مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1971 إلى آخر سبتمبر سنة 1971) - صـ 335

(50)
جلسة 20 من يونيه سنة 1971

برئاسة السيد الأستاذ محمد مختار العزبي - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: الدكتور أحمد ثابت عويضة وسليمان محمود جاد ومحمد فهمي طاهر ومحمد عوض الله مكي - المستشارين.

القضية رقم 28 لسنة 14 القضائية

حكم - تفسير الأحكام - سلطة المحكمة في تفسير الحكم.
لا يجوز أن يتخذ تفسير الحكم ذريعة لإصلاح خطأ أو استكمال نقص وقع فيه الحكم - تفسير الحكم لا يكون إلا بالنسبة إلى قضائه الوارد بمنطوقه أو أسبابه المرتبطة بالمنطوق ارتباطاً جوهرياً مكوناً لجزء منه مكملاً له - التفسير يقف عند حد إيضاح ما أبهم بالفعل بحسب تقدير المحكمة لا ما التبس على ذوي الشأن فهمه على الرغم من وضوحه - التفسير لا يكون له محل إذا تعلق بأسباب منفكة عن المنطوق أو بمنطوق لا غموض فيه ولا إبهام.
من الأصول المسلمة أن سلطان المحكمة ينحسر عن الدعوى إذا ما أصدرت حكمها فيها، فالرجوع إليها لتفسير الحكم ينبغي ألا يخل بهذا الأصل فلا يجوز أن يتخذ التفسير ذريعة لإصلاح خطأ أو استكمال نقص وقع فيه الحكم، وعلى وجه العموم لتعديله، كما لا يجوز التوسع فيما رسمته المادة 366 مرافعات من حدود لجواز التفسير، فلا يجوز إلا بالنسبة إلى قضائه الوارد في منطوقه، أو أسبابه المرتبطة بالمنطوق ارتباطاً جوهرياً مكوناً لجزء منه مكملاً له، كما لا يكون إلا حيث يقع في المنطوق غموض أو إبهام يقتضي الإيضاح والتفسير لاستجلاء قصد المحكمة فيما غمض أو انبهم ابتغاء الوقوف على حقيقة المراد - منه - حتى يتسنى تنفيذ الحكم بما يتفق وهذا القصد، ولهذا يلزم أن يقف التفسير عند حد إيضاح ما أبهم بالفعل بحسب تقرير المحكمة - لا ما التبس على ذوي الشأن فهمه على الرغم من وضوحه، وذلك دون المساس بما قضى به الحكم المفسر بنقص أو زيادة أو تعديل، وإلا كان في ذلك إخلال بقوة الشيء المقضي به، وفي هذا النطاق يتحدد موضوع طلب التفسير فلا يكون له محل إذا تعلق بأسباب منفكة عن المنطوق أو بمنطوق لا غموض فيه ولا إبهام، ولا تستغلق عباراته على الفهم ولا تبعث على الحيرة في كيفية تنفيذ الحكم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي قدم تظلماً إلى اللجنة القضائية في 10 من فبراير سنة 1954 قيد تحت رقم 2940 لسنة 2 القضائية، وقد أحيل هذا التظلم إلى محكمة القضاء الإداري عملاً بالقانون رقم 165 لسنة 1955 بتنظيم مجلس الدولة وقيد بجدولها دعوى برقم 584 لسنة 10 القضائية ضد وزارة التربية والتعليم، بطلب الحكم. أولاً: بإرجاء أقدميته في الدرجات الخامسة والرابعة والثالثة والثانية إلى التواريخ المبينة قرين كل منها وذلك عملاً بالقانون رقم 472 لسنة 1955 الخاص بأقدمية ضباط الاحتياط. وثانياً: الحكم بإلغاء القرار رقم 875 لسنة 1956 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الأولى مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات. وأوضح المدعي أن دعواه تستند إلى نص المادة الأولى من القانون رقم 472 لسنة 1955 لتوفر شروط تطبيقها في شأنه، وأنه ما دامت أقدميته في الدرجة الثانية ترد على هذا الأساس إلى أول أغسطس سنة 1950 فإن من حقه الطعن بالإلغاء في القرار الصادر في 21 من سبتمبر سنة 1956 بالترقية إلى الدرجة الأولى طالما أن القرار المذكور شمل بالترقية جميع من ترجع أقدميتهم في الدرجة الثانية إلى هذا التاريخ، فضلاً عن أنه حاصل على جميع مقومات الاختيار، وبجلسة 2 من يوليه سنة 1959 صدر حكم محكمة القضاء الإداري قاضياً بعدم جواز نظر الدعوى بالنسبة إلى طلب تعديل أقدمية المدعي في الدرجتين الرابعة والثالثة لسبق الفصل فيه ورفضه ما عدا ذلك من طلبات وألزمت المدعي بالمصروفات. وأسست قضاءها على أن ما طلبه المدعي في هذه الدعوى سبق أن قضت به المحكمة في الدعوى رقم 1616 لسنة 5 القضائية حيث اتحدت الدعويان موضوعاً وسبباً، وأنه ولئن كان المدعي في الدعوى الحالية استند إلى القانون رقم 472 لسنة 1955 في حين أنه لم يستند في الدعوى السابقة إلا على قرارات مجلس الوزراء الخاصة بضباط الاحتياط، إلا أن ذلك لا يغير من اتحاد السبب في الدعويين وهو حصول التخلي بوصف المدعي من ضباط الاحتياط، فلم يخلق القانون سنداً جديداً لم يكن موجوداً من قبل، وإنما جاء لمعالجة وضع ضباط الاحتياط اللذين تخطوا ثم رقوا بعد أول يوليو سنة 1952، وهو الأمر الذي لا يتناول تخطي المدعي في الدرجتين الرابعة والثالثة، ومن ثم تكون الدعويان فيما يتعلق بطلب تعديل الأقدمية في الدرجتين المذكورتين قد اتحدتا في الخصوم والموضوع والسبب، وفيما يتعلق بطلب المدعي تعديل أقدمية المدعي في الدرجتين الرابعة والثالثة فإنه لا يكون ثمة تخط في الترقية إلى الدرجة الثانية، وفيما يتعلق بطلب إلغاء القرار الصادر في 9 من سبتمبر سنة 1956 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الأولى فإنه فضلاً عن أن الترقية قد تمت بالاختيار ولم يقم الدليل على أن المدعي ظاهر الامتياز فإنهم جميعاً يسبقونه في أقدمية الدرجة الثانية وفي 12 من أغسطس سنة 1959 أودع المدعي قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن في ذلك الحكم قيد بجدول المحكمة برقم 1337 لسنة 5 القضائية طالباً فيه قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والحكم باعتبار أقدميته راجعة إلى أول مايو سنة 1944 في الدرجة الرابعة وإلى أول يوليو سنة 1947 في الدرجة الثالثة وإلى أول أغسطس سنة 1950 في الدرجة الثانية وبإلغاء القرار الصادر في 9 من سبتمبر سنة 1965 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الأولى مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات. وبجلسة 28 من فبراير سنة 1965 حكمت المحكمة الإدارية العليا في الطعن المشار إليه بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباستحقاق المدعي لتعديل أقدميته في الدرجة الرابعة باعتبارها راجعة إلى أول مايو سنة 1944 وفي الدرجة الثالثة باعتبارها راجعة إلى أول يوليه سنة 1947 وفي الدرجة الثانية باعتبارها راجعة إلى أول أغسطس سنة 1950، على أن يكون سابقاً في أقدمية هذه الدرجات كلاً من السيدتين سعاد نصر فريد وإحسان مرسي عابد وما يترتب على ذلك من آثار وفروق اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1955 وألزمت الحكومة بالمصروفات ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات على الوجه المبين بالأسباب "وأقامت قضاءها على أنه بينما كان المصدر القانوني للحق المدعى به يتمثل في الدعوى رقم 1616 لسنة 5 القضائية في قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 13 من فبراير سنة 1940، 9 من فبراير سنة 1947 وما بعدها، إذ به يتمثل في الدعوى الثانية (الصادر فيها الحكم المطعون فيه) في القانون رقم 472 لسنة 1955 مما يجعل السبب مختلفاً في الدعويين، وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون، وأضافت المحكمة أن المدعي يسبق المستشهد بهما في أقدمية الدرجة الخامسة، كما أنه اجتمع معهما في كشف أقدمية واحد عند إجراء حركة الترقيات إلى الدرجة الخامسة في أول سبتمبر سنة 1939 وكان سابقاً عليهما في الأقدمية ومساوياً لهما في المؤهل واجتمع معهما أيضاً في وحدة واحدة عند إجراء الترقية في الدرجات الرابعة والثالثة والثانية، مما يقتضي تعديل أقدميته في هذه الدرجات على التوالي إلى أول مايو سنة 1944 وأول يوليه سنة 1947 وأول أغسطس سنة 1950، وفيما يتعلق بإلغاء القرار رقم 875 الصادر في 9 من سبتمبر سنة 1956 بالترقية إلى الدرجة الأولى فقد قضت المحكمة برفضه، وقد أوضحت المحكمة في أسباب حكمها أنه "غني عن البيان أن التسوية المقضي بها بالنسبة إلى أقدمية المدعي في الدرجات الرابعة والثالثة والثانية لا تصرف بشأنها فروق مالية عن الماضي إعمالاً لحكم المادة الثانية من القانون رقم 742 لسنة 1955 في شأن أقدمية ضابط الاحتياط وإنما تصرف هذه الفروق اعتباراً من تاريخ العمل بالقانون المذكور في أول أكتوبر سنة 1955" وبعد إعلان الوزارة بالحكم المذكور لتنفيذه - كما يقول المدعي في الدعوى الراهنة - أصدرت الأمر التنفيذي رقم 424 لسنة 1966 بتعديل أقدميته في الدرجات الرابعة والثالثة والثانية مع عدم تدرج مرتبه أو صرف فروق حتى يرد رأي مجلس الدولة في هذا الشأن - وأنه باستطلاع رأي الجمعية العمومية للقسم الاستشاري للفتوى والتشريع رأت أنه لما كان الحكم لم يحدد الفروق المترتبة على ما قضى به والأساس الذي تحسب عليه هذه الفروق فإن هذا يستلزم المحكوم لصالحه الرجوع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم لتفسيره، فرفع هذه الدعوى طالباً تفسير الحكم الصادر في الطعن رقم 1337 لسنة 5 القضائية عليا بما يلزم جهة الإدارة بأن تصرف له الفروق المالية المستحقة له والمحكوم بها في هذا الطعن مع إلزام الوزارة بالمصروفات وأتعاب المحاماة.
ومن حيث إنه سبق لهذه المحكمة أن قضت بأنه من الأصول المسلمة أن سلطان المحكمة ينحسر عن الدعوى إذا ما أصدرت حكمها فيها، فالرجوع إليها لتفسير الحكم ينبغي ألا يخل بهذا الأصل فلا يجوز أن يتخذ التفسير ذريعة لإصلاح خطأ أو استكمال نقص وقع فيه الحكم، وعلى وجه العموم لتعديله، كما لا يجوز التوسع فيما رسمته المادة 366 مرافعات من حدود لجواز التفسير، فلا يكون إلا بالنسبة إلى قضائه الوارد في منطوقه، أو أسبابه المرتبطة بالمنطوق ارتباطاً جوهرياً مكوناً لجزء منه مكملاً له، كما لا يكون إلا حيث يقع في المنطوق غموض أو إبهام يقتضي الإيضاح والتفسير لاستجلاء قصد المحكمة فيما غمض أو انبهم ابتغاء الوقوف على حقيقة المراد منه - حتى يتسنى تنفيذ الحكم بما يتفق وهذا القصد، ولهذا يلزم أن يقف التفسير عند حد إيضاح ما أبهم بالفعل بحسب تقرير المحكمة - لا ما التبس على ذوي الشأن فهمه على الرغم من وضوحه، وذلك دون المساس بما قضى به الحكم المفسر بنقص أو زيادة أو تعديل، وإلا كان في ذلك إخلال بقوة الشيء المقضي به، وفي هذا النطاق يتحدد موضوع طلب التفسير فلا يكون له محل إذا تعلق بأسباب منفكة عن المنطوق أو بمنطوق لا غموض فيه ولا إبهام، ولا تستغلق عباراته على الفهم ولا تبعث على الحيرة في كيفية تنفيذ الحكم.
ومن حيث إن عبارات منطوق الحكم المطلوب تفسيره لا غموض فيها ولا إبهام فقد جاءت واضحة جلية - وقضت صراحة بتعديل الأقدمية في الدرجات التي أشار إليها المنطوق وترتيب الآثار والفروق اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1955، كما جاء في الأسباب المرتبطة بهذا المنطوق ارتباطاً جوهرياً مكملاً له أن التسوية المقضي بها بالنسبة إلى أقدمية المدعي في الدرجات الرابعة والثالثة والثانية لا تصرف بشأنها فروق مالية عن الماضي إعمالاً لحكم المادة الثانية من القانون رقم 472 لسنة 1955 في شأن أقدمية ضباط الاحتياط وإنما تصرف هذه الفروق اعتباراً من تاريخ العمل بالقانون المذكور في أول أكتوبر سنة 1955. ومن ثم فإن طلب المدعي تفسير هذا الحكم يتجاوز ما تملكه المحكمة في دعوى التفسير ويخل بالأصل المقرر من انحسار سلطانها عن الدعوى بصدور الحكم فيها.
ومن حيث إنه لما تقدم تكون الدعوى على غير أساس سليم من القانون ويتعين - من ثم - القضاء برفضها مع إلزام المدعي المصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة برفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.