مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1971 إلى آخر سبتمبر سنة 1971) - صـ 316

(48)
جلسة 12 من يونيه سنة 1971

برئاسة السيد الأستاذ يوسف إبراهيم الشناوي - رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة: محمد عبد العزيز يوسف ومحمد صلاح الدين السعيد وعلي لبيب حسن وأحمد حسن العتيق - المستشارين.

القضية رقم 174 لسنة 12 القضائية

( أ ) العاملون بالقطاع العام - تأديب - نيابة إدارية.
ليس في أحكام القانون ما يقيد النيابة الإدارية في مباشرتها لإجراءات التحقيق والاتهام بميعاد معين أو بوجوب تقديم شكوى إليها من صاحب العمل - مجال تطبيق القيود المنصوص عليه بالقانون يكون حيث يتولى صاحب العمل حق الاتهام والتأديب - أساس ذلك.
(ب) العاملون بالقطاع العام - المخالفات التأديبية.
إن المخالفات التأديبية لم ترد في أي من التشريعات الخاصة بالعاملين على سبيل الحصر - أي خروج على الوظيفة أو على مقتضياتها أو ما تفرضه على شاغلها من واجبات يعد ذنباً إدارياً.
1 - ليس في أحكام القانون رقم 19 لسنة 1959 أو فيما أحال إليه من أحكام القانون رقم 117 لسنة 1958 ما يقيد النيابة الإدارية في مباشرتها لإجراءات التحقيق والاتهام بميعاد معين أو بوجوب تقديم شكوى إليها من صاحب العمل، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن المستفاد من نص المادة 66 من القانون رقم 19 لسنة 1959 أن مجال تطبيقها هو حيث يتولى صاحب العمل حتى الاتهام والتأديب، فيتقيد بالمواعيد والإجراءات المنصوص عليها فيها - ولا وجه أصلاً للقول بوجوب تقيد النيابة الإدارية بالميعاد المنصوص عليه في الفقرة الثانية من تلك المادة، بمقولة أنها تنطوي على حكم أكثر سخاء للعامل يحقق له ضماناً، يحول دون اتخاذ صاحب العمل، من ارتكابه لمخالفة ما، وسيلة إلى تهديده إلى أجل غير مسمى عن طريق اتهامه بها في أي وقت يشاء، إذ فضلاً عن أن ذلك مردود بما تقدم ذكره، فإن في تولي النيابة الإدارية إجراءات التحقيق والاتهام ما يكفل للعامل من الضمانات ما لا يحققه قانون العمل - كما أن المشرع قد استهدف بإخضاع بعض الشركات والهيئات لقانون النيابة الإدارية، تعقب المخالفات الخطيرة التي يرتكبها العاملون فيها، ويتغاضى عنها القائمون على الإدارة إهمالاً أو تواطؤاً - ومتى كان الأمر على هذا النحو، فإن الطاعن يكون على غير حق في استناده إلى ادعائه بسقوط الدعوى التأديبية أو بسقوط الحق في توقيع هذا الجزاء.
