون هذا المجلس شخصية اعتبارية، أو يخول رئيسه صفة النيابة عنه أمام القضاء حتى يجوز توجيه الدعوى إليه بدلاً من توجيهها إلى المحافظ الذي هو صاحب الصفة في تمثيل المحافظة بجميع أجهزتها أو فروعها أمام القضاء.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 241 لسنة 16 القضائية ضد مجلس المراجعة ببلدية القاهرة ووزارة الشئون البلدية والقروية (وزارة الإسكان والمرافق) بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 16 من ديسمبر سنة 1961، طلب فيها الحكم: "... في الموضوع بإلغاء قرار مجلس المراجعة ببلدية القاهرة الصادر بجلسة 16 من أكتوبر سنة 1961 بربط ضريبة عوائد المباني على الملك رقم 39 بشارع الخشاب قسم روض الفرج (ورقمه الأصلي 40 شارع أرسلان) بالقاهرة، وذلك في سنة 1960 بمبلغ 38 جنيه و880 مليم وتعديل هذا الربط إلى مبلغ 21 جنيه و120 مليم وما يترتب على ذلك من الآثار القانونية اللاحقة، مع إلزام المدعى عليهما بصفتهما متضامنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، مع حفظ كافة الحقوق الأخرى من أي نوع كانت" وتوجز أسانيد دعواه في أنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 27 من يونيه سنة 1958 استأجر من السيدتين بهية عبد الرحمن أمين وهدى علي زكي، قطعة أرض فضاء يتبعها الدور الأرضي من المنزل رقم 40 شارع أرسلان قسم روض الفرج بالقاهرة، نظير أجر شهري قدره 20 جنيه، وقد نص في البند 29 من ملحق العقد على أن المستأجر ملزم بدفع ما يتقرر من زيادة أو تعديل في عوائد البلدية أو أي رسوم أخرى تنشأ بسبب المباني التي أقامها، وقد نبهت البلدية على المدعي بسداد قيمة العوائد عن سنة 1959 وقدرها 88 جنيه و280 مليم فقام بسدادها في 9 من ديسمبر سنة 1959، ثم تقدم في 12 من ديسمبر سنة 1959 إلى السيد مأمور إيرادات قسم ثالث بطلب إعادة النظر في هذا التقدير تأسيساً على أن المالك يقوم بأداء ضريبة العوائد ضمن ما يؤديه عن المنزل المؤجر وقيمته الإيجارية عبارة عن ستة جنيهات شهرياً فتكون قيمة إيجار المبنى الجديد الذي أقامه المدعي عبارة عن 14 جنيه، وبجلسة 20 من ديسمبر سنة 1960 نظر مجلس المراجعة الطلب المشار إليه، وقرر تخفيض التقدير إلى 25 جنيهاً، وفي الوقت ذاته كانت المأمورية قد أعلنت المدعي في أكتوبر سنة 1960 بربط ضريبة المباني وملحقاتها عن سنة 1960 بمبلغ 75 جنيه و530 مليم، فتقدم في 24 من ديسمبر سنة 1960 بطلب تعديل الضريبة عن هذه السنة إلى 21 جنيهاً، 120 مليماً غير أنه فوجئ بإعلانه في 19 من أكتوبر سنة 1961 بقرار مجلس المراجعة بربط الضريبة بمبلغ 38 جنيهاً و880 مليماً وهو القرار الصادر بجلسته المنعقدة في 16 من أكتوبر سنة 1961، وقال المدعي أن قرار مجلس المراجعة هذا قد وقع معيباً مما يحق معه طلب إلغائه، إذ أنه تجاهل القيمة الإيجارية في تقدير الضريبة من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد سبق لمجلس المراجعة بجلسة 20 من ديسمبر سنة 1960 أن خفض ضريبة العوائد المقررة على ذات المبنى عن سنة 1959 إلى مبلغ 25 جنيهاً، وأنه لم يطرأ على المبنى من الإنشاءات أو الإصلاحات أو التغييرات في السنة اللاحقة ما يستدعي زيادة الضريبة من 25 جنيهاً إلى مبلغ 38 جنيه و880 مليم - وانتهى المدعي إلى طلب الحكم بإلغاء قرار مجلس المراجعة ببلدية القاهرة الصادر بجلسة 16 من أكتوبر سنة 1961 بربط ضريبة المباني على الملك رقم 39 بشارع الخشاب قسم روض الفرج بالقاهرة (ورقمه الأصلي 40 شارع أرسلان) وذلك عن سنة 1960 بمبلغ 38 جنيه و880 مليم وتعديل هذا الربط إلى مبلغ 21 جنيه و120 مليم وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المدعى عليهما بصفتهما متضامنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 6 من يوليه سنة 1965 حكمت المحكمة بإلغاء قرار مجلس المراجعة المطعون فيه الصادر في 16 من أكتوبر سنة 1961 وذلك على الوجه المبين بالأسباب وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات، وأقامت المحكمة قضاءها على أن مفاد نصوص القانون رقم 56 لسنة 1954 بشأن الضريبة على العقارات المبنية، أن المشرع وضع أساساً ثابتاً لتقدير القيمة الإيجارية للعقارات المبنية معتداً في ذلك بحالتها في ثلاثة الأشهر الأخيرة من السنة التي حدث فيها المبنى، وذلك حتى يستقر الأمر ولا يختلط على لجان التقدير، فجعل أساس التقدير واحداً بالنسبة لجميع العقارات وهو القيمة الإيجارية في الثلاثة أشهر السابقة على بدء الربط أخذاً بمعيار منضبط، أما تقدير القيمة الإيجارية في حالة الحصر العام فيتم في السنتين السابقتين لفترة الثماني سنوات، وأنه لما كان من المحتمل أن يطرأ خلال السنتين المذكورتين تعديل على القيمة الإيجارية التي قدرتها لجان التقدير، فإنه يتعين الاعتداد بأي تعديل يثبت أنه طرأ على القيمة الإيجارية قبل نهاية الفترة المذكورة - وقد خلص الحكم المطعون فيه إلى أنه ثابت من الأوراق أن المباني موضوع الربط قد ربطت عليها الضريبة في سنة 1959 بقرار مجلس المراجعة المشار إليه بمبلغ 25 جنيه و920 مليم، وأن أساس هذا الربط كان هو التقدير الذي أجرته مأمورية الإيرادات المختصة وفقاً للأصول السليمة، وأنه لما كان الثابت أن العقار سالف الذكر لم يحدث به في الفترة الأخيرة بين ربط سنة 1959 وربط سنة 1960 أي تغيير ولا زيادة في الصقع، فإنه بالتالي لا مجال لأن تعمل الجهة الإدارية حقها في تغيير الربط لانعدام السند المبرر لذلك واقعياً وقانونياً، ما دام تغيير التقدير يجب، على ما تقدم، أن يقابله تغيير يكون قد طرأ على القيمة الإيجارية، أو على أجر المثل الذي اتخذ أساساً للتقدير، الأمر الذي لم يثبت تحققه في خصوص النزاع الراهن فيظل هذا التقدير ثابتاً لا يتغير، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد خالف القانون مما يتعين إلغاؤه، ومن مقتضى ذلك أن يعود الأمر من جديد إلى مجلس المراجعة، لكي يلتزم في تقديره لضريبة المباني على هذا العقار، الضوابط والأسس القانونية المتقدم ذكرها، باعتباره لا يزال ينظر تظلم المدعي من قرار لجنة التقدير، وبمراعاة ما سبق أن انتهى إليه المجلس ذاته في هذا الشأن في الربط السابق.