مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة عشر - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1971 إلى منتصف فبراير سنة 1972) - صـ 121

(21)
جلسة 25 من ديسمبر سنة 1971

برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف إبراهيم الشناوي رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة حسين عوض بريقي ومحمد صلاح الدين السعيد وعلي لبيب حسن وأحمد حسن العتيق المستشارين.

القضية رقم 544 لسنة 14 القضائية

فتوى "تقادمها" - عقد إداري.
ضمان المقاول والمهندس لما يحدث خلال عشر سنوات من تهدم فيما شيدوه من مبان ومنشآت - سقوط دعوى الضمان بانقضاء ثلاث سنوات من وقت حصول التهدم أو انكشاف العيب - هذه المدة هي مدة تقادم مسقط لا تسقط به الدعوى تلقائياً ولا تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها - أساس ذلك.
إن مدة السنوات الثلاث المحددة بالمادة 654 من القانون المدني هي مدة تقادم مسقط لا تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ولا تسقط بانقضائها الدعوى تلقائياً، وإنما يسوغ أن تثار كدفع من جانب المدين أو أحد دائنيه أو كل ذي شأن أساسه المصلحة في إثارة هذا الدفع، وبغير أن يدفع به لا تكون المحكمة في حل من القضاء بعدم قبول الدعوى ويكون تصديها لإسقاط الدعوى بالقضاء بعدم قبولها من تلقاء نفسها مخالفاً للقانون طالما لم يقدم لها دفع من ذي شأن ممن عينتهم المادة 654 من القانون المدني المشار إليها، ويؤكد هذا التفسير لنص المادة ما ورد من تعليقات بالمذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني حيث يقول "وقد ترتب على عدم وجود نص في التقنين الحالي (تقصد التقنين المدني السابق).. أن محكمة الاستئناف المختلطة قررت أن دعوى المسئولية قبل المقاول بناء على نص المادة 500 من التقنين المختلط يجوز رفعها بعد مضي عشر السنين المقررة بالنص ولا يسقط الحق في إقامتها إلا بمضي عشرة سنوات من يوم وقوع الحادث، ويترتب على ذلك أنه لو حدث الخلل في السنة العاشرة، فإن الدعوى تبقى جائزة حتى تمر 24 سنة من تاريخ تسلم العمل.. على أن هذه النتيجة تتعارض تماماً مع ما رأيناه من ميل التقنينات الحديثة إلى تقصير المدة التي يكون فيها كل من المقاول والمهندس مسئولاً. لذلك يكتفي المشرع بتحديد مدة....." وحاصل ذلك ومفهومه أن الاتجاه عند استحداث هذا النص لم يكن إلى تغيير طبيعة التقادم والخروج به إلى السقوط وإنما كان القصد هو جعل التقادم قصيراً في مدته فحسب.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 2861 لسنة 19 القضائية ضد السيد/ ....، بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 3 من مايو 1965، تضمنت في ختامها طلب الحكم بإلزام المدعى عليه بأن يدفع مبلغ 132.851 مليمجـ مع إلزامه بالفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، وتوجز أسانيد دعواه في أنه رست على المدعى عليه ممارسة إقامة أعمدة مباني لسور كورنيش النيل بمدينة سوهاج في يوم 30 من يناير سنة 1956 مقابل 117.851 مليمجـ ونصت المادة الثانية من العقد على خضوع المدعى عليه للشروط والمواصفات المحفوظة ببلدية سوهاج والمعمول بها في مباني الحكومة كما نصت على أنه يضمن العملية لمدة سنة من تاريخ التسليم الابتدائي، وقد تم استلام العملية منه ابتدائياً بتاريخ 29 من فبراير سنة 1956 وقبل مضى سنه على تاريخ هذا الاستلام الابتدائي تهدمت الأعمدة التي بناها المدعى عليه. وتولت النيابة الإدارية تحقيق الموضوع وقيدت أوراق تحقيقها تحت رقم 45 لسنة 1961 وتقرر فيها مجازاة المهندسين المشرفين على العمل، كما أحالت النيابة الإدارية مونة مباني الأعمدة وخرسانتها إلى كلية الهندسة بجامعة القاهرة لتحليلها لمعرفة مدى مطابقتها للمواصفات المتعاقد عليها، وقد انتهى قسم الاختبار بكلية الهندسة إلى أن أسباب انهيار الخرسانة موضوع التحقيق متعددة منها عدم مطابقة المكونات للمواصفات فليس الزلط بالكوارتزي المنتظم في التدريج وليس الرمل بالرمل الصحراوي الحرش المستخدم في أعمال الخرسانة وأن الخرسانة لم ترش بالماء في الأيام التالية لعملها حسبما تقتضيه الأصول، ولهذا يكون المدعى عليه مسئولاً عن كافة الأضرار التي أصابت المدعي بصفته نتيجة تهدم أعمدة السور وجعلت التعويض المطلوب مبلغ 132.851 مليمجـ قيمة نفقات إنشاء السور التي صرفت لها بتاريخ 12 من إبريل سنة 1956 والباقي هو نفقات تحليل عينات مواد البناء بكلية الهندسة، وكل ذلك عملاً بأحكام المادة 651 من القانون المدني التي تقضي بضمان المهندس المعماري والمقاول متضامنين بما يحدث خلال عشر سنوات من تهدم كلي أو جزئي فيما شيدوه من مبان أو أقاموه من منشآت ثابتة أخرى وذلك لو كان التهدم ناشئاً عن عيب في الأرض ذاتها أو كان رب العمل قد أجاز إقامة المنشآت المعيبة، وبجلسة 10 من ديسمبر سنة 1967 قضت محكمة القضاء الإداري "هيئة العقود والتعويضات" بعدم قبول الدعوى مع إلزام محافظة سوهاج المدعية المصاريف، وأقامت قضاءها على أن الثابت من أوراق ملف العملية محل هذه المنازعة أنه نص في عقدها على أن يضمن المدعى عليه العملية لمدة سنة من تاريخ التسليم الابتدائي الذي تم فعلاً بتاريخ 28 من مارس سنة 1956، إلا أنه بتاريخ 11 من يناير سنة 1959 أبلغ أحد المواطنين أنه لاحظ أن الأعمدة المكون منها سور البحر من فم ترعة الطهطاوية حتى كوبري أخميم تساقطت عقب إنشائها في سنة 1956، فأجري تحقيق بمعرفة النيابة الإدارية، وأنه على الرغم من أن الثابت من تحليل مونة مباني الأعمدة وخرسانتها الذي أجري بمعرفة قسم الاختبار بكلية الهندسة أن الانهيار يرجع إلى عدة أسباب أهمها عدم مطابقة المكونات للمواصفات، وعلى الرغم كذلك من أن المادة 651 من القانون المدني تنص على أن المقاول والمهندس يضمنان ما يحدث خلال عشر سنوات من تهدم كلي أو جزئي فيما شيدوه من المباني أو أقاموه من المنشآت الثابتة الأخرى إلا أن القانون المدني حدد ثلاث سنوات يتعين إقامة دعوى الضمان خلالها ضد المقاول أو المهندس وذلك في المادة 654 منه التي تنص على أن "تسقط دعوى الضمان المتقدمة بانقضاء ثلاث سنوات من وقت حصول التهدم أو انكشاف العيب" ولهذا وإزاء ما ثبت من أن هذه العملية قد تم تسليمها ابتدائياً في 28 من مارس سنة 1956 وأن الأعمدة تهدمت قبل انقضاء سنة على تاريخ التسليم الابتدائي وأن هذا العيب لم يتكشف إلا في 14 من يناير سنة 1959 عندما أبلغ أحد المواطنين عن تهدم الأعمدة، فمن ثم يكون قد انقضى على وقوع التهدم أو انكشاف العيب أكثر من ثلاث سنوات قبل رفع الدعوى وتكون بذلك الدعوى قد سقطت ويتعين الحكم بعدم قبولها.
ومن حيث إن الطعن يقوم على مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون إذ تصدت المحكمة من تلقاء نفسها لبحث عدم قبول الدعوى، طبقاً لنص المادة 654 من القانون المدني دون أن يدفع به المطعون ضده مع أن هذا الدفع ليس متعلقاً بالنظام العام، كما أن الميعاد المنصوص عليه في المادة المذكورة ليس ميعاداً للسقوط كما تصورته المحكمة وإنما هو تقادم مسقط ومن ثم فإنه يجب التمسك به صراحة أمام المحكمة من صاحب الشأن وذلك عملاً بنص المادة 387 من القانون المدني التي تنص على أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي بالتقادم من تلقاء نفسها، بل يجب أن يكون ذلك بناء على طلبه المدين أو بناء على طلب دائنيه أو أي شخص له مصلحة فيه ولو لم يتمسك به المدين.
ومن حيث إن واقعات هذه المنازعة الموضوعية في جملتها وتفصيلها، وخاصة في شأن تاريخ التسليم الابتدائي للأعمدة التي أنشأها المقاول، وكذلك في شأن تاريخ تهدمها وتاريخ انكشاف هذا العيب للجهة الحكومية المدعية وأسباب التهدم المتعددة كما كشف عنها تقرير التحليل بقسم الاختبار بكلية الهندسة والتي من أهمها المخالفات للمواصفات المتعاقد عليها، قد ثبتت جميعها على النحو الذي تضمنته أوراق هذا الطعن الذي أوضحه الحكم المطعون فيه في أسبابه.
ومن حيث إنه قد ثبت لهذه المحكمة عدم حضور المدعى عليه بالجلسات التي تداولت فيها الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري، وإزاء عدم الدفع أمام المحكمة المشار إليها سواء من المدعى عليه في الدعوى موضوع هذا الطعن أو من أحد دائنيه أن من أحد أصحاب المصلحة بعدم قبول الدعوى فإن مثار الخلاف - وهو في ذات الوقت مقطع النزاع - في هذه الخصومة يكون قد انحصر في تحديد وبيان التكييف القانوني الصحيح لمدة الثلاث سنوات المنوه عنها بالمادة 654 من القانون المدني والتي يجرى نصها على النحو التالي "تسقط دعوى الضمان المتقدمة بانقضاء ثلاث سنوات من وقت حصول التهدم أو انكشاف العيب، وهل هذه المدة هي فترة سقوط تلقائي للدعوى ولا يرد عليها وقف ولا انقطاع، أم هي مدة تقادم مسقط لا تقضي به المحكمة تلقائياً بل لا بد وأن يكون تصديها لإعمال حكم هذه المادة مسبوقاً بدفع من المدعى عليه المدين أو أحد دائنيه أو أحد أصحاب المصلحة من إثارة هذا الدفع وذلك عملاً بنص المادة 387 من القانون المدني التي لا تجيز للمحكمة أن تقضي بالتقادم من تلقاء نفسها وتوجب أن يكون ذلك القضاء بناء على طلب المدين أو بناء على طلب دائنيه أو أي شخص له مصلحة في تقديم هذا الدفع.
ومن حيث إنه لا مرية لدى هذه المحكمة في أن مدة السنوات الثلاث المحددة بالمادة 654 من القانون المدني هي مدة تقادم مسقط لا تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ولا تسقط بانقضائها الدعوى تلقائياً، وإنما يسوغ أن تثار كدفع من جانب المدين أو أحد دائنيه أو كل ذي شأن أساسه المصلحة في إثارة هذا الدفع، وبغير أن يدفع به لا تكون المحكمة في حل من القضاء بعدم قبول الدعوى ويكون تصديها لإسقاط الدعوى بالقضاء بعدم قبولها من تلقاء نفسها مخالفاً للقانون طالما لم يقدم لها دفع من ذي شأن ممن عينتهم المادة 654 من القانون المدني المشار إليها، ويؤكد هذا التفسير لنص تلك المادة ما ورد من تعليقات بالمذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني حيث تقول "وقد ترتب على عدم وجود نص في التقنين الحالي (تقصد التقنين المدني السابق).. أن محكمة الاستئناف المختلطة قررت أن دعوى المسئولية قبل المقاول بناء على نص المادة 500 من التقنين المختلط يجوز رفعها بعد مضي عشر السنين المقررة بالنص ولا يسقط الحق في إقامتها إلا بمضي خمس عشرة سنه من يوم وقوع الحادث، ويترتب على ذلك أنه لو حدث الخلل في السنة العاشرة، فإن الدعوى تبقى جائزة حتى تمر 24 سنة من تاريخ تسليم العمل.. على أن هذه النتيجة تتعارض تماماً مع ما رأيناه من ميل التقنينات الحديثة إلى تقصير المدة التي يكون فيها كل من المقاول والمهندس مسئولاً. لذلك يكتفي المشروع بتحديد مدة....." وحاصل ذلك ومفهومه أن الاتجاه عند استحداث هذا النص لم يكن إلى تغيير طبيعة التقادم والخروج به إلى السقوط وإنما كان القصد هو جعل التقادم قصيراً في مدته فحسب.
ومن حيث إنه إذ ذهب الحكم المطعون فيه غير المذهب المتقدم بأن اعتبر مدة الثلاث سنوات مدة سقوط وقضى بعدم قبول الدعوى تلقائياً على الرغم من أنه كان قد غاب من أفق الدعوى الدفع بالتقادم الذي بدونه ما كان يسوغ للمحكمة التصدي للدعوى من هذه الزاوية فإنه والحالة هذه يكون قد خالف القانون ويكون مستأهلاً الإلغاء فيما انتهى إليه في هذا الخصوص وتكون الدعوى في موضوعها وقد ثبتت واقعاتها على النحو السابق إيضاحه حقيقة بالقبول وقد وقع التهدم للمنشآت التي أقامها المقاول المطعون ضده خلال سنة من تاريخ التسليم الابتدائي لها وكان سببه هو مخالفة المون والخرسانة "المستعملة في إقامة تلك المنشآت للمواصفات الفنية والمتفق عليها في العقد المبرم بين المحافظة الطاعنة والمطعون ضده، ولذلك فإنه يكون مسئولاً عن تعويض الأضرار التي لحقت مباشرة بالمحافظة والتي تتمثل فيما كانت قد دفعته من مقابل لإقامة المنشآت بالإضافة إلى مصاريف تحليل عينات مواد البناء مع الفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية كما يلزم المطعون ضده وقد خسر دعواه بكامل مصروفاتها.

"فلهذه الأسباب"

حكمة المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام المطعون ضده بأن يدفع إلى الجهة الطاعنة مبلغ 132.851 فقط مبلغ مائة واثنين وثلاثين جنيهاً وثمانمائة وواحد وخمسين مليماً والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 2 من مايو سنة 1965 والمصروفات.