مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1971 إلى آخر سبتمبر سنة 1971) - صـ 340

(51)
جلسة 26 من يونيه سنة 1971

برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف إبراهيم الشناوي - رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة: محمد عبد العزيز يوسف ومحمد صلاح الدين السعيد وعلي لبيب حسن وأحمد حسن العتيق - المستشارين.

القضيتان رقما 462 و815 لسنة 12 القضائية

عقد إداري "تنفيذه" تعديل الأسعار.
إن حق المتعاقد في التعويض عن زيادة الأسعار يقتصر على تغطية الزيادة في الأسعار السوقية الجارية فعلاً بين يوم التنفيذ الأول الذي تأجل ويوم التنفيذ الفعلي للعقد - الضرر المباشر الناتج عن تأخير جهة الإدارة في تسليم موقع العمل لا يتجاوز ذلك لتغطية ما كان قد قبله المتعاقد من نقص في تحديد ثمن المادة عن سعرها في السوق عند التعاقد.
إن المتعاقد وقد ارتضى في تعاقده مع البلدية على حساب هذه المادة على أساس سعر المتر المربع 700 مليم بينما كان سعرها في السوق الحرة وقتئذ 1 جنيه و400 مليم لا يسوغ له بعد ذلك أن يرجع على المحافظة المدعى عليها إلا بالفروق التي تتمثل في زيادة سعر هذه المادة وقت تنفيذ عملية الرصف في ديسمبر سنة 1961 عن سعرها السوقي فعلاً وقت التعاقد أي أن حق المقاول المدعي في التعويض في هذا الشق من دعواه يتحدد بحسب الزيادة في سعر السوق لهذه المادة في ديسمبر سنة 1961 عن سعرها بالسوق وقت التعاقد وهذا المبلغ كما حددته المحافظة 63 جنيه و562 مليم لأن هبوط المدعي بسعر هذه المادة في عطائه إلى نصف ثمنها السوقي أمر تم تعاقده في شأنه ولا يسوغ له أن يتخذ من تراخي جهة الإدارة ذريعة يتحلل بها من التزامه كما حدده على هذا النحو ويكون حقه في التسويق قاصراً على تغطية الزيادة في الأسعار السوقية الجارية فعلاً بين يوم التنفيذ الأول الذي تأجل ويوم التنفيذ الفعلي للعقد إذ بين هذين الحدين يتمثل الضرر المباشر الناتج عن تأخير جهة الإدارة في تسليم موقع العمل فلا يجاوزه لتغطية ما كان قد قبله المقاول من نقص في تحديد ثمن الكمية اللازمة للعملية من هذه المادة عن سعرها في السوق عند التعاقد.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أن السيد/ زكريا لطفي المدعي أقام الدعوى رقم 747 لسنة 16 القضائية ضد محافظة الإسكندرية (شئون الإسكان والمرافق) بصحيفة أودعها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 15 من إبريل سنة 1962 طلب فيها الحكم بإلزام المدعى عليه بصفته بأن يدفع له مبلغ 4306 جنيهاً و409 مليماً وفوائده بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام الوفاء مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وقال المدعي شرحاً لدعواه إنه بتاريخ 18 من مايو سنة 1960 ورد إليه إخطار من الإدارة الهندسية ببلدية الإسكندرية بقبول عطائه عن عملية إنشاءات جديدة بورش الحضرة بالإسكندرية بمبلغ 9962 جنيهاً و440 مليماً وطلبت منه دفع التأمين المستحق فقام بالوفاء به فعلاً وبهذا أصبح العطاء المقدم منه للبلدية ملزماً للطرفين معاً طبقاً لنص المادة 15 من العقد الذي أبرم بينهما في 29 من مايو سنة 1960، وبتاريخ 19 من يونيه سنة 1960 صدر للمقاول أمر تشغيل وتكليف بالبدء في العمل الذي تحدد إنهائه أربعة شهور من تاريخ صدور الأمر المذكور وفقاً لحكم المادة 30 من شروط العقد وكان متعيناً طبقاً لأحكامه أن تقوم البلدية بتسليم الموقع للمدعي فور إصدارها أمر التشغيل ولكنها عجزت عن ذلك بسبب انشغال الموقع بهراسات وأكوام من الحديد الخردة وغيرها من المهمات فألقى المدعي بالتبعة على الطرف المتعاقد معه في 28 من يونيه و7 من يوليه سنة 1960 بخطابات موصى عليها بضرورة إخلاء موقع العمل حتى يتسنى له البدء في تشوين الأدوات والمهمات الخاصة به ولكن البلدية التزمت الصمت ولم ترد عليه إلا بخطابها المؤرخ في 24 من نوفمبر سنة 1960 الذي أخطرته بموجبه بما يفيد إزالة العوائق الموجودة بموقع العمل وطلبت منه البدء في تنفيذ العملية المتعاقد عليها على أن ينتهي منها في ظرف أربعة شهور طبقاً للمتفق عليه أصلاً في العقد، ومضى المدعي يقول في دعواه إنه اتضح له أن جزءاً من موقع العمل هو الذي تم إزالة العوائق الموجودة به وظل بباقي الموقع الكثير من المهمات التي لم تقم البلدية برفعها ولكنه بدأ بالعمل في إقامة المباني في الجزء الذي تم إخلاؤه وطلب من البلدية تطهير باقي الأجزاء المشغولة حتى يمكنه القيام بأعمال الرصف والمجاري إذ بدونها لا يمكن الانتفاع بالإنشاءات التي شرع في إقامتها. وخلص المدعي بعد عرضه لواقعات الموضوع إلى القول بأنه أصيب بضرر جسيم من ناحية ارتفاع أسعار مواد البناء من طوب وخلافه نتيجة التأخير في بدء تنفيذ العملية المتعاقد عليها هذا بالإضافة إلى تحمله بمرتب مهندس ونفقات خفر وإنارة طول المدة من 19 من يونيه سنة 1960 حتى 19 من نوفمبر سنة 1960 ويقدر هذه الفروق في الأسعار من النفقات الأخرى بمبلغ 1370 جنيهاً ويستند إلى نص المادة 43 من أحكام العقد في تأييد أحقيته لهذا المبلغ وقد نصت على أحقية المقاول في تعويض يقدر على أساس عشرة بالمائة من قيمة الأعمال في حالة إيقافها بصفة مؤقتة من جانب البلدية. وأضاف المدعي لمطالبته المتقدمة عنصراً آخر إذ ذكر أنه أثناء سير العمل أدخلت البلدية تعديلات في الأساسات والمباني في الجزء الخاص بورشة الدبابات وأعطت للمدعي مدة إضافية قدرها عشرة أيام وعلى الرغم من عدم كفاية هذه المدة لإنجاز الأعمال المستحدثة المطلوبة فإنه قام بتنفيذها خلالها عدا بعض التشطيبات البسيطة وأعمال الرصف والمجاري وقد كان يستحيل عليه القيام بأعمال المجاري ورصف الأفنية التي توصل إلى المباني لاستعمالها للغرض المنشأة من أجله إلا بعد رفع الخردة وباقي المهمات الموجودة بالمكان المطلوب رصفه وعمل المجاري فيه، وقد أخطرته البلدية في 8 من ديسمبر سنة 1961 بعدة إخطارات متعددة منه لتطهير باقي الموقع بأنها قامت بنقل جميع المهمات من الأرض وأعطته ميعاداً ثمانية وثلاثين يوماً للقيام بأعمال المجاري والرصف بالأرض المحيطة ابتداء من 8 من ديسمبر سنة 1961 وقد قام المدعي بإنجاز هذه الأعمال في 28 من ديسمبر سنة 1961 قبل نهاية المدة المحددة له. وترتب على تأخير البلدية تسليم الموقع الخاص بالمجاري والرصف مطهراً من وقت أن صدر أمر التشغيل للمدعي في 19 من نوفمبر سنة 1960 حتى يوم 8 من ديسمبر سنة 1961 تاريخ إخطاره بإخلاء هذا الجزء ارتفاع أسعار مكعبات البازلت اللازمة لعملية الرصف بأن أصبح ثمن المتر منها 160 قرشاً من 70 قرشاً وهو السعر الجاري وقت تقديم العطاء فقد تكبد المدعي فروقاً في سعرها بلغ 1350 جنيهاً هذا بالإضافة إلى ما تحمله خلال تلك الفترة من مصاريف إضافية هي مرتب المهندس ونفقات الخسارة التي يقدرها بمبلغ 666 جنيهاً وبذلك يكون مجموع هذا العنصر الثاني من عناصر التعويض الذي يطلبه مبلغ 1350 + 666 = 2016 فإذا أضفنا إليه العنصر الأول ومقداره كما سلف 1370 جنيهاً فيكون مجموع مبلغ التعويض هو 3389 جنيهاً وقد استطرد المدعي في صحيفة دعواه قائلاً أنه وقد استشعرت البلدية مسئوليتها والتزامها