أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 19 - صـ 260

جلسة 20 من فبراير سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمد صبري، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور خلف.

(47)
الطعن رقم 2065 لسنة 37 القضائية

(أ، ب، ج، د) خيانة أمانة. جريمة. "أركانها". حجية الشيء المقضي. حكم. "حجيته".
( أ ) جريمة خيانة الأمانة. أركانها؟
(ب) خطأ الحكم غي تحديد المبالغ المبددة. لا أثر له في ثبوت الجريمة، ولا حجية له على القضاء المدني عند المطالبة بالدين.
(ج، د) مدى حجية الحكم الصادر من المحكمة الجنائية أمام القضاء المدني؟
(هـ، و، ز) تزوير. "تزوير المحررات العرفية". جريمة. "أركانها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
جريمة التزوير. أركانها؟ مجرد تغيير الحقيقة في محرر عرفي بوضع إمضاء مزور. كفايته لتوافر جريمة التزوير. متى كان من الممكن أن يترتب عليه ضرر للغير.
تحدث الحكم استقلالاً عن ركني القصد الجنائي والضرر. غير لازم لصحة الحكم بالإدانة في جريمة التزوير.
(ح) حكم. "تصحيحه. إغفال الفصل في بعض الطلبات". دعوى مدنية. إجراءات المحاكمة. استئناف. محكمة استئنافية.
إغفال محكمة أول درجة الفصل في الدعوى المدنية. ليس للمدعي المدني اللجوء إلى المحكمة الاستئنافية لتدارك هذا النقص. عليه الرجوع إلى محكمة أول درجة للفصل فيما أغفلته.
(ط) نقض. "سلطة محكمة النقض". "الحكم في الطعن".
لمحكمة النقض في حالة خطأ الحكم المطعون فيه في القانون أن تنقضه لمصلحة المتهم وتصححه.
(ي، ك) إثبات. "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ي) تقدير آراء الخبراء. موضوعي.
(ك) عدم التزام المحكمة بندب خبير آخر ولا إعادة المهمة إلى ذات الخبير. شرط ذلك؟
1 - تقع جريمة خيانة الأمانة على كل مال منقول أياً كان نوعه وقيمته قل أو كثر.
2 - خطأ الحكم المطعون فيه في تحديد المبالغ المبددة لا أثر له في ثبوت جريمة خيانة الأمانة ولا حجية له على القضاء المدني عند المطالبة بالدين.
3 - تقتصر حجية الحكم الصادر من المحكمة الجنائية أمام القضاء المدني وفقاً للمحكمة 406 من القانون المدني على الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً.
4 - مؤدى نص المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية أن حجية الحكم الجنائي في موضوع الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية قاصرة على منطوق الحكم الصادر بالبراءة أو بالإدانة بالنسبة لمن كان موضوع المحاكمة ودون أن تلحق الأسباب التي لم تكن ضرورية للحكم بالبراءة أو الإدانة.
5 - لا يشترط في جريمة التزوير أن يتعمد المزور تقليد إمضاء المجني عليه بل يكفي لتوفر هذه الجريمة أن يضع المزور اسم المزور عليه المحرر ولو بطريقة عادية لا تقليد فيها ما دام قصد الإيهام بأن ذلك المحرر صادر من المجني عليه.
6 - إن مجرد تغيير الحقيقة في محرر بوضع إمضاء مزور يكفي لتوافر جريمة التزوير متى كان من الممكن أن يترتب عليه ضرر للغير.
7 - لا يشترط لصحة الحكم بالإدانة في جريمة التزوير أن يتحدث الحكم استقلالاً عن ركني القصد الجنائي والضرر بل يكفي أن يكون قيامهما مستفاداً من مجموع عباراته.
8 - جرى قضاء محكمة النقض على أنه ليس للمدعي بالحقوق المدنية الذي فات على المحكمة الجزئية أن تحكم في دعواه أن يلجأ إلى المحكمة الاستئنافية لتدارك هذا النقص بل يرجع إلى محكمة أول درجة للفصل فيما أغفلته عملاً بحكم المادة 368 من قانون المرافعات.