2 - إن المخالفات التأديبية لم ترد في أي من التشريعات الخاصة بالعاملين عن سبيل الحصر، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن أي خروج على الوظيفة أو على مقتضياتها أو ما تفرضه على شاغلها من واجبات يعد ذنباً إدارياً، وهذا هو سبب القرار التأديبي، فكل فعل أو مسلك من جانب الموظف رجع إلى إرادته إيجاباً أو سلباً تتحقق به المخالفة لواجبات الوظيفة العامة، أو الخروج على مقتضى الواجب في إعمالها، أو الإخلال بالنهي عن الأعمال المحرمة عليه، إنما يعد ذنباً إدارياً يسوغ مؤاخذته تأديبياً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أنه بتاريخ 20 من مارس سنة 1965 أودعت النيابة الإدارية سكرتارية المحكمة التأديبية قرار اتهام إيليا متى خليل، مراقب الإنتاج بشركة أفريقيا للتأمين، لمحاكمته عما نُسب إليه، وقد تضمن هذا القرار، أنه في يوم 16 من ديسمبر سنة 1964 خرج على مقتضى الواجب في أداء عمله، بأن اعتدى بالقول والفعل على المنتج عبد السلام عبيد بمقر العمل وأثناء أدائه، وذلك بأن وجه إليه الألفاظ التهديدية الواردة بأقواله، وضربه بالحذاء على رأسه على الوجه الموضح بالأوراق - وتخلص وقائع الاتهام فيما أبلغ به عبد السلام عبيد العامل بشركة أفريقيا للتأمين من أنه أثناء انعقاد لجنة التحكيم التي عقدت لفض النزاع القائم بينه وبين فوائد بولس، حول وثيقة تأمين خاصة بالدكتور عمر الألفي، جرت مناقشة بينه وبين المتهم قائم الأخير على إثرها بضربه بالحذاء على رأسه بمنتهى القسوة، وذلك أثناء عرض أدلته أمام لجنة التحكيم المذكورة، إذ فوجئ بالمتهم يهدده بعدم الاسترسال في الحديث وإلا ضربه بالحذاء، وقام فعلاً بخلع حذائه وانهال على رأسه ضرباً آلمه ألماً شديداً.
وبجلسة 20 من يونيه سنة 1965 قضت المحكمة بمجازاة المتهم المذكور بتنزيل وظيفته إلى الوظيفة الأدنى منها مباشرة لما ثبت في حقه، وأقامت قضاءها على ما ثبت من أقوال الشاكي، والشهود الذين حضروا الواقعة، من أن الشاكي كان يدافع بصوت مرتفع عن أحقيته في الوثيقة التي اجتمعت لجنة التحكيم لبحثها، وأن المتهم هدده بضربه بالحذاء إن لم يسكت، وقد نفذ تهديده بالفعل، بأن خلع حذاءه وكال الضربات على رأس الشاكي لولا أن تدخل الحاضرون، وحالوا بينه وبين استمرار الضرب، وأنه بذلك تكون التهمة ثابتة ثبوتاً كافياً في حق المتهم، وأنه لا ينفيها تعلله بأنه كان في حالة دفاع شرعي، إذ الثابت من أقوال الشهود أنه لم يحدث أي اعتداء من جانب الشاكي على المتهم، وقد نوهت المحكمة في حكمها بأنه وإن كان قد تم الصلح بين المتهم والشاكي بموجب المذكرة المقدمة من النيابة الإدارية، حول الواقعة المذكورة، فإن ذلك لا يؤثر على سير هذه الدعوى ولا يحول بين المحكمة دون نظرها، لأن ما وقع من المتهم يعد إخلالاً بواجبات وظيفته وخروجاً على مقتضياتها يسوغ للجهة التي يتبعها استعمال سلطتها في التأديب فلا يؤثر فيها التنازل عن الشكوى أو الصلح بين أطراف المخالفة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وذلك للأسباب الآتية: -
أولاً: أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون حين أوقع جزاء على الطاعن من مخالفة سقطت قانوناً - مستنداً في ذلك إلى نص المادة 66 من قانون العمل رقم 91 لسنة 1959، وهو القانون الواجب التطبيق رغم إخضاع العاملين بالشركات العامة لنظام المحاكمات التأديبية طبقاً لأحكام القانونين رقمي 117 لسنة 1958 و19 لسنة 1959، بحجة أن المادة 66 من قانون العمل تنص على عدم جواز توقيع عقوبة تأديبية بعد تاريخ ثبوت المخالفة بأكثر من ثلاثين يوماً - ويقول الطاعن إن ما نسب إليه قد وقع في 19 من ديسمبر سنة 1964 وأن الشركة أحالت الأوراق إلى النيابة الإدارية في 21 من ديسمبر سنة 1964، وقد أودعت الأوراق سكرتارية المحكمة التأديبية في إبريل سنة 1965 أي بعد فوات أكثر من ثلاثين يوماً من ثبوت المخالفة، ومن ثم تكون المخالفة المنسوبة إليه قد سقطت قانوناً، وأنه بذلك يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون حين أوقع جزاء عن مخالفة سقطت قانوناً.
