أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 19 - صـ 371

جلسة 25 من مارس سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، وحسين سامح، ومحمود عطيفه.

(71)
الطعن رقم 331 لسنة 38 القضائية

(أ، ب) استيقاف. قبض. تفتيش. رجال السلطة العامة. مأمورو الضبط القضائي. إثبات. "إثبات بوجه عام". "اعتراف". مواد مخدرة.
( أ ) وضع الشخص نفسه موضع الريب والظن بما يستلزم ضرورة كشف حقيقة أمره. إباحته لرجل السلطة استيقاف هذا الشخص.
(ب) إقرار المتهم لرجل السلطة إثر استيقافه أنه يحرز مخدراً. حق رجل السلطة في اقتياده إلى أقرب مأمور ضبط لاستيضاحه في هذا الشأن. المادة 38 إجراءات.
مبادرة المتهم عند مواجهة الضابط له باعترافه لرجل السلطة بإحرازه مخدراً بأنه غير مسئول عما يوجد في جيب جلبابه الخارجي، ينبئ بقيام دلائل كافية على اتهامه بجريمة إحرازه المخدر. حق الضابط في القبض عليه وتفتيشه. المادتان 34، 46 إجراءات.
(ج) مواد مخدرة. عقوبة. "الإعفاء منها". موانع العقاب.
شروط الإعفاء المنصوص عليه في المادة 48 من القانون 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها؟
1 - الاستيقاف أمر مباح لرجال السلطة العامة إذا ما وضع الشخص نفسه طواعية واختياراً في موضع الريب والظن وكان هذا الوضع ينبئ عن ضرورة تستلزم تدخل المستوقف للتحري والكشف عن حقيقته عملاً بحكم المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية.
2 - إذا كان المتهم قد أقر على إثر استيقافه بأنه يحرز مخدراً، جاز لرجل السلطة العامة عملاً بحكم المادة 38 من قانون الإجراءات الجنائية، اقتياده إلى أقرب مأمور من مأموري الضبط القضائي للحصول منه على الإيضاحات اللازمة في شأن تلك الواقعة والتثبت من صحة ذلك الإقرار، وكان المتهم عند مواجهة الضابط له بأقوال رجلي السلطة العامة من أنه اعترف لهما بإحرازه مخدراً قد بادر إلى القول بأنه غير مسئول عما يوجد في جيب جلبابه الخارجي وهو ما ينبئ - في خصوص الدعوى المطروحة - بقيام دلائل كافية على اتهامه بجريمة إحراز مخدر، فإن لمأمور الضبط القضائي القبض عليه وتفتيشه طبقاً لأحكام المادتين 34 و46 من قانون الإجراءات الجنائية.
3 - إن مجرد اعتراف الجاني على نفسه بارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها، قبل علم السلطات بها، لا يتوافر به وحده موجب الإعفاء، لأن مناط الإعفاء الذي تتحقق به حكمة التشريع هو تعدد الجناة المساهمين في الجريمة فاعلين كانوا أو شركاء وورود الإبلاغ على غير المبلغ، فضلاً عن أن الإعفاء الوارد بالمادة المذكورة قاصر على العقوبات الواردة بالمواد 33 و34 و35 من القانون المار ذكره.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 3 من يناير سنة 1965 بدائرة قسم الأزبكية محافظة القاهرة: حاز بقصد الاتجار جوهراً مخدراً "حشيشاً" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 1 و2 و34/ 1 - أ و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبند رقم 12 من الجدول رقم 1 الملحق به. فقرر بذلك ومحكمة جنايات القاهرة عدلت وصف التهمة إلى الإحراز بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي وقضت حضورياً عملاً بالمواد 1 و2 و37 و38 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبند رقم 12 من الجدول رقم 1 الملحق مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس سنة واحدة مع الشغل وتغريمه خمسمائة جنيه ومصادرة الجوهر المخدر المضبوط. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إحراز جوهر مخدر قد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه أطرح الدفع ببطلان القبض على الطاعن وتفتيشه استناداً إلى أن من حق رجلي الشرطة استيقافه لاستيضاحه عن هويته واقتياده إلى مأمور الضبط القضائي بعد أن اعترف لهما بأنه يحمل مخدراً مما يجعل الجريمة في حالة تلبس ويبيح لمأمور الضبط القضائي تفتيشه مع أن واقعة الدعوى لا تندرج تحت إحدى حالات التلبس التي وردت على سبيل الحصر في المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية كما أن مناط حق مأمور الضبط القضائي في التفتيش في حالات التلبس أن يكون قد شاهد حالة التلبس بنفسه لا أن تكون قد رويت إليه ممن رآها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بقوله "إن الشرطيين السريين أحمد صابر إبراهيم وحسين السيد فيصل من قوة شرطة السكة الحديد كانا في صالة ركاب الدرجة الثالثة بمحطة القاهرة حين رأيا المتهم.... يتلفت يمنة ويسرة ويضع على رأسه عباءة تحجب الكثير من وجهه فتقدما إليه يستجليان ما يبدو عليه من الارتباك وسألاه عن الوجهة التي يقصدها فزاد ارتباكه وفي أثر تعريفهما إياه لصفتهما ولأنهما سألاه عن بطاقته الشخصية فلم تكن معه بادر إلى القول بأنه يحمل حشيشاً متوسلاً إليهما أن يتركاه فمن ثم اقتاداه متحفظين عليه إلى الملازم أول رأفت فخري بقسم شرطة القاهرة وقصا عليه ما كان مع المتهم وإذ واجهه الضابط بذلك بادر إلى القول بأنه غير مسئول عما يوجد في جيب جلبابه الخارجي وإنما تنحصر مسئوليته فيما يكون في جيوب صديريه، فمن ثم فتشه الضابط فعثر في جيب جلبابه الخارجي الذي يرتديه على ثلاث لفافات من ورق السلوفان الأخضر تنطوي على حشيش وتزن ستة وثلاثين جراماً". وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة في حق الطاعن ما ينتجه من وجوه الأدلة المستمدة من أقوال رجلي الشرطة أحمد صابر إبراهيم وحسين السيد فيصل والضابط رأفت فخري وتقرير التحليل. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض للدفع ببطلان القبض والتفتيش ورد عليه بقوله "وحيث إنه من شأن رجلي الشرطة أن يستوقفا في دائرة اختصاصهما من يريبهما أمره ليستوضحانه هويته ويسألانه عن بطاقته فإذا انتهى الأمر بالمستوقف إلى أن يتأكد بقوله ريبتهما ويعترف لهما بأنه يحمل مخدراً فإن رجلي الشرطة يكونان حينئذ أمام جرم مشهود حتى ولو لم يتبينا المخدر المعترف به فإن ذاك شأن التحقيق وهما يملكان حينئذ بل يكون من واجبهما القبض على الشخص لتقديمه إلى مأمور الضبط القضائي ويكون لهذا المأمور أن يفتشه تفريعاً على صحة التفتيش المترتب على صحة القبض. وحيث إنه بالبناء على هذا لا يكون وجه لما دفع به الدفاع من بطلان القبض والتفتيش". ولما كان ما انتهى إليه الحكم فيما تقدم صحيحاً في القانون ذلك بأن الاستيقاف أمر مباح لرجال السلطة العامة إذا ما وضع الشخص نفسه طواعية منه واختياراً في موضع الريب والظن وكان هذا الوضع ينبئ عن ضرورة تستلزم تدخل المستوقف للتحري والكشف عن حقيقته عملاً بحكم المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية كما هي الحال في الدعوى، فإذا ما أقر الطاعن على إثر هذا الاستيقاف بأنه يحرز مخدراً جاز لرجلي السلطة العامة عملاً بحكم المادة 38 من هذا القانون اقتياده إلى أقرب مأمور من مأموري الضبط القضائي للحصول منه على الإيضاحات اللازمة في شأن تلك الواقعة والتثبت من صحة ذلك الإقرار، فإذا ما بادر الطاعن عند مواجهة الضابط له بأقوال رجلي السلطة العامة إلى القول بأنه غير مسئول عما يوجد في جيب جلبابه الخارجي وهو ما ينبئ - في خصوص الدعوى المطروحة - بقيام دلائل كافية على اتهامه بجريمة إحراز مخدر، فإن لمأمور الضبط القضائي القبض عليه وبالتالي تفتيشه طبقاً لأحكام المادتين 34 و46 من قانون الإجراءات الجنائية. لما كان ذلك، فإن هذا الوجه من الطعن لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني هو الخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن دفاع الطاعن قام على أنه يستفيد من الإعفاء المنصوص عليه في المادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 إذ بادر بالإقرار بالجريمة قبل العلم بها، غير أن الحكم رد على هذا الدفاع بأن نص هذه المادة يشترط أن يكون الجناة متعددين وأن الطاعن لم يكن في موقف إبلاغ بالواقعة بل اعتراف بها حين كان يستجوب أو يسأل وأن الإعفاء مقرر لجرائم الاتجار بينما الواقعة التي تثبت في حقه هي إحراز بغير قصد. وهو رد غير سديد في القانون إذ أن نص المادة المذكورة لا يشترط للإعفاء أن يكون الجناة متعددين والطاعن لم يكن يستجوب أو يسأل في جريمة وإنما بادر بالإقرار بالواقعة تلقائياً، ولأن المناط في انطباق الإعفاء هو بحسب التهمة الواردة في أمر الإحالة لا تلك التي خلص إليها الحكم فضلاً عن أن القول بقصر الإعفاء على جرائم الاتجار تتداعى معه الحكمة من تقريره. وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لدفاع الطاعن باستفادته من الإعفاء المنصوص عليه في المادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها ورد عليه بقوله "وحيث إنه من الجانب الآخر وعما توسل الدفاع به من الاستناد على المادة 48 من القانون 182 لسنة 1960 توصلاً إلى الإعفاء من العقاب عما توسل به الدفاع من هذا اعتماداً على أنه لو صح أن المتهم اعترف للمخبرين بأن معه مخدراً فإنه يستمتع بهذا الإعفاء فإنه مردود من عدة وجوه: (أولها) أن المادة المشار إليه في فقرتها الأولى التي يستند عليها الدفاع تجرى بالنص الآتي: "يعفى من العقوبات المقرر في المواد 33 و34 و35 كل من بادر من الجناة بإبلاغ السلطات العامة عن الجريمة قبل علمه بها والنص هكذا صريح في ضرورة أن يكون هناك تعدد للجناة. (وثانيهما) أن النص نفسه يقتضي المبادرة بالإبلاغ مما وجب أن يكون موقف الجاني هو موقف الإبلاغ بالواقعة لا الاعتراف بها حين يستجوب أو يسأل. (وثالثهما) أن الإعفاء الذي تتحدث به هذه المادة بضوابطها التي يضفيها نصها إنما يكون حيث يكون الأمر متعلقاً بإحدى جرائم المواد 33 و34 و35 وهي جرائم التصدير والجلب والإنتاج والحيازة بقصد الاتجار وزراعة نباتات الجدول رقم (5) والتقديم للتعاطي إلى غير ذلك من جرائم المواد المشار إليها حصراً وإذا كان وصف الواقعة التي تقدم بها المتهم على ما يجيء في هذا الحكم إنما هو الإحراز بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي الذي يجد عقابه في المادتين 37 و38 من القانون رقم 182 لسنة 1960 فلا يكون هنا مجال للنظر في انطباق أحكام المادة 48 من القانون المذكور". وما قاله الحكم فيما تقدم صحيح في القانون ذلك أن مجرد اعتراف الجاني على نفسه بارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المشار إليه قبل علم السلطات بها لا يتوفر به وحده موجب الإعفاء لأن مناط الإعفاء الذي تتحقق به حكمة التشريع هو تعدد الجناة المساهمين في الجريمة فاعلين كانوا أو شركاء وورود الإبلاغ على غير المبلغ. كما أن الإعفاء المنصوص عليه في تلك المادة قاصر على العقوبات الواردة بالمواد 33 و34 و35 من هذا القانون. ولما كانت المحكمة لم تطبق في حق الطاعن أياً من هذه المواد بل خلصت إلى إسباغ وصف الإحراز بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي على الواقعة وأعملت في حق الطاعن أحكام المادتين 37 و38 من القانون المشار إليه. لما كان ذلك، فإن هذا الوجه من الطعن يكون أيضاً في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن بشقيه على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً .