أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 19 - صـ 358

جلسة 25 من مارس سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، وحسين سامح، ومحمود العمراوي.

(67)
الطعن رقم 245 لسنة 38 القضائية

(أ، ب) تزوير. "التزوير في الأوراق الرسمية" جريمة. "أركان الجريمة". قصد جنائي. ضرر. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
( أ ) عدم التزام الحكم بالتحدث استقلالاً عن القصد الجنائي في جريمة التزوير، ما دام أن ما أورده في بيانه لواقعة الدعوى وفي رده على دفاع الطاعن ما يتحقق به توافره.
(ب) مجرد تغيير الحقيقة بطريق الغش في الأوراق الرسمية بالوسائل التي نص عليها القانون تتحقق به جريمة التزوير فيها.
(ج) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي. غير لازم.
1 - إذا كان ما أورده الحكم في بيانه لواقعة الدعوى وفي رده على دفاع الطاعن يتحقق به توافر القصد الجنائي في جريمة التزوير من تعمد تغيير الحقيقة في المحرر تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً وبنية استعمال المحرر فيما غيرت من أجله الحقيقة فيه، فإنه لا يكون ملزماً من بعد بالتحدث عنه استقلالاً.
2 - جريمة التزوير في الأوراق الرسمية بمجرد تغيير الحقيقة بطريق الغش بالوسائل التي نص عليها القانون ولو لم يتحقق عنه ضرر يلحق شخصاً بعينه لأن هذا التغيير ينتج عنه حتماً حصول ضرر بالمصلحة العامة لما يترتب عليه من عبث بالورقة الرسمية ينال من قيمتها وحجيتها في نظر الجمهور.
3 - محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في كل جزئية يثيرها في مناحي دفاعه الموضوعى ، إذ في اطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها ما يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها المتهم لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها إياها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من الطاعنين وآخرين بأنهم في خلال شهر أغسطس سنة 1962 بدائرة مركز البلينا محافظة سوهاج: (أولاً) المتهمين الأربعة: ارتكبوا تزويراً في محرر رسمي هو طلب الإعفاء من الخدمة العسكرية والوطنية أو تأجيلها لأسباب عائلية "نموذج 1 تجنيد" وكان ذلك بطريقة الاصطناع بأن استحصل المتهم الأول على هذا النموذج وملأ بياناته مثبتاً به على خلاف الحقيقة أنه وحيد والده المتوفى ثم قدمه للمتهمين الثاني والثالث فوقعا عليه بإمضاءات مزورة نسباها زوراً إلى الموظفين المختصين بمراجعة صحة بيانات الطلب بمركز شرطة البلينا ثم وضع عليه البصمة الصحيحة لخاتم شعار الجمهورية الخاص بجهة الإدارة المشار إليها حتى يسبغ على المحرر صفته الرسمية زوراً. (ثانياً) المتهم الأول: - استعمل المحرر المزور آنف الذكر مع علمه بتزويره بأن قدمه إلى منطقة تجنيد منقباد بقصد الحصول على إعفاء نهائي من الخدمة العسكرية والوطنية. (ثالثاً) المتهم الرابع: استحصل بغير حق على خاتم حقيقي لإحدى المصالح الحكومية هو خاتم شعار الجمهورية الخاص بمركز شرطة البلينا واستعمله استعمالاً ضاراً بمصلحة عامة بأن ختم به على المحرر سالف الذكر. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للمواد 211 و212 و214 و207 من قانون العقوبات. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات سوهاج عدلت وصف التهمة إلى أن (أولاً) المتهمين الأربعة ارتكبوا تزويراً في محرر رسمي هو طلب الإعفاء من الخدمة العسكرية والوطنية أو تأجيلها لأسباب عائلية "نموذج 1 تجنيد" وكان ذلك بطريق الاصطناع بأن استحصل المتهم الأول على النموذج وملأ بياناته مثبتاً به خلاف الحقيقة أنه وحيد والده المتوفى ثم قدمه للمتهمين الثاني والثالث فوقعا عليه بتوقيعهما بما يفيد صحة هذا البيان رغم علمهما بتزويره وقام المتهم الرابع بوضع إمضاءات مزورة نسبها زوراً إلى الموظفين المختصين بمراجعة صحة بيانات الطلب بمركز شرطة البلينا. (ثانياً) المتهم الأول استعمل المحرر المزور آنف الذكر مع علمه بتزويره بأن قدمه إلى منطقة تجنيد منقباد وبقصد الحصول على إعفاء نهائي من الخدمة العسكرية والوطنية عملاً بالمواد 211 و212 و214 و17 و30/ 1 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الأربعة والمادة 32/ 2 من القانون ذاته بالنسبة إلى المتهم الأول والمادتين 55 و56 بالنسبة إلى المتهمين الثاني والثالث والمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى التهمة الأخيرة المسندة إلى المتهم الرابع غيابياً للأول وحضورياً للباقين (أولاً) بمعاقبة المتهم الأول بالحبس مع الشغل مدة سنة واحدة عما نسب إليه. (ثانياً) بمعاقبة كل من المتهمين الثاني والثالث بالحبس مع الشغل مدة ستة أشهر وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات تبدأ من يوم صدور الحكم. (ثالثاً) بمعاقبة المتهم الرابع بالحبس مع الشغل مدة ستة أشهر عن التهمة الأولى وببراءته من التهمة المسندة إليه مع مصادرة الورقة المزورة موضوع الاتهام. فطعن المحكوم عليه الثالث في هذا الحكم بطريق النقض وقدم المحامي عنه تقريراً بالأسباب في الميعاد موقعاً عليه منه. كما طعن المحكوم عليه الرابع في هذا الحكم بطريق النقض ولكنه لم يقدم أسباباً لطعنه في الميعاد.