ثانياً: أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون حين جازى الطاعن عن فعل لا يعد جرماً تأديبياً، محتجاً في ذلك بأن لائحة الجزاءات بالشركة لم يرد بها أي نص يحدد جزاء على المخالفة المنسوبة إليه "اعتداء العامل على زميل له في العمل" - كما أن المادتين 51 و52 من لائحة العاملين بالشركات العامة رقم 3546 لسنة 1962 قد حددت المخالفات على سبيل الحصر، وأنه ليس من بينها التهمة المنسوبة إليه، ولا يغير من ذلك أن المادة 53 من اللائحة المذكورة حظرت على العامل الخروج على مقتضى الواجب في عمله، بحجة أن المقصود من ذلك هو أن يرتكب العامل خطأ يعتبر إخلالاً بما يفرضه عقد العمل، حسبما حددته المادتان 685 و689 من القانون المدني، وليس من بينها الاعتداء على زميله في العمل.
ثالثاً: أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون حين أوقع على الطاعن عقوبة تأديبية غير قائمة قانوناً، محتجاً في ذلك بما نصت عليه المادة 54 من لائحة العاملين بالشركات العامة رقم 3546 لسنة 1962 التي بينت الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على العاملين بالشركات وهي:
1 - الإنذار.
2 - الخصم من المرتب.
3 - الوقف عن العمل بدون مرتب.
4 - الحرمان من العلاوات أو الترقي أو تأجيل العلاوات أو الترقي.
5 - الفصل من الخدمة مع صرف المكافأة كلها.
وأنه ليس من بين هذه الجزاءات عقوبة تنزيل الوظيفة المقضي بها في الحكم المطعون فيه.
ويقول الطاعن في طعنه إنه لا يغير من ذلك كون عقوبة تنزيل الوظيفة قد وردت ضمن العقوبات التأديبية التي عددتها المادة 6 من القانون رقم 19 لسنة 1959 في شأن سريان قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على العاملين بالشركات، ذلك أنه فضلاً عن أن قرار رئيس الجمهورية رقم 3546 لسنة 1962 قد أشار في ديباجته إلى كل من القانونين رقمي 117 لسنة 1958 و19 لسنة 1959، فإنه قد نص في المادة الثانية منه على إلغاء كل نص يخالف أحكام النظام المرافق لهذا القرار، وأنه طبقاً لحكم المادة الثانية من القانون المدني يكون حكم المادة (6) من القانون رقم 19 لسنة 1959 سالف الذكر، قد اعتبر منسوخاً في الحدود التي يتحقق فيها منع التعارض بين حكمه وحكم المادة 54 من لائحة العاملين بالشركات العامة، الصادرة بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 3546 لسنة 1962، وهو قرار يعد في مرتبة القانون وقوته لأنه صدر من رئيس الجمهورية عندما كان يمارس سلطاته المنصوص عليها في الإعلان الدستوري الصادر في 27 من سبتمبر سنة 1962 بشأن التنظيم السياسي لسلطات الدولة العليا.
