أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 19 - صـ 383

جلسة أول أبريل سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، ومحمود العمراوي، ومحمود عطيفة.

(73)
الطعن رقم 271 لسنة 38 القضائية

( أ ) نقض. "الحكم في الطعن". "أثر نقض الحكم". محكمة الإحالة. "سلطتها".
نقض الحكم وإعادة المحاكمة. أثره: إعادة طرح الدعوى على محكمة الإحالة بالحالة التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض. عدم تقيد محكمة الإحالة بما ورد بالحكم الأخير في شأن وقائع الدعوى.
(ب، ج) إجراءات المحاكمة. محكمة الجنايات. "الإجراءات أمامها" دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
(ب) وجوب حضور محام مع كل متهم بجناية سواء أكان موكلاً أم منتدباً. حضور أكثر من محامي مع المتهم غير لازم.
(ج) قعود الطاعنين عن سلوك الطريق الذي رسمه قانون الإجراءات لسماع الشهود الذين يدعون أنهم طلبوا إلى المحكمة سماعهم ولم يدرج مستشار الإحالة أسماءهم في قائمة الشهود. لا تثريب على المحكمة إن هي أعرضت عن طلب سماعهم بجلسة المحاكمة.
(د) إثبات. "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير آراء الخبراء".
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن. موضوعي.
(هـ، و، ز، ح) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "معاينة".
(هـ) طلب ضم قضية يتصل بالباعث على الجريمة. إغفال الحكم بيانه. لا عيب.
(و) طلب ضم قضية بقصد تجريح أقوال أحد الشهود. عدم التزام المحكمة بإجابته. شرط ذلك؟
(ز) أخذ المحكمة شاهد يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
(ح) طلب المعاينة الذي تلتزم المحكمة بإجابته؟
(ط) قتل عمد. "نية القتل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل. ماهيته؟ استخلاص توافر موضوعي.
(ي) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
للمحكمة التعويل في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة.
1 - الأصل أن نقض الحكم وإعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإحالة بالحالة التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض في شأن وقائع الدعوى، فلا تتقيد تلك المحكمة (محكمة الإحالة) بما ورد بالحكم الأخير في شأن وقائع الدعوى بل عليها أن تسير في الإجراءات كما لو كانت مطروحة عليها من الأصل. وهي فوق ذلك كله لها كامل الحرية في تقدير الوقائع وتكييفها وتحقيقها غير مقيدة في كل ذلك بحكم النقض ولا بما قد يستشف منه في شأنها ولها في سبيل ذلك أن تقضي في الدعوى بما يطمئن إليه وجدانها ولو خالفت ذلك الحكم وبغير أن تعتبر هذه المخالفة وجهاً للطعن فيما عدا ما إذا كان محل المخالفة يصح في ذاته لأن يكون وجهاً للطعن على الحكم من جديد. ولما كان نقض الحكم الأول لعدم تحقيق دفاع الطاعن الأول بأخذ رأي كبير الأطباء الشرعيين لا يمنع محكمة الإحالة من تحقيق هذا الدفاع عن طريق أخذ رأي قسم الطب الشرعي ما دامت قد اطمأنت إلى رأيه وهو ما تنتفي به قولة مخالفة حكم محكمة النقض الأول.
2 - ما أراده القانون بالنص على أن كل متهم بجناية أن يكون له من يدافع عنه يتحقق بحضور محام موكلاً كان أو منتدباً بجانب المتهم أثناء المحاكمة يشهد إجراءاتها ويعاون المتهم بكل ما يرى إمكان تقديمه من وجوه الدفاع ولا يلزم أن يحضر مع المتهم بجناية أكثر من محامٍ واحد. ولما كان المحامي الموكل عن الطاعنين قد حضر إجراءات المحاكمة معهم ثم أبدى دفاعه عنهم، كما ترافع عنهم المحاميان المنتدبان من المحكمة دون أن يتمسك أحد منهم بضرورة حضور محاميه الآخر الموكل أو يعترض على المحامين المنتدبين فإن المحكمة لا تكون قد أخلت بحقهم في الدفاع.
3 - متى كان الطاعنون لم يسلكوا من جانبهم بالنسبة إلى الشهود الذين يدعون أنهم طلبوا إلى المحكمة سماعهم - ولم يدرج مستشار الإحالة أسماءهم في قائمة الشهود - الطريق الذي رسمه القانون في المواد 185، 186، 187 من قانون الإجراءات الجنائية، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي أعرضت عن طلب سماعهم بجلسة المحاكمة.