المحكمة

بعد تلاوة التقرير وسماع المرافعة والاطلاع على الأوراق والمداولة.
من حيث إن الطاعن الثاني...... وإن قرر بالطعن بالنقض في الميعاد القانوني، إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه ومن ثم يكون طعنه غير مقبول شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الأول قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن الطاعن المذكور ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة التزوير في محرر رسمي، قد أخطأ في القانون وشابه قصور في التسبيب، ذلك بأنه اعتبر مجرد تغيير الحقيقة في المحرر كافياً لتوافر الجريمة دون أن يدلل على قيام القصد الجنائي لدى الطاعن من علمه بتغيير الحقيقة بنية استعمال المحرر. هذا إلى أنه أطرح دفاعه بأنه وقع على المحرر وهو يجهل ما به من بيان مزور استناداً من الحكم إلى أنه دفاع لم يقم عليه دليل في حين أنه كان من المتعين على الحكم أن يقيم الدليل اليقيني على تعمد الطاعن تغيير الحقيقة في المحرر الذي وقع عليه. ومن ناحية أخرى، فإن ركن الضرر غير قائم لتوافر موجب إعفاء المتهم الأول في الدعوى من التجنيد لكونه وحيد والدته الأرملة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مجمله أن الطاعن - مع باقي المتهمين - عمدوا إلى تغيير الحقيقة في محرر رسمي هو النموذج رقم واحد تجنيد الخاص بطلب إعفاء المتهم الأول في الدعوى من التجنيد بأن أثبتوا به على خلاف الحقيقة أنه وحيد والده المتوفى في حين أن له أخاً لأب يدعى... وأن الطاعن بصفته شيخ بلدة المتهم الأول طالب الإعفاء وقع بإمضائه على الإقرار المحرر بهذا النموذج بأنه على علم تام بأفراد أسرته وأن البيانات الثابتة بالمحرر تتضمن جميع أفراد تلك الأسرة دون أن يغفل أحد منهم ثم تقدم المتهم الأول بهذا الطلب المزور لمنطقة التجنيد للوصول إلى إعفائه من الجندية إعفاء نهائياً. وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة في حق الطاعن ما ينتجه من وجوه الأدلة المستمدة من أقوال المتهمين وشهادة الشهود وتقرير قسم بحوث التزوير والتزييف، وعرض الحكم بعد ذلك إلى دفاع الطاعن المؤسس على أنه وقع على الطلب بحسن نية وباعتبار الطالب وحيد والدته وليس وحيد والده وأنه يعلم أن له أخاً لأب يدعى... وفند هذا الدفاع ورد عليه بقوله "وحيث إن المحكمة لا تقبل دفاع المتهم الثالث الطاعن - بأنه وقع على الطلب باعتبار أن الثابت به أن المتهم الأول طالب الإعفاء - وحيد والدته وأن هذا الاعتبار يؤدي إلى إعفائه نهائياً من الخدمة العسكرية كما لو كان وحيد والده، إذ لم يقم دليل على صحة دفاعه بأنه لم يكن يعلم مضمون الطلب عندما وقع عليه خاصة وأنه لم يدع الجهل بالقراءة والكتابة ووقع بإمضائه أما جهله بأن القانون يفرق بين وحيد الوالد ووحيد الوالدة في الإعفاء من الخدمة فهو عذر لا يعفيه من العقاب". لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم في بيانه لواقعة الدعوى وفي رده على دفاع الطاعن يتحقق به توافر القصد الجنائي في جريمة التزوير من تعمد تغيير الحقيقة تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً وبنية استعمال المحرر فيما غيرت من أجله الحقيقة فيه، ولم يكن الحكم ملزماً من بعد بالتحدث عنه استقلالاً. لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في كل جزئية يثيرها في مناحي دفاعه الموضوعي، إذ في اطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها ما يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها المتهم لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها إياها. لما كان ذلك، وكانت جريمة التزوير في الأوراق الرسمية تتحقق بمجرد تغيير الحقيقة بطريق الغش بالوسائل التي نص عليها القانون في الأوراق الرسمية ولو لم يتحقق عنه ضرر يلحق شخصاً بعينه لأن هذا التغيير ينتج عنه حتماً حصول ضرر بالمصلحة العامة لما يترتب عليه من عبث بالورقة الرسمية ينال من قيمتها وحجيتها في نظر الجمهور. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .