أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 19 - صـ 510

جلسة 29 من أبريل سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، وأنور أحمد خلف.

(98)
الطعن رقم 410 لسنة 38 القضائية

(أ، ب) ضرب أحدث عاهة. عاهة مستديمة. إثبات. "شهادة. خبرة" محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها"
( أ ) حق محكمة الموضوع في أن تأخذ بشهادة شاهد دون شهادة آخر ولو تماثلت ظروف روايتيهما. مرجع الأخذ بأقوال الشاهد إلى اقتناع القاضي واطمئنانه. عدم أخذ الحكم بدليل مشابه بالنسبة لتهمة أخرى. لا يعيبه.
(ب) كفاية إيراد الحكم ما يوائم بين الدليلين القولي والفني.
1 - لمحكمة الموضوع أن تأخذ بشهادة شاهد دون قول شاهد آخر ولو تماثلت ظروف روايتيهما، كما أن الأمر في الأخذ بأقوال الشاهد إنما يرجع إلى اقتناع القاضي بصدقه فمتى اطمأن إلى أقواله وأخذ بها فلا معقب عليه. ولا يؤثر في سلامة الحكم أنه لم يأخذ بدليل مشابه بالنسبة إلى تهمة أخرى، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في شأن تصديقه أقوال المجني عليه الأول وإطراح أقوال زوجته المجني عليها الثانية مع تماثل ظروف روايتيهما لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا شأن لمحكمة النقض به.
2 - إذا كان ما أورده الحكم سائغاً ويكفي للمواءمة بين الدليلين القولي والفني، فإن النعي عليه بالقصور في هذا الصدد لا يكون له محل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من المتهم الثاني "الطاعن" وآخرين بأنهم في يوم 25 مايو سنة 1963 بدائرة مركز السنبلاوين محافظة الدقهلية: المتهمين الأول والثاني: أحدثا عمداً مع سبق الإصرار والترصد بعرفة بركات جاب الله إصابة الساعد الأيسر الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي نجم عنها كسر عظمته وعدم التحام هذا الكسر وتكوين مفصل كاذب بمنطقة الكسر وبالتالي تقليل فائدة هذا الذراع وقدرته على العمل الأمر الذي يعتبر عاهة مستديمة تقدر بنحو 35%. المتهمين الثلاثة: أحدثوا عمداً مع سبق الإصرار والترصد برام علي أحمد الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي نجم عن أولاها فقد جزء من العظم الجداري الأيسر للرأس نتيجة لعملية التربنة ومن غير المنتظر أن يملأ هذا الجزء بنسيج عظمي مستقبلاً وستبقى السحايا والمخ مقابله عرضة للإصابات البسيطة التي ما كانت لتؤثر فيها لو كانت محمية بالعظام وأصبحت المجني عليها عرضة للمضاعفات الخطيرة والأنزفة السحائية والمخية الأمر الذي يعتبر عاهة مستديمة تقدر بـ 6% كما نجم ذات الإصابة تلف في المراكز العليا في الحركة والنطق والمخ وشلل نصفي جزئي أيمن وعسر بالمنطق الأمر الذي يعتبر عاهة مستديمة ثابتة تقدر من 30% - 40% وثانية الإصابات أسفل ساقها اليمنى وما صاحبها من كسر عظمي بالساق والتحامها التحاماً معيباً الأمر الذي يعتبر عاهة مستديمة تقدر من 5% - 6% وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً لمواد الاتهام. فقرر ذلك بتاريخ 20 مايو سنة 1965 وادعى عرفة بركات جاب الله والسيدة/ رام علي أحمد - المجني عليها - مدنياً قبل المتهمين بالتضامن بمبلغ قرش صاغ واحد تعويضاً مؤقتاً. ومحكمة جنايات المنصورة قضت حضورياً بتاريخ 22 أكتوبر سنة 1967 عملاً بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الثاني (الطاعن) والمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى الأول والثالث - (أولاً) بمعاقبة المتهم الثاني "الطاعن" بالسجن لمدة ثلاث سنوات عن التهمة الأولى المسندة إليه وإلزامه أن يدفع مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت لعرفة بركات جاب الله والمصروفات المدنية و(ثانياً) ببراءة المتهمين الأول والثالث مما أسند إليهما ورفض الدعويين المدنيتين المقامتين عليهما من عرفة بركات ورام علي أحمد. (وثالثاً) ببراءة المتهم الثاني من التهمة المسندة إليه ورفض الدعوى المدنية المقامة من رام علي أحمد قبل جميع المتهمين وألزمتها مصروفاتها. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.