9 - لمحكمة النقض في حالة خطأ الحكم المطعون فيه في القانون وعملاً بنص المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض - أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم وتصححه.
10 - الأمر في تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى قاضي الموضوع.
11 - للمحكمة كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها دون أن تلتزم بندب خبير آخر ولا بإعادة المهمة إلى ذات الخبير ما دام استنادها إلى الرأي الذي انتهى إليه هو استناد سليم لا يجافي المنطق والقانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في أواخر عام 1952 وفي خلال عامي 1953، 1954 بدائرة قسم قصر النيل: (أولاً) اختلس مبلغ 8629 ج و26 م لجمعية المحاربين القدماء وضحايا الحرب والتي كانت مسلمة إليه على سبيل الوكالة بصفته سكرتيراً عاماً لها إضراراً بها. (ثانياً) ارتكب تزويراً في أوراق عرفية. ( أ ) الصورة الصفراء للإيصال رقم 640 الصادر من الجمعية والموقع عليه منه بصفته السابقة بتاريخ 25 ديسمبر سنة 1952. (ب) الشيكات المسحوبة من الجمعية على بنك مصر أرقام 447754 و360248 و447776 التي صرفت بتاريخ 11 مارس سنة 1954 و3 فبراير سنة 1954 و5 يوليه سنة 1954. (ج) مستندي الصرف الخاصين بالشيكين الأولين وذلك بأن أضاف عبارة (من حسابات اليانصيب الدفعة الثانية) في صورة الإيصال السابقة بالكربون بعد رفع أصله وذلك توصلاً إلى اختلاس مائة جنيه من ضمن المبالغ المنوه عنها كانت مسلمة إليه من السيد محمد فتحي أبو الخير متعهد اليانصيب للجمعية كتبرع لها، كما وقع على الشيكات الثلاثة ومستندي الصرف السالف الإشارة إليهما بتوقيعات نسب صدورها زوراً إلى الدكتور جمال الدين ممدوح مدير فرع الجمعية بالإسكندرية توصلاً إلى قبض قيمتها وإيهاماً بوصول تلك القيمة إلى فرع الجمعية السابق (ثالثاً) استعمل المحررات العرفية سالفة الذكر بأن أودع صورة الإيصال المبينة في التهمة السابقة وكذا مستندي الصرف ضمن أوراق الجمعية ومستنداتها كما عهد بالشيكات إلى موظفي الجمعية لصرفها وتحصل هو على قيمتها مع علمه بتزوير هذه الأوراق. وطلبت عقابه بالمادتين 215 و341 من قانون العقوبات. وادعت مدنياً جمعية المحاربين القدماء وضحايا الحرب وطلبت القضاء لها قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة قصر النيل الجزئية قضت حضورياً بتاريخ 9 فبراير سنة 1961 عملاً بمادتي الاتهام مع تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وكفالة خمسين جنيهاً لإيقاف التنفيذ وذلك عن التهم الثلاث المسندة إليه بلا مصاريف جنائية فاستأنف كل من النيابة العامة والمتهم والمدعية بالحق المدني هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 30 من إبريل سنة 1967 بقبول استئناف المدعي بالحق المدني شكلاً وفي الموضوع (أولاً) برفض استئناف المتهم والنيابة وتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من عقوبة وذلك بلا مصروفات جنائية (ثانياً) وفي موضوع الدعوى المدنية إلزام المتهم أن يدفع إلى المدعية بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية عن الدرجتين. فطعن وكيل المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم التبديد والتزوير في محررات عرفية واستعمالها قد انطوى على إخلال بحق الدفاع وشابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه اعترض في مذكراته المقدمة للمحكمة الاستئنافية على تقرير الخبير بأنه اعتمد على إقراره بمديونيته للجمعية في مبلغ 5701 ج و89 م وقصر بحثه على الفترة اللاحقة للإقرار مع أن الطاعن كان قد تمسك بضرورة فحص عمله في الفترة كلها وإطراح الإقرار لأنه كان وليد ظروف غير طبيعية فضلاً عن أن قيود دفتر الصندوق لم تكن مستوفاة عن الثلاثة أشهر السابقة على الاستيلاء على الجمعية، كما نعى الطاعن على التقرير عيوباً أخرى في أقلام الحساب تفصح عن أن الخبير لم يتحر الدقة في مهمته وطلب إعادة المأمورية إليه لفحص اعتراضاته ولكن المحكمة لم ترد على دفاعه ورفضت طلبه بغير مسوغ. هذا إلى أن الحكم بعد أن أشار إلى اعتماده على تقرير الخبير، خلص إلى أنه ثبتت للمحكمة أن الطاعن - اختلس مبلغ 7952 ج و469 م وهو عبارة عن مبلغ 5701 ج و89 م قيمة الوارد في الإقرار مضافاً إليه مبلغ 2251 ج و380 م ولم تر محلاً لإعادة المأمورية للخبير إزاء ما تضمنه إقرار الطاعن وعدم تقديمه ما يدل على براءة ذمته، مع أن الخبير خلص إلى أن كل ما في ذمة الطاعن هو مبلغ 2251 ج و380 م مما يدل على أن الحكم قد خالف الثابت بالتقرير وراح يعول على الإقرار دون أن يلتفت إلى ما عيبه به الطاعن، كما أعرض عن دفاعه القائم على أن تصفية الحساب كفيله بإظهار براءة ذمته من أي مبلغ. ويضيف الطاعن إلى ما تقدم أنه وإن كانت تبرئته من جريمة التبديد تستتبع براءته من جريمتي التزوير والاستعمال لانتفاء الضرر، إلا أنه يرى أن الحكم دانه بالجريمتين الأخيرتين لمجرد ما كشف عنه تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير، في حين أن الثابت من التحقيقات أن الطاعن لم يختلس قيمة الشيكات بل أنفقها في شئون الجمعية، وأنه لم يقلد توقيع الطبيب صاحب أحد هذه الشيكات بل وضع اسمه فقط بطريقة عادية، وأنه لما كان هذا الذي جرى يشير إلى انتفاء ركني القصد الجنائي والضرر عن جريمة التزوير، فإن الحكم وقد قصر في استظهار دفاع الطاعن في هذا الشأن والرد عليه يكون - بالإضافة إلى المثالب المار ذكرها - معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه أنه حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بارتكابها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ومن بينها إقرار الطاعن الصادر بتاريخ 31 مارس سنة 1954 متضمناً أن في عهدته للجمعية المجني عليها مبلغ 5701 ج و89 م فضلاً عن إقرار آخر تاريخه 19 من أكتوبر سنة 1954 باستعداده لدفع ما يتبقى بعد تصفية الحساب. لما كان ذلك، وكانت المحكمة الاستئنافية قد حصلت من مؤدى تقرير الخبير أنه راجع الحساب بعد تاريخ إقرار الطاعن الحاصل في 31 مارس سنة 1954 فتبين مديونيته في مبلغ 2251 ج و380 م، وبعد أن أفصحت المحكمة عن اطمئنانها إلى سلامة تقرير الخبير استخلصت أن المبلغ الذي بدده الطاعن هو مجموع المبلغين السابقين ومقداره 7952 ج و469 م. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم من إخلال بحقه في الدفاع لأنه لم يجبه إلى طلب إعادة المأمورية للخبير لفحص اعتراضاته على الحساب مردوداً بأنه لما كان الطاعن لم يثر - في شأن إقراره الذي عول عليه الحكم - ما يقوم في القانون سبباً لبطلانه، وكان الأمر في تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى قاضي الموضوع، وكان للمحكمة كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليهما دون أن تلتزم بندب خبير آخر ولا بإعادة المهمة إلى ذات الخبير