أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 19 - صـ 334

جلسة 18 من مارس سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، وحسين سامح، ومحمود عطيفه.

(62)
الطعن رقم 43 لسنة 38 القضائية

(أ، ب، ج) غش. إثبات. "إثبات بوجه عام. قرائن". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب" إجراءات المحاكمة. نقض. "حالات الطعن بالنقض. بطلان الإجراءات".
( أ ) عدم جواز إدخال القاضي في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام عليها قضاءه أو بعدم صحتها حكماً لسواه.
(ب) التحريات وحدها لا تصلح أن تكون دليلاً أساسياً على ثبوت التهمة.
(ج) إقامة الحكم قضاءه على مجرد رأي محرر محضر الضبط. يعيبه.
(د، هـ، و) غش. جريمة. "أركان الجريمة". قصد جنائي. إثبات. "إثبات بوجه عام. قرائن". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". إجراءات المحاكمة. قانون. قرارات وزارية. زيوت.
(د) قرينة اقتراض العلم بالغش المنشأة بالقانونين 522 لسنة 1955 و80 لسنة 1961. قابليتها للنفي بغير اشتراط نوع معين من الأدلة.
(هـ) وجوب تقصى المحكمة لدفاع قصد به نفي الركن المعنوي للجريمة.
(و) مناط التأثيم طبقاً للمادة الثانية من القرار الصادر في 4 من مايو سنة 1955 في شأن الزيوت والدهون المعدة للطعام وتجارتها؟
1 - يجب أن تبنى الأحكام على الأدلة التي يقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو براءته صادراً في ذلك عن عقيدة يحصلها هو مما يجريه من التحقيق مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره، ولا يصح في القانون أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام قضاءه عليها أو بعدم صحتها حكماً لسواه.
2 - الأصل أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة طالما أنها كانت مطروحة على بساط البحث، إلا أنها لا تصلح وحدها لأن تكون دليلاً أساسياً على ثبوت التهمة.
3 - متى كان محرر المحضر لم يبين للمحكمة مصدر تحرياته لمعرفة ما إذا كان من شأنها أن تؤدي إلى صحة ما انتهى إليه من أن المتهم أعد الزيت موضوع الدعوى للطعام وليس للأغراض الصناعية، فإنها بهذه المثابة لا تعدو أن تكون مجرد رأى لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب إلى أن يعرف مصدره ويتحدد كنهه ويتحقق القاضي منه بنفسه حتى يستطيع أن يبسط رقابته على الدليل ويقدر قيمته من حيث صحته أو فساده وإنتاجه في الدعوى أو عدم إنتاجه، ومن ثم إذا كانت المحكمة قد جعلت أساس اقتناعها رأي محرر المحضر، فإن حكمها يكون قد بني على عقيدة حصلها الشاهد من تحريه لا على عقيدة استقلت هي بتحصيلها بنفسها مما يعيب حكمها ويوجب نقضه.
4 - يتعين لإدانة المتهم في جريمة الغش المؤثمة بالقانون رقم 48 لسنة 1941 أن يثبت أنه كان يعلم بالغش الذي وقع، أما القرينة القانونية المنشأة بالتعديل المدخل على المادة الثانية من هذا القانون بالقانونية الرقيمين 522 لسنة 1955 و80 لسنة 1961 والتي افترض بها الشارع العلم بالغش إذا كان المخالف من المشتغلين بالتجارة فقد رفع بها عبء إثبات العلم عن كاهل النيابة دون أن ينال من قابليتها لإثبات العكس بغير اشتراط نوع معين من الأدلة لدحضها ودون أن يمس الركن المعنوي في جنحة الغش والذي يلزم توافره حتماً للعقاب.