المحكمة

حيث إن مبنى ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحداث عاهة مستديمة - قد شابه التناقض وران عليه القصور. ذلك بأنه بينما راح الحكم يبرئ الطاعن من جريمة ضرب زوجة المجني عليه استناداً إلى أن اتهامها له كان كيداً، إذا به يدين الطاعن بجريمة الاعتداء على الزوج ويورد في تبرير هذا القضاء أنه ليس هناك ما يدعو هذا الأخير إلى التجني عليه وذلك على الرغم من وحدة الحادث وتماثل ظروف أطرافه فكشف الحكم بذلك عن اضطراب الواقعة وعدم استقرار عناصرها لدى المحكمة وأما القصور فآيته أن الحكم لم يوفق في المواءمة بين الدليلين القولي والفني، فقد دل أولهما على أن الطاعن ضرب المجني عليه على ذراعه مرتين بينما كشف تقرير الطبي عن وجود إصابة واحدة به ولا يسوغ للحكم ما قاله رداً على دفاع الطاعن في هذا الصدد من أنه ليس هناك ما يمنع أن يكون الطاعن ضرب المجني عليه ضربة ثانية لم تحدث أثراً - لأنه لا يقبل في العقل - وقد تخلف عن إحدى الضربتين كسر بالذراع - ألا تترك الضربة الثانية به أي أثر، وبذلك يكون الحكم معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه بعد أن حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة إحداث العاهة بالمجني عليه عرفة بركات جاب الله وعول في ثبوتها على أقوال المجني عليه وتقرير الصفة التشريحية وكشف عن اطمئنانه إلى تلك الأقوال وأنه ليس ثمة ما يدعو صاحبها إلى التجني على الطاعن، بعد أن أورد الحكم ما تقدم، تناول الجريمة الأخرى التي أسندتها النيابة العامة إلى الطاعن وهي اشتراكه مع آخرين في إحداث عاهة مستديمة بزوجة المجني عليه سالف الذكر فأطرح دليل الاتهام الوحيد القائم على أقوالها نظراً لما شاب تلك الأقوال من اضطراب وتناقض فصله الحكم في مدوناته. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تأخذ بشهادة شاهد دون قول شاهد آخر ولو تماثلت روايتيهما كما أن الأمر في الأخذ بأقوال الشاهد إنما يرجع إلى اقتناع القاضي بصدقه فمتى اطمأن إلى أقواله وأخذ بها فلا معقب عليه ولا يؤثر في سلامة الحكم أنه لم يأخذ بدليل مشابه بالنسبة إلى تهمة أخرى، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في شأن تصديقه أقوال المجني عليه الأول وإطراح أقوال زوجته المجني عليها الثانية مع تماثل ظروف روايتيهما، لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا شأن لمحكمة النقض به. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن بقيام التناقض بين الدليلين القولي والفني فرد عليه بقوله: "لا ترى المحكمة محلاً لقول الدفاع أن ثمة تعارضاً بين أقوال عرفة - المجني عليه - عن كيفية إصابته وبين التقارير الطبية لمجرد قوله بالتحقيقات أنه ضرب ضربتين على ذراعه فالثابت من أقوال المجني عليه أن ثمة اعتداء وقع من طلبه - الطاعن - على ذراعه الأيسر بعصا غليظة أحدثت كسراً كما يبين من التقارير الطبية، فليس ثمة ما يمنع من وقوع ضربة بهذا الذراع غير الضربة التي أحدثت الكسر لم تترك به أثراً. وطالما كان المستفاد من أقوال المجني عليه وقوع ضربة عليه بجسم صلب راض أحدثت كسراً أثبته التقرير الطبي فإن هذا الدليل القولي لا شك مدعم بالدليل الفني وليس ثمة تناقض بينهما يدعو إلى التشكك في صدق رواية الشاهد عن سبب إصابته وكيفية حدوثها". ولما كان هذا الذي أورده الحكم سائغاً ويكفي لحمل ما انتهى إليه من المواءمة بين الدليلين القولي والفني، فإن النعي عليه بالقصور في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.