ما دام استنادها إلى الرأي الذي انتهى إليه هو استناد سليم لا يجافي المنطق والقانون، أما ما يثيره الطاعن من منازعة في مقدار المبالغ المبددة فإنه - بفرض صحته - لا جدوى منه، ذلك بأنه فضلاً عن أن جريمة خيانة الأمانة تقع على كل مال منقول أياً كان نوعه وقيمته قل أو كثر، فإن حجية الحكم الصادر من المحكمة الجنائية أمام القضاء المدني تقتصر - وفقاً للمادة 406 من القانون المدني - على الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً، كما أن مؤدى نص المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية أن حجية الحكم الجنائي الصادر من المحكمة الجنائية في موضوع الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية قاصرة على منطوق الحكم الصادر بالبراءة أو بالإدانة بالنسبة لمن كان موضع المحاكمة ودون أن تلحق الأسباب التي لم تكن ضرورية للحكم بهذه البراءة أو الإدانة. ومن هذا القبيل ذلك الشق من أسباب الحكم المطعون فيه المتعلق بمقدار المبالغ المبددة، ومن ثم فإنه بفرض خطأ الحكم في تحديد تلك المبالغ، فإن هذا الخطأ لا أثر له في ثبوت الجريمة ولا حجية له على القضاء المدني عند المطالبة بالدين وبالتالي فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن على قضاء الحكم في جريمة التزوير بأنه كتب اسم المستفيد في الشيك بطريقة عادية وليس على هيئة توقيع، ما يثيره الطاعن من ذلك مردود بأنه لا يشترط في جريمة التزوير أن يتعمد المزور تقليد إمضاء المجني عليه بل يكفي لتوفر هذه الجريمة أن يضع المزور اسم المزور عليه على المحرر ولو بطريق عادية لا تقليد فيها ما دام قد قصد الإيهام بأن ذلك المحرر صادر من المجني عليه، ولا يقدح في ذلك أن يكون الطاعن - على حد قوله - قد أنفق قيمة الشيكات في شئون الجمعية، لأن مجرد تغيير الحقيقة في محرر عرفي بوضع إمضاء مزور يكفي لتوافر جريمة التزوير متى كان من الممكن أن يترتب عليه ضرر للغير. لما كان ذلك، وكان لا يشترط لصحة الحكم بالإدانة في جريمة التزوير أن يتحدث الحكم استقلالاً عن ركني القصد الجنائي والضرر بل يكفي أن يكون قيامهما مستفاداً من مجموع عباراته - وهو ما وفره الحكم المطعون فيه - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
وحيث إنه فيما يختص بالدعوى المدنية، فإنه يبين من مراجعة الأوراق أن جمعية المحاربين القدماء كانت قد ادعت مدنياً لدى محكمة أول درجة بتعويض مؤقت مقداره قرش صاغ وفات المحكمة الجزئية أن تحكم في هذه الدعوى. فاستأنفت المدعية بالحقوق المدنية هذا الحكم. ولما كان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه ليس للمدعي بالحقوق المدنية في هذه الحالة أن يلجأ إلى المحكمة الاستئنافية لتدارك هذا النقص بل يرجع إلى محكمة أول درجة للفصل فيما أغفلته عملاً بحكم المادة 368 من قانون المرافعات، فضلاً عن أنه ما كان يجوز للمدعية استئناف الدعوى المدنية لأن قيمتها تدخل في حدود النصاب الإنتهائي الجزئي، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بقبول استئناف المدعية للدعوى المدنية وفصل في موضوعها يكون قد أخطأ في القانون خطأ يؤذن لهذه المحكمة - عملاً بنص المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض - أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم - فيما قضى به في هذه الدعوى وتصحيحه بالقضاء بعدم جواز استئناف المدعية بالحقوق المدنية وإلزامها بمصاريفها.