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون، بمقولة أنه يبين من مقارنة نص المادتين (8) و(11) من قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959، أن العيوب التي تخول القضاء الإداري إلغاء القرارات الإدارية، هي عيوب الاختصاص والشكل ومخالفته القانون وإساءة استعمال السلطة، وهي ليست ذات العيوب التي يجوز الاستناد إليها للطعن في القرارات الإدارية الصادرة من جهات إدارية ذات اختصاص قضائي، إذ اقتصرت المادة (11) من قانون مجلس الدولة المذكورة على إيراد عيوب الشكل أو مخالفة القانون أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها بالنسبة لهذه القرارات الأخيرة، ولم يذكر المشرع عيب الانحراف - إلا أن القرار الذي ألغاه الحكم المطعون فيه صادر من مجلس المراجعة، وهو بهذه المثابة بعد من القرارات الصادرة من جهة إدارية ذات اختصاص قضائي، وأنه لما كان الطعن قد انصب على تقدير ربط عوائد المباني مما يندرج تحت عيب الانحراف بالسلطة، ولما كان هذا العيب يخرج عن العيوب التي يحق للقضاء الإداري مراقبتها، إعمالاً لنص المادة (11) المذكورة، ومن ثم فإنه يخرج عن اختصاص القضاء الإداري، وأنه إذ قضى الحكم المطعون فيه باختصاصه بنظر هذه المنازعة، يكون قد أخطأ في تطبيق القانون - كما تضمنت عريضة الطعن، بالإضافة إلى ما تقدم، أن المطعون ضده قد أقام دعواه ضد السيد/ رئيس مجلس المراجعة ببلدية القاهرة، إلا أنه كان يتعين عليه أن يوجهها للسيد المحافظ وذلك إعمالاً لقانون الإدارة المحلية رقم 124 لسنة 1960، إذ أن رئيس مجلس المراجعة ليست له صفة في تمثيل الجهة التي يعمل بها، ومن ثم تكون الدعوى غير مقبولة لرفعها على غير ذي صفه، مما كان يتعين الحكم بعدم قبولها شكلاً لرفعها على غير ذي صفة، وأنه لما كان الحكم المطعون فيه لم يقض بذلك فإنه يكون قد جانب الصواب ويتعين لذلك الطعن عليه.
كما يقوم الطعن على أن القرار، الذي قضى الحكم المطعون فيه بإلغائه، قد قام على أساس سليم من الواقع، إذ الثابت من المحضر المؤرخ 6 من يونيه سنة 1965 أن العقار موضوع النزاع عبارة عن "جراج ودور أرضي به خمس غرف وطرقة ودوران ثان وثالث كل منهما به ست غرف" وقد ربط الجراج بمبلغ جنيهين بالقياس، أما الثلاثة أدوار الأخرى فمستعملة لمدرسة العهد الجديد وقدرت بمبلغ 38 جنيهاً وأن أساس التقدير هو التوزيع، وقد تم توزيع الإيجار على الأدوار الثلاثة كالتالي:
دور أرضي (خمس غرف وطرقة) 12 جنيه إيجار ودور ثان (ست غرف) 13 جنيه إيجار ودور ثالث (ست غرف) 13 جنيه إيجار. المجموع 38.