رابعاً: عدم تحصيل الحكم المطعون فيه تحصيلاً سليماً - ذلك أن الواقعة المنسوبة إلى الطاعن لم تكن إلا نتيجة تحد واستثارة من زميله، عبد السلام عبيد، قابلها الطاعن بتهديد بالضرب عندما وصلت الإثارة إلى حد التحدي والمجابهة بالانتقال إلى مكانه واستفزازه، وأن الحكم المطعون فيه قد صور الواقعة محل المحاكمة، مجسمة أكثر من حقيقتها، حين وصف الطاعن بأنه رجل شرير الطبع، عدواني الخلق، في حين أن المجني عليه أكد صفحه عما سلف، وقدم الطالب الاعتذار التام لزميله، ووقع معه صلحاً قدمته الشركة للمحكمة التأديبية، كما قدم الطاعن شهادة من الشركة تفيد حسن خلقه طوال عمله بها، وذكر أن الواقعة المنسوبة إليه قد تمت نتيجة استفزازه من جانب المجني عليه.
وخلص الطاعن من ذلك إلى أن الحكم المطعون فيه لم يحصل الوقائع تحصيلاً سليماً، فضلاً عن عدم تناسب العقوبة مع الذنب المنسوب إلى الطاعن، وانتهى إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وببراءة الطاعن مما نسب إليه مع إلزام المطعون ضده المصروفات.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من الطعن، فإنه ليس في أحكام القانون رقم 19 لسنة 1959 أو فيما أحال إليه من أحكام القانون رقم 117 لسنة 1958 ما يقيد النيابة الإدارية في مباشرتها لإجراءات التحقيق والاتهام بميعاد معين، أو بوجوب تقديم شكوى إليها من صاحب العمل، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن المستفاد من نص المادة 66 من القانون رقم 91 لسنة 1959 أن مجال تطبيقها هو حيث يتولى صاحب العمل حتى الاتهام والتأديب، فيتقيد بالمواعيد والإجراءات المنصوص عليها فيها - ولا وجه أصلاً للقول بوجوب تقيد النيابة الإدارية بالميعاد المنصوص عليه في الفقرة الثانية من تلك المادة، بمقولة أنها تنطوي على حكم أكثر سخاء للعامل يحقق له ضماناً، يحول دون اتخاذ صاحب العمل، من ارتكابه لمخالفة ما، وسيلة إلى تهديده إلى أجل غير مسمى عن طريق اتهامه بها في أي وقت يشاء، إذ فضلاً عن أن ذلك مردود بما تقدم ذكره، فإن في تولي النيابة الإدارية إجراءات التحقيق والاتهام ما يكفل للعمال من الضمانات ما لا يحققه قانون العمل - كما أن المشرع قد استهدف بإخضاع بعض الشركات والهيئات لقانون النيابة الإدارية، تعقب المخالفات الخطيرة التي يرتكبها العاملون فيها، ويتغاضى عنها القائمون على الإدارة إهمالاً أو تواطؤاً - ومتى كان الأمر على هذا النحو، فإن الطاعن يكون على غير حق في استناده إلى ادعائه بسقوط الدعوى التأديبية أو بسقوط الحق في توقيع هذا الجزاء.
ومن حيث إنه عن الوجه الثاني من الطعن ويتحصل في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون حين جازى الطاعن عن فعل لا يعد جرماً تأديبياً، وفي بيان ذلك يقول إن لائحة الجزاءات بالشركة لم يرد فيها أي نص يحدد جزاء على المخالفة المنسوبة إليه "اعتداء العامل على زميل له في العمل" - وأن المادتين 51 و52 من لائحة العاملين بالشركات العامة رقم 3546 سنة 1962 قد حددت المخالفات على سبيل الحصر وإنه ليس من بينها التهمة المنسوبة إليه. فإن ما ذهب إليه الطاعن على غير أساس، ذلك لأن المخالفات التأديبية لم ترد في أي من التشريعات الخاصة بالعاملين على سبيل الحصر، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن أي خروج على الوظيفة أو على مقتضياتها أو ما تفرضه على شاغلها من واجبات يعد ذنباً إدارياً، وهذا هو سبب القرار التأديبي، فكل فعل أو مسلك من جانب الموظف راجع إلى إرادته إيجاباً أو سلباً تتحقق به المخالفة لواجبات الوظيفة العامة، أو الخروج على مقتضى الواجب في إعمالها، أو الإخلال بالنهي عن الأعمال المحرمة عليه، إنما يعد ذنباً إدارياً يسوغ مؤاخذته تأديبياً وما من شك في أن الفعل المنسوب إلى الطاعن وهو الاعتداء على زميله في العمل وفي أثنائه وبسببه يعتبر جرماً تأديبياً - ومتى كان الأمر كذلك يكون هذا السبب من أسباب الطعن غير مستند إلى أساس سليم من القانون.
ومن حيث إن الطاعن ينعى في السبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون حين أوقع عليه عقوبة تأديبية غير قائمة قانوناً، محتجاً في ذلك بما نصت عليه المادة 54 من لائحة العاملين بالشركات العامة، رقم 5346 لسنة 1962 إذ بينت الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على العاملين بالشركات وليس من بينها عقوبة تنزيل الوظيفة المقضي بها في الحكم المطعون فيه، وأنه فضلاً عن ذلك فإن العقوبة المقضي بها لا تتناسب مع الذنب المنسوب إليه. وانتهى الطاعن إلى طلب إلغاء الحكم المطعون فيه وببراءته مما نُسب إليه مع إلزام المطعون ضده المصروفات.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما أثاره الطاعن من أن عقوبة تنزيل وظيفته المحكوم بها في الحكم المطعون فيه لا تتناسب مع الذنب المنسوب إليه فإنه وإن كانت التهمة المنسوبة للطاعن ثابتة ثبوتاً كافياً قبله، إلا أنه يبدو من أوراق الطعن أن هذه الواقعة لم تكن سوى نتيجة استفزاز تعرض له الطاعن على إثر مناقشة حادة وقعت بين المجني عليه والمتهم وآية ذلك أنه أثناء انعقاد لجنة التحكيم التي انعقدت لفض النزاع بخصوص بوليصة تأمين، جرت مناقشة بين الطاعن والمجني عليه وكان الأخير قد ملأ الغرفة صياحاً وهو يدافع عن حقه في وثيقة التأمين، مثار النزاع، فهدده المتهم بالكف عن الصراخ وإلا قام بضربه بالحذاء، فرد عليه المجني عليه بأنه لن يسكت وقام من مكانه متجهاً إلى المتهم محاولاً الاعتداء عليه، فما كان من المتهم إلا أن قام من مكانه وخلع حذاءه وضرب به الشاكي على رأسه - ولما كان الطاعن وزميله في مرتبة وظيفية واحدة، وقد تصالحا قبل صدور الحكم التأديبي، فإن هذه الظروف والملابسات المحيطة بهذه الواقعة والحالة هذه تقتضي وضع ذلك كله في الاعتبار عند تقدير العقوبة التي تتناسب مع الفعل الذي ارتكبه الطاعن وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن هذه الظروف مجتمعة، وأوقع على الطاعن عقوبة متناهية في الشدة وهي تنزيل الوظيفة، فإن الجزاء يكون قد اتسم بعيب عدم الملاءمة الظاهرة مع جسامة الذنب، ويؤدي ذلك إلى خروج الجزاء ومجاوزته لنطاق المشروعية الأمر الذي يسوغ لهذه المحكمة على ما استقر على ذلك قضاؤها أن ترتد بالجزاء لتقف به عند الحد الذي يتناسب مع الذنب الإداري دون ما حاجة إلى التعرض لباقي أوجه الطعن المتعلقة بمشروعية العقوبة التي أوقعتها المحكمة التأديبية، ولهذا فإنه يتعين الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه والاكتفاء بمجازاة الطاعن بالخصم من مرتبه لمدة خمسة عشر يوماً وإلزام جهة الإدارة المطعون ضدها بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه والاكتفاء بالخصم من مرتب الطاعن لمدة خمسة عشر يوماً وألزمت المطعون ضدها بالمصروفات.