4 - من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في هذا شأن سائر الأدلة فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه ولا يقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير.
5 - متى كان طلب ضم قضية إنما يتصل بالباعث على الجريمة وهو ليس من عناصرها أو ركناً من أركانها فلا يؤثر في سلامة الحكم إغفال بيانه ما دام قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به عناصرها القانونية وأورد أدلة ثبوتها بما يفي بالنتيجة التي انتهى إليها.
6 - متى كان طلب ضم قضية قد قصد به تجريح أقوال أحد الشهود وهو ضابط المباحث الذي قام بالتحريات في الحادث ومثل هذا الطلب لا تلتزم المحكمة بإجابته ما دام الدليل الذي يستمد منه ليس من شأنه أن يؤدي إلى البراءة أو ينفي القوة التدليلية للأدلة القائمة في الدعوى.
7 - متى أخذت المحكمة بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
8 - متى كان الأمر المراد إثباته من المعاينة لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة بل المقصود منه إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة مما لا تلتزم بإجابته.
9 - قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر إنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والإمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه. ومن ثم فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى المطروحة أمام محكمة الموضوع موكول لها في حدود سلطتها التقديرية.
10 - للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد طرحت على بساط البحث.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر بأنهم في يوم 9/ 11/ 1962 بناحية الفراسية مركز ساقلته محافظة سوهاج: (أولاً) المتهمين الأربعة: قتلوا محمود أحمد علي عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك فأساً وعصياً غليظة وتوجهوا إليه بحقله وما أن شاهدوه عائداً بالطريق حتى انهالوا عليه ضرباً بها قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته (ثانياً) والمتهم الرابع أيضاً: أحدث عمداً بأحمد محمود علي الإصابات المبينة بالتقرير الطبي والتي أعجزته عن أشغاله الشخصية مدة لا تزيد على عشرين يوماً. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 230 و231 و242/ 1 من قانون العقوبات، فقرر بذلك. وادعى بحق مدني كل من محمد محمود أحمد علي وأحمد محمود أحمد علي وطلبا القضاء لهما قبل المتهمين متضامنين بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات سوهاج قضت في الدعوى حضورياً بتاريخ 22 مارس سنة 1964 عملاً بالمواد 230 و231 و17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الثلاثة الأول: أولاً: بمعاقبة كل منهم بالأشغال الشاقة مدة عشر سنوات وإلزامهم متضامنين أن يؤدوا إلى المدعيين بالحق المدني مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة وثانياً: ببراءة المتهم الرابع مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية قبله. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض وقضي في الطعن بتاريخ 29/ 11/ 1965 بقبوله شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات سوهاج لتفصل فيها من جديد دائرة أخرى وإلزام المطعون ضدهما المصاريف المدنية ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. ولدى نظر الدعوى - من جديد - أمام المحكمة المذكورة قرر المدعيان بالحقوق المدنية بتنازلهما عن دعواهما المدنية، وقضت حضورياً في 13/ 5/ 1967 بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وبمصادرة السلاح المضبوط مع إثبات تنازل المدعيين بالحق المدني عن دعواهما المدنية وإلزامهما مصروفاتها. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو الإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه كان محدداً لنظر الدعوى أمام محكمة الجنايات جلسة 11 مايو سنة 1967 وفي اليوم السابق على الجلسة مرض المحامي الموكل عن الطاعن الأول فعرض عذره على رئيس الدائرة التي ستنظر الدعوى فوافق على تأجيلها ثم أشفع ذلك بتحرير عريضة يتعذر فيها عن حضور الجلسة لمرضه وسلمها إلى زميله المحامي الموكل عن باقي المتهمين كما طلب فيها عدة طلبات لاستيفاء أوجه النقص في الدعوى أشار فيها إلى أن الحكم الأول قد نقض لما رأته محكمة النقض من أن محكمة الموضوع أخلت بحق الدفاع حين أطرحت طلبه إرسال الأوراق إلى كبير الأطباء الشرعيين لاستطلاع رأيه في التعارض القائم بين تقرير الطبيب الشرعي والتقرير الاستشاري في صدد إصابة الطاعن الأول وهل هي إصابة حقيقية أو تحدث من يد موالية وإذ كان مناط النقض في وجوب إرسال الأوراق إلى كبير الأطباء الشرعيين فقد تمسك الدفاع بذلك لدى محكمة الإحالة وأضاف إليه أنه ثبت وجود إصابة برأس المجني عليه قرر الطبيب الشرعي أنها تحدث من سن فأس وأثبت التقرير الاستشاري أنها إصابة رضية وطلب الدفاع أخذ رأي كبير الأطباء الشرعيين في ذلك أيضاً، كما طلب إعلان شهود نفي هم أعضاء الاتحاد الاشتراكي ببلدة الفراسية لأن لديهم معلومات هامة في الدعوى وضم قضية الجناية رقم 1620 لسنة 1965 كلي سوهاج والجناية رقم 1512 لسنة 1959 ساقلته، وإجراء معاينة لمكان الحادث، إلا أن المحكمة التفتت عن طلب تأجيل الدعوى لحين حضور محامي الطاعنين وانتدبت محامين آخرين للدفاع عنهم كان أحدهما محامياً لخصوم الطاعن الأول في قضية الجناية السابقة وحددت جلسة 13 مايو سنة 1967 للمرافعة في الدعوى وفي هذه الجلسة حضر محامي باقي المتهمين وصمم على الطلبات السابقة وتمسك الطاعن الأول بطلب تأجيل القضية لحضور محاميه الموكل غير أن المحكمة رفضت الاستجابة إلى هذه الطلبات واكتفت بمناقشة رئيس قسم الطب الشرعي بأسيوط في شأن الخلاف بين التقرير الطبي الشرعي والتقرير الاستشاري وقالت في حكمها إنها تطمئن إلى ما ورد في التقرير الطبي الشرعي ولا تلتفت إلى ما أثاره الدفاع من أن إصابة الرأس رضية إذ أنها من الإصابات الظاهرة وقد وردت بتقرير الصفة التشريحية والكشف الظاهري وأنها ليست من الإصابات التي تحتمل الغموض حتى يخطئ فيها الطبيب الشرعي وهو رد غير صحيح إذ أن هذه الإصابة من الإصابات التي يكثر الخطأ في وصفها ولا يصح للمحكمة أن تشق طريقاً لنفسها في هذه المسألة الفنية كما جاء ردها على طلب ضم القضيتين وطلب إجراء المعاينة غير سائغ، أما طلب إعلان الشهود فقد أغفلت المحكمة الرد عليه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وأقوال ضابط نقطة شرطة الجلادية وضابط مباحث مركز ساقلته وما ثبت من المعاينة والتقرير الطبي الشرعي وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن المحكمة أثبتت في محضر جلسة 11/ 5/ 1967 أن المحامين الموكلين عن المتهمين قد تخلفوا عن الحضور بدون عذر فندبت المحكمة الأستاذين موريس رمزي وثابت سالم المحامين للدفاع عنهم وأجلت نظر الدعوى لجلسة 13/ 5/ 1967 كطلب الدفاع للاطلاع والاستعداد، وبهذه الجلسة الأخيرة حضر المحاميان المنتدبان من قبل المحكمة كما حضر مع المتهمين الأستاذ نصحي الجزيري المحامي عن نفسه وعن الأستاذ حسين عامر المحامي الآخر الموكل وطلب استطلاع رأي كبير الأطباء الشرعيين في الخلاف بين التقرير الطبي الشرعي والتقرير الاستشاري وضم القضيتين اللتين يشير إليهما الطاعنون في طعنهم ثم ترافع في موضوع الدعوى عن الطاعنين جميعاً كما ترافع المحاميان المنتدبان من المحكمة ولم يتمسك الطاعنون بضرورة حضور محاميهم الآخر الموكل. لما كان ذلك، وكان ما أرداه القانون بالنص على أن كل متهم بجناية يجب أن يكون له من يدافع عنه يتحقق بحضور محامٍ موكلاً أو منتدباً بجانب المتهم أثناء المحاكمة يشهد إجراءاتها ويعاون المتهم بكل ما يرى إمكان تقديمه من وجوه الدفاع، ولا يلزم أن يحضر مع المتهم بجناية أكثر من محام واحد، وكان الأستاذ نصحي الجزيري المحامي الموكل عن الطاعنين قد حضر إجراءات المحاكمة معهم ثم أبدى دفاعه عنهم كما ترافع عنهم المحاميان المنتدبان من المحكمة دون أن يتمسك أحد منهم بضرورة حضور محاميه الآخر الموكل وهو الأستاذ حسين عامر أو يعترض على حضور المحامين المنتدبين، وكانت