أي أن جملة إيجارات العقار الشهرية مبلغ 40 جنيهاً بما فيها الجراج، وأنه بذلك يتضح أن القرار، موضوع الطعن، إنما جاء سليماً في تقديره، وأنه لا عبرة لما يؤخذ على هذا القرار من أن مجلس المراجعة قد جعل الربط 38 جنيه و880 مليم، في حين أن الربط السابق كان 25 جنيه و920 مليم، لأنه لا إلزام على لجنة التقدير أو مجلس المراجعة الأخذ بالتقديرات السابقة، وإلا لما كانت هناك فائدة من نصوص القانون التي توجب إعادة الحصر والتقدير في فترات محددة، ولقصرت الأمر على ما يستجد من عقارات فقط، ولكن المشرع ارتأى إعادة الحصر والتقدير بعد فترات حددها حتى تتناسب الضريبة مع وعائها، وأن غالبية التقديرات قد أجمعت على جعل الربط في حدود 38 جنيهاً ذلك أن لجنة التقدير قد جعلت الربط في جرد سنة 1959 بمبلغ 38 جنيهاً و400 مليم، وفي جرد سنة 1960 جعلت الربط بمبلغ 38 جنيهاً و400 مليم، وأن مجلس المراجعة جعله بجلسة 16 من أكتوبر سنة 1961 بمبلغ 38 جنيهاً و880 مليماً، ولم يشذ عن هذه التقديرات إلا قرار مجلس المراجعة عن الجرد السنوي لسنة 1959 الذي جعل الربط 25 جنيه و920 مليم، وهو لا يعد أساساً يقاس عليه. وخلصت عريضة الطعن إلى طلب الحكم بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والحكم بعدم الاختصاص بنظر الدعوى، واحتياطياً بعدم قبول الدعوى، واحتياطياً كلياً برفض الدعوى، مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات، ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
( أ ) عن الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى:
ومن حيث إن مبنى هذا الدفع المبدى من الحكومة، في عريضة طعنها، أن القرار المطعون فيه هو قرار صادر من مجلس المراجعة بمحافظة القاهرة، وأنه بذلك صادر عن جهة إدارية ذات اختصاص قضائي، وأن دعوى المطعون عليه بالطعن بالإلغاء على هذا القرار تنصب على المنازعة في تقدير ربط الضريبة العقارية على المبنى، مثار هذه المنازعة، وهو ما يعتبر من قبيل عيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها، وأنه لما كان هذا العيب لا يندرج ضمن العيوب التي يختص القضاء الإداري بمراقبتها بالنسبة للقرارات الصادرة عن هيئات إدارية ذات اختصاص قضائي، إعمالاً لنص المادة (11) من القانون رقم 55 لسنة 1959، التي تقتصر على عيوب عدم الاختصاص أو الشكل أو مخالفة القانون أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها، دون عيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها - وهو من ضمن العيوب التي تجيز الطعن أمام القضاء الإداري على سائر القرارات الإدارية المنصوص عليها في المادة (8) من القانون، إذ لم تتضمن المادة (11) المذكورة النص على هذا العيب - فإنه بذلك تخرج دعوى المطعون عليه من اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري.
ومن حيث إنه لا حجة فيما أبدته جهة الإدارة الطاعنة من الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى على التفصيل السالف ذكره ذلك أن الدعوى قائمة على انعدام الحالة الواقعية والقانونية التي كان يمكن لمجلس المراجعة بناء عليها إصدار القرار المطلوب إلغاؤه، أي على أساس انعدام ركن السبب، وبذلك تكون الدعوى مستندة إلى مخالفة هذا القرار للقانون، لا على كونه معيباً بإساءة استعمال السلطة، وفضلاً عن ذلك فإن المشرع في المادة 11 من قانون مجلس الدولة إذ لم يذكر عيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها ضمن أوجه الطعن في القرارات الصادرة من جهات إدارية لها اختصاص قضائي، لم يقصد إلى أن يجعل الطعن في هذه القرارات - التي هي قرارات إدارية وفقاً للمعيار الشكلي - أضيق نطاقاً من الطعن في سائر القرارات الإدارية بحيث لا يشمل عيب الانحراف، وإنما سكتت عن ذكر هذا العيب لمجرد استبعاد احتمال وقوعه في قرارات تلك الجهات بحكم أنها قرارات ذات طبيعة قضائية، أو لصعوبة تصوره منفصلاً عن عيوب الشكل والاختصاص ومخالفة القانون، وعلى هذا الأساس فإنه لا حجة في القول بأن عيب الانحراف ليس من العيوب التي يجوز الاستناد إليها في مهاجمة قرارات الجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي ومن ثم يكون الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر هذه المنازعة في غير محله قانوناً خليقاً بالرفض.
(ب) عن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة: ومن حيث إن المطعون ضده أقام هذه الدعوى ضد رئيس مجلس المراجعة ببلدية القاهرة ووزارة الشئون البلدية والقروية "وزارة الإسكان والمرافق" طالباً الحكم بإلغاء قرار مجلس المراجعة ببلدية القاهرة الصادر في 16 من أكتوبر سنة 1961 بربط ضريبة عوائد المباني على ملكه الكائن بقسم روض الفرج بالقاهرة عن سنة 1960.
ومن حيث إن مبنى الدفع بعدم قبول الدعوى، أنه كان من المتعين على المطعون ضده إعمالاً لقانون الإدارة المحلية رقم 124 لسنة 1960 أن يوجه دعواه إلى المحافظ لا لرئيس مجلس المراجعة الذي ليست له صفة في تمثيل الجهة التي يعمل بها.
ومن حيث إن المستفاد من نصوص مواد القانون رقم 145 لسنة 1949 بإنشاء مجلس بلدي لمدينة القاهرة، والقانون رقم 522 لسنة 1954 بتعديل المادة 20 (الفقرة رابعاً) من القانون رقم 145 لسنة 1949 المتقدم الذكر، والقانون رقم 56 لسنة 1954 في شأن الضريبة على العقارات المبنية معدلاً بالقانون رقم 549 لسنة 1955 (م 13 و16) والقانون رقم 124 لسنة 1960 - بإصدار قانون نظام الإدارة المحلية ( م 39 و76) أن محافظة القاهرة هي صاحبة الاختصاص بربط وتقدير وتحصيل العوائد والرسوم والضرائب المخصصة لإيرادات المجلس، ومن بينها الضريبة على العقارات المبنية الواقعة في دائرة اختصاصه، وبناء على ذلك، وعلى أن المحافظة يمثلها مجلس المحافظة ولها الشخصية الاعتبارية ولها أهلية التقاضي، فإن المجلس المذكور يكون هو الجهة صاحبة الصفة فيما يثور من منازعات بشأن القرارات التي تصدر عنه أو عن الأجهزة والإدارات التي يستخدمها في مباشرة اختصاصاته، ويتعين تبعاً لذلك أن تقام عليه الدعوى باعتباره الجهة الإدارية ذات الشأن في تلك المنازعات، ولما كانت المادة 53 من قانون نظام الإدارة المحلية المشار إليه ينص على أن رئيس المجلس (وهو المحافظ) يقوم بتمثيله أمام المحاكم، فإنه ينبغي أن توجه الدعوى إلى ذلك المحافظ دون مديري أو رؤساء أو وكلاء الإدارات أو الفروع التي تتألف منها المحافظة.
ولما كان المطعون ضده لم يوجه دعواه إلى المحافظة باعتبارها الجهة الإدارية ذات الشأن في المنازعة، ولا إلى المحافظ بوصفه صاحب الصفة في تمثيل المحافظة، وإنما وجهها إلى وزارة الشئون البلدية والقروية "وزارة الإسكان والمرافق" وكلتا هاتين الوزارتين ليست - وفق ما تقدم - بالجهة الإدارية ذات الشأن في المنازعة المطروحة والمتعلقة بربط ضريبة المباني مما عقد الاختصاص به للمحافظة، كما وجهها إلى مجلس المراجعة ببلدية القاهرة، وهذا المجلس ليس سوى أحد الأجهزة التي تستخدمها المحافظة في مباشرة اختصاصها بربط وتقدير الضريبة، ولم يمنح القانون هذا المجلس شخصية اعتبارية، أو يخول رئيسه صفة النيابة عنه أمام القضاء حتى يجوز توجيه الدعوى إليه بدلاً من توجيهها إلى المحافظ الذي هو صاحب الصفة في تمثيل المحافظة بجميع أجهزتها أو فروعها أمام القضاء.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم يكون الدفع المبدى من الحكومة بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة في محله قانوناً ويتعين لذلك إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة وإلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة وألزمت المدعي بالمصروفات.