بالمبالغ السابق إيضاحها فإنها حاولت الإفلات من مسئوليتها بأن ادعت الإدارة الهندسية فيها أن ثمة تأخيراً قد وقع في إنجاز بعض الأعمال الاعتيادية المتعلقة بالمباني وقدرت غرامة تأخير عنها قدرها 57 جنيهاً إلا أن إدارة الحسابات رأت تقدير الغرامة على أساس قيمة جميع الأعمال بما فيها الرصف والمجاري وارتفعت بقيمة الغرامة إلى 920.409 جنيهاً وهي في كلا التقديرين مخطئة لأنه لا يصح الإلزام بأي غرامة محسوبة على أية قيمة طالما أن البلدية مقرة بتأخيرها في تسليم الموقع الخاص بأعمال المجاري والرصف ولم يكن من الممكن الانتفاع بأعمال المباني حتى لو صح جدلاً ما تزعمه البلدية من حصول تأخير فيها - في الغرض الذي أنشئت من أجله إلا بإزالة المهمات والخردة المتراكمة بالأفنية حول المباني. ولهذا طلب المدعي برد مبلغ الغرامة التي خصمته الجهة المدعى عليها وأصبح بذلك كامل المبلغ المطلوب الحكم به في الدعوى 4306 جنيهاً و409 مليم هذا بالإضافة إلى فوائده القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام الوفاء به مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن جهة الإدارة المدعى عليها طلبت رفض الدعوى قائلة أنه لم يقع منها خطأ يستوجب إلزامها بالتعويض إذ أن العقد لم ينص على البدء بتنفيذه فور انعقاده، كما أنكرت حدوث ضرر للمقاول المدعي نتيجة تأخيرها في تسليم موقع العملية لأن أسعار المواد المستعملة سواء في البناء أو الرصف لم ترتفع عما كانت عليه في 19 من يونيو سنة 1960, وأن المقاول لم يتحمل أية مصاريف أو أجور حتى تاريخ تسليمه الموقع في 19 من نوفمبر سنة 1960 لأن البلدية لم تعتمد المهندس عندما أخطرها المقاول باسمه إلا في 27 من نوفمبر سنة 1960 ولأنه لعدم خلو الموقع لم يقم المقاول بتشوين مهمات فيه قبل تاريخ تطهيره وتسليمه له وبالتالي فلم يتحمل بأجور خفراء أو مصاريف إنارة.
ومن حيث إنه بجلسة 24 من مايو سنة 1964 أصدرت المحكمة حكماً تمهيدياً بندب خبير هندسي من مكتب الخبراء بوزارة العدل ليقوم بدراسة أسعار المواد في يوم 19 من يونيه سنة 1960 ومقارنتها بأسعار مواد البناء مثيلتها المستعملة في 19 من نوفمبر سنة 1960 ومواد الرصف في 8 من ديسمبر سنة 1961 وبيان ما لحق تلك المواد من زيادة إن وجدت وبيان جملة التكاليف الزائدة التي يكون المدعي قد تحملها نتيجة لارتفاع الأسعار. وفي 7 من مارس سنة 1965 أودع الخبير تقريره ومحاضر أعمال تلك المأمورية وقد أثبت في تقريره أن الفروق في أسعار مواد البناء كل على حدة وعلى أساس عدم وجود خلاف بين الطرفين على كميات الأعمال في المدة من 19 من يونيه سنة 1960 إلى 19 من نوفمبر سنة 1960 بلغت 505 جنيهاً و994 مليماً، وأن الفروق في أسعار مواد الرصف كل على حدة وخلال المدة من 19 من يونيه سنة 1960 حتى 19 من ديسمبر سنة 1961 بلغت 1050 جنيهاً و976 مليماً كما أوضح الخبير عند مناقشته بجلسة 13 من مايو سنة 1965 أمام محكمة القضاء الإداري أن أسعار عطاء المدعي كانت مطابقة لما كان سارياً من أسعار في السوق الحرة فيما عدا صنف "الكوبلت" وهو أحد المواد المستعملة في رصف الطرق فقد كان سعره في ذلك الوقت 1 جنيهاً و400 مليم للمتر المربع في حين أن العطاء حدد له سعراً قدره 700 مليم فقط وأن سعر السوق يوم تسليم الموقع في 8 من ديسمبر سنة 1961 بلغ 1 جنيهاً و450 مليماً للمتر وأن أسعار هذه المادة في السوق الحرة لم تتغير في يوم 8 من ديسمبر سنة 1961 تاريخ تسليم الموقع لإجراء عملية الرصف عنها في يوم 19 من ديسمبر سنة 1961 وهو التاريخ الذي ذكر بالتقرير.
