مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1971 إلى آخر سبتمبر سنة 1971) - صـ 351

(52)
جلسة 26 من يونيه سنة 1971

برئاسة السيد الأستاذ يوسف إبراهيم الشناوي - رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة: محمد عبد العزيز يوسف ومحمد صلاح الدين السعيد وعلي لبيب حسن وأحمد حسن العتيق - المستشارين.

القضية رقم 1774 لسنة 14 القضائية

موظف - التعهد بالعمل المدة المحددة بالتعهد - انقطاع الموظف عن العمل دون عذر مقبول أكثر من المدة القانونية مما يترتب عليه اعتباره مستقيلاً يتحقق معه ركن الخطأ المستوجب للمسئولية - ولا يدرأ مسئولية الإخلال بالتعهد عرض الرغبة من جديد في العودة إلى العمل الذي استقال منه - أساس ذلك.
إنه ثابت من الأوراق أن المطعون عليها الأولى قد انقطعت عن العمل بدون عذر مقبول أكثر من المدة القانونية مما حدا بالجامعة إلى فصلها قبل انتهاء مدة الخمس سنوات المحددة بالتعهد، الأمر الذي يبين منه قيام ركن الخطأ في جانبها المستوجب لمسئوليتها ولما كان التعهد المأخوذ على المذكورة يلزمها بالاستمرار بالعمل في وظيفة مساعدة ممرضة بمستشفيات جامعة القاهرة لمدة الخمس سنوات سالفة الذكر، فإن التزامها برد نفقات تعليمها يتحقق بمجرد إخلالها بالتعهد الموقع عليه منها، ومن ثم فإنها تكون ملزمة هي وولي أمرها بطريق التضامن برد جميع المبالغ والنفقات التي أنفقت عليها أثناء مدة دراستها.
ومن حيث إنه قد تبين مما تقدم أن الإخلال بالتعهد قد وقع من جانب المطعون ضدها الأولى وبإرادتها وحدها، فمن ثم فلا يدرأ عنها مسئولية هذا الإخلال أن تعرض رغبتها من جديد في العودة إلى العمل الذي استقالت منه، لأن تلك الرغبة لم تصادف قبولاً من جهة الإدارة كما أن إعادة إلحاق المطعون ضدها بالعمل إنما هو أمر تترخص فيه جهة الإدارة وفقاً لما تراه محققاً للمصلحة العامة بما لا معقب عليها في هذا الشأن.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعى عليها الأولى كانت قد التحقت بمدرسة مساعدات الممرضات وتعهدت بأن تعمل في وظيفة مساعدة ممرضة بمستشفيات جامعة القاهرة خمس سنوات على الأقل بعد حصولها على شهادة مساعدة ممرضة، فإذ أخلت بهذا التعهد تكون ملزمة مع ولي أمرها المدعى عليه الثاني بطريق التضامن برد جميع المبالغ التي صرفت عليها والنفقات التي تكلفتها المستشفيات أثناء فترة دراستها تطبيقاً للمادة 25 من لائحة المدرسة - وأنها لما كانت قد أخلت بهذا التعهد، إذ أنها بعد أن عينت مساعدة ممرضة بمستشفيات جامعة القاهرة اعتباراً من 7 من أغسطس سنة 1963 انقطعت عن العمل فصدر قرار بفصلها في 2 من يناير سنة 1965 اعتباراً من تاريخ انقطاعها عن العمل في 9 من ديسمبر سنة 1964، فإنها تكون ملزمة بسداد قيمة المصروفات التي أنفقتها الجامعة عليها وقدرها 74 جنيهاً و769 مليماً وذلك بطريق التضامن مع المدعى عليه الثاني وفقاً للتعهد المأخوذ عليهما.
وبجلسة 19 من مايو سنة 1968 قضت المحكمة برفض الدعوى وألزمت جامعة القاهرة بالمصروفات وأقامت المحكمة قضاءها على أساس أن المدعى عليها الأولى عندما طالبتها الجامعة بسداد هذه النفقات تقدمت بطلب مؤرخ في 10 من مايو سنة 1965 تلتمس فيه إعادتها للعمل لأن حالتها المادية لا تسمح بدفع المبلغ المطلوب، ولكن مدير عام المستشفيات رفض هذا الطلب رغم أن لجنة شئون العاملين بمستشفيات الجامعة كانت قد وافقت على إعادة تعيينها، وقالت المحكمة في حكمها إن التنفيذ العيني وإن كان هو الأصل بصفة عامة، إلا أن تنفيذ الالتزام الذي يكون محله قيام المديرين بعمل معين قهراً يكون غير منتج أو غير ممكن ومن ثم يتحول حق الدائن إلى الالتزام البدلي، ومحله دفع مبلغ من النقود وتنفيذه ممكن وجائز في أي وقت، وأنه ينبني على ذلك أنه متى كان تنفيذ الالتزام الأصلي ممكناً وجائزاً، فإنه لا يجوز للدائن أن يتمسك بتنفيذ الالتزام الاحتياطي الذي لا يقوم إلا في حالة عدم إمكان الوفاء بالالتزام الأصلي عملاً بمبدأ ضرورة تنفيذ العقود بحسن نية - وخلصت المحكمة من ذلك إلى أنه متى كانت المدعى عليها الأولى لا تمانع في تنفيذ التزامها عيناً، إذ طلبت إعادة تعيينها في وظيفتها مما يثبت إمكان تنفيذ الالتزام الأصلي عيناً بإرادة المدين، فإن طلب تنفيذ الالتزام الاحتياطي، الذي لا يقوم إلا في حالة عدم إمكان تنفيذ الالتزام الأصلي، ويكون غير قائم على أساس سليم من القانون مما يتعين رفضه، وانتهى الحكم إلى أن المدعى عليها الأولى لم تخل بالتعهد المأخوذ عليها، إذ كان يتعين على الجامعة الاستجابة لطلبها وإعادة تعيينها، مما يؤدي إلى عدم مسئوليتها، ومن ثم قضت المحكمة برفض دعوى الجامعة وإلزامها بالمصروفات.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله، لأنه يتعارض مع القواعد العامة في المسئولية العقدية، ذلك أن التعهد المأخوذ على المذكورة يلزمها بالاستمرار في العمل في وظيفة مساعدة ممرضة لمدة خمس سنوات التالية مباشرة لتخرجها، وأن التزامها برد نفقات تعليمها يتحقق بمجرد إخلالها بالتعهد، أي بمجرد عدم قيامها أو انقطاعها عن العمل أكثر من المدة القانونية، لأن العقد شريعة المتعاقدين، وأنه يجب تنفيذه طبقاً لما اشتمل عليه، وبطريقة تتفق مع ما توجبه حسن النية في المعاملات، فإذا استحال على المدين تنفيذ التزامه عيناً حُكم عليه بالتعويض ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ قد تنشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه، وأنه متى كان ثابتاً أن المذكورة قد انقطعت عن العمل بدون عذر مقبول أكثر من المدة القانونية مما حدا بالجامعة إلى فصلها قبل انتهاء مدة الخمس سنوات المحددة في التعهد مما يقيم في جانبها ركن الخطأ المستوجب لمسئوليتها، ولا يعفيها من هذه المسئولية إلا إذا كان عدم استمرارها في العمل راجعاً إلى سبب أجنبي، وأن مجرد عدم وفاء المدينة بالتزامها أو تأخرها في الوفاء به يعتبر في حد ذاته خطأ يكفي لمساءلتها عما تقوم به، بل يقوم ركن الخطأ بمجرد الإخلال بأي قدر التزمت به - وذهبت الطاعنة في طعنها إلى أن عدم قيام الجامعة بإعادة تعيين المذكورة لا يرقى إلى مرتبة السبب الأجنبي المعفي من المسئولية لأن ملء الوظائف الشاغرة مرتبط بظروف الميزانية واحتياجات المستشفيات الفعلية لمساعدات الممرضات وهو أمر متروك أمره للجهة الإدارية باعتبارها المسئولة عن حسن سير المرافق العامة، تترخص فيها بسلطتها التقديرية بلا معقب عليها إلا في أحوال إساءة استعمال السلطة - وانتهت الطاعنة إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به برفض الدعوى والحكم بإلزام المطعون ضدهما متضامنتين بأن يدفعا لها مبلغ 74 جنيهاً و769 مليماً والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
ومن حيث إنه ثابت من الأوراق أن المطعون عليها الأولى قد انقطعت عن العمل بدون عذر مقبول أكثر من المدة القانونية مما حدا بالجامعة إلى فصلها قبل انتهاء مدة الخمس سنوات المحددة بالتعهد، الأمر الذي يبين منه قيام ركن الخطأ في جانبها المستوجب لمسئوليتها ولما كان التعهد المأخوذ على المذكورة يلزمها بالاستمرار في العمل في وظيفة مساعدة ممرضة بمستشفيات جامعة القاهرة لمدة الخمس سنوات سالفة الذكر، فإن التزامها برد نفقات تعليمها يتحقق بمجرد إخلالها بالتعهد الموقع عليه منها، ومن ثم فإنها تكون ملزمة هي وولي أمرها بطريق التضامن برد جميع المبالغ والنفقات التي أنفقت عليها أثناء مدة درستها.
ومن حيث إنه قد تبين مما تقدم أن الإخلال بالتعهد قد وقع من جانب المطعون ضدها الأولى وبإرادتها وحدها، فمن ثم فلا يدرأ عنها مسئولية هذا الإخلال أن تعرض رغبتها من جديد في العودة إلى العمل الذي استقالت منه، لأن تلك الرغبة لم تصادف قبولاً من جهة الإدارة كما أن إعادة إلحاق المطعون ضدها بالعمل إنما هو أمر تترخص فيه جهة الإدارة وفقاً لما تراه محققاً للمصلحة العامة بما لا معقب عليها في هذا الشأن.
ومن حيث إنه لذلك فإنه يتعين الحكم برد المبالغ التي أنفقت عليها كما يتعين إلزام ولي أمرها بطريق التضامن معها بسداد هذا المبلغ وفقاً للتعهد المأخوذ عليهما، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بغير ذلك فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ومن ثم يتعين القضاء بإلغائه وإلزام المطعون ضدهما بأن يدفعا للجامعة متضامنين النفقات الدراسية المذكورة وقدرها 74 جنيهاً و769 مليماً مع الفوائد القانونية والمصاريف.
ومن حيث إن المبلغ المطالب به معلوم وقت الطلب، ومن ثم فإنه تستحق عنه للمحافظة المدعية فوائد تأخيرية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى تاريخ الوفاء.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام المطعون ضدهما متضامنين بأن يدفعا إلى جامعة القاهرة مبلغ أربعة وسبعين جنيهاً وسبعمائة وتسعة وستين مليماً وفوائده بواقع 4% (أربعة في المائة) سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 26 من ديسمبر سنة 1966 حتى السداد وبالمصروفات.