5 - إذا كان المتهم قد دفع التهمة بأن زيادة حموضة الزيت إنما ترجع إلى عوامل التهوية وأنه لم يكن في مكنته أن يعلم بها أو يتبينها، واستدل على صحة ذلك بما شهد به مفتش الصحة ومراقب الأغذية في قضايا مماثلة، فإن هذا الدفاع منه قد قصد به نفي الركن المعنوي لجريمة الغش المسندة إليه وإثبات حسن نيته مما كان يتعين على المحكمة معه أن تتقصاه وتقول كلمتها فيه.
6 - مناط التأثيم طبقاً للمادة الثانية من القرار الصادر في 4 من مايو سنة 1955 في شأن الزيوت والدهون المعدة للطعام وتجارتها - وهو الواجب التطبيق على واقعة الدعوى - هو أن يكون الزيت معداً للطعام، ومن ثم فإن دفاع المتهم بأن الزيت الذي جرى تحليله كان مجهزاً للأغراض الصناعية، يعد دفاعاً جوهرياً كان يتعين على محكمة الموضوع أن تحققه أو ترد عليه بأسباب سائغة، لأنه يتجه إلى نفي عنصر أساسي من عناصر الجريمة، ولا يكفي لإطراحه استناد الحكم إلى ما أرسله محرر الضبط من أن تحرياته دلت على أن المتهم عرض الزيت للاستهلاك الآدمي.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 14/ 5/ 1967 بدائرة مركز منوف: عرض للبيع شيئاً من أغذية الإنسان "مغشوشاً" مع علمه بذلك على النحو الوارد بتقرير المعامل المرفق. وطلبت عقابه بالمواد 1 و2 و7 و8 من القانون رقم 48 لسنة 1941 المعدل بالقوانين 83 لسنة 1948 و53 لسنة 1949 و522 لسنة 1955 و80 لسنة 1961 ومحكمة منوف الجزئية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بتغريم المتهم خمسة جنيهات والمصادرة. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة شبين الكوم الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة عرضه للبيع شيئاً من أغذية الإنسان (زيت بذر الكتان) مغشوشاً مع علمه بذلك قد عاره قصور في التسبيب، ذلك بأنه وقد تبين من تقرير التحليل أن درجة حموضة الزيت مرتفعة - فقد قام دفاع الطاعن على أنه فضلاً عن أن الزيت الذي ينتجه ليس معداً للطعام بل لأغراض الصناعة فإنه لم يكن في مكنته أن يتبين هذه الحموضة لأن ارتفاع نسبتها يرجع إلى عوامل طبيعية لا دخل لإرادة الإنسان فيها، واستدل الطاعن على صحة دفاعه بما شهد به مفتش الصحة ومراقب التغذية في قضايا مماثلة، وبذلك يكون قد دحض قرينة العلم المفترض بالغش باعتباره من المشتغلين بالتجارة، غير أن الحكم المطعون فيه لم يعرض لهذا الدفاع الجوهري ولم يعن بالرد عليه وأخذ بتحريات محرر المحضر على أنه ينتج الزيت للاستهلاك الآدمي دون أن تكون تلك التحريات معززة بدليل آخر وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الدعوى الجنائية رفعت على الطاعن بوصف أنه عرض للبيع شيئاً من أغذية الإنسان مغشوشاً مع علمه بذلك على النحو الوارد بتقرير المعامل، وطلبت النيابة عقابه بالمواد 1 و2 و7 و8 و9 من القانون رقم 48 لسنة 1941 المعدل بالقانونين الرقيمين 522 لسنة 1955 و80 لسنة 1961 وقد حصل الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه واقعة الدعوى بما مفاده أن مراقب صحة منوف أخذ عينة من زيت بذر الكتان من معصرة الطاعن وأرسلها إلى التحليل فوردت النتيجة بأن العينة غير مطابقة لقرار الزيوت لارتفاع نسبة حموضتها عن الحد المقرر. لما كان ذلك، وكان يتعين لإدانة المتهم في جريمة الغش المؤثمة بالقانون رقم 48 لسنة 1941 أن يثبت أنه كان يعلم بالغش الذي وقع، أما القرينة القانونية المنشأة بالتعديل المدخل على المادة الثانية من هذا القانون بالقانونين الرقيمين 522 لسنة 1955 و80 لسنة 1961 والتي افترض بها الشارع العلم بالغش إذا كان المخالف من المشتغلين بالتجارة فقد رفع بها عبء إثبات العلم عن كاهل النيابة العامة دون أن ينال من قابليتها لإثبات العكس وبغير اشتراط نوع معين من الأدلة لدحضها ودون أن يمس الركن المعنوي في جنحة الغش والذي يلزم توافره حتماً للعقاب. لما كان ذلك، وكان الطاعن قد دفع التهمة بأن زيادة حموضة الزيت إنما ترجع إلى عوامل التهوية وأنه لم يكن في مكنته أن يعلم بها أو يتبينها، واستدل على صحة ذلك بما شهد به مفتش الصحة ومراقب الأغذية في قضايا مماثلة وقدم حافظة بالمستندات المؤيدة لدفاعه، وكان هذا الدفاع من الطاعن قد قصد به إلى نفي الركن المعنوي لجريمة الغش المسندة إليه وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه لم يلتفت إلى ما ساقه الطاعن إثباتاً لحسن نيته مما كان يتعين على المحكمة معه أن تتقصاه وتقول كلمتها فيه. لما كان ذلك، وكان مناط التأثيم طبقاً للمادة الثانية من القرار الصادر في 4 من مايو سنة 1955 في شأن الزيوت والدهون المعدة للطعام وتجارتها - وهو الواجب التطبيق على واقعة الدعوى - هو أن يكون الزيت معداً للطعام، فإن دفاع المتهم بأن الزيت الذي جرى تحليله كان مجهزاً للأغراض الصناعية، يعد من الدفوع الجوهرية التي كان يتعين على محكمة الموضوع أن تحققها أو ترد عليه بأسباب سائغة، لأنه يتجه إلى نفي عنصر أساسي من عناصر الجريمة، ولا يكفي لإطراحه استناد الحكم - في صدد تحصيل فهم الواقع في الدعوى - إلى ما أرسله محرر المحضر في أقواله من أن تحرياته دلت على أن الطاعن عرض الزيت للاستهلاك الآدمي، ذلك أن الأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته صادراً في ذلك عن عقيدة يحصلها هو مما يجريه من التحقيق مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ولا يصح في القانون أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام قضاءه عليها أو بعدم صحتها حكماً لسواه. وأنه وإن كان الأصل أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة طالما أنها كانت مطروحة على بساط البحث، إلا أنها لا تصلح وحدها لأن تكوين قرينة معينة أو دليلاً أساسياً على ثبوت التهمة. ولما كان الثابت أن محرر المحضر لم يبين للمحكمة مصدر تحرياته لمعرفة ما إذا كان من شأنها أن تؤدي إلى صحة ما انتهى إليه من أن الطاعن أعد الزيت موضوع الدعوى للطعام وليس للأغراض الصناعية فإنها بهذه المثابة لا تعدو أن تكون مجرد رأي لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب إلى أن يعرف مصدره ويتحدد كنهه ويتحقق القاضي منه بنفسه حتى يستطيع أن يبسط رقابته على الدليل ويقدر قيمته من حيث صحته أو فساده وإنتاجه في الدعوى أو عدم إنتاجه. وإذ كانت المحكمة قد جعلت أساس اقتناعها رأي محرر المحضر، فإن حكمها يكون قد بني على عقيدة حصلها الشاهد من تحريه لا على عقيدة استقلت المحكمة بتحصيلها بنفسها، وكل ذلك مما يعيب الحكم المطعون فيه بما يتعين معه نقضه والإحالة بغير حاجة إلى بحث باقي ما يثيره الطاعن في طعنه.