وقد نعى المدعي على تقرير الخبير أنه أغفل عند حساب فروق مواد البناء، حساب مرتب المهندس والملاحظين والخفراء والإنارة الواجب حسابها وفقاً لنص المادة 43 من شروط العملية كما أنه لم يدخل مرتب المهندس والملاحظين والخفراء ومصاريف الإنارة عند حساب فروق مواد الرصف ومقدارها مبلغ 666 جنيهاً وتأييداً لوجهة نظره فيما نعاه على التقرير قرار المدعي أنه فور توقيعه على العقد في 29 من مايو سنة 1960 قام بإنشاء كشك لمهندس البلدية ومنشآت أخرى في الجزء الخالي بجوار مواقع العمل وزوده بالنور وعين المهندس والخفراء والملاحظين عملاً بالمادتين 20، 21 من العقد واستخرج بوالص تأمين ضد الحرائق والسرقة لصالح البلدية عملاً بالمادتين 25، 26 من العقد كما قدم استمارتين عن تأمين العمال إحداهما بتاريخ 11 من يوليه سنة 1960 وقد بلغت قيمة الاشتراك بها 23 جنيهاً و982 مليماً وقدم بوليصتي التأمين وقيمتهما 10 جنيهات و227 مليماً كما قدم خطاب ضمان على البنك المصري العربي بمبلغ ألف جنيه وسدد للبنك عمولة عنه قيمتها 35 جنيهاً إلا أنه بجلسة 13 من يونيه سنة 1965 تنازل المدعي عن المطالبة بمرتب المهندس عن المدة السابقة على تاريخ بدء العمل الفعلي في 19 من نوفمبر سنة 1960 وتمسك بباقي المصاريف ومنها مرتب المهندس عن مدة التأخير الثانية وحتى تاريخ تسليم العملية في 28 من ديسمبر سنة 1961. وقد نعت المحافظة المدعى عليها من جانبها على تقرير الخبير أنه في تقديره لفروق أسعار مواد البناء ارتكز على أسعار تقديرية حددها كما تراءى له مقرراً أن أسعار مواد البناء في الصيف أقل منها في الشتاء وحقيقة الحال كما تراها المحافظة أن هذه الأسعار تقل أو ترتفع أو تثبت وفقاً للعرض والطلب هذا فضلاً عن احتمال نزول الأسعار لا ارتفاعها في المدة من 19 من يونيه إلى 19 من نوفمبر سنة 1960. كما نعت المحافظة على تقرير الخبير أنه فارق سعر المتر من الكوبلت حسبما ورد بالعطاء وهو 700 مليم بسعر السوق في ديسمبر سنة 1961 وهو 1 جنيهاً و450 مليماً وكان يجب عليه أن يقارن بين سعري السوق يوم العطاء وكان 1 جنيهاً و400 مليم ويوم التنفيذ في ديسمبر سنة 1961 وكان 1 جنيهاً و450 مليماً وبذلك يكون إجمالي الفروق في سعر هذه الكمية هو مبلغ 63 جنيهاً و562 مليماً فقط وليس 1050 جنيهاً و976 مليماً كما جاء بالتقرير.
ومن حيث إنه بجلسة 12 من ديسمبر سنة 1965 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه وحاصل ما خلص إليه في قضائه له أن المحكمة لا ترى مقنعاً في اعتراضات المحافظة المدعى عليها على تقرير الخبير الذي قدر الأسعار حسب حالة السوق مسترشداً بما قدم إليه من فواتير وبما لديه من خبرة فنية في هذا المجال. وقال الحكم أن الخبير قدر الفروق الناشئة عن ارتفاع أسعار المواد البنائية بمبلغ 505 جنيهاً و994 مليماً وأنها ترى إجابة المدعي إلى طلبه هذا والقضاء له بهذا المبلغ وعن مرتب المهندس والتأمينات وأجور الخفراء عن فترة التأخير الأولى قالت المحكمة أنها لا ترى إجابة المدعي إلى طلبه إذ تنازل عن مرتب المهندس كما ذكر بكتابه في 28 من يونيه سنة 1960 بعدم إمكانه العمل أو التشوين إلا بعد إخلاء موقع العملية مما يقطع بعدم وجود ما يقتضي الأمر خفارته. أما عن التأمينات فرأت المحكمة القضاء له بمبلغ 33 جنيهاً و137 مليماً قيمة القسط الذي سدده عن بوليصتي التأمين ضد الحريق والسرقة واشتراك التأمينات الاجتماعية عن العمال خلال المدة من أول يوليه حتى أول نوفمبر سنة 1960 تنفيذاً لأحكام المادتين 