الأوراق خالية مما يدعونه من أن رئيس المحكمة كان قد وافق على تأجيل نظر الدعوى لمرض المحامي الآخر الموكل، فإن المحكمة لا تكون قد أخلت بحقهم في الدفاع ما دام لم يصدر منها ما من شأنه أن يحول بين هذا المحامي وبين الحضور معهم في الجلسة المحددة لنظر الدعوى. لما كان ذلك، وكان الحكم بعد أن أشار إلى أن رئيس قسم الطب الشرعي بأسيوط قد شهد بما يؤيد الطبيب الشرعي فيما قرره من أن الإصابة التي وجدت بالمتهم الأول جائزة الافتعال، عرض لطلب الدفاع إرسال الأوراق إلى كبير الأطباء الشرعيين للفصل في الخلاف بين التقرير الاستشاري والتقرير الطبي الشرعي بشأن هذه الإصابة ورد عليه بقوله: "إنه لا محل لذلك بعد أن أزال رئيس قسم الطب الشرعي بأسيوط هذا التعارض وقطع بصحة رأي الطبيب الشرعي فضلاً عن أن هذه الواقعة أصبحت غير ذات موضوع لأن واقعة قتل المجني عليه منفصلة زماناً ومكاناً عن واقعة إصابة هذا المتهم"، ثم عرض الحكم لدفاع الطاعنين بشأن وصف إصابة رأس المجني عليه فقال: إن المحكمة تأخذ بما ورد بالتقرير الطبي الشرعي عن وصف هذه الإصابة ولا تلتفت إلى ما أثاره الدفاع بأنها رضية إذ أنها من الإصابات الظاهرة وقد وردت بتقرير الصفة التشريحية والكشف الظاهري ولم تكن من الإصابات التي تحتمل الغموض حتى يخطئ فيها الطبيب الشرعي الذي حرر التقرير. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في هذا شأن سائر الأدلة فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه ولا يقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى التقرير الطبي الشرعي بشأن وصف إصابة رأس المجني عليه وجواز افتعال إصابة الطاعن الأول وإلى ما شهد به رئيس قسم الطب الشرعي بأسيوط مؤيداً هذا التقرير وأطرحت في حدود سلطتها التقديرية تقرير الخبير الاستشاري فإنه لا يجوز مجادلة المحكمة في ذلك ولا مصادرة عقيدتها فيه أمام محكمة النقض، وهي غير ملزمة من بعد بإجابة الدفاع إلى ما يطلبه من إرسال الأوراق إلى كبير الأطباء الشرعيين ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها اتخاذ هذا الإجراء. لما كان ما تقدم، وكان الأصل أن نقض الحكم وإعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإحالة بالحالة التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض في شأن وقائع الدعوى فلا تتقيد تلك المحكمة "محكمة الإحالة" بما ورد بالحكم الأخير في شأن وقائع الدعوى بل عليها أن تسير في الإجراءات كما لو كانت مطروحة عليها من الأصل، وهي فوق ذلك كله لها كامل الحرية في تقدير الوقائع وتكييفها وتحقيقها غير مقيدة في كل ذلك بحكم النقض ولا بما قد يستشف منه في شأنها ولها في سبيل ذلك أن تقضي في الدعوى بما يطمئن إليه وجدانها ولو خالفت ذلك الحكم وبغير أن تعتبر هذه المخالفة وجهاً للطعن فيما عدا ما إذا كان محل المخالفة يصح في ذاته لأن يكون وجهاً للطعن على الحكم من جديد، ولما كان نقض الحكم الأول لعدم تحقيق دفاع الطاعن الأول بأخذ رأي كبير الأطباء الشرعيين لا يمنع محكمة الإحالة من تحقيق هذا الدفاع عن طريق أخذ رأي قسم الطب الشرعي ما دامت قد اطمأنت إلى رأيه وهو ما تنتفي به قولة مخالفة حكم محكمة النقض الأول. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لطلب الدفاع ضم قضية الجناية رقم 1512 لسنة 1959 ساقلته الخاصة بمقتل الخفير سليمان علي وضم ملف قضية الرشوة التي سبق للمحكمة أن قضت فيها بالبراءة لإثبات أن الضابط الذي قام بالتحريات في الدعوى جبل على التلفيق ورد عليه بقوله "وأما القول بأنه كان قد أخذ بالثأر لمقتل أبو ضيف حسن عندما قتل سليمان إسماعيل ابن أخ المجني عليه في الجناية رقم 1512 لسنة 1959 جنايات ساقلته فإن المتهمين في تلك الجناية قضي ببراءتهما كما قرر الدفاع نفسه في دفاعه بجلسات سابقة مما ينفي عنهم تهمة قتل سليمان إسماعيل فضلاً عن أن ما أثاره الدفاع بهذا الخصوص يتعلق بالباعث ومن المقرر أن الباعث ليس ركناً من أركان الجريمة التي تمت وثبتت في حق المتهمين من أقوال الشهود التي اطمأنت إليها المحكمة وأخذت بها كما أن التدليل على أن ضابط المباحث أتهم في رشوة أو أن سلوكه في بعض القضايا مشوب بالانحراف أو التضليل أو التلفيق فلا أثر له على هذه الجناية التي قامت الأدلة على ثبوتها مما سلف بيانه" ولما كان طلب ضم القضية الأولى إنما يتصل بالباعث على الجريمة وهو ليس من عناصرها أو ركناً من أركانها فلا يؤثر في سلامة الحكم إغفال بيانه ما دام قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به عناصرها القانونية وأورد أدلة ثبوتها بما يفي بالنتيجة التي انتهى إليها، وكان طلب ضم القضية الثانية قد قصد به تجريح أقوال أحد الشهود وهو ضابط المباحث الذي قام بالتحريات في الحادث ومثل هذا الطلب لا تلتزم المحكمة بإجابته ما دام الدليل الذي يستمد منه ليس من شأنه أن يؤدي إلى البراءة أو ينفي القوة التدليلية للأدلة القائمة في الدعوى، وكانت المحكمة متى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لطلب إجراء معاينة مكان الحادث لأن المجني عليه قتل بمكان وجوده جثته على شاطئ البحر حيث وجدت دماء على سطح أحجار الشاطئ ورد عليه بقوله "وأخيراً فلا محل لإجراء معاينة لمكان الحادث إذ المعاينة التي أجرتها النيابة على النحو المتقدم بيانه قد أوضحت الوقائع طبقاً لما ورد على لسان الشهود ووجود آثار الدماء ومكان جثة المجني عليه" وكان الأمر المراد إثباته من المعاينة لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة بل المقصود منه إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة مما لا تلتزم المحكمة بإجابته. لما كان ما تقدم، وكانت المحكمة قد حققت شفوية المرافعة بسماع أقوال شهود الإثبات وكان لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الدفاع عن الطاعنين طلب من المحكمة سماع شهود نفي، وكان الطاعنون لم يسلكوا من جانبهم بالنسبة إلى الشهود الذي يدعون أنهم طلبوا إلى المحكمة سماعهم ولم يدرج مستشار الإحالة أسماءهم في قائمة الشهود الطريق الذي رسمه القانون في المواد 185، 186، 187 من قانون الإجراءات الجنائية، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي أعرضت عن طلب سماعهم بجلسة المحاكمة. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الوجه من الطعن لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجهين الثاني والثالث هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجناية القتل العمد قد شابه قصور فقد استخلص نية القتل من مجرد القول بأنهم انهالوا على المجني عليه بالضرب بآلات حادة وراضة عدة ضربات وجهت إلى مقتل من جسمه وهو الرأس دون أن يثبت أنهم تعمدوا إصابة المجني عليه في مقتل، كما أنه أقام قضاءه بإدانة الطاعنين على تحريات ضابط نقطة الشرطة وضابط المباحث دون أن تتحقق المحكمة من صحة هذه التحريات ودون أن يتمكن الدفاع من مناقشتها ومعرفة حقيقة مصدرها.
وحيث إن الحكم استظهر نية القتل في حق الطاعنين في قوله "وحيث إن نية القتل متوافرة في حق المتهمين الثلاثة من أنهم انهالوا على المجني عليه بالضرب بآلات حادة وراضة "فأس وعصي" عدة ضربات وجهت إلى مقتل من جسمه "الرأس" حتى سقط على الأرض فاقداً الحياة ومن الضغينة القائمة في نفوسهم بسبب قتل ابن أخ المجني عليه لقريبهم أو ضيف حسن (والد الأولين منهم وعم الثالث) وهذا جميعه يدل في وضوح أنهم قصدوا من فعلتهم هذه إلى إزهاق روح المجني عليه". لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر إنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والإمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى المطروحة أمام محكمة الموضوع موكول لها في حدود سلطتها التقديرية. ولما كان ما أورده الحكم تدليلاً على قيام هذه النية سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعنين. لما كان ذلك، وكان للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد طرحت على بساط البحث كما هو الحال في الدعوى فإن ما ينعاه الطاعنون على الحكم في هذين الوجهين يكون أيضاً لا محل له.
وحيث إنه لما تقدم، يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.