أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 19 - صـ 276

جلسة 26 من فبراير سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محفوظ، وحسين سامح، ومحمود العمراوي، ومحمود عطيفة.

(50)
الطعن رقم 65 لسنة 38 القضائية

قتل عمد. "نية القتل". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
نية القتل. مثال لتسبيب معيب على توافرها.
تتميز جناية القتل العمد قانوناً عن غيرها من جرائم التعدي على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجاني من ارتكابه الفعل الجنائي إزهاق روح المجني عليه، وهذا العنصر ذو طابع خاص يختلف عن القصد الجنائي العام الذي يتطلبه القانون في سائر الجرائم وهو بطبيعته أمر يبطنه الجاني ويضمره في نفسه، ومن ثم فإن الحكم الذي يقضي بإدانة متهم في هذه الجناية أو بالشروع فيها يجب أن يعني بالتحدث عن هذا الركن استقلالاً واستظهاره بإيراد الأدلة التي تكون المحكمة قد استخلصت منها أن الجاني حين ارتكب الفعل المادي المسند إليه كان في الواقع يقصد إزهاق روح المجني عليه. ولكي تصلح الأدلة أساساً تبنى عليه النتيجة التي يتطلب القانون تحققها يجب أن تبين بياناً يوضحهاً ويرجعها إلى أصولها من أوراق الدعوى وأن لا يكتفي بسرد أمور دون إسنادها إلى أصولها إلا أن يكون ذلك بالإحالة على ما سبق بيانه عنها في الحكم. ولما كان ما أورده الحكم لا يفيد سوى الحديث عن الفعل المادي الذي قارفه الطاعنان من أن كلاً منهما حمل سلاحاً نارياً وأن أولهما أطلق عياراً على أحد المجني عليهما فأصابه في جانبه الأيمن كما أطلق عياراً آخر لم يصب أحداً وأن ثانيهما أطلق أيضاً مقذوفاً أصاب المجني عليه الثاني في صدره - دون أن يكشف الحكم عن قيام نية القتل بنفس أي من الطاعنين، وكان لا يغني في ذلك ما قاله الحكم - في معرض بيانه لواقعة الدعوى - من أن الطاعن الثاني قد أطلق المقذوف الذي أصاب المجني عليه "قاصداً قتله" إذ أن قصد إزهاق الروح إنما هو القصد الخاص المطلوب استظهاره بإيراد الأدلة والمظاهر الخارجية التي رأت المحكمة أنها تدل عليه. فإن الحكم يكون مشوباً بالقصور مما يستوجب نقضه والإحالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 4/ 5/ 1966 بدائرة مركز دشنا محافظة قنا: (المتهم الأول) 1 - قتل عمداً محمد السمان بأن انتوى قتله وأعد لذلك سلاحاً نارياً مششخناً وذخيرة وأطلق عليه مقذوفين ناريين قاصداً من ذلك قتله فأصابه أحدهما وأحدث به الإصابة المبينة بالتقرير الطبي والتي أودت بحياته 2 - أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً مششخناً "بندقية" 3 - أحرز ذخيرة "طلقتين" مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له بحمل السلاح وإحرازه. (والمتهم الثاني) 1 - قتل عمداً بهيج إبراهيم عبد الرحيم بأن انتوى قتله وأعد لذلك سلاحاً نارياً مصقول الماسورة من الداخل وذخيرة وأطلق عليه مقذوفاً واحداً قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياته. 2 - أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً مصقول الماسورة من الداخل "بندقية خرطوش" - 3 - أحرز ذخيرة "طلقة" مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له بحمل السلاح وإحرازه. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما على محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 230 و231 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1 و6 و26/ 1 - 2 - 4 و30 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والجدول 2 والبند 2 من القسم الأول من الجدول رقم 3 الملحق فقرر بذلك. وادعى أحمد محمد السمان مدنياً قبل المتهم الأول بمبلغ قرش صاغ كما ادعى خيري بهيج إبراهيم مدنياً بالمبلغ ذاته قبل المتهم الثاني وذلك على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف والأتعاب. ومحكمة جنايات قنا قضت حضورياً في 9 أكتوبر سنة 1967 عملاً بالمادتين 234/ 1 و32 من قانون العقوبات ومواد قانون الأسلحة والذخائر المذكور (أولاً) في الدعوى العمومية بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً عن التهم المسندة لكل منهما مع مصادرة الأسلحة والذخيرة المضبوطة (وثانياً) في الدعوى المدنية المقامة من أحمد محمد السمان بإلزام المتهم الأول بأن يدفع له على سبيل التعويض المؤقت قرش صاغ واحد والمصروفات المدنية ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة وفي الدعوى المدنية المقامة من خيري إبراهيم بإلزام المتهم الثاني بأن يدفع له على سبيل التعويض المؤقت مبلغ قرش صاغ واحد والمصروفات المدنية ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان كلاً منهما بجريمة قتل عمد وإحراز سلاح وذخيرة بغير ترخيص، قد شابه القصور في التسبيب، ذلك بأن ما أورده بياناً لنية القتل لا يكفي لاستظهارها والاستدلال على توافرها في حقهما، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وأدلتها تحدث عن نية القتل فقال "وبما أن نية القتل وإزهاق روح المجني عليهما تلك التي ثبتت في حق المتهمين (الطاعنين) واستقرت في مكنون سرهما ثم عملا على إبرازها واضحة جلية قد استخلصتها المحكمة واطمأنت إلى توافرها من ماديات الدعوى وتسلسل الأحداث فيها ومن السلاح الذي استعمله المتهمان ونفذا به جريمتهما على الصورة التي يتضمنها الكشف الظاهري وتقرير الصفة التشريحية". لما كان ذلك، وكانت جناية القتل العمد تتميز قانوناً عن غيرها من جرائم التعدي على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجاني من ارتكابه الفعل الجنائي إزهاق روح المجني عليه، وكان هذا العنصر ذا طابع خاص يختلف عن القصد الجنائي العام الذي يتطلبه القانون في سائر الجرائم وهو بطبيعته أمر يبطنه الجاني ويضمره في نفسه، فإن الحكم الذي يقضي بإدانة متهم في هذه الجناية أو بالشروع فيها يجب أن يعني بالتحدث عن هذا الركن استقلالاً واستظهاره بإيراد الأدلة التي تكون المحكمة قد استخلصت منها أن الجاني حين ارتكب الفعل المادي المسند إليه كان في الواقع يقصد إزهاق روح المجني عليه. ولكي تصلح الأدلة أساساً تبنى عليه النتيجة التي يتطلب القانون تحققها يجب أن تبين بياناً يوضحهاً ويرجعها إلى أصولها من أوراق الدعوى وأن لا يكتفي بسرد أمور دون إسنادها إلى أصولها إلا أن يكون ذلك بالإحالة على ما سبق بيانه عنها في الحكم. ولما كان ما أورده الحكم لا يفيد سوى الحديث عن الفعل المادي الذي قارفه الطاعنان من أن كلاً منهما حمل سلاحاً نارياً وأن أولهما أطلق عياراً على أحد المجني عليهما فأصابه في جانبه الأيمن كما أطلق عياراً آخر لم يصب أحداً وأن ثانيهما أطلق أيضاً مقذوفاً أصاب المجني عليه الثاني في صدره دون أن يكشف الحكم عن قيام نية القتل بنفس أي من الطاعنين، وكان لا يغني في ذلك ما قاله الحكم - في معرض بيانه لواقعة الدعوى - من أن الطاعن الثاني قد أطلق المقذوف الذي أصاب المجني عليه بهيج إبراهيم عبد الرحيم "قاصداً قتله" إذ أن قصد إزهاق الروح إنما هو القصد الخاص المطلوب استظهاره بإيراد الأدلة والمظاهر الخارجية التي رأت المحكمة أنها تدل عليه. لما كان ما تقدم، فإن الحكم يكون مشوباً بالقصور مما يستوجب نقضه والإحالة بغير حاجة إلى بحث سائر ما يثيره الطاعنان في طعنهما.