25، 26 من العقد واللتين أوجبتا على المقاول التأمين على عماله قبل التاريخ المحدد للبدء في العمل والتأمين على الأعمال موضوع العقد. وأما عن عناصر التعويض خلال فترة التأخير الثانية فهي متعلقة بأعمال الرصف والمجاري وتتمثل في فروق أسعار الكوبلت التي حددها الخبير بمبلغ 1050 جنيه و976 مليماً وقد أجابت المحكمة المدعي إلى طلبه بشأنها وقضت له بالمبلغ كما حدده تقرير الخبير قائلة في ردها على نعي المحافظة على هذا التقدير أنه يمثل الخسارة التي تحملها في توريد كمية الكوبلت اللازمة للعملية، كما قضت للمدعي بمبلغ 666 جنيهاً هو مرتب المهندس والخفراء كما حددها المدعي عن هذه الفترة الثانية وعلى أساس أن المحافظة المدعى عليها لم تقدم ما يدحض ما قرره المدعي في هذا الشأن في حين أن المدعي قدم الإيصالات الدالة على استلام المهندس فاروق عبد الرحمن الذي اعتمدته المحافظة لمرتبه بواقع 50 جنيهاً شهرياً وأشارت المحكمة في حكمها المطعون فيه على أنه إزاء استمرار المدعي في إنهاء الأعمال الاعتيادية حتى أغسطس سنة 1961 فأنها ترى تحميله بأجور موظفيه حتى هذا التاريخ أي بنسبة 5 أشهر إلى الثمانية أشهر التي يطالب بالأجور عنها وبذلك يكون المدعي مستحقاً للتعويض في هذا الشق من طلباته بنسبة ثلاثة أثمان المبلغ المطالب به والمحدد من جانبه بمبلغ 666 جنيهاً وبذلك يكون استحقاقه هو 249.750 وهو ما يتعين الحكم له به، وعلى مقتضى ما تقدم خلص الحكم المطعون فيه إلى أن جملة المبالغ التي يتعين الحكم بها كتعويض للمدعي عما أصابه من أضرار نتيجة تأخير المحافظة في تسليمه موقع العملية هو 1840 جنيه و451 مليم وقد رفض الحكم الاستجابة لطلب الفوائد عن هذا المبلغ الذي يقضى به كتعويض فلا تسري عليه بعد إلا من تاريخ تحديده وهو تاريخ الحكم به. أما عن طلب رد الغرامة وقدرها 920 جنيه و409 مليم وكانت قد أوقعتها المحافظة بنسبة 1% من ختامي العملية لتأخير المقاول المدعي في إنجاز بعض أعمال المباني فقد استجابت له المحكمة استناداً إلى أنه لم يكن من الممكن الانتفاع بأعمال المباني للغرض المنشأة من أجله إلا بإزالة المهمات والخردة المتراكمة بالأفنية حول المباني وهي الطريق الوحيد للوصول إليها فضلاً عن استحالة هذا الانتفاع من الناحيتين الهندسية والفعلية لعدم إيصال المجاري بالمبنى ولم يقف الحكم المطعون فيه في تبريره القضاء بإلزام المحافظة بأن ترد للمدعي مبلغ الغرامة التي استقطعتها من مستحقاته عند حد هذا السبب المتقدم المتعلق بعدم الانتفاع بل أن الحكم استعرض في أسبابه بعض بنود العقد وخلص منها إلى أنه على مقتضى تلك الأحكام وما دام أن العقد قد حدد موعداً لإتمام الأعمال جميعها فإن البحث في التأخير لا يكون إلا بعد إتمام جميع الأعمال وما دام قد بان أن أحد المواقع اللازمة للتنفيذ قد تأخر تسليمه للمقاول حتى 8 من ديسمبر سنة 1961 وكان الميعاد المحدد لإنهاء جميع الأعمال هو 28 من مارس سنة 1961 ونفذه خلال المدة الممنوحة له، فإن ميعاد التسليم كله يكون قد امتد إلى نهاية المدة التي منحت له أخيراً، ولم يثبت أن المدعي تأخر في تنفيذ شيء من الأعمال بعد هذا التاريخ (وهو ثلاثون يوماً تحسب من يوم 8 من ديسمبر سنة 1961) بل ثبت أنه سلم العمل جميعه في 28 من ديسمبر سنة 1961، ومن ثم فلا يعتبر المدعي متأخراً في التنفيذ وبالتالي يكون توقيع الغرامة عليه إجراء مخالفاً للقانون وعلى غير أساس سليم ويتعين لذلك الحكم للمدعي باسترداد قيمة الغرامة التي خصمت من مستحقاته وقدرها 920 جنيهاً و409 مليماً ولا يغير من هذا النظر أن المدعي تأخر في تنفيذ بعض أعمال المباني بعد يوم 28 من مارس سنة 1961 التاريخ المحدد لإنهاء الأعمال ما دام أن جهة الإدارة منحته مدة إضافية تنتهي في آخر ديسمبر سنة 1961 لإتمام العمل على الموقع الذي تأخرت في تسليمه إليه وكان الاتفاق على تنفيذ الأعمال جميعها كوحدة كاملة ولم تقسم إلى مراحل في التنفيذ بمذكرة مراقبة المباني بالمحافظة والتي ورد بها أنه وإن كان المدعي تأخر في بعض الأعمال الخاصة بالمباني إلا أنه أنهى أعمال المجاري والرصف في حدود المدة المعطاة له بدون تأخير وقالت تلك المذكرة حرفياً كما نقل عنها الحكم المطعون فيه "وأنه لا يمكن في هذه الحالة الانتفاع بأعمال المباني بسبب وجود المهمات والخردة التي كانت متراكمة بالأفنية حول المباني وهي الطريق الوحيد للوصول إليها فلا يمكن الاستفادة واستعمال المباني للغرض المنشأة من أجله إلا بإزالتها وهو ما حدث فعلاً ولم يكن المقاول متسبباً في ذلك" وقد ألزم الحكم المطعون فيه المحافظة بفوائد مبلغ الغرامة المحكوم بردها باعتباره مبلغاً معلوم المقدار وقت المطالبة به. ولهذه الأسباب المتقدم إيضاحها انتهى الحكم المطعون فيه إلى الحكم أولاً: بإلزام المدعى عليها (محافظة الإسكندرية) بأن تدفع إلى المدعي (زكريا لطفي) 1840 جنيهاً و451 مليماً والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 4% سنوياً من تاريخ الحكم وحتى تمام السداد والمصاريف المناسبة ورفض ما عدا ذلك من طلبات.
ثانياً: بإلزام المدعى عليها (محافظة الإسكندرية) بأن تدفع إلى المدعي (زكريا لطفي) مبلغ 920 جنيهاً و409 مليماً والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية به الحاصلة في 15 من إبريل سنة 1962 حتى تمام السداد والمصاريف.
ثالثاً: بإلزام المدعى عليها (محافظة الإسكندرية) بأن تدفع إلى المدعي (زكريا لطفي) مبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن كل واحد من طرفي الدعوى رجع في طعنه إلى ترديد طلباته التي سبق له عرضها على محكمة القضاء الإداري قبل إصدارها الحكم المطعون فيه وهو الطلبات التي لم يستجب لها ذلك الحكم على التفصيل وللأسباب السابق ذكرها والتي تأخذ بها هذه المحكمة في جملتها وتفصيلها لصحتها من ناحية الواقع أو الفكر القانوني الذي قامت عليه وذلك باستثناء ما تضمنه قضاء ذلك الحكم في شأن فرق أسعار مادة الكوبلت المستعملة في الرصف، ذلك أن الحكم المطعون فيه قد قضى بإلزام المحافظة المدعى عليها بأن تدفع للمدعي فروق الأسعار بالنسبة لهذه المادة بين السعر الوارد بعطاء المدعي عند التعاقد وسعر هذه المادة بالسوق عند التنفيذ الفعلي لعملية الرصف في شهر ديسمبر سنة 1961 وذلك على الرغم مما ثبت من مناقشة الخبير بجلسة 13 من مايو سنة 1965 من أن سعر هذه المادة بالسوق الحرة وقت التعاقد كان 1 جنيهاً و400 مليم للمتر المربع ولم يكن 700 مليم وكما حدده المدعي في عطائه وإذ قال المدعي أنه كان يزمع التعاقد على شراء كمية الكوبلت اللازمة لعملية الرصف موضوع التعاقد مع المحافظة بالسعر الذي حدده في عطائه وأن تراخي المحافظة في تسليمه الموقع لبضعة شهور حتى يتم إخلاؤه طرفه عن إتمام هذه الصفقة فإنه فضلاً عن أنه لم يقدم الدليل المؤيد بصحة هذه الواقعة فأنه أي المتعاقد وقد ارتضى في تعاقده مع البلدية على حساب هذه المادة على أساس سعر المتر المربع 700 مليم بينما كان سعرها في السوق الحرة وقتئذ 1 جنيهاً و400 مليم لا يسوغ له بعد ذلك أن يرجع على المحافظة المدعى عليها إلا بالفروق التي تتمثل في زيادة سعر هذه المادة وقت تنفيذ عملية الرصف في ديسمبر سنة 1961 عن سعرها السوقي فعلاً وقت التعاقد أي أن حق المقاول المدعي في التعويض في هذا الشق من دعواه يتحدد بحسب الزيادة في سعر السوق لهذه المادة في ديسمبر سنة 1961 عن سعرها بالسوق وقت التعاقد وهذا المبلغ كما حددته المحافظة 63 جنيهاً و562 مليماً لأن هبوط المدعي بسعر هذه المادة في عطائه إلى نصف ثمنها السوقي أمر تم تعاقده في شأنه ولا يسوغ له أن يتخذ من تراخي جهة الإدارة ذريعة يتحلل بها من التزامه كما حدده على هذا النحو ويكون حقه في التعويض قاصراً على تغطية الزيادة في الأسعار السوقية الجارية فعلاً بين يوم التنفيذ الأول الذي تأجل ويوم التنفيذ الفعلي للعقد إذ بين هذين الحدين يتمثل الضرر المباشر الناتج عن تأخير جهة الإدارة في تسليم موقع العمل فلا يجاوزه لتغطية ما كان قد قبله المقاول من نقص في تحديد ثمن الكمية اللازمة للعملية من هذه المادة عن سعرها في السوق عند التعاقد.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالطعن المقدم من محافظة الإسكندرية المدعى عليها فإنه لا حجاج فيما تقوله من أن مجرد التعديل في تاريخ بدء العمل وجعله اعتباراً من 19 من نوفمبر سنة 1960 بدلاً من 19 من يونيه سنة 1960 وفقاً لأمر التشغيل الأول الصادر في 11 من يونيه سنة 1960 لا يشكل في حد ذاته خطأ من جانب الإدارة يرتب مسئوليتها العقدية لأن شروط العطاء وشروط العقد لم تتضمن تحديد تاريخ البدء في العمل إنما حددا لإنهاء العمل بأكمله أربعة شهور من تاريخ صدور الأمر الكتابي بالبدء فيه لا حجاج في ذلك القول ذلك أن المادة 43 من شروط العقد تنص على أن "البلدية تحتفظ لنفسها الحق في إيقاف الأعمال مؤقتاً لمدة لا تتجاوز الأربعة أشهر، ويحسب التعويض للمقاول على أساس عشرة في المائة من قيمة الأعمال الباقية تحت الإنجاز وفقاً لبرنامج تنفيذ الأعمال وذلك بنسبة مدة الإيقاف إلى مدة العملية كلها، ويدخل في هذا التعويض فرق أجور الأيدي العاملة وأسعار المهمات وعمولة البنوك ومرتب المهندس أو أي مصاريف أخرى كما تدفع للمقاول نفقات الخفارة والإنارة عملاً بتعليمات المهندس التي يصير تبليغها إليه. "وإذ كان الثابت من نص تلك المادة أنه إذا أوقفت البلدية الأعمال لمدة لا تجاوز الأربعة أشهر استحق المقاول عن هذا الإيقاف المؤقت التعويض محسوباً على الأسس التي فصلتها تلك المادة، فإنه لا شك يستحق تعويضاً إن لم يكن في نطاق تلك المادة فيكون سنده القواعد العامة طالما كان الثابت أن البلدية أوقفت الأعمال مدة جاوزت الأربعة أشهر وبلغت الخمسة في المرحلة الأولى من مراحل الإيقاف التي بدأت من 19 من يونيه سنة 1960 وهو الميعاد الذي تحدد في أمر التشغيل الأول الصادر في 11 من يونيه سنة 1960 واستمرت حتى يوم 19 من نوفمبر إلا أنه في 26 من فبراير سنة 1961 منح المقاول المدعي عشرة أيام إضافية لتنفيذ الأمر الصادر إليه في ذلك اليوم بتنفيذ أعمال إضافية، بل إن المدعي كان في 3 من يناير سنة 1961 قد كتب للبلدية مقرراً لها أنه توقف منذ مدة عن العمل في الجزء الخاص بورش الدبابات ومبنى غسيل السيارات ومخزن الزيوت انتظاراً لعمل التعديلات المطلوبة وأنه لم يتمكن من العمل في أعمال الرصف في المجاري لأن الأحداث المطلوب رصفها مشغولة جميعها بالزهر والخردة والهراسات التالفة وخلافه وطلب تلافي ذلك واحتفظ بحقه في طلب مدة إضافية وفي الرجوع على البلدية بالمصاريف الإضافية والتعويض اللازم وقد ألحق المقاول المدعي كتابه المتقدم بكتاب آخر في 30 من يناير سنة 1961 تضمن ذات المعنى وثبت فعلاً وجود مهمات بالفناء المزمع رصفه بمكعبات البازلت بعد عمل المجاري واستمرت المراسلات والنقل الجزئي للمهمات حتى 10 من ديسمبر سنة 1961 حين أفادت الورش بأنها قامت بنقل جميع المهمات الموجودة بالفناء وأصبح خالياً من يوم 8 من ديسمبر سنة 1960 وليس من شك في أن أي تأخير في تنفيذ العملية يعتبر خطأ عقدياً يستوجب المسئولية إذا ترتب الضرر وقامت علاقة السببية المباشرة بينه والخطأ العقدي المنوه عنه، وذلك أنه وقد حرصت المادة 43 من العقد بوجوب تعويض اتفاقي بإلغاء ما بلغت فترة التوقف عن التنفيذ إذا كان ذلك بناء على طلب البلدية التي يسوغ لها الحق في إيقاف الأعمال لمدة أربعة أشهر مع التزامها بالتعويض الاتفاقي عن هذا التوقف فإن مفهوم أحكام هذا العقد أن أي توقف يجاوز هذه المدة يعتبر خطأ عقدياً ويرتب مسئولية التعويض الكاملة وفقاً للقواعد العامة للمسئولية وليس من شك كذلك في أن كافة عناصر التعويض التي عول عليها الحكم المطعون فيه في قضائه بالتعويض تعتبر من قبيل الأضرار المرتبطة بعلاقة سببية مباشرة مع ذلك الخطأ العقدي وهي أضرار كانت متوقعة الحدوث عند التعاقد بدليل أن المادة 43 من شروط العقد جعلتها عناصر للتعويض الاتفاقي في حالة التوقف المؤقت للأعمال، كما أنه من السرد المقدم لواقعات تنفيذ العملية تقطع في عدم صحة ما تذهب إليه المحافظة في طعنها بشأن أحقيتها في خصم غرامة التأخير وعدم استحقاق المدعي لاستردادها إذ أن العملية كانت وحدة واحدة وأن المدعي لم يتجاوز في تنفيذه لها مدة الأربعة أشهر المتفق على إتمامها خلالها إذ يتعين استبعاد فترات التوقف الناشئ عن عدم إخلاء البلدية لمواقع العملية وتسليمه مطهراً للمدعي.
ومن حيث إنه لما تقدم من أسباب يتعين الحكم بقبول الطعنين شكلاً وفي الموضوع برفض الطعن رقم 815 لسنة 12 القضائية المقدم من المدعي وإلزامه بمصاريفه وبالنسبة إلى الطعن رقم 462 لسنة 12 القضائية بتعديل الحكم المطعون فيه في الشق أولاً منه والاكتفاء بإلزام محافظة الإسكندرية المدعى عليها في خصوص هذا الشق من الدعوى المرتبط بطلب التعويض بأن تدفع إلى المدعي (زكريا لطفي) مبلغ (1840 جنيهاً و451 مليماً) - "1050 جنيهاً و976 مليماً - 63 جنيهاً و563 مليماً - 853 جنيهاً و37 مليماً والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 4% سنوياً من تاريخ الحكم وحتى تمام الوفاء مع إلزام محافظة الإسكندرية بثلثي مصروفات الدعوى ومصروفات هذا الطعن ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات، مع الإبقاء على ما تضمنه الحكم المطعون فيه في ثانياً وثالثاً منه".

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعنين المضمومين شكلاً وفي موضوعهما أولاً: برفض الطعن رقم 815 لسنة 12 القضائية المقدم من المدعي وألزمته بمصروفاته ثانياً: بالنسبة إلى الطعن رقم 462 لسنة 12 القضائية المقدم من الحكومة، بتعديل الحكم المطعون فيه فيما قضى به في البند أولاً منه، إلزام محافظة الإسكندرية بأن تدفع للمدعي مبلغ 1840 جنيهاً و451 مليماً، وألزمتها بأن تدفع له مبلغ 853 جنيهاً و37 مليماً (مبلغ ثماني مائة وثلاثة وخمسين جنيهاً وسبعة وثلاثين مليماً) والفوائد بواقع 4% أربعة في المائة سنوياً من تاريخ الحكم المطعون فيه حتى تمام الوفاء، ورفضت الطعن فيما عدا ذلك، وألزمت محافظة الإسكندرية بثلثي المصروفات.